نقوس المهدي
كاتب
كانت الساعة تشير إلى قرابة العشرين حزنا
و كانت المفردات منسابة
على أرق
بلا ورق
و لا وزنا
على خمائلها... ليثقلها.
كنا وطنين
في زمن غابت الأوطان عن المعنى
و ارتفعنا... غيمتين
أنا... و أنا المشاعة
على شهوة الأرض...
سلاماَ.
و لثلاثة من خلاني
انصرفوا عني إلى ما أوحت الصفراء من مغنى
قلت :
هل أنتم مثلي ؟
هل زاوجتم الطلل بالحسره
و انقطعتم عني
لتنغمسوا
صورةً
و ذكرى ؟
هل راودتكم عن أنفسكم
صورة من الماضي
و مضيتم إلى ما وراء الآن
و "الآن" كذبة ميتافيزيقية
لا يصدقها إلا القانعون
بقانون الحتمية الإلاهية.
و يكذبها الآبقون
عن الدوام و الصدى
و المنتمون إلى مواسم السفرجل
و بدايات الغزل في الخريف
و تعري الشجر
أمام عاشقين
مبتدئين...
يذعنان لشهوتيهما
و يقيمان تحت السرول موطنا...
لقبلاتهم...
و ينتفضان
من الكثرة
و من شرعية الخطيئة.
"الآن"... إلتقاء مكانين بفكرة.
و لا شيء يرتدي صورة
و لكننا نطيل التأمل في ظل
و نسمي الغريب بأسماء عهدناها...
لا جواب
الصحب صاحبوا باطن لحنهم
و ارتحلوا من جداول إبصاري
إلى كهوفهم
كما ينتقل المعنى من خاطرة
إلى كتاب...
أو سراب.
حمزة يسكت الصمت
و يسأل :
هل لكم في أخرى ؟
و الكل يدني برأسه
و نجيب :
هاتها... و هات بالسر الذي فيها
و الذي فيه لا نموت و إنما نشقى.
و هات لنا برب... أو كذبة
علنا ننفلت من وحدة فيها نحيا
لنفنى في جماعة... أو عُصبة.
قارورة جديدة...
و النبيذ فيها يتمايل
يمنة ويسرى...
سبحانها معتقة... تسري بي
من تاريخ الجوع و الأسرى
إلى مجال حيوي
أتحد فيه بوحدة المصلوب
في مدينة الناصرة
و أعتصم خلوتي
و أغتصب شهوةً
و خيالا
و خصراَ
... من زيف المتقين إذا هجوا
و عداء الناقمين على المجدلية
و رثاء المحدثين من الشعراء
للأقصى.
أنا أنا
و لا موطن آخر لقصيدتي
و خطيئتي أني سكنت جسدي
و سيجت بالزجاج الأخضر حدودي الأفقية
و صومعتي...
و كان النبيذ بحري
و مدادا لرؤيتي
إتطلعت فيها على علتي
و علتي الأولى السؤال
و الأخرى... أيقنت فيها خاتمة المآل.
يا إخوتي...
هل كذبت على أحد حين قلت
أني رأيت أحد عشر كلبا
و الذئب
و الضبع
... في قمة العرب مجتمعين ؟
هل كانت غزة غير مرادف لأبجديتنا ؟
هل كنا بشرا
هل كنا حشرا
هل كنا شجرا
هل كنا حجرا
حين سمينا أبنائنا بأسماء عربية ؟
و حين آمنا بمواسم الهجرة
إلى مطالع الروح
... و خلنا أن للتاريخ هندسة لولبية ؟
سأسمي الأشياء بأسمائها
و أقول
أن لو لم تكن غزة صبية
لما هاجت طباعي الهمجية
و لما كانت الغريزة
كالوليد
أبية.
هناك...
في هضبة مرتفعة
عن نصوص التأريخ
والد و وليد.
الوالد يحمل سكينا...
و الولد لا خرافة له ليسكنها
و لا معيناَ.
هناك في سدرة الإبصار
حيث النصوص المسرحية تراود اللامنتهى
و حيث تأشيرة العبور نزع النهى,
يقف... شاهد و شهيد
و يشهدان إنبثاق معجزة
قد نسميها بكل العبارات
و لكني... أسميها : الحياة.
إسماعيل...
هم لا يميتونك لأنك أقمت لنا
من بعدك
دولة بين نهرين...
و لكن... لأنك تغلبت على الموت مرتين.
هناك...
موت يفاوض حياة
حتى لا تسمي نفسها نصرا.
و حتى لا تنتصر إليها جميع اللغات.
و هنا...
حيث اللحن يتنكر في هيأة السكون,
يقف صديقي منذر
مطرقا أمام النافذة
كالمشرف على عدمٍ
أو كالنافذ إلى تاريخه البدائي
أو على منتهاه...
يراقب إنسياب قطرة مطرٍ
على البلور
و يتبعها بإصبعه
و بسبع أوقات يراقصها.
إصبع و ماء :
خلق و سماء
ولادة و دماء
خجل و كبرياء
تتعرى النساء
يعرج الأنبياء
يهبط الوحي على الأنبياء
يصعّد نداء
ذئاب و عواء
بدء و فناء
أرض و سماء
سماء و أرض
و سماء
...
أرض...
تدور كأنها تحملني
أنا أيضا على الرقص.
النبيذ داخل القارورة يموج
السفن من فوقه تملع و لا ترسي
و لا غرق يتابعها
كالموت خامسنا الذي يجالسنا...
يقوم حمزة... و يحمل الجيتارة
من عزلتها إلى شهوته,
و يشد على أوتارها
كالقابض على نهدي أنثى ضابعةٍ...
أو كالمروض رغبات فوضوية,
و محكما عليها أصابعه
شديدة على تمردها
قاطعةً.
يبدأ العزف
أرى في رقصة أنامله
أطفالا انعتقوا من المدرسة
فهم جميعا و حركاتهم شتى...
أرى مراهقين في سهرة سبت
مجتمعين على مرقصٍ و مغنى
و أرى إندفاعهم في كل صوبٍ
و أرى الصواب قد انتفض عن كل معنى.
أرى مسيرة
و أرى جماهير من الفتيان و الفتياة
تهزج بشعرات
و تنادي ما تنادي
و لكنها لا تنادي إلا : نحن الحياة.
أرى خواطري و قد إفترقت
و أرى خواطري و قد إحترقت
و أرقها أن لا تكون
في مثل زهو أنامل حمزة...
و سخريتها من شرعية الوجود و الفناء
على حد السواء.
أرى أيمن متكأً على أريكة
مطلقا رأسه صوب السماء
كالمتعبد
منتسبا للأولين
و يردد بيتا للمعري :
"أما اليقين فلا يقين و أقصى جهدي"...
أن أتلف عقال عقلي...
و أتابع مجرى النبيذ إلى بطني
و ما الهذيان إلا...
آذان باطن النفسِ
و معاني بلا عنوان
لا تطرق أبواب الألباب ... و لا ترسي.
سفر سفر
لا معنى هنا و لا هناك
و لا موت حضر
...
أسائل نفسي عن معنى
فتقول :
عله لأيام أخر.
ينصرف النظر.
ينقطع البصر.
سفر سفر
سفرسفر
غيم و قمر
حشرجة و شجر
الكون غرق في النبيذ و اصفرّ
العقل غرّ لا يذر
و الجسد مقصد و إليه السفر
سفر
سفر
...
سفر
سفر
...
__________
إلياس الماجري
28 فيفري 2009
______________________________
"فسد الأمر كله فاتركوا * الاعراب إن الفصاحة اليوم لحن".
أبو العلاء المعري
و كانت المفردات منسابة
على أرق
بلا ورق
و لا وزنا
على خمائلها... ليثقلها.
كنا وطنين
في زمن غابت الأوطان عن المعنى
و ارتفعنا... غيمتين
أنا... و أنا المشاعة
على شهوة الأرض...
سلاماَ.
و لثلاثة من خلاني
انصرفوا عني إلى ما أوحت الصفراء من مغنى
قلت :
هل أنتم مثلي ؟
هل زاوجتم الطلل بالحسره
و انقطعتم عني
لتنغمسوا
صورةً
و ذكرى ؟
هل راودتكم عن أنفسكم
صورة من الماضي
و مضيتم إلى ما وراء الآن
و "الآن" كذبة ميتافيزيقية
لا يصدقها إلا القانعون
بقانون الحتمية الإلاهية.
و يكذبها الآبقون
عن الدوام و الصدى
و المنتمون إلى مواسم السفرجل
و بدايات الغزل في الخريف
و تعري الشجر
أمام عاشقين
مبتدئين...
يذعنان لشهوتيهما
و يقيمان تحت السرول موطنا...
لقبلاتهم...
و ينتفضان
من الكثرة
و من شرعية الخطيئة.
"الآن"... إلتقاء مكانين بفكرة.
و لا شيء يرتدي صورة
و لكننا نطيل التأمل في ظل
و نسمي الغريب بأسماء عهدناها...
لا جواب
الصحب صاحبوا باطن لحنهم
و ارتحلوا من جداول إبصاري
إلى كهوفهم
كما ينتقل المعنى من خاطرة
إلى كتاب...
أو سراب.
حمزة يسكت الصمت
و يسأل :
هل لكم في أخرى ؟
و الكل يدني برأسه
و نجيب :
هاتها... و هات بالسر الذي فيها
و الذي فيه لا نموت و إنما نشقى.
و هات لنا برب... أو كذبة
علنا ننفلت من وحدة فيها نحيا
لنفنى في جماعة... أو عُصبة.
قارورة جديدة...
و النبيذ فيها يتمايل
يمنة ويسرى...
سبحانها معتقة... تسري بي
من تاريخ الجوع و الأسرى
إلى مجال حيوي
أتحد فيه بوحدة المصلوب
في مدينة الناصرة
و أعتصم خلوتي
و أغتصب شهوةً
و خيالا
و خصراَ
... من زيف المتقين إذا هجوا
و عداء الناقمين على المجدلية
و رثاء المحدثين من الشعراء
للأقصى.
أنا أنا
و لا موطن آخر لقصيدتي
و خطيئتي أني سكنت جسدي
و سيجت بالزجاج الأخضر حدودي الأفقية
و صومعتي...
و كان النبيذ بحري
و مدادا لرؤيتي
إتطلعت فيها على علتي
و علتي الأولى السؤال
و الأخرى... أيقنت فيها خاتمة المآل.
يا إخوتي...
هل كذبت على أحد حين قلت
أني رأيت أحد عشر كلبا
و الذئب
و الضبع
... في قمة العرب مجتمعين ؟
هل كانت غزة غير مرادف لأبجديتنا ؟
هل كنا بشرا
هل كنا حشرا
هل كنا شجرا
هل كنا حجرا
حين سمينا أبنائنا بأسماء عربية ؟
و حين آمنا بمواسم الهجرة
إلى مطالع الروح
... و خلنا أن للتاريخ هندسة لولبية ؟
سأسمي الأشياء بأسمائها
و أقول
أن لو لم تكن غزة صبية
لما هاجت طباعي الهمجية
و لما كانت الغريزة
كالوليد
أبية.
هناك...
في هضبة مرتفعة
عن نصوص التأريخ
والد و وليد.
الوالد يحمل سكينا...
و الولد لا خرافة له ليسكنها
و لا معيناَ.
هناك في سدرة الإبصار
حيث النصوص المسرحية تراود اللامنتهى
و حيث تأشيرة العبور نزع النهى,
يقف... شاهد و شهيد
و يشهدان إنبثاق معجزة
قد نسميها بكل العبارات
و لكني... أسميها : الحياة.
إسماعيل...
هم لا يميتونك لأنك أقمت لنا
من بعدك
دولة بين نهرين...
و لكن... لأنك تغلبت على الموت مرتين.
هناك...
موت يفاوض حياة
حتى لا تسمي نفسها نصرا.
و حتى لا تنتصر إليها جميع اللغات.
و هنا...
حيث اللحن يتنكر في هيأة السكون,
يقف صديقي منذر
مطرقا أمام النافذة
كالمشرف على عدمٍ
أو كالنافذ إلى تاريخه البدائي
أو على منتهاه...
يراقب إنسياب قطرة مطرٍ
على البلور
و يتبعها بإصبعه
و بسبع أوقات يراقصها.
إصبع و ماء :
خلق و سماء
ولادة و دماء
خجل و كبرياء
تتعرى النساء
يعرج الأنبياء
يهبط الوحي على الأنبياء
يصعّد نداء
ذئاب و عواء
بدء و فناء
أرض و سماء
سماء و أرض
و سماء
...
أرض...
تدور كأنها تحملني
أنا أيضا على الرقص.
النبيذ داخل القارورة يموج
السفن من فوقه تملع و لا ترسي
و لا غرق يتابعها
كالموت خامسنا الذي يجالسنا...
يقوم حمزة... و يحمل الجيتارة
من عزلتها إلى شهوته,
و يشد على أوتارها
كالقابض على نهدي أنثى ضابعةٍ...
أو كالمروض رغبات فوضوية,
و محكما عليها أصابعه
شديدة على تمردها
قاطعةً.
يبدأ العزف
أرى في رقصة أنامله
أطفالا انعتقوا من المدرسة
فهم جميعا و حركاتهم شتى...
أرى مراهقين في سهرة سبت
مجتمعين على مرقصٍ و مغنى
و أرى إندفاعهم في كل صوبٍ
و أرى الصواب قد انتفض عن كل معنى.
أرى مسيرة
و أرى جماهير من الفتيان و الفتياة
تهزج بشعرات
و تنادي ما تنادي
و لكنها لا تنادي إلا : نحن الحياة.
أرى خواطري و قد إفترقت
و أرى خواطري و قد إحترقت
و أرقها أن لا تكون
في مثل زهو أنامل حمزة...
و سخريتها من شرعية الوجود و الفناء
على حد السواء.
أرى أيمن متكأً على أريكة
مطلقا رأسه صوب السماء
كالمتعبد
منتسبا للأولين
و يردد بيتا للمعري :
"أما اليقين فلا يقين و أقصى جهدي"...
أن أتلف عقال عقلي...
و أتابع مجرى النبيذ إلى بطني
و ما الهذيان إلا...
آذان باطن النفسِ
و معاني بلا عنوان
لا تطرق أبواب الألباب ... و لا ترسي.
سفر سفر
لا معنى هنا و لا هناك
و لا موت حضر
...
أسائل نفسي عن معنى
فتقول :
عله لأيام أخر.
ينصرف النظر.
ينقطع البصر.
سفر سفر
سفرسفر
غيم و قمر
حشرجة و شجر
الكون غرق في النبيذ و اصفرّ
العقل غرّ لا يذر
و الجسد مقصد و إليه السفر
سفر
سفر
...
سفر
سفر
...
__________
إلياس الماجري
28 فيفري 2009
______________________________
"فسد الأمر كله فاتركوا * الاعراب إن الفصاحة اليوم لحن".
أبو العلاء المعري