نقوس المهدي
كاتب
أوّل ما يلفت نظرك وأنت تتصفّح ديوان ماهر شرف الدين (العروس)، شكل القصيدة المرسومة على الورق، حيث تأخذ القصيدة شكل النصّ النثريّ السرديّ الطبيعيّ، الأمر الذي يجعلك تعود إلى الغلاف لتتأكّد من نوع الجنس الأدبيّ ولكن حالما تقرأ كلمة شعر، تهزّ رأسك دلالة شكّ بادئ الأمر وتبدأ القراءة بحثاً عما يؤكّد شكّك أو ينفيه.
ولكنّ عملية القراءة تقودك نحو متاهاتها وجحيمها الخاصّ دون أن تعنيك الإجابة لِمَ تبحث عنه، لأنّ المتعة تلقي بتساؤلاتك في لاوعيٍ يدرك أنّ الشعر لا شكل يحدّده ولا إطار يقيّده، وكأنّي بماهر يؤكّد الخروج شريعة له، والتجريب هويّة شعرية غير مغلقة، ولم يكن خروج ماهر على الشكل الخليليّ أو شكل قصيد ة التفعيلة فقط، بل هو خروج على شكل قصيدة النثر ذاتها، ليؤكّد بذلك أن لا معنى لأيّ شكل تأخذه القصيدة طالما روحها تعبق بالشعر وتنهل من جنونه وأنهاره.
الجدل الإيروتيكي الديني:
تعدّ قصيدة مدد التي يفتتح بها الديوان أجمل قصائد الديوان على الإطلاق، فالسرّة التي يتخذها موضوعا للقصيدة ليست سوى قناع بريء يمرر من خلاله ما يريد دون أن يلغي المعنى الظاهري، ليبقى يعبّر عن السرّة كموضوع ولكن يفيض بشعره عن معانيها نحو معان أرحب. فالسرّة أنثى تضيق بعالم الذكور المتعب، ترفض السكون والخنوع، تعشق الجدل والخروج على تقاليد القطيع، تجادل الله وتخاصمه، تستسلم حينا وتتمرّد أحيانا. ولا تكتفي بذلك بل تسعى للانعتاق من أسر المعنى المحدّد لتتجاوزه، فهي تحاور ذاتها من جهة وتجادل عالمها المحيط من جهة أخرى، تارة تعتز بأنوثتها وتارة تخجل من فيض أنوثتها:
سرّة مهجورة كعش
وامرأة صغيرة بحجم الإصبع
ترفض حيازة سرّتها
تخشى الاعتراف بها
وفي موضع آخر يقول:
كان يا ما كان سرّة ملولة
تشرب العرق على الريق
والحليب على الريق…
وحين نلومها تكتب الشعر على الريق
أخرجها الحزن عن صمتها
تركت حجابها واستقلت أقرب بوسطة إلى النايت كلوب.
من خلال المقارنة بين المقطعين السابقين نرى حال الأنوثة المرتبكة بين حريتها ووسط يرفض هذه الحرية، بين روح تمور وجسد مقيّد. إذ يعبّر عن الأنوثة القامعة والمقموعة في آن، المكمّلة للذكورة والمتضادة معها، أنوثة غير متصالحة مع ذاتها، تفيض عن حاجة النقصان، لتنقص الذكورة المالحة المغتربة عن أنثاها.
كما أننا نلاحظ استخدام الشاعر للتعابير التي تعتبر خطأ في العرف العام، وكأنه يؤكد أن الشعر يكمن هنا، في ما يعتبر خطأً وغير مألوف، فالشعر ابن الخطأ وسليل الخسارات وابنها المدلل، فالشاعر يؤرشف الخطأ خوف الضياع، عازفا عن صواب لا معنى له، إذ يقول:
السرّة حلمة واطئة
وحبة بظر مرتفعة
السرّة هدف خاطئ
ونقطة رمي مغشوشة(…..)
نقرة خطأ على أصابع البيانو
ولعل أخطر ما في الديون وأجمله هو ذلك التماس الخطر بين الديني والإيروتيكي، إذ يوظفهما لصالح القصيدة من خلال حفره شعريا حول أساسات المقدس لهتكه وتدنيسه دون أن نحسّ بذلك.
السرّة بصمة الله على البطن
نسيها لتكون دليلنا عليه
ويقول:
وكانت سرّتها من أهل الكرامات
تضيء القمر كاللمبة
وتطفئ قاعة السماء بالسبّابة
وكنت أرتقي سلالم الرجلين إليها
ودرج الركبتين إليها
ومصعد الفخذين.
هنا نراه يطوّع الديني والإيروتيكي لمصلحة الشعر الذي يذوّب المتناقضات، يفرّغ المقدس من مدلوله، والجنسي من زخارفه ببراءة إذ لا فرق بين من يسكر بسرّة، ومن يسكر بحلقة ذكر، من يدوخ بنهد ومن يترنح أمام جبروت الخالق.
ولكن ذلك لا ينجح دائما ففي قصيدة سعال التي يعبّر بها عن اغتراب الحبّ واغتراب الإنسان في عالم لا حقيقة به سوى الأوهام، ورجال الليل ولصوص الأبجديات الذين يكمنون للشاعر عند منعطف حلمه، وخلف جغرافيا دمه ليبنوا جسورا في وجه الحبّ، ولا يملك الشاعر من أدوات المقاومة سوى التفكير بالانتحار والسعال المستمر والتدخين ومعاقرة الأحلام.
في نهاية القصيدة يقول:
قف ليس البرق ما ترى
بل الله يطلق فلاش كاميراه إليك.
قف الله يصورك
قف الله فنان وحقود
الله يضرب تحت المعدة
نلاحظ أن السطور الثلاثة الأولى تنجح نجاحا باهرا في توصيف الحالة وإعطائها البعد الشعري الجميل، فالبرق هو فلاش كاميرا الله التي تصور البشر المتعبين والتائهين، ثم يأتي السطران التاليان لتشعر وكأن الإيقاع انكسر وأصبح سرديا لا روح فيه، وهذا ما يتكرر في قصيدته الزهرة القرمزية المهداة إلى الشاعرة الأفغانية ناديا أوجمان التي قتلها زوجها لأنها تخونه مع قصيدة شعر تكتبها خلسة عنه يقول:
أيها الربّ، كما تدعي، ارفع رأسك وكلّمني
ويكرّر في مكان آخر من نفس القصيدة:
أيها الربّ كما يسمّونك اصعد إليّ لنتفاهم
هنا نلاحظ ضعفا في التعامل مع المقدس الديني شعريا، إذ يغدو الكلام جافا لا معنى له ولا روح به، بعكس تعامله مع المقدس في نصه الأول مدد إذ يتجلى هناك الحوار المبدع والجدل المدهش بين الديني والايروتيكي شعريا، بينما يبدو هنا خارجا عن نسق القصيدة وخارجا عن جسدها.
لماهر لغة شعرية رائعة تنهل من اليوميّ دون ابتذال وترتقي بالعاديّ نحو مصافّ الشعر نلاحظ كلمات مثل لحستها وعضعضتها وبظر ونايت كلوب وتركلج والمسّاحات ومفتاح المكتب، وهي لغة سهلة واضحة شفوية تصل للقارئ دون جهد ولكنها بذات الوقت تحتفظ بتوترها العالي، كما في قصيدة العروس:
كان الطريق إليك أطول من درب الطواحين
وانأ أول من ضرب الجرس بين رجليك
أول من صعد سلالم الركبتين إليك
نلاحظ عند الشاعر طغيان اللغة الصحفية على بعض قصائد الديوان بشكل لم يكن لصالح القصيدة أحيانا وهذا ما نراه واضحا في قصائده : شهداء الشوكولا-الزهرة القرمزية- المفتاح والأخيرة مهداة للصحافي سمير قصير الذي اغتيل في بيروت إذ يقول:
تفتح باب السيارة. تجلس وراء المقود. تخلع الجاكيت، وتضعها جانبك، أو في حضنك؟ لا فرق. الشاهد لا يتذكر أصلا.
نلاحظ هنا أنّ النصّ السابق هو نص سرديّ عاديّ كأنّه مأخوذ من مقالة عن سمير قصير وليس من قصيدة.
وفي قصيدة الزهرة القرمزية يقول:
لم يعثر عبد الرحمن على زوجته ناديا تخونه مع رجل آخر. عثر عيها تكتب الشعر. جريمة شرف؟؟
أيضا هنا لا يختلف المقطع السابق عن أي جملة نكتبها لنعبّر عن حالة ناديا مع زوجها سوى في كلمة: جريمة شرف؟ التي لم تستطع أن تخفّف من طغيان الطابع السردي لما سبقها، وهذا ما نلاحظه عموما في كل القصائد التي كتب ماهر في تقديمها عبارة (عن وكالات الأنباء) وكأن ماهر برأيي كان يكتب قصيدته فور قراءته الخبر الذي يرفع ضغطه ويوتره لدرجة كتابة الشعر فكانت تسبقه لغته الصحفية - وهو الصحفي بامتياز- الأمر الذي يحيلنا إلى علاقة الحدث مع الشعر وهي علاقة ملتبسة بكل حال، إذ يجب أن يخضع الحدث لمنطق القصيدة وليس العكس، أن نعبّر عن الحدث شعريا، وماهر لديه القدرة على ذلك ونجح في قصائده: العروس وسعال ومدد والنشوة، بينما خضعت القصيدة لديه لانفعال الحدث وتوتره في باقي القصائد.
لعلّ أهمّ ما يمكن قوله عن قصيدة ماهر شرف الدين أنها: قصيدة لا معايير تضبطها ولا جدران تقيّدها ولا شكل محدّد للشعر تبتغيه: قصيدة حرّة لا تلتفت لأحد ولا يعنيها أحد سوى حريتها ونزقها وولوجها السريع لذهن القارئ. قصيدة تأخذ من الحياة وجهها لترسمه على الورق بعد التحليق بها إلى سماء الشعر، قصيدة تفصيلية تدّون كل ما تراه عين الشاعر وفق رؤيتها لترفع من مستوى اليوميّ والعاديّ والراهن إلى مستوى القول الشعريّ، وتلك لعمري أصعب أنواع الكتابة أن تبثّ الشعر في روح لا شعر فيها، وفي عالم لا يفعل شيئا سوى قتل الشعر وتذويب الشعراء في أسيد النسيان.
ذلك النسيان الذي يحاربه ماهر من خلال قصيدته، التي أخذت مسارها الخاص بها، وأسلوبها المعروف داخل حمى التشابه التي تصيب الوسط الشعري العربي عموما.
الكتاب : العروس / شعر
الكاتب : ماهر شرف الدين
الناشر : دار الجمل - 2007
ولكنّ عملية القراءة تقودك نحو متاهاتها وجحيمها الخاصّ دون أن تعنيك الإجابة لِمَ تبحث عنه، لأنّ المتعة تلقي بتساؤلاتك في لاوعيٍ يدرك أنّ الشعر لا شكل يحدّده ولا إطار يقيّده، وكأنّي بماهر يؤكّد الخروج شريعة له، والتجريب هويّة شعرية غير مغلقة، ولم يكن خروج ماهر على الشكل الخليليّ أو شكل قصيد ة التفعيلة فقط، بل هو خروج على شكل قصيدة النثر ذاتها، ليؤكّد بذلك أن لا معنى لأيّ شكل تأخذه القصيدة طالما روحها تعبق بالشعر وتنهل من جنونه وأنهاره.
الجدل الإيروتيكي الديني:
تعدّ قصيدة مدد التي يفتتح بها الديوان أجمل قصائد الديوان على الإطلاق، فالسرّة التي يتخذها موضوعا للقصيدة ليست سوى قناع بريء يمرر من خلاله ما يريد دون أن يلغي المعنى الظاهري، ليبقى يعبّر عن السرّة كموضوع ولكن يفيض بشعره عن معانيها نحو معان أرحب. فالسرّة أنثى تضيق بعالم الذكور المتعب، ترفض السكون والخنوع، تعشق الجدل والخروج على تقاليد القطيع، تجادل الله وتخاصمه، تستسلم حينا وتتمرّد أحيانا. ولا تكتفي بذلك بل تسعى للانعتاق من أسر المعنى المحدّد لتتجاوزه، فهي تحاور ذاتها من جهة وتجادل عالمها المحيط من جهة أخرى، تارة تعتز بأنوثتها وتارة تخجل من فيض أنوثتها:
سرّة مهجورة كعش
وامرأة صغيرة بحجم الإصبع
ترفض حيازة سرّتها
تخشى الاعتراف بها
وفي موضع آخر يقول:
كان يا ما كان سرّة ملولة
تشرب العرق على الريق
والحليب على الريق…
وحين نلومها تكتب الشعر على الريق
أخرجها الحزن عن صمتها
تركت حجابها واستقلت أقرب بوسطة إلى النايت كلوب.
من خلال المقارنة بين المقطعين السابقين نرى حال الأنوثة المرتبكة بين حريتها ووسط يرفض هذه الحرية، بين روح تمور وجسد مقيّد. إذ يعبّر عن الأنوثة القامعة والمقموعة في آن، المكمّلة للذكورة والمتضادة معها، أنوثة غير متصالحة مع ذاتها، تفيض عن حاجة النقصان، لتنقص الذكورة المالحة المغتربة عن أنثاها.
كما أننا نلاحظ استخدام الشاعر للتعابير التي تعتبر خطأ في العرف العام، وكأنه يؤكد أن الشعر يكمن هنا، في ما يعتبر خطأً وغير مألوف، فالشعر ابن الخطأ وسليل الخسارات وابنها المدلل، فالشاعر يؤرشف الخطأ خوف الضياع، عازفا عن صواب لا معنى له، إذ يقول:
السرّة حلمة واطئة
وحبة بظر مرتفعة
السرّة هدف خاطئ
ونقطة رمي مغشوشة(…..)
نقرة خطأ على أصابع البيانو
ولعل أخطر ما في الديون وأجمله هو ذلك التماس الخطر بين الديني والإيروتيكي، إذ يوظفهما لصالح القصيدة من خلال حفره شعريا حول أساسات المقدس لهتكه وتدنيسه دون أن نحسّ بذلك.
السرّة بصمة الله على البطن
نسيها لتكون دليلنا عليه
ويقول:
وكانت سرّتها من أهل الكرامات
تضيء القمر كاللمبة
وتطفئ قاعة السماء بالسبّابة
وكنت أرتقي سلالم الرجلين إليها
ودرج الركبتين إليها
ومصعد الفخذين.
هنا نراه يطوّع الديني والإيروتيكي لمصلحة الشعر الذي يذوّب المتناقضات، يفرّغ المقدس من مدلوله، والجنسي من زخارفه ببراءة إذ لا فرق بين من يسكر بسرّة، ومن يسكر بحلقة ذكر، من يدوخ بنهد ومن يترنح أمام جبروت الخالق.
ولكن ذلك لا ينجح دائما ففي قصيدة سعال التي يعبّر بها عن اغتراب الحبّ واغتراب الإنسان في عالم لا حقيقة به سوى الأوهام، ورجال الليل ولصوص الأبجديات الذين يكمنون للشاعر عند منعطف حلمه، وخلف جغرافيا دمه ليبنوا جسورا في وجه الحبّ، ولا يملك الشاعر من أدوات المقاومة سوى التفكير بالانتحار والسعال المستمر والتدخين ومعاقرة الأحلام.
في نهاية القصيدة يقول:
قف ليس البرق ما ترى
بل الله يطلق فلاش كاميراه إليك.
قف الله يصورك
قف الله فنان وحقود
الله يضرب تحت المعدة
نلاحظ أن السطور الثلاثة الأولى تنجح نجاحا باهرا في توصيف الحالة وإعطائها البعد الشعري الجميل، فالبرق هو فلاش كاميرا الله التي تصور البشر المتعبين والتائهين، ثم يأتي السطران التاليان لتشعر وكأن الإيقاع انكسر وأصبح سرديا لا روح فيه، وهذا ما يتكرر في قصيدته الزهرة القرمزية المهداة إلى الشاعرة الأفغانية ناديا أوجمان التي قتلها زوجها لأنها تخونه مع قصيدة شعر تكتبها خلسة عنه يقول:
أيها الربّ، كما تدعي، ارفع رأسك وكلّمني
ويكرّر في مكان آخر من نفس القصيدة:
أيها الربّ كما يسمّونك اصعد إليّ لنتفاهم
هنا نلاحظ ضعفا في التعامل مع المقدس الديني شعريا، إذ يغدو الكلام جافا لا معنى له ولا روح به، بعكس تعامله مع المقدس في نصه الأول مدد إذ يتجلى هناك الحوار المبدع والجدل المدهش بين الديني والايروتيكي شعريا، بينما يبدو هنا خارجا عن نسق القصيدة وخارجا عن جسدها.
لماهر لغة شعرية رائعة تنهل من اليوميّ دون ابتذال وترتقي بالعاديّ نحو مصافّ الشعر نلاحظ كلمات مثل لحستها وعضعضتها وبظر ونايت كلوب وتركلج والمسّاحات ومفتاح المكتب، وهي لغة سهلة واضحة شفوية تصل للقارئ دون جهد ولكنها بذات الوقت تحتفظ بتوترها العالي، كما في قصيدة العروس:
كان الطريق إليك أطول من درب الطواحين
وانأ أول من ضرب الجرس بين رجليك
أول من صعد سلالم الركبتين إليك
نلاحظ عند الشاعر طغيان اللغة الصحفية على بعض قصائد الديوان بشكل لم يكن لصالح القصيدة أحيانا وهذا ما نراه واضحا في قصائده : شهداء الشوكولا-الزهرة القرمزية- المفتاح والأخيرة مهداة للصحافي سمير قصير الذي اغتيل في بيروت إذ يقول:
تفتح باب السيارة. تجلس وراء المقود. تخلع الجاكيت، وتضعها جانبك، أو في حضنك؟ لا فرق. الشاهد لا يتذكر أصلا.
نلاحظ هنا أنّ النصّ السابق هو نص سرديّ عاديّ كأنّه مأخوذ من مقالة عن سمير قصير وليس من قصيدة.
وفي قصيدة الزهرة القرمزية يقول:
لم يعثر عبد الرحمن على زوجته ناديا تخونه مع رجل آخر. عثر عيها تكتب الشعر. جريمة شرف؟؟
أيضا هنا لا يختلف المقطع السابق عن أي جملة نكتبها لنعبّر عن حالة ناديا مع زوجها سوى في كلمة: جريمة شرف؟ التي لم تستطع أن تخفّف من طغيان الطابع السردي لما سبقها، وهذا ما نلاحظه عموما في كل القصائد التي كتب ماهر في تقديمها عبارة (عن وكالات الأنباء) وكأن ماهر برأيي كان يكتب قصيدته فور قراءته الخبر الذي يرفع ضغطه ويوتره لدرجة كتابة الشعر فكانت تسبقه لغته الصحفية - وهو الصحفي بامتياز- الأمر الذي يحيلنا إلى علاقة الحدث مع الشعر وهي علاقة ملتبسة بكل حال، إذ يجب أن يخضع الحدث لمنطق القصيدة وليس العكس، أن نعبّر عن الحدث شعريا، وماهر لديه القدرة على ذلك ونجح في قصائده: العروس وسعال ومدد والنشوة، بينما خضعت القصيدة لديه لانفعال الحدث وتوتره في باقي القصائد.
لعلّ أهمّ ما يمكن قوله عن قصيدة ماهر شرف الدين أنها: قصيدة لا معايير تضبطها ولا جدران تقيّدها ولا شكل محدّد للشعر تبتغيه: قصيدة حرّة لا تلتفت لأحد ولا يعنيها أحد سوى حريتها ونزقها وولوجها السريع لذهن القارئ. قصيدة تأخذ من الحياة وجهها لترسمه على الورق بعد التحليق بها إلى سماء الشعر، قصيدة تفصيلية تدّون كل ما تراه عين الشاعر وفق رؤيتها لترفع من مستوى اليوميّ والعاديّ والراهن إلى مستوى القول الشعريّ، وتلك لعمري أصعب أنواع الكتابة أن تبثّ الشعر في روح لا شعر فيها، وفي عالم لا يفعل شيئا سوى قتل الشعر وتذويب الشعراء في أسيد النسيان.
ذلك النسيان الذي يحاربه ماهر من خلال قصيدته، التي أخذت مسارها الخاص بها، وأسلوبها المعروف داخل حمى التشابه التي تصيب الوسط الشعري العربي عموما.
الكتاب : العروس / شعر
الكاتب : ماهر شرف الدين
الناشر : دار الجمل - 2007