ماهر شرف الدين - أقبية النساء

في الشقّ الذي يكون منتصف حبّة القمح، ويقسمها نصفَين، يقول المعرّي في أحد أبيات شعره إن هذا الشقّ هو معنى من معاني القسمة، ورمز له دلالته الوافية في اقتسام كل ما هو خير بين الناس. لكن حبّة قمح من نوع آخر، أكبر حجماً، وأطول شقّاً، وأكثر نداوة وخيراً، وصفتها إحدى النساء بالقبو؛ معقل الرطوبة والتعفّن. هنا مقال في أقبية النساء: فروجهنّ.

"هنا تحت، قبو كثير الرطوبة. صدّقوني لا يمكن الذهاب إليه، يبعث على الاختناق ويثير الغثيان. رائحة الرطوبة والعفونة، وكل هذا... يعء! أمر لا يمكن احتماله، يخترق حتى الملابس"، هكذا وصفت فرجَها امرأةٌ شاركت في عرض "مونولوج فرج" (صدرت ترجمته لدى "دار مختارات") المبني على مئتَي مقابلة أجرتها الأميركية إيف أنسلر مع نسوة قبلن التحدّث معها عن فروجهن.

القبو، تلك الغرفة التي لا نراها ولا نفكر فيها، لكن وجودها ضروري لكل منزل، يحمل الدلالة الأكثر أهمية من النسيان: الرعب. يصدر هذا الرعب عن جهل المرأة بقبوها. رعب غير مفهوم كالفرح الذي تشارك فيه الفتاة أسرتها لدى القيام بختانها.


الفروج الثرثارة

فرج، الكلمة التي يبعث نطقها على الخجل والشعور بالذنب، الجميلة لكن غير اللائقة، و"الأجمل بين أسماء الجنس كلها" (جورج بتاي)، حاولوا حذفها حيث عُرض "مونولوج الفرج"، على ما تقول أنسلر. حُذفت هذه الكلمة من الإعلانات المنشورة في الصحف اليومية الكبرى، ومن التذاكر المبيعة في المتاجر الكبرى، ومن اللافتات أمام المسارح، ومن الإعلانات في وسائل الإعلام المسموعة، حيث كان يُعلن عن العرض باسم "مونولوج" فحسب، أو "مونولوج فـ...".

إقصاء دونه النسيان. فأن تصف المرأة فرجها بالمنسي، "لأنّ ما لا نقوله وما لا نراه لا نعترف به"، يعني أنها تقصيه. "فرجي كان شيئاً، هنا تحت، بعيداً عني (...) عشت حياتي كلها تقريباً بلا محرّكي، بلا محوري، بلا قلبي الثاني".

أثناء عملها لاحظت أنسلر أن النساء كن ينفرن في البدء من الحديث عن فروجهن، أو يتحدّثن في خفر شديد. لكنهن ما أن يبدأن بالكلام حتى يصبح من الصعب إيقافهن. تعشق المرأة ضمناً الحديث عن فرجها: "إنها فرصة لنفكّر بفروجنا".



فروج ثرثارة لنساء خرساوات؟!

عند هذا الحدّ، لا بأس في أن نفكر في العلاقة بين البظر والبكارة (أسّا الفرج) كعلاقة افتداء، عبر ما يُعرف بعملية الختان: يقصّون البظر حفاظاً على البكارة!

للعذرية نكهتها الخاصة، وربما رائحتها: يتحدث أمبرتو إيكو في "باودولينو"، وفي "اسم الوردة" أيضاً، عن أسطورة تقول بإمكان صيد وحيد القرن من طريق كمين، هو عبارة عن فتاة عذراء تفتح ساقَيها وسط الغابة، فيأتي الكركدن مُساقاً بالرائحة ليضع قرنه في فرجها.



سن الفرج الوحيدة

تعتقد بعض القبائل النيجيرية أن البظر عضو خطير يؤذي رأس الطفل إذا مسّه درجة القتل، ولهذا السبب يتمّ ختان المرأة في الشهر السابع من الحمل إذا لم تكن مختونة قبل الحمل. كما أن اعتقاداً سائداً في بوركينا فاسو يفيد بأن بظر المرأة يجعل الزوج عاجزاً جنسيّاً، وربما يتسبّب في قتله أثناء العملية الجنسية! وفي اعتقادهم أن عملية الختان تزيد الخصوبة، وأن البنت غير المختونة تفرز إفرازات قاتلة للحيوانات المنوية للزوج. (المعلومات الواردة في هذه المقالة بخصوص موضوع الختان في إفريقيا مأخوذة من كتاب "الختان عبودية لا عبادة" للكاتب المصري خالد المنتصر).

وفي ساحل العاج يُعتقد أن غير المختونة لا يمكنها الإنجاب.

لكن أسطورة أكثر طرافةً (عنفاً) تقول إن الفرج له أسنان تضرّ بالرجل، وإن البظر هو آخر سن فيه يجب قلعه.

وفي تعليل السبب الحقيقي وراء هذه الظاهرة يتحدّث كتاب الكاماسوترا الهندي كيف أن الرجل في نظام الحريم لم يكن في وسعه إرضاء جميع النساء اللاتي يمتلكهن، وكان مضطراً إلى تداول العلاقة الجنسية مقسّماً لياليه بينهن، فيختار إحداهن، بينما تقوم المحرومات بممارسات وحيل "غير مشروعة". لذلك قام الذكور بفرض الختان على الإناث في اعتباره وسيلة للحدّ من شهوتهن، ومنع اختلاط أطفالهم الشرعيين بأطفال من رجال غرباء!

رواية قبيلة دوجون الإفريقية تحكي كيف أن الإله أما قبض على مصران مملوء طيناً فخارياً ورماه، فتكوّنت الأرض على شكل امرأة مضطجعة على ظهرها. وهذا الاعتقاد هو أساس عملية الختان حتى الآن في تلك القبيلة.

إنما لأفارقة هذا العصر رأي آخر في سبب الختان يتلخص في أن الفتاة الصغيرة تستمتع جنسياً بطريقة ذاتية، لذلك عندما تكبر لا بدّ من قطع مصدر هذه المتعة حتى تضطر إلى البحث عن رجل للزواج. أكثر من ذلك، ثمة مجتمعات في كينيا وأوغندا وغرب إفريقيا تستطيع فيها الفتاة الإنجاب خارج العلاقة الزوجية لإثبات خصوبتها، وبعد الإنجاب يتمّ ختانها إعداداً للزواج. وقد أوضحت ممثلة لجنة النساء الغينيات في مؤتمر داكار 1948 أن الفتيات المختونات يبقين في غرفة واحدة، أو في الغابة المقدّسة لمدّة شهر حتى يشفى الجرح، حيث تقوم امرأة عجوز بمراقبتهن وتعليمهن القصص والأغاني الشعبية ودور ربّة البيت. وبعد الخروج من هذه العزلة يصبحن صالحات للزواج.

كتاب "مشاكل النساء" لفرنيون كوليمان له رأي طريف في أصل الختان، يتلخّص في استخدامه علاجاً لكثرة تعرّق الأيدي، وللفتيات اللاتي كن يعملن في مصانع النسيج على آلات الخياطة التي تعمل ببدال القدم، وكان المبرّر هو أن حركة اهتزاز الفخذَين الدائمة واحتكاكهما يولّدان إثارات جنسية لا تُحتمل. وقد تبنّى البعض مثل هذا الرأي أو أشدّ منه في تأييد الختان فقالوا إن تلامس الملابس واحتكاكها بالبظر من الممكن أن يثير البنت، لذلك من الأفضل ختانها!



وجبة النيل المفضّلة

حلمة الشيطان، هو الاسم الذي أطلقه أحد القضاة على حبّة البظر، عندما كان ينظر في قضية شعوذة في القرن السادس عشر، متّخذاً من ذلك دليلاً قاطعاً على أن الساحرة مذنبة.

وفي القرن التاسع عشر، كانت الفتيات اللواتي يتدرّبن على الرعشة بالاستمناء يُعالجن بكي البظر أو بتره، أو باقتلاع المبيضَين، أو بوضع "حزام عفّة مصغَّر"، وهو كناية عن خياطة شفرَي الفرج الواحد بالآخر حتى يصبح البظر في مأمن!

وتمثّل الأعضاء المبتورة، في معظم الأساطير، قرابين ومكوّنات خلق: في أسطورة ريجفندا الهندية تم ربط بروزا، وتقديمه ضحية، فخُلق العالم من أشلائه. وشهيرة قصة أوزيريس الذي مزّقه إله البشر ستْ، فحاولت إيزيس جمع أشلائه، لكنها فشلت في العثور على عضوه التناسلي الذي ابتلعته ثلاث سمكات تمثّل قوى الشرّ. ومن الأساطير الإفريقية القديمة أسطورة قبيلة مانتجا التي تصارع فيها الأخوان باجنزا - ياكومو أمام الإله، وجُرح فيها الأول وتمّ ختانه، وبعد شفائه رفض العلاقة الجنسية مع زوجته التي طالبت أن تُختن هي الأخرى إرضاء لزوجها.

أيضاً، بعض القبائل الإفريقية تضحّي بالخصية اليسرى أو اليمنى رغبة منها في اتقاء شرّ ولادة التوأم. واستلهاماً من أسطورة عروس النيل يُعتقد أن من لا تلقي بظرها في نهر النيل لا تنجب أبداً.



محترَف الفرج

إحدى السيدات اللاتي يؤمنّ بالفروج أنشأت محترفاً لمساعدة النساء على رؤية فروجهن.

في الجلسة الأولى تطلب مديرة المحترف من كل امرأة رسم فرجها: امرأة حبلى رسمته على شكل ثغر أحمر كبير. امرأة نحيلة رسمته صحناً مزخرفاً. أخرى رسمته دائرة سوداء كبيرة، لتقول بعد ذلك: "كنت دائماً أفكر بفرجي كفراغ بيولوجي يمتصّ بلا تبصّر جزئيات وأشياء من جواره. لطالما نظرت إليه كائناً مستقلاً. نجمة تدور حول مجرّتها الخاصة، ويمكنها أن تتدمّر تحت تأثير طاقتها الغازية، أو تنفجر وتتفتت آلافاً من الفروج الصغيرة".

في جلسة لاحقة يُطلب من كل واحدة أن تنظر إلى فرجها في مرآة صغيرة، ومن ثم أن تصف ما تراه: "ونحن مستلقيات على فرشنا الزرق البراقة، وفي يد كل منا مرآة، فكرت بما يشعر به روّاد الفضاء الأوائل مع راصداتهم البدائية".

تقول إحدى هاتي النسوة إنها أضاعت فرجها في تلك الجلسة، بينما كانت ذاكرتها مشغولة بخاتم الذهب الذي أضاعته عندما سبحت أوّل مرّة في البحيرة: "غطستُ لأصل إلى قعرها، ومرَّرت يدي على حجار وأسماك وسدادات قنانٍ وأشياء موحلة، لكن ليس على خاتمي. شعرت بالذعر لأني كنت أعرف أنني سأعاقب. كان عليّ نزع الخاتم قبل السباحة". تتابع هذه السيدة قصتها بالقول إنها أجابت مديرة المحترف، عندما سألتها عن سبب ذعرها: أضعتُ فرجي. كان عليّ انتزاعه قبل أن أسبح.

لكن يمكن الفرج أن يضيع دونما سباحة. تروي إحدى نساء البوسنة اللاتي تعرضن للاغتصاب قصة فقدانها فرجها على يد ستة جنود أدخلوا فيه عنق بندقية، وقناني، وقضيب مكنسة، قبل أن يقطعوا أحد شَفْرَيْه، واضعينه في يدها: "فرجي قرية حيّة رطبة ومشبعة. فرجي مسقطي. لم يعد هكذا مذ تناوبوا، سبعة أيام، على ترك سائلهم المنوي الوسخ فيه، يفحّ منه النتن مثل الحثالة واللحم المقدّد. أصبحت جدولاً مسموماً ينقل القيح. لا محصول بعد الآن. نفق السمك كلّه. فرجي قرية حيّة رطبة مشبعة. اجتاحوه. قطّعوه ثم أحرقوه. لم أعد ألمسه الآن. لم أعد أزوره. أعيش بعيدة عنه الآن. لا أعرف أين".



عويل الغازي

أجرت السيدة أنسلر مقابلات عدّة مع نساء كثيرات، في شأن العادة الشهرية. فإذا "بنوع من الأناشيد الجوقية، الجماعية الوحشية، يرتفع. كانت النساء يحاكين بعضهن بعضاً". كن جميعاً يردن العادة الشهرية. ويردنها فوراً. إحداهن خافت أن يشمّ الناس رائحة الدم، فيقولون إن رائحتها كالسمك. وأخرى قالت إن أمها صفعتها، بعدما قالت لها: مبروك. وغيرها فكرت أنها ستنزف حتى الموت.

"لم تكن الفوط الصحية موجودة بعد، تقول امرأة سوداء، كان يجب الانتباه إلى ثيابنا. كنت سوداء وفقيرة. ظهر دم على فستاني، من الخلف، في الكنيسة. لم يكن ظاهراً، لكنني أحسست بالذنب".

كذلك أجرت أنسلر مقابلات في شأن التأوّه. ذلك الصوت الذي يرافق الرعشة الجنسية كموسيقى تصويرية، ذلك الغناء الوحشي، أو "عويل الغازي الذي ينذر بالامتلاك"، كما تقول الشاعرة الأميركية دوريان لوكس في إحدى قصائدها.

بعد ذلك ستقسِّم أنسلر، كما يجدر بقائدة أوركسترا، التأوّه إلى أنواع: بظريّ، فرجيّ، دينيّ، قمميّ... إلخ. ما يذكّرنا بتقسيمات مواطنها هنري ميلر للفروج: الزلزالية التي تسجّل انخفاض الدم وارتفاعه، وآكلة لحوم البشر التي تنفتح حتى آخرها مثل فكّي حوت وتبتلع الأحياء، والمازوشية التي تنغلق كالمحارة ولها أصداف قاسية وربما كان في داخلها لؤلؤة، والحماسية التي ترقص وتغلّفها الرطوبة من شدة النشوة، والشيهمية التي تنشر ريشها وتلوّح به كالرايات في أعياد الميلاد، والبرقية التي تتدرّب على رموز مورس وتترك العقل مملوءاً بالنقاط والقاطعات، والسياسية المشبَعة بالأيديولوجيا وتُنكر حتى سنّ اليأس، والخاملة التي لا تتجاوب إلا إذا اقتلعتها من جذورها، والدينية التي تفوح برائحة المعطّلين يوم السبت، والثديية المكسوة ببشرة خارجية والتي تُسبت طوال فصل الشتاء، والزورقية التي تشبه اليخوت وتنفع للمنعزلين والمصابين بالصرع، والجليدية... والمتنوّعة... والضاحكة... والسوبر... (قد لا تنفع الـ... إلخ هنا).



فوطة الموت

فرج، الكلمة الكناية لأشياء كثيرة: حقل للحراثة، كهف للحب، ثقب في الماء، مثلث برمودا...

حين تحدّث الروائي النمسوي بيتر هندكه عن انتحار والدته، كتب متعجّباً - دون أن يقدّم احتمالات - كيف أنها ساعة انتحارها ارتدت سروالَيْن فوق فوط عدّة.

لكنه الفرج. ولكأن الروح ستخرج منه. لكأنه النافذة.



فَرْجيَّات عربية

لطالما كان الفرج ملهم الشعراء، ولطالما كان كفيلاً في إلصاق تهمة الخليع على الشاعر الذي يصفه، أو يستعمله في أشعاره. لذلك بقيت القصائد الفرجية قصائد سرّية، لكن شهيرة. وهل أدلّ على ذلك من "القصيدة اليتيمة"، وهي كذلك في روعة شعرها، وعدم معرفة شاعرها/ أبيها:

"لها هنٌ رابٍ مجسّته = صعب المسالك، حشوه وقْدُ
فإذا طعنتَ، طعنتَ في لبدٍ، = وإذا نزعتَ يكاد ينسدُّ".



أو قصيدة عمْرة بنت الحُمارس التي تتغزّل فيها بفَرْجها، وتعدّد أطايبه:

"إنّ حري أخثم، ريّان الفمِ = كأنه جبهة ليثٍ ضيغمِ
يمصّ رأسَ الأير مصَّ المِحْجَمِ = من نال منه مصّةً لم يندمِ
وفاز بالمُلْك العظيم الأجسمِ = ولذّةٍ تُعجب كلّ مُسْلمِ".



أو قصيدة لُبانة بنت عجْوان التي تقول فيها:

"ما حِري إلا هزبرٌ = ضيغمٌ بَكْرٌ صُدُمَّهْ
فهو قد ضيّقه الله = فلا يُسطاع زحْمهْ
... لو رأى خرطوم فيلٍ = سرّه أن يستجمَّهْ".

أو قول شاعرة أعرابية في هَنِها:

"إنّ هَنِي حَزَنْبلٌ حزابيهْ = كالسَّكَب المُحمرِّ فوق الرابيهْ
إذا قعدتُ فوقه نَبَا بِيَهْ = كأنّ في داخله زلابيهْ".



(*) كُتب هذا المقال قبل سنوات كقراءة لـ"مونولوج فرج"، لكنّ أياً من الصحف العربية لم يجرؤ على نشره.



«الغاوون»، العدد 8، 1 تشرين الأول 2008


.

صورة مفقودة
 
أعلى