منقول - الأدب الايروتيكي في الرواية الجزائرية.. .اعداد راضية صحراوي

"المبدع الحقيقي هو الذي ينجح في الخروج إلى القارئ بنص أدبي كبير من مساحة أخلاقية ضيقة"

تضاربت الآراء بين المعارض لفكرة الأدب الايروتيكي "الأدب الجنس" في الرواية الجزائرية و المؤيد له، فهناك من الروائيين من يرى أن الانتشار الإيحاءاتُ الجنسيةُ في كثيرٍ من الرواياتِ الأدبيةِ المعاصرةِالعربية منها و الجزائرية، قد كسرت كل الطابوهات الأخلاقيةو الدينية في المجتمع الجزائري، فنجد بعض الأقلام الجزائرية تتفنن في توظيف لغة الجسد في نصوصها الأدبية من اجل استمالة قرائها والترويج لأفكارهاالتيأضحت تثقل كاهل الأدب،أين أخذ البعض منها يصفُ بدقةٍ تفاصيلَ علاقاتٍ حميميةٍ بين أبطالِ رواياتها،لكن من جهة أخرى هناك من يرى أن مثل هذا الأدب لا يعبر إلا عن فن إبداعي بحت و حرية فكرية تجسد الواقع المعاش.

من اعداد: راضية صحراوي

.
"الروائي العربي اقتحم متاهة الجسد عندما فقد عقله"

الشاعر والروائي إبراهيم قرصاص
أعتقد أن الروائي العربي و الجزائري وضع نفسه وأدبه في متاهة الجسد لأنه لا يتوفّر على أهليّة العقول المبدعة الكبيرة التي تناولت الجسد في أعمالها الروائية العالمية في سياقات اجتماعية و سياسية وثقافية معيّنة وواضحة الهويّات ، كان الغرض منها تحرير الإنسان من عبودية وسائطه العقائدية والتقليدية القديمة ، على غرار ما نقرأ في الرواية الأوروبية والأمريكو- لاتينية ، على عكس ما ذهبت إليه النصوص الروائية العربية التي جعلت الجنس مجرّد موضة تجارية تواكب انفجار معطيات الحداثة في الثقافة الغربية تحديدا ، ما يعني أن هذا الروائي العربي يفقد في كلّ مرّة مشروعه الروائي المستقلّ برؤيته وفلسفته للعالم المحلي الذي نشأ وترعرع في تناقضاته ، لذلك لم تأت الرواية العربية بأي جديد على هذا المستوى المعرفي ، بقدر ما أزّمت أوضاع الإنسان العربي وجعلت منه مجرّد لعبة للتسلية و ماركة قابلة للتجديد وفق ما تمليه الثقافات الأخرى وأرى أنّه من واجب كتّاب الرواية تناول الجسد كقيمة إنسانية و معيارية تخلّصه من الرؤيا الضيّقة التي جعلت منه مجرّد " بورنوغرافيا " فارغة من كلّ محتوى ثقافي وجمالي و فنّي.

"المبدع الحقيقي هو الذي ينجح في الخروج إلى القارئ بنص أدبي كبير من مساحة أخلاقية ضيقة"

الشاعر وأديب رابح ظريف

في الحقيقة أرى أنه كلما ضاقت مساحة الحرية كلما كانت تجربة الكاتب على المحك، الكاتب الحقيقي هو الذي يبدع نصا عظيما في مساحة محددة، وكلما ضاقت هذه المساحة كلما كان الكاتب كبيرا، في رأيي أن الحرية المطلقة أكبر قيد للإنسان، وكلما أدرك المبدع مجال حركته واتجاهاته كلما أحس بحرية أكبر، الاتجاهات المفتوحة ليست حرية بقدر ما هي ضياع وتيه لذا تجد كتابا كثيرين مثل المراهقين الذين ما إن يحسوا بالحرية حتى ينقضوا على المواقع الإباحية التي لا يمكنهم الوصول إليها في الحالات العادية، لذا تجدهم يحسون بنوع كبير من التحرر وهم يشاهدون هده الصور ويستمتعون بها، مثل كتاب الأدب الايروتيكي الذين يبحثون عن الحرية ليضعوا أنفسهم في حالة مراهقة ومن ثم يمكنهم الكتابة عن الجنس وتدنيس المقدس ..

وحتى الكتابة عن الجنس وفي الجنس تختلف في رأيي من سياق لآخر، فروائية مثلا عاشت حياة متفتحة في المدينة لا يمكن ان تكتب عن الجنس كروائية او مبدعة كتبت عنه وهي في الريف أو قادمة منه.. ستحس وأنت تقرئين لهذه الأخيرة أنها تشاهد فيلما إباحيا لن تصل في النهاية إلى نتيجة روحية أبدا بل تحس أنها تكتب انطلاقا من عقد ومكبوتات جنسية رهيبة .

وينتقل الجنس عند الروائيين القادمين من الريف من أجواء فنية وروحية الى تشكيل جسدي وحسي عادي جدا وبسيط .

المبدع الحقيقي هو الذي ينجح في الخروج إلى القارئ بنص أدبي كبير من مساحة أخلاقية ضيقة، وبالرغم من أن الكتابة الايروتيكية عرفت تراجعا في السنوات الأخيرة نظرا لاستقلالية الجنس عن الأدب في كثير من المجتمعات وبعد أنأصبح الجنس فنا قائما بذاته وأدرك كتاب الرواية الجديدة في العالم أن الحياة أكبر من أن تختصر فوق السرير ، أقول بالرغم من هذا إلاأن بعض الشباب والشابات ولحسن الحظ هم قليلون ما زالوا يعتبرون أن الكتابة في الجنس هي أمر طبيعي لان الجنس من أهم تفاصيل الحياة.. طبعا أقول لهم التغوط والتبول أهم بكثير من الجنس ولا يمكن الاستغناء عنهم مقارنة بالجنس، فأدعوهم وأدعوهن للكتابة في هذه الأساسية الهامة من الحياة

"حرية الإبداع والأدب لا تعني خدش الحياء"

الأديب والإعلامي محمد دلومي:
صراحة لا أتفق مع من يعتقد أن الكتابة في الأدب عن الأمور الجنسية تعد حرية فكرية أو حرية إبداعية أو نوع من أنواع الإبداع الأدبي، وأعتقد أن أصحاب هذه النوع من الكتابة ابتدعوها لغاية واحدة ووحيدة هي " خالف تعرف" ، فالأشياء الشاذة في الحياة دوما تجلب الانتباه وهو ما يريده هذا الصنف من الأدباء عندنا، ومهما حاول البعض أن يثير هذه القضية بدعوى أنها أزمة متفشية في المجتمع ، إلا أن الواقع يكشف عن أزمة من نوع آخر وهي أزمة إبداع لا يحترم فيه أصحابه هذا المجتمع الذي يرون أنه في أزمة جنسية، و إن كان الواقع يؤكد أن الأزمة موجودة فعلا في المجتمع فإن علاجها ليس بيد هذا النوع من الأدباء، بل هي في يد أطراف أخرى ومسؤولية المجتمع ككل وكل المؤسسات الأخرى ابتداء من المؤسسات التربوية، لذا فإن ما يعرف بكتابة الجنس تعبر عن أزمة كبيرة لدى الكاتب نفسه الذي لا يستطيع أن يتنفس خارج هذا النمط من الكتابة الأدبية، و خروجه من هذه القوقعة يعني فقدانه لأحد عناصر وجوده، وإن كان ربط الجنس بالمجتمع واعتباره ظاهرة اجتماعية موجودة ولا ضير في تصويره أدبيا، فإن هذا المجتمع يعاني أزمات أعمق من الأزمات الجنسية، كان يمكن أن تتحول إلى أعمال إبداعية، وكان يمكن أن نفهم لو تعددت الأعمال الأدبية من طرف " أدباء الجنس" حول مشاكل المجتمع المختلفة ومن ضمنها كتابتهم في الجنس كأزمة اجتماعية مثلها مثل بقية الأزمات، لكن أن يختص البعض في هذا النوع من الكتابة فقط فهذا ما لا يمكن فهمه،كما يمكن أن يطرح القارئ العادي أسئلة على هؤلاء الكتاب، وهو هل أن كتابتهم في الجنس نابع عن تجارب شخصية أو تجارب بناتهم أو نسائهم أو محيطهم ؟ فالكتابة هي أيضا ليست تخيل وفقط هي أيضا تسجيلا للواقع إذا صدقنا فعلا أن الكتابة في هذا النوع نابعة من عمق المجتمع، وإن كان يجب ربط هذا النوع من العمل الأدبي بالمجتمع، فلا بد أن نحافظ على خصوصية هذا المجتمع أدبيا وفكريا، وهناك نقطة هامة وجب الإشارة إليها وهي أن هذا النوع من الأدباء يبحثون عن مكان لهم تحت شمس الجوائز في الدوائر الغربية، هم مثلهم مثل الأدباء الذين يتحدثون عن الكيان الصهيوني بطريقة مهذبة ويتلقون الرضا والدعم أو الأدباء الذين يسيئون للدين الإسلامي ولأعلامه البارزة، وكل هؤلاء يحاولون السير على درب " خالف تعرف"، أما الحديث عن حرية الإبداع وعدم تقييد الفكر فيتوجب الفهم أن لكل شيء ممتد حرية وحاجز وجب الوقوف عنده، و كي نكون واقعيين فإننا نقول أن هذا النوع من الكتابة هو " قلة أدب" وليس أدبا بحد ذاته، والغريب في أنصار هذا الطرح الأدبي هو جرأتهم لتجريد الناس من خصوصياتهم وإخراجهم من غرف نومهم، ولا يمكنهم في الوقت ذاته الكتابة عن التخلف المتفشي وعن الفقر ، وعن الجهل، فالواجب تأسيس جيل يقرأ ثم الكتابة له كي يقرأ أي ولا يهم بعدها أي نوع يقرأه الناس لأنهم ساعتها يمكنهم التمييز والحكم على كتاب ط قلة الأدب"

"أنا لم أوظف الجسد بقصد الترويج لعملي الروائي لان الأدب ليس لعبة قمار"

الروائية زهرة مبارك
هل صدر ألف عمل ادبي يتناول الجنس بالجزائر حتى برز للساحة هذا السؤال الذي طرح علي اكثر من مرة ؟هذا ما تبادر في ذهني وأنا أقرأ سؤالك لان ما يصطلح عليه الأدب الايروتيكي في الرواية الجزائرية ليس وليد اليوم بل قديم على الأقل عند الكتاب الفرنكوفونيين واليوم يبرز هذا السؤال لان القارئ أصبح يصله عبر وسائط الإعلام والنشر الحديث ما لك يكن متوفر من قبل لذلك اكتشف هذا النوع نوعا ما حديثا خصيصا بعد بروز الكاتبة أحلام مستغانمي وفضيلة فاروق وغيرهن ولذلك الرواية الجزائرية أخذت منحى أخر ليس فقط في الطرح بل في اكتشافها بعدما ظلت الكثير من الأعمال حبيسة إدراج اعترف اليوم مساحة البوح كبرت لان المتلقي لم يعد تقليدي ولا جهوي بل اصبح افتراضي ومن كل المشارب وهو ما شجع الكتاب اللذين تناولوا الجنس كجزئية او كلية في أعمال ضلت في الظلام إلى إظهارها للمتلقي عبر مواقع التواصل الاجتماعي الحرية زادت الطرح أصبح جريء وظاهرالناشرين بسبب قلة التوصيل والإشهار أعتقد أن ثمة أسئلة كثيرة تواجه "لن نبيع العمر" وشخصي اليوم بالجزائر بعدما فازت الرواية بجائزة احسن رواية جزائرية متفوقة بذلك على اكبر كتاب لادب العربي وهي ذات الاسئلة التي تواجه الأدب على مستوى الجنس أو
الرغبة أو الجسد مثلا كيف يمكن أن تحمِل الكتابة كل عوامل الطوافان الجنسي وكل تبِعاته النفسية لوصل ما إنقطع بين اللغة والجسد و لملئ
الفراغ الحِكائي ولا سيما النسائي كيف يمكن تحرير القول المُعتقل والمكتُوم من دون اللُجوء إلى أي مُواربة لُغوية وأي نفاق اجتماعي كيف
يمكن للبوح أن يختار الخطاب السائد في الأدب الذي كَلَسَ الأعماق وبدا صعْباَ أن يطفُو على السطح بِفِعْلِ التحريم أو العيب أو المحرمات أو
بفعل الذهنية الذكورية أو الكلاشيهات التي تحول فيها الجسد إلى خطاب إيديولوجيا أو إشكالات للكتابة تُعبِر عن هواجِس فضائحية أو تحصُر الجنس
بتكنيك (تقنية) الفعل ،في حين أن الجنس فِغلٌ يتسع لحياة كاملة ليست
مُنفصلة عنه ولا هو منفصلُ عنها ثم أيضا من قال أن الجسد هو معادل فقط واحد للجنس،إذْ بِهذا المعنى تُبعده عن إنسانيته وعندما يقتصر الكلام على
هذا المستوى فأن هذا يؤكد أن الجسد يعيشُ غريبا عن صاحٍبه أو أن صاحب الجسد يعيش غريبا عنه ولا شك أن القطيعة الكاملة بين الجسد واللغة حدثت
بفعل الطابو الديني أو الاجتماعي وغطاء وراء غطاء وضعت اغطية كثيرة على الموضوع الجنسي او الحب أو الهيام لكن الأدب يا سيدتي هو دائما صورة تحت مظلة السلطة الذكورية فيما المرأة حكت تحت مظلة الذهنية الذكورية لم
يستنطق جسدها بالطبع الذي يجهله أو الذي لا يراه إلا مُلكاً له ،أو لا يراه كموضوع جنسي وبالتالي فأن اللغة حمِلت هذا التسلط أو الإلغاء أو تلك
الأنثوي لغزا غريزيا مُخيفاً أو غامِضاً أو موضوعا للغزو الجنسي أو البرنوغرافي واللغة نُنْتِجُها ثم تعود وتُنْاِجُنا والواقع مثل اللغة
زهرة مباركالاستيهامات الذكورية أو عدم الاعتراف أو التبعية أو اعتبار الجسدلأن الأدب مُنْتِجْ ومُنْتَجْ
حينما فكرت في كتابة مذكرات "رجل تافه "كان لابد أن أتحدث عن الجسد سواء بتوظيف كلي أو جزئي له ،لأنه ضرورة ولأنه فعل طبيعي حولته إلى فعل ثقافي
توظيف الجسد في الأدب ،هو توظيف قديم لا يقتصر على الرواية فقط بل الشعر أيضا ولم اخترعه لا أنا ولا أحلام المستغانمي ولا فضيلة فاروق ولا محمد شكري .ماحدث فقط اني سميت الأمور بأسمائها و أفعالها و لا اعتبر ما كتبت عن الجسد ايروتيكا,أنا لم أوظف الجسد بقصد الترويج لعملي الروائي لان الأدب ليس لعبة قمار و لأنني مكتفية ماديا. الاف وظفته لأنه منطلق مشاكل البشر في يومنا هذا،لولا الجسد ما اغتصبت 8
امرأة في الجزائر على يد جائعوا الجسد في العشرية الحمراء لولاه ما اغتصبت الفتيات ومورس اللواط على الأطفال,لولا الجسد و غرائزه ماوقعت حياة الاف الناس.الرغبة العاطفية لا يشبعها الأدب ولا تشبعها الأفلام الايروتيكية ولاالخيال الايروتيكي ولا القول الايروتكي ،الرغبة العاطفية لا يشبعها كتاب
ولا مداد يشبعها الإنسان للإنسان لا الإنسان للحيوان ،الحيوانية شيء رخيص نربحه مقابل دينار رمزي أما إنسانية الجسد لا تقدر بمال
أما عن المجتمع فنحن يا سيدتي نعيش في مجتمع مجرم في حق نفسه يستهللك أي شيء يجده الطريق ولو على حافته والمجتمع الذي يقبل أن يتكلم عن الجسد ويمارسه ويرفض أن نكتب عن ذلك زهرة مبارك شخصيا لا تنتظر منه إشارة لتوظف شيء من الجسد أو كل الجسد في أعمالها جرأة قام بها المجتمع ذاته و ليس الكتاب و الشعراء تجدون هذا الأسلوب المكشوف والمعرفة الخاصة تجدون لها هواة ومعجبين كم لها معارضين لان الجسد مرتبط في اذهان الناس بالخوف وبالحرام والخجل

راضية صحراوي
 
أعلى