غيداء حمودة - من "أفروديت" إلى "إيزولدا" و"بثينة": قصص حب ملأت الدنيا وشغلت عقول الناس

"دلال الغيداء وسحر الفتاة ومكر الأنثى، إلى جانب البهجة والحب والوداعة"، تلك بعض أوصاف آلهة الحب والجمال والإخصاب عند اليونانيين القدماء، التي كان لها دور كبير في استجلاء معان إنسانية كثيرة، وواحد من بينها مفهوم الحب والخصب والشهوة.

منذ الوجود الأول، عبّرت الشعوب وعلى مدار الأزمان الخالية عن توقها للحب، وراحت تستشرف ماهيته بطرق مختلفة، و"الشعور الجميل" الذي دغدغ الإنسان منذ وجوده حظي باهتمام البشر، فراحوا يتفنون في وصفه والتعبير عنه.

في الميثولوجيا الإغريقية، نصب العالم القديم "أفروديت" إلاها للحب والجمال، ولكن "أفروديت" ليست سوى صورة تقابل غيرها من الصور التي كانت حاضرة عند شعوب قديمة؛ فالباحثون يقولون إن الأصل جاء من الشرق، وتحديدا من بلاد الرافدين، العراق القديم، فهي "عشتار" البابلية العراقية، وهي نفسها إلاه السماء "عشتروت" عند الساميين والإلاه "أناهيتا" عند الفرس، وقد انتقلت من الشرق عن طريق قبرص، لتتطور بعد ذلك إلى "أفروديت" اليونانية، ثم "فينوس" ربة الحب والجمال لدى الرومان.

وتقول الأسطورة إنها تكوّنت في قبرص من رغوة البحر، وولدت من صدفة في البحر كما لو أنها لؤلؤة، فكان جمالها لا يوصف.

"كيوبيد" هو إله آخر للحب عند الإغريق، وهو ابن "أفروديت"، ويعرف بسلاحه القوس، وأي إنسان يصيبه سهم "كيوبيد" يقع في الحب باللحظة ذاتها.

المفارقة أن "كيوبيد" أصيب ذات يوم بأحد سهامه، ووقع في غرام امرأة تدعى "بسايكي"، وقد مرّ الاثنان بكثير من المصاعب قبل أن يسمح لهما بالزواج.

والرومان كان لهم الإله "فينوس"، وهي أيضا ولدت في البحر وجاءت إلى شواطئ قبرص في محار، وقد تنافست مع جونو ومينيرفا؛ للحصول على التفاحة الذهبية التي لا تمنح إلا للأجمل. وجاء رجل اسمه "باريس" ليحكم مَن هي الأجمل بينهن، وحين عرضت عليه "فينوس" أن تمنحه "هيلين" أجمل امرأة في العالم، وافق باريس على الحكم لمصلحتها، غير أن "هيلين" كانت متزوجة، فقام "باريس" بخطفها، ما أدى إلى حرب "طروادة" الشهيرة التي دمّرت المدينة.

بعد مجيء الأديان السماوية، وتراجع تأثير الأسطورة وقصص الآلهة، لجأ البشر إلى الحياة الحقيقية التي يختبرونها، والمليئة بقصص الحب والغرام التي يقترب عدد كبير منها إلى روعة الأسطورة وبريقها.

وربما تكون قصة روميو وجولييت من أكثر حكايات الحب والغرام شهرة على الإطلاق، وقد أصبح اسمهما مرادفا لكلمة الحب نفسها. إنها حكاية اثنين وقعا في الحب... وفي الموت معا.

كليوباترا ومارك أنطونيو، جمعت بينهما قصة أخرى منذ النظرة الأولى، واستطاعت هذه العلاقة أن تضع مصر في موقف قوي بتحالفها مع الرومان، خصوصا بعد زواجهما، ولكن أنباء وصلت إلى كليوباترا تعلمها بموت زوجها الذي يخوض حربا بعيدة، جعلتها تقرر أن تضع حدا لحياتها، وتنتحر.

مأساة أخرى عرفتها البشرية، إنها قصة الحب التي جمعت بين تريستان وإيزولدا، التي وصلتنا من خلال القصص المختلفة والمخطوطات، وحدثت خلال عصر الملك آرثر.

إيزولدا هي ابنة ملك ايرلندا، وكانت مخطوبة للملك مارك كورنوال، الذي بعث بابن أخيه تريستان لمرافقة إيزولدا إلى كورنوول. وفي أثناء الرحلة وقع الاثنان في علاقة حب استمرت إلى ما بعد الزواج.

علم الملك بالعلاقة، فطرد تريستان إلى خارج المملكة، ومات من الحزن قبل أن تصل إليه إيزولدا، عندها انفطر قلبها وماتت بعد فترة وجيزة.

ولكن قصص الحب الخالدة لا تنتهي، فهناك نابليون وجوزفين، أوديسيوس وبينيلوب، باولو وفرانشيسكا، سكارليت اوهارا وريت بتلر، وهما بطلا الرواية الشهيرة "ذهب مع الريح"، وهي واحدة من القطع الأدبية الخالدة للروائية مارغريت ميتشيل، وتؤرّخ فيها للحب والكراهية.

هناك أيضا قصة بوكاهونتاس وجون سميث، وهي أسطورة حب شهيرة في تاريخ أميركا. فبوكاهونتاس، وهي أميرة هندية، هي ابنة "بووهتن"، في منطقة تايد ووتر من ولاية فرجينيا. وفي المرة الأولى التي ترى فيها بوكاهونتاس جون سميث الإنجليزي تجده ذا جاذبية ويروق لها كثيرا. وعندما يتعرض سميث للتعذيب على أيدي الهنود، تنقذ بوكاهونتاس حياته من هجوم الهنود، فيساعدها ذلك في التقرب منه، إلا أن الظروف في النهاية تكون أقوى منهما، وينفصلان عن بعضهما.

وفي قصة شاه جهان وممتاز محل، يتجلى الوفاء في أفضل صوره؛ إذ إن حاكم الإمبراطورية الهندية شاه جهان، الذي يعشق زوجته ممتاز محل، لا يصدق فكرة أنها ماتت، ليسيطر عليه الحزن، ويقرر إنشاء نصب تذكاري يليق بهما، هو نصب "تاج محل" القائم اليوم في الهند.

واستغرق أمر تشييده 20 ألف عامل وألف فيل، وما يقرب من 20 عاما لإتمام النصب، ولكن شاه جهان لم يتمكن من إكمال ضريح من الرخام الأسود في ذلك النصب، كان يخطط أن يكون له إلى جانب زوجته؛ إذ بادر ابنه إلى خلعه. وكان شاه جاهان في سجن القلعة الحمراء "اجرا"، يمضي الساعات وحيدا يحدّق عبر نهر "جامونا" على النصب التذكاري لزوجته الملكة المحبوبة. لكنه في نهاية المطاف دفن إلى جانب زوجته في تاج محل.

في التاريخ العربي، هناك قصص حب كثيرة وصلت في تأثيراتها وتناقلاتها، وحتى في الإضافات التي حظيت بها إلى مستوى الأسطورة، ومنها قصة الحب التي جمعت بين "عروة بن الورد" بابنة عمه "عفراء"، وقصص أخرى أيضا مثل؛ "عنترة وعبلة"، "قيس وليلى"، "جميل وبثينة".

في تلك القصص، وغيرها، كان الشعر هو المعبّر الأفضل عن مكنونات النفس، ليضع العرب غرضا خاصا من أغراض الشعر، أطلقوا عليه شعر الحب والغزل.

وعلى مدى القرون ظلّ الشعراء العرب ينهلون من عاطفتهم وقودا للشعر الذي أصبح "ديوان العرب"؛ فقد كان هو "وسيلة الإعلام" الأكثر شهرة في ذلك الزمن، وكان الشعراء بمنزلة "ناطقين إعلاميين" باسم قبائلهم.

لكن القدر الإنساني ما يزال يخطو نحو الأمام، ولا يتوقف أبدا، لذلك فعلى الدوام ستظل هناك نصوص عظيمة، تعبّر عن قصص حب خالدة، يتناقلها الناس جيلا وراء جيل، لتصبح فيما يأتي من أزمان كما لو أنها أسطورة.
 
أعلى