صلاح الدين المنجد - ما ألّف عن النساء

سمرنا ليلة عند صاحب لنا أديب، فنقضنا الأحاديث نقضاً، ثم ملنا إلى ذكر النساء وأخبارهن، والعرب وآرائها فيهن؛ وكان في المجلس متأدب فجّ العلم، أخذ اللغة عن الأعاجم وتخرّج على طرائقهم ونهج مناهجهم، ونحا في تفكيره منحى لا استقامة فيه. فذهب إلى استخفاف العرب بالنساء، وادعى أنهم لم يحفلوهن ولم يخصوهن بالتآليف، أو يفردوا لهن التصانيف؛ ودعم زعمه هذا بأقوال باردة لبعض المستشرقين.

وقد أردت تتبع هذا الزعم بالرد. . . لتبيان طرافة جهل هذه الفئة، وضيق علمها، وأفَن رأيها، وسخف دعواها؛ واستقرأت تراث الإسلام والعرب الزاهر، فإذا فيه تآليف حسان وتصانيف ملاح خصّوها بالنساء، وجلْوا فيها عن أسرار خفيّات وأخبار مكنونات، ولم يدعوا أمراً أدركوا صلته بهن إلا تكلموا عليه وبحثوا فيه.

وليت أن هذا التراث العربي كان قد سلم. . . إذن لرأينا من أخبار النساء كل معجب مطرب. . . ولوجدنا فيه سيرهن وأحاديثهن وأسرارهن منذ الجاهلية حتى عصور الانحطاط:

1 - فقد ألف عنهن في الجاهلية كتب كثيرة، منها: كتاب (الموءودات) لهشام بن محمد. . . بن الكلبي النسابة الأخباري، وكتاب (المعروفات من نساء قريش) له أيضاً، وكتاب (المردفات من قريش) ألفه علي بن محمد المدائني المحدث المتكلم، وكتاب (بقايا قريش في الجاهلية) ألفه الهيثم بن عدي الراوية الأديب الأخباري. . . وغيرهما.

2 - ثم خصوا نساء النبي وأمهاته بالرضاع وبناته بعدد من الكتب لا يُحصى، منها: كتاب (أمهات النبي) للمدائني الذي مر ذكره، وكتاب (أزواج النبي) لمحمد بن عمر المعروف بابن القوطية، وكان نحوياً لغوياً أديباً شاعراً، وكتاب (أزواج النبي) لابن الكلبي. . . وآخر مثله للواقدي محمد بن عمرو المؤرخ الإخباري، ثم كتاب (بنات النبي وأزواجه)، لأحمد الرقي الراوية الحفظة الثقة ذي التآليف الكثيرة.

3 - وتكلموا على نساء المسلمين ممن أوتي الشهرة والمُلك في كتب شتى. منها ك (أمهات السبعة من قريش) لمحمد بن حبيب، وكان من علماء بغداد ومهرة مؤدبيها وكتاب (أمهات الخلفاء) لابن الكلبي. وكتاب (من تزوج من نساء الخلفاء) للمدائني. . . وغيرها.

4 - ثم ألفوا في أخبار النساء كتباً كثيرة، تعرضوا فيها إلى أحوالهن ومعايشهن وطبائعهن وما يعجبن به أو يصدقن عنه وما قيل فيهن وروى عنهن. فقد ألف الجاحظ كتاباً أفرده على النساء وما يتصل بهن، وألف الهيثم بن عدي (كتاب النساء)، وصنّف هارون بن علي المنجم الأديب الشاعر الرواية النديم كتابه في (أخبار النساء)، وألف المدائني كتاباً في (أخبار النساء) أيضاً. وكان للرقي كتاب في النساء، ولإبراهيم ابن القاسم الكاتب القيرواني الشاعر الرقيق كتاب (النساء) قال عنه ياقوت (إنه كبير). ولابن قتيبة العالم المؤرخ الأديب كتاب (النساء)، وعمر بن خلف بن المرزبان كتاب (النساء والغزل).

5 - ثم ألفوا في الموضوعات الدقيقة الخاصة بهن، فأبانوا عن أحوالهن الدينية في كتب مختلفة منها كتاب (الحيض) للقاسم بن سلام (أمام أهل عصره في كل فن من العلم) كما ذكر ياقوت. وكتاب (العدّة) و (الرضاع) و (الطلاق) و (الشغار) لمحمد بن إدريس الشافعي.

6 - وقد أفردوا للتزيّن والتجمّل والتحلّي كتباً كثيرة، ذلك لأنها أمور ذات شأن عند النساء؛ فألف أحمد بن سعد أبو الحسين، الكاتب الشاعر كتاب (الثياب والحلي)، وصنف أحمد بن فارس اللغوي كتاباً مثله. وجمع الرقي أصول (الزينة) و (التزين) في كتابين. وألف إسحاق بن إبراهيم الموصلي وغيره كتباً في (الرقص والزفن). ولم يقنعوا بذلك بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فألف علي بن محمد الظاهري الميكالي الأديب المفاكه كتاب (فخر المشط على المرآة).

7 - ورأوا أن الظرف أحلى خصائص المرأة، فألف محمد بن أحمد أبو الطيب النحوي وكان من أهل الأدب، كتاب (المتطرفات). وألف أحمد بن أبي طاهر أحد البلغاء الشعراء الرواة كتاباً مثله؛ وصنف الرقي كتاب: (المحبوبات والمكروهات). وكان للمفجع الشاعر الشيعي كتاب: (عرائس المجالس). وكان هذا شاعراً حلواً. قال عنه الثعالبي: (شعره قليل ولكنه كثير الحلاوة). ثم ألفوا فيما يجب أن تكون عليه النساء، وشروط عشرتهن من الرفق والرحمة والقسوة والغلظة، ومن ذلك كتاب الشافعي في (عشرة النساء).

8 - ولم يغفلوا عن حياة النساء الخاصة في دورهن وصلتهن بأزواجهن، فألف الشافعي كتاب (أخلاق الزوجين)، والمدائني كتاب (من هجاها زوجها)، و (من شكت زوجها)، و (من مُيّل عنها زوجها)، و (من قتل عنها زوجها)، و (من نهيت عن تزويج رجل فتزوجته). وألف خالد بن طليق الرواية النسابة كتاب (المتزوجات).

9 - ثم تطرفوا فألفوا في علاقة الرجل الجنسية بزوجة. . . وهذه التآليف وافرة ولا جدوى في التنويه بها.

10 - ثم ذهبوا إلى أبعد من هذا فخصوا الشذوذ الجنسي عند المرأة بكتب وتآليف منها: كتاب (السحق)، وكتاب (البغاء)، وكتاب (برحان وحباحب)، وهو في أخبار النساء والباه. . . ألفها محمد بن حسان النملي أحد الكتاب الأدباء في عهد المعتصم. ومنها كتاب (السحاقات والبغائين) لمحمد بن اسحق الصميري أبو العنبس وكان أديباً مليحاً وهجاء لاذعاً.

ولقد خص ابن النديم مسرداً لأسماء الكتب التي ألفت في (الحبائب المتطرفات) ككتاب (ريحانة وقرنفل)، وكتاب (رقية وخديجة)، وكتاب (سكينة والرباب)، وكتاب (سلمى وسعاد). . . وغيرها.

11 - وكما ألفوا في أخبار السواقط وذوات الشذوذ، فقد ألفوا في الشواعر والنابهات والعواقل؛ فهناك كتاب (أشعار النساء) لمحمد بن عمران المرزباني الرواية الإخباري، وكتاب (العواقل) لابن الكلبي. . . وغير ذلك.

12 - ولقد عنوا أيضاً بأخبار القينات والجواري والمغنيات والمسيمعات والنوائح وأمهات الأولاد، فكتب الجاحظ كتاباً عن (القيان)، وألف إسحاق بن إبراهيم الموصلي كتاباً مثله. وكان للمدائني كتاب في (القينات)، وآخر في (المغنيات) وثالث في (أخبار عزة الميلاء)، ورابع في (قيان الحجاز)، وخامس في (قيان مكة). وان لأبي الفرج الأصباهني صاحب الأغاني كتاب في (الإماء الشواعر)، وللمفجع الشاعر الشيعي كتاب في (أشعار الجواري) ولأحمد بن مطرف القاضي المصري كتاب في (النوائح).

وألف الطبري المحدث الفقيه كتاب أمهات الأولاد، وألف الشافعي كتاب (عتق أمهات الأولاد).

13 - ونضيف إلى ذلك فصولاً كثيرة مبعثرة في كتب الأدب خصت بالنساء وأخبارهن وصفاتهن وأحوالهن، كالعقد الفريد لابن عبد ربه، ونهاية الأرب للنويري، وربيع الأبرار للزمخشري، وعيون الأخبار لابن قتيبة، وغير ذلك. . .

تلك جريدة بأسماء الكتب التي ألفت عن النساء وأحاط بها علمي؛ ولعل هناك كتباً كثيرة غفلت عنها فلم أذكرها ولم أعلم بها.

أفبعد ذلك كله - وإن قلْ - تقولون إن العرب لم يحفلوا بالنساء ولم يؤلفوا في أخبارهن. . .؟


(دمشق)
صلاح الدين المنجد
مجلة الرسالة/العدد 423 / 11 - 08 - 1941
 
أعلى