فاطمة ريّان - قراءة في المصطلح "أدب نسويّ": النص الإيروتيكيّ تحديدا وتخصيصا

"الأدب عندنا هو أوّلا وقبل كل شيء فكرة، وبالشخوص الفاعلة تتجسّد الفكرة. أما في اللحظة التي تبدأ الشخصيّة بتطوير الحدث حسبما يحلو لها ووفق ما يخدم الموقف فنحن نشكك في أدبيّة هذا الأدب"...

سال الكثير من المداد حول كل ما يتعلق "بالأدب النسويّ": مفاهيمه، مضامينه وأبعاده، لذا فمن النافل قوله إنه "أدب المرأة" الثائر على النموذج الثقافيّ الأبويّ في مجتمع ذكوريّ "بائس"، بهدف تحقيق المساواة الغائبة أو المغيَّبة بين الرجل والمرأة!
ومن باب التقديم نقول: إنّ اثنين عاقلين راشدين لا يمكن أن يختلفا حول حقيقة قيام هذا الكون على ركائز التضاد والاختلاف والثنائيات. ولولا الاختلاف لما كان ائتلاف، ولما عمرت الأرض ونبض قلبها. لذا أعجب لمن يعمل على تمييع الحدود الفاصلة بين كل مختلفين!
وبعد...
لست من مؤيدي المصطلح "أدب نسويّ"، وإنّما أنا مع إدراج أعمال المرأة تحت مصطلح " أدب الإنسان"؛ ذلك أنّ الأوّل يضع المرأة تحت مجهر التجنيس، ويحيطها بهالة من النظرة التي قد تقودها إلى الدونيّة دون أي اعتبار لجوهرها الإنسانيّ الدّفين الثمين. ورغم ذلك، فإننا نشهد "حركة أدبيّة نسويّة عربيّة" تُشهر سيفها علنا لتحارب كلّ من قمع صوتها أو حرمها من ذاتها النسويّة، التي طُمست عبر سنين طوال بحكم من الأيديولوجيا الاجتماعيّة المتوارثة جيلا بعد جيل. وعليه نقرأ "أدبا نسويا" متمردا على الفكرة والمضامين وليس فقط على النوع؛ فكل ما يُعتبر قالبًا على المستوى الفكريّ والشكليّ، أخضعته "الأديبة النسويّة" للتجاوز المستمر. حتى الذكر في مفهومها، قالب.
هذا التمرّد أوصلنا إلى ما نقرأه اليوم في كثير من النصوص "الأدبيّة النسويّة" التي تُسرف في وصف المشهد لتتحدث عن الجنس لأجل الجنس، فتُلفّع بغطاء "التجريب" وتُصنّف كإحدى أهم روافد الحداثة وما بعد الحداثة! إذ نفجع بقراءة نص لاهث، بوعي أو بغير وعي، نحو "التجديد" والتطبّع الغربيّ! فتحمل أديباتنا العربيات المصونات شعار "امرأة بلا قيود" لتخوض غمار الوصف الإيروتيكيّ الفاضح الفاحش، وتهبط بمستوى النص الأدبي إلى منزلة قد تخدش حياء الرجل قبل المرأة! وهي بهذا تمتهن ذاتها وكرامتها وتقصيها إقصاء لا رجعة فيه، عن التكريم الرّباني الذي مُنحته منذ الأزل! والأدهى والأمر أنها تتخطى بهذا كثيرا من مفاهيم الأدب؛ أوليس الأدب فنّا، والفن رسالة، والرسالة وسيلة لبلوغ غاية عظمى؟ فبالله عليك أختاه أي رسالة تبعثين بها لأبنائنا وبناتنا؟ وأي وعي توقظين وبم الفكر تشحنين؟! ألا يكفينا ويكفيهم تلك النصوص الإيروتيكيّة المتحرّكة التي تنسل من كلّ حدب وصوب؟ أين أنت عزيزتي من الفضيلة والانتماء؟ هل بات شغلك الشاغل فضح أسرار العلاقات الغراميّة وتصوير الجسد؟ هل حقا ينحصر مفهوم الحب ويضيق ليشمل العلاقات الجنسية فقط؟ أوليس للحب مجالات فسيحة ومتعددة، راقية وجميلة وبعيدة عن المادة الطاغية ومطالب الجسد؟ ألهذا الحدّ سجينة حواسك انت؟! هل هذا هو مفهومك لكسر التابوهات و"الإبداع"؟ أم تظنين أنّ ما تكتبينه سيساهم في "زيادة" التوعية للثقافة الجنسيّة في مجتمعنا العربي؟! ألا يمكنك تعرية الواقع بهدف التغيير بأسلوب عفيف لا يخدش الحياء ويؤجج المشاعر؟؟ هل حقا هذه فطرتك السّوية التي خُلقت من أجلها وجُبلت عليها؟! أولست ممن يرفضن سيطرة الرجل عليهن ويطالبن بالحرية للمرأة؟ فأين أدبك من هذه الشعارات الرّنانة وأنت تعترفين في كلّ نص إيروتيكيّ أنك لعبته التي يسيّرها كيفما يشاء، وتتناسين أنك الوعاء الأوّل والأخير لاحتوائه! ثم لماذا تبحثين عن ذاتك الضائعة؟ أولست أوّل المسؤولين عن ضياعها وفقدانها؟
أجل، لقد فقدتها حينما رضخت وارتضيت السير مع الركب حيث ساروا، فتلطخت بساحات الدنس ظانة أن فيها ستتميّزين، فبحت ببوحك الوجدانيّ الرخيص ليصفّق لك من لا يكنّ في داخله إلا كلّ استهجان ولربما تصغير! وقد يكون من بينهم ذاك الرجل الذي تحاولين التمرّد عليه، فتوظفين الجسد وتعملين على مراوغته ومشاكسته بكل ما أوتيت من حول أو قوّة!! وهو من خُلق من المادّة ليعبد المادّة، فكان بفطرته أنانيا محبا للتملّك. فإذا كان الأديب قد هبط إلى مستوى تلك النصوص، التي قد تصل حدّ الإباحيّة بوصفها الحسيّ، فما ذلك بالأساس إلا إرضاء لغريزته الحيوانيّة، أو بتلطيف العبارة وترقيقها: الفطريّة، ولسنا نبرر له ذلك. أما أنت سيدتي الأديبة فما الّذي جعلك تنسلخين عن جلدتك لتسقطي إلى الهاوية؟ هل نحن مجددا في عصر الانحطاط والمجون؟
وعليه نضيف تساؤلا تلو الآخر، واستهجانا لاحقا بسابقيه، محاولين سبر أغوار هويّتك عزيزتي "الأديبة النسويّة" صاحبة النص الإيروتيكيّ الفاحش، فنفهم: هل هويّتك مهمّشة أم مهشّمة؟
نحن نؤمن أنّ البحث عن التّفرد والتميّز أمر مشروع ومباح. وهو صفة لاصقة ولصيقة بالبشريّة منذ الأزل، فهل حصلت الأديبة العربيّة الإيروتيكيّة على هويّتها أم ليس بعد؟
إنّ الأدب عندنا هو أوّلا وقبل كل شيء فكرة، وبالشخوص الفاعلة تتجسّد الفكرة. أما في اللحظة التي تبدأ الشخصيّة بتطوير الحدث حسبما يحلو لها ووفق ما يخدم الموقف فنحن نشكك في أدبيّة هذا الأدب. وهذا برأينا مؤشر إلى وجود إشكاليّة واضحة بين شخصيّة الأديبة وبين ما تطرحه من "فكر" لا يخلو من الهذيان والتوهان. هنالك عدم مصالحة مع الذات أوّلا والمحيط ثانيا، لذا فالسرياليّة معْلم واضح من معالم تلك النصوص الأدبيّة.
من هنا نجد لزاما علينا أن ننوه ونشير إلى أنّ رفض المرأة الاختلاف المؤكّد بينها وبين الرجل في العديد من الجوانب والتراكيب، هو أساس تيهها. وأن في التوظيف المغلوط والفهم الخاطئ للرجل حول ماهيّة هذا الاختلاف، وتسخيره لجعله شبه رجل أو رجل مؤنّث، وتغييب دوره الفاعل والفعّال على الساحة الزوجيّة، الأسريّة والتربويّة... في هذا كلّه يكمن انزلاق الأديبة الايروتيكيّة إلى الهاوية. وبناء عليه لا يقع التهشيم أو التهميش على عاتق الأديبة المرأة فقط. وإذا كانت الحقيقة كذلك، فإنّ كلّ ما يتبعها من أحكام تظل غير قطعيّة وغير مُلزمة للمرأة وحدها. ولا يفوتنا ذكر قوله تعالى:" وليس الذكر كالأنثى" (آل عمران: 36). فحينما يكون السعي سعيا دؤوبا لإزالة الفروق، كليّا، بين الجنسين فإن الثقافة في خطر ملحوظ. هذا الخطر يُهمّش ويُهشّم في آن واحد؛ يُهمّش دور الأدب في التعبير عن حريّة الإنسان التي تتجلى عندنا في امتلاكه لشهواته لا في امتلاكها هي له. وبالتالي فهو يهشّم هوية الأديب/ة، ويقودهما إلى واد سحيق خانق لن يستطيعا من خلاله أن يستروحا النسمات الجبليّة العليلة النّقية. وبين تهشيم وآخر تضيع المعالم الحقيقيّة للهويّة.
لا يمكن التنكّر لأسماء أديبات عربيات بززن الأدباء بأقلامهن بزا وتفوّقن عليهم. فسجّلهم التاريخ وشهد لهم. لم تتورع أولئك الأديبات عن خوض غمار الحديث في موضوع الحب ومعالمه، أو الشوق ولوعته، إلا أنها بقيت في حدود ما يقبله العقل البشريّ السويّ الخالي من الاضطرابات النفسيّة. كما أنها لم تتعدّ الخطوط الحمراء المتعارف عليها اجتماعيا، دينيا وأخلاقيّا. وهل في تخطي الممنوع إبداع عظيم أم هو ضرب من ضروب الهذيان الرافض لشرائع كونيّة تفوقه قوة وقدرة؟! وختاما، وحتى لا تستمر موجة الانزلاق نحو الوهدة، نأمل أن يبقى الرجال رجالا وتبقى الإناث إناثا!
ملحوظة: لقد تعمّدنا عدم ذكر أسماء نصوص تمثيليّة أو أسماء أديبات خشية الترويج غير المشروع! وما جاء اطلاعنا على مثل هذا "الأدب النسويّ" إلا بهدف الدراسة الأكاديميّة! ومن وعن هذه التجربة تمخّضت هذه المقالة...
 
أعلى