نقوس المهدي
كاتب
تحت عنوان مستفز بصفحتها الأولى يقول: «لا جنس في الجنة؛ الأعضاء التناسلية ستختفي في الجنة»، خصصت أسبوعية «الحياة الأسبوعية» قبل أسابيع ملفها ل»الحياة الجنسية» في الجنة، وقدمت من خلاله تلخيصا لأفكار ثلاثيّ من المفكرين حول سؤال: هل الحُور العَين نساءٌ للمتعة الجنسية في الجنة؟
من هؤلاء الشيخ الزمزمي الذي تشبث في المسألة بنصوص التنزيل، واقتصد في التأويل، فلم يستعمل آلية المنطق إلا بما يخدم تشبثه بالنص، على منهج الفقهاء. فهو، إذ يؤكد «بأن الجنة من عالَم الغيب، وليس من عالَم المحسوس الذي يمكن أن نتصوره ونتكلم عنه»، يعود فيؤكد بأن القول «بأنه لا وجود للحور العين في الجنة، وأنهن لسن للمتعة الجنسية، وأن الإنسان في الجنة ليست له أعضاء تناسلية، فهذا هراء وكلام فارغ». حجته الأصولية هي أن «النصوص الواردة في وصف الجنة، من نصوص قرآنية أو نصوص نبوية، لا تحتمل الاجتهاد والتأويل؛ لأن الاجتهاد والتأويل [إنما] يمكن في الأحكام المعروفةِ عللُها وحِكَمها». أما حجته المنطقية فهي أن القول بأن أهل الجنة تختفي أعضاؤهم التناسلية، «معناه منطقيا أن أهل الجنة يصبحون معوقين ومحرومين من إحدى نعم الدنيا، وهي ممارسة الجنس؛ فالأمر هنا سيصبح عقابا... فإذا كانت هذه الشهوة المفضلة سيُحرَم منها الإنسان في الجنة، فهذه الجنة لا يرغب فيها أحد».
وفي ختام رده على المشكِّكين، لم يفت الفقيه أن يخفّف مشاعر الغبن لدى المتسائلات من الأخوات المسلمات: «فللمرأة كذلك ما تشتهي؛ فللرجل المسلم 72 من الحور العين، وكذلك العدد بالنسبة للمرأة». وبالرغم من شدة تشبثه بالنص في عموم المسألة، فإنه لم يسند بشراه التعادلية هذه بنص لا من القرآن ولا من السنة. بل زاد مقدّما تعليلات بلاغية لسكوت النص عن بشارته، فقال «من طبيعة النساء الحياءُ؛ ولهذا فإن الله عز وجل لا يشوقهن بما يستحيين منه».
هذا منهج الفقيه، وليس فيه جديد.
وقد كان رد الشيخ موجها إلى من يتهمهم ب»المفكرين العقلانيين»، ومنهم الفيلسوفُ «، المرحوم الجابري، الذي اعتمد مع ذلك في المسألة نفسَ منهج التأويل البياني للمفسرين. فقد بدأ بقوله: «المرجِع الوحيد في هذه المسائل الغيبية، التي لا مجال للعقل فيها ...، هو ما يقوله عَلاّم الغيوب في الذكر الحكيم»؛ ثم انبرى يستشهد من الآيات القرآنية بأكثر مما أورده الفقيه؛ ثم أعطى تعريفا حربيا لفعل «الاستشهاد» الجهادي تمهيدا للحديث عما ينتظر المستشهِدَ من ثواب، ليخلص إلى «أن الثواب والعقاب [إنما] يكونان بعد قيام الساعة وبعد النشر، فالحشر، فالحساب، خلافا لما يعتقد الشبابُ الانتحاري الذي يظن بأنه سيجد نفسه مباشرة بعد العملية بين أحضان الأولى من 72 حورية». بل يزيد الفيلسوف تثبيطا لعزائم الاستشهاديين فيقول إن «الأمر لا يتعلق بفتيات من جسم ولحم كما في الدنيا، وإنما ذلك مجاز وتمثيل بقصد الترغيب».
وكان ممن رد عليهم الزمزمي، خبيرُ الفكر الاستراتيجي، والمفكر الإسلامي السعودي، أنور بن ماجد عشقي، صاحب نظرية «إخصاءِ و جَبِّ أهلِ الجنة» التي أشار إليها الفقيه، بما يترتب عنها من مجرد وظيفة استئناسية للحورالعين، اللواتي وإن اعترف لهن الخبيرُ بالجسدية من جسم ولحم خلافا للفيلسوف، فقد جعلهن عبارة عن دُمىً مَرداءَ بلا فروج، أمام دُمىً ملتحية بلا ذكور، أي مجرد عناصر معرض فني للجمال قصد التأمل الاستطيقي الافلاطوني. وقد كان من بين ما دفعه إلى بناء هذه النظرية المورفو-انثروبولوجية الأُخروية «استغلالُ الإرهابيين للشباب من المراهقين، والإيحاء لهم أنهم إذا قاموا بعملية انتحارية، وقتلوا ودمروا، فإنهم يصبحون شهداء، وحالَ موتِهم تستقبلهم الحورُ العين في الجنة». هذا إذن «منهج استراتيجي» في تفسير التنزيل، يضاف إلى بقية المناهج، والغاية منه تجفيف منابع الدوافع السيوكولوجية المحركة لسلوك الانتحار الجهادي، وذلك بتحويل مرامي الليبيدو عند الشباب المكبوت إلى وجهات أخرى غير الآخرة، وذلك باعتماد نفس النصوص مع تعطيل بياني لصريح معانيها، ومع زيادة «تقليعة» تيئيسية جريئة مستوحاة من الداروينية، التي من توقعاتها اختفاءُ العضو عند اختفاء الحاجة إليه.
هذه التفاعلية بين فقيه وفيلسوف وخبير في الفكر الاستراتيجي حولَ إحدى بديهيات المجتمع، نموذجٌ حيّ لمنهج مساءلة البديهيات في بعض الثقافات، أي منهج ترقيع البديهيات.
من هؤلاء الشيخ الزمزمي الذي تشبث في المسألة بنصوص التنزيل، واقتصد في التأويل، فلم يستعمل آلية المنطق إلا بما يخدم تشبثه بالنص، على منهج الفقهاء. فهو، إذ يؤكد «بأن الجنة من عالَم الغيب، وليس من عالَم المحسوس الذي يمكن أن نتصوره ونتكلم عنه»، يعود فيؤكد بأن القول «بأنه لا وجود للحور العين في الجنة، وأنهن لسن للمتعة الجنسية، وأن الإنسان في الجنة ليست له أعضاء تناسلية، فهذا هراء وكلام فارغ». حجته الأصولية هي أن «النصوص الواردة في وصف الجنة، من نصوص قرآنية أو نصوص نبوية، لا تحتمل الاجتهاد والتأويل؛ لأن الاجتهاد والتأويل [إنما] يمكن في الأحكام المعروفةِ عللُها وحِكَمها». أما حجته المنطقية فهي أن القول بأن أهل الجنة تختفي أعضاؤهم التناسلية، «معناه منطقيا أن أهل الجنة يصبحون معوقين ومحرومين من إحدى نعم الدنيا، وهي ممارسة الجنس؛ فالأمر هنا سيصبح عقابا... فإذا كانت هذه الشهوة المفضلة سيُحرَم منها الإنسان في الجنة، فهذه الجنة لا يرغب فيها أحد».
وفي ختام رده على المشكِّكين، لم يفت الفقيه أن يخفّف مشاعر الغبن لدى المتسائلات من الأخوات المسلمات: «فللمرأة كذلك ما تشتهي؛ فللرجل المسلم 72 من الحور العين، وكذلك العدد بالنسبة للمرأة». وبالرغم من شدة تشبثه بالنص في عموم المسألة، فإنه لم يسند بشراه التعادلية هذه بنص لا من القرآن ولا من السنة. بل زاد مقدّما تعليلات بلاغية لسكوت النص عن بشارته، فقال «من طبيعة النساء الحياءُ؛ ولهذا فإن الله عز وجل لا يشوقهن بما يستحيين منه».
هذا منهج الفقيه، وليس فيه جديد.
وقد كان رد الشيخ موجها إلى من يتهمهم ب»المفكرين العقلانيين»، ومنهم الفيلسوفُ «، المرحوم الجابري، الذي اعتمد مع ذلك في المسألة نفسَ منهج التأويل البياني للمفسرين. فقد بدأ بقوله: «المرجِع الوحيد في هذه المسائل الغيبية، التي لا مجال للعقل فيها ...، هو ما يقوله عَلاّم الغيوب في الذكر الحكيم»؛ ثم انبرى يستشهد من الآيات القرآنية بأكثر مما أورده الفقيه؛ ثم أعطى تعريفا حربيا لفعل «الاستشهاد» الجهادي تمهيدا للحديث عما ينتظر المستشهِدَ من ثواب، ليخلص إلى «أن الثواب والعقاب [إنما] يكونان بعد قيام الساعة وبعد النشر، فالحشر، فالحساب، خلافا لما يعتقد الشبابُ الانتحاري الذي يظن بأنه سيجد نفسه مباشرة بعد العملية بين أحضان الأولى من 72 حورية». بل يزيد الفيلسوف تثبيطا لعزائم الاستشهاديين فيقول إن «الأمر لا يتعلق بفتيات من جسم ولحم كما في الدنيا، وإنما ذلك مجاز وتمثيل بقصد الترغيب».
وكان ممن رد عليهم الزمزمي، خبيرُ الفكر الاستراتيجي، والمفكر الإسلامي السعودي، أنور بن ماجد عشقي، صاحب نظرية «إخصاءِ و جَبِّ أهلِ الجنة» التي أشار إليها الفقيه، بما يترتب عنها من مجرد وظيفة استئناسية للحورالعين، اللواتي وإن اعترف لهن الخبيرُ بالجسدية من جسم ولحم خلافا للفيلسوف، فقد جعلهن عبارة عن دُمىً مَرداءَ بلا فروج، أمام دُمىً ملتحية بلا ذكور، أي مجرد عناصر معرض فني للجمال قصد التأمل الاستطيقي الافلاطوني. وقد كان من بين ما دفعه إلى بناء هذه النظرية المورفو-انثروبولوجية الأُخروية «استغلالُ الإرهابيين للشباب من المراهقين، والإيحاء لهم أنهم إذا قاموا بعملية انتحارية، وقتلوا ودمروا، فإنهم يصبحون شهداء، وحالَ موتِهم تستقبلهم الحورُ العين في الجنة». هذا إذن «منهج استراتيجي» في تفسير التنزيل، يضاف إلى بقية المناهج، والغاية منه تجفيف منابع الدوافع السيوكولوجية المحركة لسلوك الانتحار الجهادي، وذلك بتحويل مرامي الليبيدو عند الشباب المكبوت إلى وجهات أخرى غير الآخرة، وذلك باعتماد نفس النصوص مع تعطيل بياني لصريح معانيها، ومع زيادة «تقليعة» تيئيسية جريئة مستوحاة من الداروينية، التي من توقعاتها اختفاءُ العضو عند اختفاء الحاجة إليه.
هذه التفاعلية بين فقيه وفيلسوف وخبير في الفكر الاستراتيجي حولَ إحدى بديهيات المجتمع، نموذجٌ حيّ لمنهج مساءلة البديهيات في بعض الثقافات، أي منهج ترقيع البديهيات.