نقوس المهدي
كاتب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وسلم:
فمبحثنا اليوم بإذن الله وعونه هو عن "الحور العين", ومن المعروف والمشتهر بين عامة المسلمين أن حور العين هي أزواج مخلوقات في الجنة للمتقين من الرجال. وفي الفترة الأخيرة وجدنا بعض القرآنيين يقولون أن المراد من الحور العين ليس الأزواج ولكنها فاكهة أو مكان في الجنة يأكلون فيه!
لذا فنحن نرد في هذا المقال على من يقولون بهذا القول, لنر من خلال القرآن هل أن الحور العين أزواج أم أنها فاكهة!
وقبل أن نبدأ في الرد على هؤلاء القائلين بهذا القول لا بد من التنبيه أن القرآن الكريم لم يقل أبدا في آية من الآيات "حور العين" وإنما قال "حور عين" وشتان بين الإثنين! فالأولى –والتي هي من أقوال العوام- تعني أن أعينهن حوراء, أما الثانية –وهي قول القرآن- فتعني أنهن حور وهن كذلك عين!
أما بخصوص النقطة التي اعترض من أجلها المعترضون من القرآنيين وخلافهم وهي قولهم أن للرجل حور من النساء وماذا للنساء, ألا يكون هذا تفريقا بين الرجل والمرأة؟ ويقولون: من المفترض حدوث مساواة بين الجنسين في الجنة! لذلك ردوا الأحاديث الواردة في الباب وفهموا الآيات فهما عجيبا!
فنبدأ قائلين: هناك بداهة من رد على هذا القول –أن للرجال حور وليس للنساء- وبرره تبريرا جيدا ولكن على الرغم من ذلك يظل الظاهر أن حال الرجال أفضل لذلك قال أحد علمائهم:
" وحال المؤمنة في الجنة أفضل من حال الحور العين وأعلى درجة وأكثر جمالا ، وقد ورد في ذلك بعض الأحاديث والآثار ولكن لا يثبت منها شيء ، ولكن المرأة الصالحة من أهل الدنيا إذا دخلت الجنة فإنما تدخلها جزاء على العمل الصالح وكرامة من الله لها لدينها وصلاحها ، أما الحور التي هي من نعيم الجنة فإنما خلقت في الجنة من أجل غيرها وجعلت جزاء للمؤمن على العمل الصالح ، وشتان بين من دخلت الجنة جزاء على عملها الصالح ، وبين من خلقت ليُجَازَى بها صاحب العمل الصالح ، فالأولى ملكة سيدة آمرة ، والثانية على عظم قدرها وجمالها إلا أنها لا شك دون الملكة وهي مأمورة من سيدها المؤمن الذي خلقها الله تعالى جزاء له ." اهـ
ولكنا ننطلق من القرآن فنقول:
ما الدليل على أنه ليس للنساء في الجنة حور عين؟
قد يصدم القارئ من هذا السؤال ولكنه سؤال يحتمه علينا النص القرآني, فالناظر في الآيات التي تتكلم عن الحور العين تأتي في معرض وصف نعيم المتقين, ومن المعروف أن صيغة التذكير المستعملة في خطاب المكلفين تشمل الجنسين ما لم يقم دليل على أنه خاص بالذكور! فما الدليل في كل الآيات على أن الحور العين للرجال فقط؟ لا يوجد أي دليل واحد على أن الحور العين للرجال بل هي للمتقين, والمتقون رجال ونساء فيكون لكلا الصنفين حور عين!
قد يقول قائل: الأحاديث الواردة في الباب كلها تتحدث عن أن الحور العين للرجال فقط! فنقول: وهل وردت أحاديث تنفي العكس؟ لا لم يرد أي حديث ينفي العكس! الأحاديث الوارد في الباب أكثرها موضوع مختلق –ومعارضة للنص القرآني- وعلى فرض صحتها فكما يقول علماء الأصول: عدم الدليل ليس بدليل, إذا فعدم وجود روايات عن الحور العين للنساء ليس دليلا على عدم وجودهن!
سيقول قائل: إذا فأنت تقبل أن يكون للمرأة رجال كثيرون في الجنة! نقول: نحن لم نتحدث عن رجال كثيرين , لذا فنطلب إلى القارئ أن يواصل القراءة إلى آخر الموضوع فسيرى تحديدا للعدد في هذه المسألة!
وأما النقطة الثانية والتي اعترض من أجلها المعترضون على مسألة الحور العين ومن أجلها جعلوها فاكهة! هي قولهم أن هذه الأعداد الرهيبة المذكورة للحور العين توحي بأنه ليس للإنسان أي هم في الجنة إلا الجماع!
فقد وردت بعض الروايات التي تقول أن للرجل في الجنة سبعين زوجة من الحور العين ومنهم من جعلها بضع آلاف , وبعض الروايات جعلتهن سبعين ألفا ثم توسع الأمر كثيرا فوصل إلى حوالي 125 مليون وفي نهاية المطاف انفجر العدد فوصل إلى ما يزيد عن أربعة مليارات من الحور العين!
وبداهة كل هذه الروايات مضعفة بأقوال علماء الحديث, ونحن نحكم عليها بالوضع لمخالفتها للنص القرآني والذي حدد عدد الحور العين لكل فرد في الجنة!
كما اعترض المعترضون لوجود الروايات التي تصرح بالشهوانية مثل ما ورد:
" قالرسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوجه الله عزوجل ثنتين وسبعين زوجة ثنتين من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل النار ما منهنواحدة إلا ولها قبل شهي وله ذكر لا ينثني"
وهذا كلام بذيء ساقط يستحي المرء أن ينسبه إلى الرسول الكريم أو إلى أي إنسان حسن الخلق, فما بالنا بصاحب الخلق العظيم! إن هذا الكلام لا يصدر إلى عن بعض المنحرفين أصحاب الشهوات الطاغية والعجيب أن السادة علماء الحديث (مثل الشيخ الألباني رحمه الله) حكموا عليه بالضعف الشديد فقط ولم يحكموا عليه بالوضع! والأحاديث على هذه الشاكلة كثيرة والعجيب أن السادة علماء الحديث لم يحكموا عليها بالوضع مثل ما ورد عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع. قيل يا رسول الله، أو يطيق ذلك؟ قال: يعطى قوة مائة رجل)، رواه الترمذي.
والمفترض أن الرسول صاحب الخلق العظيم حدد مقدار هذه القوة في التعامل مع النساء ! فيعجب الصحابة فيوضح لهم ذلك بأنه يعطى قوة مائة رجل! والعجيب أن الصحابي يستحي من ذكر ما يفترض أن الرسول الكريم قاله! فيبدو والله أعلم أن الكلام كان فاحشا! وحاشا لرسول الله أن يصدر عنه هذا الكلام!
وهناك روايات أخرى مشابهة مثل ما رواه أبو نعيم في "صفة الجنة" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء !). يعني في الجنة!
ومثل ما رواه أحمد وغيره: " عن زيد بن أرقم قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع " ، فقال رجل من اليهود : فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة ، قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده فإذا بطنه قد ضمر " .
وبسبب هذه الأوصاف الواردة في الروايات وهذا التصوير الجنسي المبالغ فيه وجدنا أن ابن القيم يقول في صفة الحورفي كتابه بستان الواعظين صفة الحور: "في نحرها مكتوب أنت حبي وأنا حبك لست أبغي بك بدلا ولا عنك معدلا. كبدها مرآته وكبده مرآتها يرى مخ ساقها من وراء لحمها وحليها كما ترى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء، وكما يرى السلك الأبيض في جوف الياقوتة الصافية." اهـ
ولست أدري ما دليله على ما يقول؟ ثم هل هذه الأوصاف أوصاف جميلة مغرية؟ أعتقد أن الإمام ابن القيم كان متأثرا فيما يقول بالتماثيل المرمرية التي كانت تصنع للنساء في أوضاع مختلفات! فظن أن الحال هكذا في الجنة للحور العين!
ونبدأ متوكلين على الله تعالى في الرد على من قال أن الحور العين فاكهة! فنقول: سبب ضلال القائل هو الانطباعات المسبقة التي ذكرنا بعضها وكذلك عدم القراءة الجيدة للآيات القرآنية الواردة في هذه الموضوع لذا نبدأ في عرض الآيات المتعلقة بالموضوع حتى يخرج القارئ منها بتصور عام, ثم بعد ذلك نقوم بتحليلها:
وردت لفظة "حور" في القرآن أربع مرات, موصوفة في ثلاث منهن ب "عين" وفي الرابعة بقوله تعالى "مقصورات في الخيام", ونذكر هذه المواطن للقارئ مسبوقة بالآيات المتعلقة بها حتى يكون القارئ على دراية بالسياق:
ورد أول ذكر في القرآن للحور العين في سورة الدخان في قوله تعالى: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"
وجاء الذكر الثاني للحور العين في سورة الطور في قوله تعالى:
"إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ"
وجاء الذكر الثالث في سورة الرحمن في قوله تعالى:
"وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَى أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ"
ويأتي الموضع الأخير في السورة التالية, سورة الواقعة في قوله تعالى:
"فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"
إذا هذه هي المواطن التي ذكر فيها الحور والموصوفات بالعين أو بالمقصورات! ونلاحظ أن الوصف بال "عين" تكرر ثلاث مرات! فإذا نحن بحثنا في القرآن عن موصوف آخر بال "عين" وجدنا قوله تعالى في سورة الصافات: " َوعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ [الصافات : 48]"! إذا فقاصرات الطرف هن أيضا عين, -وليلاحظ القارئ قوله تعالى"عندهم" فسنعود إليه فيما بعد- وحتى لا يفكر القارئ في السياق الوارد في الآية نذكره له:
"أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ"
وهن كذلك في سورة الرحمن: " فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ"
إذا فقاصرات الطرف عين ولم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان" فإذا نحن بحثنا عن قاصرات الطرف في القرآن لنستكمل أوصافهن وجدنهن يذكرن في سورة ص في قوله تعالى "وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ [صـ : 52]" ونذكر للقارئ السياق الذي وردت فيه الآية الكريمة:
"هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ"
إذا فقاصرات الطرف عين ولم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان وهن في عين الوقت أتراب والوصف في القرآن بالأتراب لم يرد إلا في ثلاثة مواضع, في هذا الموضع في سورة ص في وصف قاصرات الطرف وفي سورة الواقعة في وصف الفرش! المنشأة لأصحاب اليمين فقال الله فيها "عُرُباً أَتْرَاباً [الواقعة : 37]" ونذكر للقارئ السياق الذي وردت فيه الآية:
"وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لأَصْحَابِ الْيَمِينِ"
ويأتي الذكر الأخير للأتراب في قوله تعالى في سورة النبأ "وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ : 33]" ونذكر للقارئ الكريم السياق الوارد فيه الآية:
"إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا وَكَأْسًا دِهَاقًا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا"
ونختم هذه الآيات بآية من كثير من الآيات الواردة في القرآن والمتعلقة بالنعيم في الجنة وهي أول آية في القرآن في هذا الأمر وهي قوله تعالى: " وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 25]" وسيرى القارئ لم ختمنا الآيات المتعلقة بأوصاف الحور العين بهذه الآية الكريمة!
من المتعارف عليه كون الحور العين هن نساء في الجنة سواء كن نساء منشئات في الجنة أو أنهن نساء الدنيا يحورهن الله تعالى! والسياق العام يطفح بهذا, فما هو مستند القائل بأن الحور العين هي فاكهة من النص القرآني؟
الناظر في مستند هؤلاء القائلين بهذا القول يجده أنه انطلق من أن "زوّج" تتعدى بنفسها فلا تحتاج إلى حرف جار ويقول أن هذا هو الوارد في القرآن والوارد في لغة العرب , فيقال: "تزوجت فلانة" و " زوجتكها" ولا يقال: تزوجت بها!
" وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [الأحزاب : 37]"
والناظر في اللغة يجد أن ما يقولونه صحيح, فإذا نحن نظرنا في اللسان وجدنا ابن منظور يقول عند حديثه عن "زوج" :
" ...... وكل شيئين مقترنين، شكلين كانا أَو نقيضين، فهما زوجان؛ وكلُّ واحد منهما زوج. ........ وقد تَزَوَّج امرأَة وزَوَّجَهُ إِياها وبها، وأَبى بعضهم تعديتها بالباء. وفي التهذيب: وتقول العرب: زوَّجته امرأَة. وتزوّجت امرأَة. وليس من كلامهم: تزوَّجت بامرأَة، ولا زوَّجْتُ منه امرأَةً. قال: وقال الله تعالى: وزوَّجناهم بحور عين، أَي قرنَّاهم بهن، من قوله تعالى: احْشُرُوا الذين ظلموا وأَزواجَهم، أَي وقُرَناءهم. وقال الفراء: تَزوجت بامرأَة، لغة في أَزد شنوءة. وتَزَوَّجَ في بني فلان: نَكَحَ فيهم. وتَزَاوجَ القومُ وازْدَوَجُوا: تَزَوَّجَ بعضهم بعضاً؛ صحت في ازْدَوَجُوا لكونها في معنى تَزاوجُوا. وفي التنزيل: وزوّجناهم بحور عين؛ أَي قرناهم؛ وأَنشد ثعلب: ولا يَلْبَثُ الفِتْيانُ أَنْ يَتَفَرَّقُوا، إِذا لم يُزَوَّجْ رُوحُ شَكْلٍ إِلى شَكْلِ وقال الزجاج في قوله تعالى: احشروا الذين ظلموا وأَزواجهم؛ معناه: ونظراءهم وضرباءهم ....... كل شيئين اقترن أَحدهما بالآخر: فهما زوجان. قال الفراء: يجعل بعضهم بنين وبعضهم بنات، فذلك التزويج. ....." اهـ
ونحن نسلم فعلا بأن "زوج" تتعدى بنفسها ولا تحتاج إلى حرف جار! ولكن هل يعني هذا أن التزويج ملغي وأنه اقتران بشيء من غير جنس الإنسان؟
لما قال القائل بهذا القول أن التزويج بالباء بختلف عن التزويج المتعدي بنفسه أخذ يبحث عن معان "زوج" في القرآن ليخرج منها بمعنى يكون مناسبا لسياق الآيات هذه, فعرض عددا من الآيات واستخرج منها أن الزواج بمعنى الاقتران ولكنه ليس بالأزواج ولكن بفاكهة! –وسنعرض بعد سطور عديدة من أين أتى بالفاكهة هذه- ونحن نعرض لك عزيزي القارئ ما رأيناه في القرآن متعلقا بالزواج أو التزويج, واكتفينا في عرضنا بالآيات المختلفات المعنى, أما الآيات التي تحمل معنى موجود في آيات مشابهة فلم نذكرها خشية الإطالة:
" َوقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ [البقرة : 35] (فالزوج هنا رجل وامرأة من جنس واحد)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء : 1] ( والزوج هنا خلية من نفس جنس الخلية الأخرى)
حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ [هود : 40] ( والزوجين هنا كما هو معلوم بداهة زوجين ذكر وأنثى من صنف واحد من الأنعام)
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الرعد : 3] (وكذلك هنا أزواج من الثمرات من النوع الواحد)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى : 50] ( ذكور وإناث من الجنس البشري)
َومِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات : 49]( أزواج مذكرة ومؤنثة وموجبة وسالبة للمخلوقات وكل زوج من نفس نوع الزوج المقابل!)
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [النجم : 45] ( الزوجين الذكر والأنثى من المخلوقات الحية عامة, وكل زوج من نفس صنف زوجه!)
ِفيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن : 52] (أزواج من الفاكهة في الجنة)
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير : 7] ( إما تزويج الأنفس في الأجساد أو أن النفوس تقسم إلى أزواج كل منها تابع لتقسيمه: سابقون و أصحاب يمين وأصحاب شمال)
وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 25] (أزواج من نفس الصنف)
وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام : 139] (أزواج بمعنى النساء في مقابلة الرجال)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ [الرعد : 23] ( أزواج بمعنى الصنف المقابل, فأزواج الرجال نساء وأزواج النساء رجال)
وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل : 72] (وهذه الآية مثل سابقتها ولكنها في الدنيا)
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [يس : 36] (سيطرة قانون الزوجية على النبات والإنسان وعلى ما لا نعلم )
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ [يس : 56] (إما بالمعنى المعروف أو بمعنى القرين من نفس الجنس)
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ [الصافات : 22] (الزوج بمعنى القرين من نفس الجنس)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ [الزخرف : 70] (دخول القرناء أو الأزواج الجنة مقترنين)
ويظهر للقارئ جليا من خلال هذه الآيات –وباقي الآيات في القرآن كذلك- أن التزويج لا يكون إلا بين الشيء وشبيهه أو نقيضه من نفس الجنس (الذكر والأنثى)! أما أن يحدث تزويج بين الشيء وشيء لا علاقة له به في جنسه فهذا ما لم نجده في القرآن –إلا على قول هؤلاء القائلين بتزويج الإنسان بالثمار!-
إذا نخرج من هذا التتبع بأن القول بتزويج الشيء بما ليس من جنسه لا أصل له في القرآن. ونستطرد لنر من أين أتى القائلون بهذا القول من أن الحور العين ثمار:
المنطلق الذي انطلقوا منه في هذه المسألة –على الرغم من أنه لا يسلم لهم أيضا- هو مسألة عود الضمير في هذه الآيات, فإذا نحن أخذنا آيات سورة الرحمن مثلا وجدناها تقول:
""وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَى أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ"
فيقولون: عند النظر في هذه الآيات نجد أن الله تعالى عند الحديث عن نعيم من خاف مقام ربه ذكر أن له جنتين وعند الحديث عنهما وجدنا أنه يستعمل صيغة المثنى "فيهما" ويكررها إلى أن قال " فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ " وقال في آخر السورة " فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ " فعلام يعود الضمير في هذه الآيات؟ فيقولون: من المعلوم بداهة أنه من غير الممكن أن يعود الضمير على الجنتين وإلا لقال الله تعالى "فيهما", فنفهم من ذلك أن مرجع الضمير شيء آخر! فنقول لهم: معكم كل الحق, فهلا قلتم لنا ما هو مرجع الضمير؟ وتأتينا الإجابة العجيبة وهي أن عود الضمير هو على مجموع أزواج الفاكهة وجنى الجنتين!!!!
وهذا تعسف, فإذا كان عود الضمير يعود على مجموع فمن الممكن لأي إنسان أن يعيد الضمير على ما يشاء! فيقول في أي آية من القرآن: ليس عود الضمير إلى كذا – والذي يتطابق معه في كل الأوصاف من جمع وتأنيث مثلا- ولكنه يعود إلى مجموع كذا وكذا! وهذا من عجيب عود الضمير في اللغة!
إذا لقد لاحظوا مخالفة الضمير فنزعوا الآية ولكنهم ما استطاعوا أن يجدوا مرجع الضمير فابتكروا من عند أنفسهم مرجعا جديدا للضمير!
أما نحن فنقول إن مرجع الضمير واضح جدا وجد ظاهر وهو قوله تعالى " مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ " فالضمير في "فيهن" يعود على الفرش! فأصحاب الجنة متكئين على فرش وفي هذه الفرش قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم! ويسأل الإنسان نفسه: ما هي قاصرة الطرف الموجودة في الفراش؟ ونترك السؤال لعبقرية القارئ! بداهة هي ........ (ونرجو أن يتذكر القارئ هذه الآية عند نقاشنا لآيات الواقعة)
فإذا قال القائل: سلمنا لك في هذه الآية أن مرجع الضمير هو الفرش لأن هذا هو الإمكانية المباشرة لها, فما تقول في الآية الأخيرة " فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ" فهذه الآية مرجع الضمير فيها لا يتعلق بالفرش وإنما يتعلق بالمذكورات السابقات وهي : فاكهة ونخل ورمان!
فنقول: نعم نحن نسلم أن مرجع الضمير ما تقولون, ولكن هل يعني هذا أن هذه الحور من نفس الجنس؟ إذا قلتم بهذا فعليكم أن تقولوا أن أصحاب اليمين سيصيروا ثمارا أيضا! فإذا نحن نظرنا في سورة الواقعة وجدنا الله تعالى يقول:
" وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ...." فهل معنى كونهم في سدر وطلح أنهم صاروا فاكهة؟!! هذا ما لا يقول به عاقل! لذا فنحن نفهم أن الخيرات الحسان في وسط هذه الأشجار المذكورة في الرحمن ولكنهن مقصورات في الخيام! ولسن في الهواء الطلق!
إذا فمسألة عود الضمير الذي استندوا إليه مسألة واهية وهي دليل ضدهم لا لهم!
قد يقول صاحب الرأي: بقيت آيات الواقعة وفيها يقول الله تعالى:
""وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لأَصْحَابِ الْيَمِينِ" فعلاما يعود الضمير في أنشأناهن؟ ألا يعود إلا الفاكهة؟!
نقول: لا, بداهة هو يعود إلى الفرش! فهي آخر مذكور, فأصحاب اليمين في كذا وكذا من النعيم وهم في فرش مرفوعة وفي هذه الفرش المرفوعة –في سورة الرحمن- توجد القاصرات الطرف! فيكون الحديث هنا استكمالا لتوصيف قاصرات الطرف فهن لم يطثهن إنس قبلهم ولاجان وهن أنشأن إنشاءا فجعلن أبكار! كلما جومعن عدن أبكارا كما كن! وهن عربا متوددات متقربات إلى أزواجهن!
فنخرج من هذا أن مسألة عود الضمير لا يستقيم لهم فيما يقولون.
وتبقى النقطة الأخيرة وهي مسألة السياق العام, فهم يرون أن السياق لا يستقيم مع القول بأن الحور العين أزواج!
وكما قلنا مسبقا: الحور العين ذكور وإناث وليست للرجال فقط! والرد على هذا القول جد بسيط ونطلب إلى القارئ أن يعود إلى الآيات التي ذكرناها في أول الموضوع والتي جمعنا فيها الأوصاف المتعلقة بالحور العين ويقرأ سياقها جيدا ويقارن بينها وبين الآية التي ختمنا بها هذه الآيات وهي آية 25 في سورة البقرة. وسيجد القارئ أن الآيات كلها تدور في نسق واحد وهو أن للمتقين كل أصناف النعيم من أكل وشرب ومتع جنسية ومتع بصرية وسمعية! أما على أقوال السادة فهناك تكرار لصنف وإهمال لصنف آخر!
ونحن متأكدون أن القارئ سيلاحظ من خلال السياق العام للآيات كلها أن الحديث فيها عن شيء مختلف عن الأكل! , وحتى لا تبقى أي نسبة شك لدى القارئ في كون الحور العين مختلفات تماما عن متع الأكل نقدم له آيات الواقعة وفيها يجد قوله تعالى :
"عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ "
فنلاحظ أن كل متع الطعام والشراب الواردة في الآيات ذكرت مجرورة فالأكواب والأباريق والكأس والفاكهة ولحم الطير كلها مجرورة, ثم يبدأ صنف جديد لا علاقة له بالأصناف الماضية وهو "وحور عين" فيأتي مرفوعا! ولو كان هذا الصنف تابعا للأصناف الماضية لعطف على السابق مجرورا وما بدأ به مستهلا لنوع جديد. وعلى أساس آيات الواقعة هذه التي ظهر فيها اختلاف الحور العين عن باقي الأصناف يمكننا أن نفهم باقي الآيات!
وتبقى النقطة الأخيرة وهي قولهم أنه لا يحسن تشبيه النساء باللؤلؤ أو المرجان وهذا التشبيه يستقيم مع الفاكهة!
نقول: لقد شبه الله تعالى في كتابه الكريم الولدان المخلدون باللؤلؤ المنثور فقال: "َيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً [الإنسان : 19]" ونلاحظ أن الله تعالى لم يقل أنهم كاللؤلؤ المنثور بل قال "حسبتهم لؤلؤا منثورا" وهذا يدل على شدة التشابه بينهم وبين اللؤلؤ! فما المانع إذن من تشبيه الحور العين باللؤلؤ أو المرجان؟ لا مانع على الإطلاق إلا إذا قالوا أن الولدان المخلدون ليسوا ولدانا وإنما ....!!!
وبهذا القول نكون قد أتينا على الأدلة التي استدل بها القائلون بأن الحور العين هي فاكهة!
سيقول قائل: بقيت نقطة واحدة وهي مسألة "زوجناهم ب" فلقد سلمت للقائل بأنها لا تعني الزواج وقلت أنها بمعنى الاقتران ولكن لم تزد على ذلك, فما هو المراد من ذلك؟
نقول: الناظر في القرآن يجد أنه حدد بصراحة عدد الحور العين المخلوقة لكل إنسان –وورد ذلك أيضا في بعض الروايات ولكنها ضاعت وأولت في وسط باقي الروايات- وهذا العدد هو أنه لكل إنسان حور واحد فقط من الحور العين, فللرجل واحدة وللمرأة واحد! هذا بخلاف الأزواج من الدنيا!
قد يقول قائل: ومن أين أتيت بهذا التحديد؟
نقول: من خلال آيات التزويج بالحور العين! فالناظر يجد أن الله تعالى قال: "وزوجناهم بحور" أي أن الله تعالى جعلهم أزواج بالحور العين! ومن المعلوم بداهة أن التزويج يكون بين فرد وآخر! ولو حدث اقتران بين فرد وأكثر من فرد أو فردة أخرى لما صار تزويجا !
إذا فالله تعالى يخبرنا في القرآن أنه زوجنا –أي صيرنا أزواجا- بالحور العين, وكما أثبتنا مسبقا فإن التزويج في القرآن لا يكون إلا بين الشيء ومثيله أو مضاده في الجنس! وهنا يكون التزويج بين الذكر والأنثى! وهذه الحور العين منشأة في الجنة! ولما توصلت إلى هذا الفهم, قلت أنظر في كتب التفسير لأعرف هل قال به أحد من السابقين أم لم يقل به أحد؟
فلما نظرت في تفسير الفخر الرازي وجدته يقول:
" ....... قال أبو عبيدة : جعلناهم أزواجاً كما يزوج البعل بالبعل أي جلعناهم اثنين اثنين ، واختلفوا في أن هذا اللفظ هل يدل على حصول عقد التزويج أم لا؟ ، قال يونس قوله { وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ } أي قرناهم بهن فليس من عقد التزويج ، والعرب لا تقول تزوجت بها وإنما تقول تزوجتها ، قال الواحدي رحمه لله والتنزيل يدل على ما قال يونس وذلك قوله { فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زوجناكها } [ الأحزاب : 37 ] ولو كان المراد تزوجت بها زوجناك بها وأيضاً فقول القائل زوجته به معناه أنه كان فرداً فزوجته بآخر كما يقال شفعته بآخر ، وأما الحور ، فقال الواحدي أصل الحور البياض والتحوير التبييض ، وقد ذكرنا ذلك في تفسير الحواريين ، وعين حوراء إذا اشتد بياض بياضها واشتد سواد سوادها ، ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون حور عينيها بياضاً في لون الجسد ، والدليل على أن المراد بالحور في هذه الآية البيض قراءة ابن مسعود بعيس عين والعيس البيض ، وأما العين فجمع عيناء وهي التي تكون عظيمة العينين من النساء ، فقال الجبائي رجل أعين إذا كان ضخم العين واسعها والأنثى عيناء والجمع عين ، ثم اختلفوا في هؤلاء الحور العين ، فقال الحسن هن عجائزكم الدرد ينشئهن الله خلقاً آخر ، وقال أبو هريرة إنهن ليسوا من نساء الدنيا." اهـ
إذا فهذا الفهم قال به بعض السابقين وليس بدعا من القول –ثم إنه المطابق للغة- . ومن العجيب أن يجد المرء في تفسير الرازي هذه الروايات التي تذكر اختلاف الصحابة والتابعين في خلق الحور العين ولا يجدها عند الطبري!
إذا فنحن نفهم الحور العين على أنهن رجال أو نساء ينشأهن الله تعالى في الجنة للمؤمنين فللرجل امرأة وللمرأة رجل منهن!
قد يقول قائل: ولكن كيف يكون ذلك؟ هل تجمع المرأة زوجين في الجنة؟
نقول: أولا ليس كل النساء متزوجات! فقد تموت المرأة ولا تتزوج! وقد تكون المرأة كارهة لزوجها ولا تريده ولكنها كانت صابرة في الدنيا وقد تكون المرأة تحب رجلا في الدنيا ولكنها زوجت من غيره , وقد يكون الرجل هو الذي لا يحب امرأته أو يكون قد أحب امرأة أخرى أحبت زوجها وهما في الجنة وقد وقد ... إلخ هذه الاحتمالات الممكنة! فما هو حل هذه الإشكاليات؟
إن حل هذه الإشكاليات يكمن في وجود رجل للمرأة يتشكل كما يحلو لها وامرأة للرجل تتشكل له كما يحلو له! فعندما يشتهي المرأة الفلانية يأمرها فتصير كفلانة وإذا كان يشتهي فلانة فيأمرها فتصير مثل هذه الأخرى ! وكذلك الحال بالنسبة للمرأة فإذا كانت تشتهي رجلا معينا في الدنيا فتأمر الحور فيتحور ويصير مثله وإذا كانت تشتهي فلانا آخر فتأمره فيتحور إلى الشكل الذي أرادت!
والناظر يجد أن ما نقول به هو الحل الوحيد لمشكلة غفل عنها الكثيرون ولا حل لها إلا ما نقول وهي:
إذا اشتهت المرأة الجنس وكان زوجها مشغولا مع الحور العين وسينام –كما ورد في الروايات – في أحضانهن مئات الأعوام! فماذا تفعل هذه المرأة؟ هل تنتطر مئات السنين؟ هذا لا يعني إلا وجود حرمان للمرأة في الجنة! وهذا ما لا يكون في الجنة! أما إذا قلنا أنها اشتهت الجنس مع زوجها فتأمر حوريها فيتحور إلى شكل زوجها فتمارس الجنس معه فلا حرج في ذلك!
المشكلة الكبرى عند السادة هو قولهم: كيف تمارس المرأة الجنس مع غير زوجها؟ نقول: وما الحرج في ذلك في الجنة؟ هناك من هو تحت أمرها – من خلق الجنة- تأمره فيتشكل لها كما يحلو لها, وهي في فعلها هذا كمن يمارس جنسا افتراضيا! فإذا نحن عرفنا أنه يوجد الآن بعض أجهزة الخيال الافتراضي والتي يضعها المرء على رأسه ويبدأ في مشاهدة بعض الوقائع يكون هو نفسه فيها! ويعيش هذه التجربة ليس كشخص مشاهد وإنما كشخص مشارك يمر بالتجربة التي يراها من خلال الجهاز! فهل إذا حدث ومارس الجنس عبر الجهاز يكون زانيا ويقام عليه الحد؟
لا أعتقد! فإذا كان هذا في الدنيا فلا أعتقد أن هناك حرج من حدوث المشابهة في الجنة مع الحور العين! ولكنها ذات أجسام حقيقية وليست صور افتراضية! كما أنه لا يشترط أن تمارس المرأة معه الجنس فهو فقط تحت أمرها! فقد تنشغل بزوجها وتكتفي بها وقد تكتفي بملاعبة هذا الحوري ومحاورته!
ثم إنه من الواجب علينا ألا نغفل عن نقطة رئيسة في علاقتنا في الجنة ببعض وهي أن الوضع في الجنة جد مختلف! فإذا كان الرجل سيكون مع زوجه وذريته فعليه أن يتذكر أنهم سيكونون كلهم في سن واحد! فالأب والأم والأولاد كلهم في نفس العمر! وهذا مما يعجب له الإنسان ولكنه سيكون في الجنة! فلن أكون مثلا أنا وإخوتي في الجنة كذرية لآبائنا كأطفال ويكون أبي رجلا! بل كلنا سنكون في نفس العمر ولكني في نفس الوقت ابنه!
فعلى هذا علينا أن نفهم أن العلاقة الأسرية والزوجية في الجنة مختلفة تماما عن الأرض.
وليس ما ذكرنا فقط هو الدليل على ما قلنا بل نجد أن الصيغة الماضية دليل على فهمنا لمسألة التزويج بمعنى الاقتران وهي استعمال الصيغة الماضية عند الحديث عن متع أهل الجنة! فنحن نجد أن الله تعالى يصف متع أهل الجنة بالصيغة الفعلية المضارعة أو الاسمية والتي تفيد الاستمرار والتجدد إلا التزويج فيوصف بالماضي " وزوجناهم" فهذا يدل على أن التزويج هو بمعنى الاقتران! والذي يحدث بمجرد دخول الجنة لا أن الرجل يتقلب بين حورية وأخرى ثم ألف وألف ألف ألف من الحوريات! ولو كان الوضع كذلك لذكرت هذه النعمة في الصيغة الاسمية أو صيغة المضارعة ولقد انتبه الإمام الفخر الرازي إلى هذه النقطة وحاول أن يتجاوزها فلم ينجح, فقال في تفسيره لسورة الطور:
" ....... فإن قيل قوله { زوجناهم } ذكره بفعل ماض و { مُتَّكِئِينَ } حال ولم يسبق ذكر فعل ماض يعطف عليه ذلك وعطف الماضي على الماضي والمستقبل على المستقبل أحسن ، نقول الجواب من وجوه اثنان لفظيان ومعنوي أحدها : أن ذلك حسن في كثير من المواضع ، تقول جاء زيد ويجيء عمراً وخرج زيد ثانيها : أن قوله تعالى : { إِنَّ المتقين فِى جنات وَنَعِيمٍ } تقديره أدخلناهم في جنات ، وذلك لأن الكلام على تقدير أن في اليوم الذي يدع الكافر في النار في ذلك الوقت يكون المؤمن قد أدخل مكانه ، فكأنه تعالى يقول في يوم يدعون إلى نار جهنم إن المتقين كائنون في جنّات والثالث : المعنوي وهو أنه تعالى ذكر مجزاة الحكم ، فهو في هذا اليوم زوج عباده حوراً عيناً ، ...." اهـ
إذا فالصيغة المتعدية بالباء والتوصيف بالزمن الماضي يحتمان أن يكون التزويج بالمعنى الذي قلنا وهو اقتران المتقي في الجنة بواحد من الحور العين! ولا يعجب القارئ فالحور جمع للمذكر وللمؤنث في عين الوقت وليس للمؤنث فقط! فهي على القول التقليدي جمع حوراء و أحور، ويقال للشخص الذي يكون سواد عينه شديداً وبياضها شفافاً، و (عين) جمع (عيناء) و أعين، بمعنى العين الواسعة، لأنّ أكثر جمال الإنسان في عيونه، فقد ذكر هذا الوصف خصوصاً.
أما نحن فنفهم الحور فهما مخالفا لما يقولون, فنحن نسلم لهم أن العين جمع عيناء وأعين أما الحور فلا نسلم لهم بما يقولون ونفهمه بالمعنى الأصلي له وهو التحور! فالحور العين خلق متحور يتحور ويتحول كما يريد الإنسان المتقي ليس أنه من الحور الموجود في العين! لأنه على قولهم يفترض أن الله تعالى عندما يصف هذا الخلق المنشأ للإنسان لا يصف فيه إلا العين! فيقول أنه أحور وصاحب عين واسعة! هذا إذا كان الحور أساسا وصفا للعين! فإذا نحن نظرنا في اللسان وجدنا أن ابن منظور يقول:
"الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإِلى الشيء، حارَ إِلى الشيء وعنه حَوْراً ومَحاراً ومَحارَةً وحُؤُورواً: رجع عنه وإِليه ....... وكل شيء تغير من حال إِلى حال، فقد حارَ يَحُور حَوْراً؛ قال لبيد: وما المَرْءُ إِلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ، يِحُورُ رَماداً بعد إِذْ هو ساطِعُ ........ والحَوَرُ أَن يَشْتَدَّ بياضُ العين وسَوادُ سَوادِها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيضَّ ما حواليها؛ وقيل: الحَوَرُ شِدَّةُ سواد المُقْلَةِ في شدّة بياضها في شدّة بياض الجسد، ولا تكون الأَدْماءُ حَوْراءَ؛ قال الأَزهري: لا تسمى حوراء حتى تكون مع حَوَرِ عينيها بيضاءَ لَوْنِ الجَسَدِ؛ ...... وقال الأَصمعي: لا أَدري ما الحَوَرُ في العين وقد حَوِرَ حَوَراً واحْوَرَّ، وهو أَحْوَرُ. .......... والتَّحْوِيرُ: التببيض. ........ قال: وأَصل التَّحْوِيرِ في اللغة من حارَ يَحُورُ، وهو الرجوع. والتَّحْوِيرُ: الترجيع، ........... والمِحْوَرُ الحديدة التي تجمع بين الخُطَّافِ والبَكَرَةِ، وهي أَيضاً الخشبة التي تجمع المَحَالَةَ. قال الزجاج: قال بعضهم قيل له مِحْوَرٌ للدَّوَرَانِ لأَنه يرجع إِلى المكان الذي زال عنه، وقيل: إِنما قيل له مِحْوَرٌ لأَنه بدورانه ينصقل حتى يبيض. وحَوَّرَ الخُبْزَةَ تَحْوِيراً: هَيَّأَها وأَدارها ليضعها في المَلَّةِ. وحَوَّرَ عَيْنَ الدابة: حَجِّرَ حولها بِكَيٍّ وذلك من داء يصيبها، والكَيَّةُ يقال لها الحَوْراءُ، سميت بذلك لأَن موضعها يبيضُّ؛ ويقال: حَوِّرْ عينَ بعيرك أَي حَجَّرْ حولها بِكَيٍّ. وحَوَّرَ عين البعير: أَدار حولها مِيسَماً." اهـ
فإذا فهمنا نحن أن الحور خلق (ذكر أو أنثى) منشأ في الجنة أبيض جميل متحور –بأمر من قرن به- نكون قد أخذنا المعنى الرئيس للفظ ونكون قد فارقنا بين الموصوف لا أنه موصوف واحد!
قد يقول قائل: قد نتفق معك فيما تقول, ولكن ألا ترى أن الوصف الوارد في الآيات يجعلها للإناث فقط وذلك بدليل قوله تعالى: "لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان" وكذلك قوله تعالى " فجعلناهن أبكارا" وكذلك التوصيف بصيغة المؤنث!
نقول: أما التوصيف بصيغة المؤنث فنجده يأتي في القرآن عامة لتوصيف النفس " ليس لوقعتها كاذبة" وليس للمؤنث فقط! ثم إنها تأتي كذلك أحيانا توصيفا للملائكة ومن المعلوم بنص القرآن أن الملائكة ليسوا إناثا! إذا فمسألة الوصف بصيغة المؤنث ليس دليلا لأن هذه الحور العين أنفس!
أما يخصوص الطمث فهو كما ورد في المقاييس:
" الطاء والميم والثاء أصلٌ صحيح يدلُّ على مسِّ الشيء. قال الشَّيباني: الطَّمْث في كلام العرب المسُّ، وذلك في كلِّ شيء. يقال: ما طَمَث ذا المرتعَ قبلنا أحد. قال: وكلُّ شيء يُطمث. " اهـ
وكما ورد في اللسان: " والطَّمْثُ المَسُّ، وذلك في كل شيءٍ يُمَسُّ.
ويقال للمَرْتَعِ: ما طَمَثَ ذلك المَرْتَعَ قبْلَنا أَحدٌ، وما طَمَثَ هذه الناقةَ حَبْلٌ قَطُّ أَي ما مَسَّها عِقالٌ. وما طَمَثَ البعيرَ حَبْلٌ أَي لم يَمَسَّه.وقوله تعالى: لم يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قبلهم ولا جانٌّ؛ قيل: معناه لم يَمْسَسْ، وقال ثعلب: معناه لم يَنْكِحْ.
والعرب تقول: هذا جَمَلٌ ما طَمَثَه حبلٌ قَطُّ أَي لم يَمَسَّه. ومعنى لم يَطْمِثْهُنَّ: لم يمسسهنّ. " اهـ
فالآية تقول أنه لم يلمسهن قبل المتقي إنس ولا جان! فهن أنشأن إنشاءا للمتقي خصيصا! أما الوصف بكونهن أبكارا فهن كما قلن يتحورن إلى الشكل الذي يريده المتقي فهن أبكار ففي كل تحور يظهر شكل بكر جديد لم يمسه أي إنسان! فإذا أراد الرجل أن يجعلها بكرا في كل مرة يجعلها! وإذا أرادها في كل مرة بشكل يجعلها كما يريد! وفهم الأبكار على المعنى الذي نقول به مشتمل للمعنى الآخر ويزيد عليه أنه يركز على نقطة هامة لكل إنسان وهي مسألة التجدد والاختلاف في كل مرة بخلاف مسألة كون المرأة بكرا فهذا لا يؤثر كثيرا في المتعة!
إذا نخرج من هذا بأن نعيم الجنة في القرآن مساو للذكر والأنثى ونفهمه بمعنى أشمل وأوسع من المعنى التقليدي! يبعد عن التصورات الأرضية الشهوانية! فلكل رجل وصيف مخلوق في الجنة! ذكرا كان أو أنثى حسب جنس من في الجنة! فإذا استغنى عنه واكتفى بزوجه الأرضي فلا حرج في ذلك! ونختم حديثنا بتذكير القرآنيين الذين ينكرون أن الحور العين خلق منشأ في الجنة بقولنا:
كما أعتقد فأنتم تسلمون بالولدان المخلدين وترون أنهم خلق أنشأ في الجنة لخدمة أهلها! فما الحرج والمانع أن ينشأ الله عزوجل خلقا آخر في الجنة لأهلها يقارن بينه وبين أهل الأرض يتمتع به كما يحلو له! فكما يقبل هذا يقبل ذاك.
تبقى النقطة الأخيرة في مسألة الأحاديث الواردة في تحديد هذا العدد وهي ما ورد من حديث معاذ رضي الله عنه عند أحمد و في سنن الترمذي بإسنادصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنماهو دخيل عندك يوشك أن يفارقك إلينا "
فلو كان للمرء أكثر من زوجة في الجنة لقال الرسول الكريم:" لقالت زوجة من زوجاته من الحور العين" ولكنا نلاحظ أن الرسول الكريم يقول " قالت زوجته من الحور العين" فنفهم من هذا أن لكل إنسان زوجة واحدة من الحور العين في الجنة وهذا ما جاء في النص القرآني!
وهناك حديث آخر يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى اللهعليه وسلم -: " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون،ولا يمتخطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن ".
ففي هذا الحديث يتكلم الرسول عن أول زمرة ممن يدخلون الجنة وهم بداهة رجال ونساء وليسوا رجالا فقط! فهم وصفهم كذا وكذا ولكل واحد منهما زوجان ( الرواية المذكورة تقول "زوجتان" ورواية معاذ تقول " زوجته" وفي النفس من صدور كلمة " زوجة" من الرسول الكريم شيء بل أشياء كثيرة, فالرسول أفصح العرب يترك استعمال القرآن ويستعمل استعمال آخر! نحن نرجح أن يكون من تصرف الراوي حيث قال زوجتان مكان "زوجان" و "زوجته" مكان "زوجه"! )
واختلف العلماء في كون هذين الزوجين هل هما من أهل الأرض أم هل هما من الحور العين؟ ورجح بعضهم أن يكن من الحور العين!
ولكني أرى رأيا مخالفا فنقول أنهما من الأرض والجنة وبهذا يكون هذا الحديث موافقا لما نقول, فلكل منهما زوجان! زوج من الأرض وزوج من الجنة!
وبعد هذه الجولة الطويلة مع الحور العين نكون قد أثبتنا أن الحور العين جنس مماثل لجنس البشر حيث أنه من غير الممكن حدوث التزويج بين الشيء والآخر من غير جنسه, وأظهرنا استحالة كون الحور العين فاكهة كما وضحنا عدد الحور العين لكل مؤمن وهو واحد فقط ليس أكثر كما قدمنا فهما جديدا موسعا لكلمة "حور" أدخلنا فيه المعنى التقليدي الذي يقولون به.
ندعو الله أن يهدينا لما فيه خير الصواب ويغفر لنا الزلل والخلل!
الحمدلله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وسلم:
فمبحثنا اليوم بإذن الله وعونه هو عن "الحور العين", ومن المعروف والمشتهر بين عامة المسلمين أن حور العين هي أزواج مخلوقات في الجنة للمتقين من الرجال. وفي الفترة الأخيرة وجدنا بعض القرآنيين يقولون أن المراد من الحور العين ليس الأزواج ولكنها فاكهة أو مكان في الجنة يأكلون فيه!
لذا فنحن نرد في هذا المقال على من يقولون بهذا القول, لنر من خلال القرآن هل أن الحور العين أزواج أم أنها فاكهة!
وقبل أن نبدأ في الرد على هؤلاء القائلين بهذا القول لا بد من التنبيه أن القرآن الكريم لم يقل أبدا في آية من الآيات "حور العين" وإنما قال "حور عين" وشتان بين الإثنين! فالأولى –والتي هي من أقوال العوام- تعني أن أعينهن حوراء, أما الثانية –وهي قول القرآن- فتعني أنهن حور وهن كذلك عين!
أما بخصوص النقطة التي اعترض من أجلها المعترضون من القرآنيين وخلافهم وهي قولهم أن للرجل حور من النساء وماذا للنساء, ألا يكون هذا تفريقا بين الرجل والمرأة؟ ويقولون: من المفترض حدوث مساواة بين الجنسين في الجنة! لذلك ردوا الأحاديث الواردة في الباب وفهموا الآيات فهما عجيبا!
فنبدأ قائلين: هناك بداهة من رد على هذا القول –أن للرجال حور وليس للنساء- وبرره تبريرا جيدا ولكن على الرغم من ذلك يظل الظاهر أن حال الرجال أفضل لذلك قال أحد علمائهم:
" وحال المؤمنة في الجنة أفضل من حال الحور العين وأعلى درجة وأكثر جمالا ، وقد ورد في ذلك بعض الأحاديث والآثار ولكن لا يثبت منها شيء ، ولكن المرأة الصالحة من أهل الدنيا إذا دخلت الجنة فإنما تدخلها جزاء على العمل الصالح وكرامة من الله لها لدينها وصلاحها ، أما الحور التي هي من نعيم الجنة فإنما خلقت في الجنة من أجل غيرها وجعلت جزاء للمؤمن على العمل الصالح ، وشتان بين من دخلت الجنة جزاء على عملها الصالح ، وبين من خلقت ليُجَازَى بها صاحب العمل الصالح ، فالأولى ملكة سيدة آمرة ، والثانية على عظم قدرها وجمالها إلا أنها لا شك دون الملكة وهي مأمورة من سيدها المؤمن الذي خلقها الله تعالى جزاء له ." اهـ
ولكنا ننطلق من القرآن فنقول:
ما الدليل على أنه ليس للنساء في الجنة حور عين؟
قد يصدم القارئ من هذا السؤال ولكنه سؤال يحتمه علينا النص القرآني, فالناظر في الآيات التي تتكلم عن الحور العين تأتي في معرض وصف نعيم المتقين, ومن المعروف أن صيغة التذكير المستعملة في خطاب المكلفين تشمل الجنسين ما لم يقم دليل على أنه خاص بالذكور! فما الدليل في كل الآيات على أن الحور العين للرجال فقط؟ لا يوجد أي دليل واحد على أن الحور العين للرجال بل هي للمتقين, والمتقون رجال ونساء فيكون لكلا الصنفين حور عين!
قد يقول قائل: الأحاديث الواردة في الباب كلها تتحدث عن أن الحور العين للرجال فقط! فنقول: وهل وردت أحاديث تنفي العكس؟ لا لم يرد أي حديث ينفي العكس! الأحاديث الوارد في الباب أكثرها موضوع مختلق –ومعارضة للنص القرآني- وعلى فرض صحتها فكما يقول علماء الأصول: عدم الدليل ليس بدليل, إذا فعدم وجود روايات عن الحور العين للنساء ليس دليلا على عدم وجودهن!
سيقول قائل: إذا فأنت تقبل أن يكون للمرأة رجال كثيرون في الجنة! نقول: نحن لم نتحدث عن رجال كثيرين , لذا فنطلب إلى القارئ أن يواصل القراءة إلى آخر الموضوع فسيرى تحديدا للعدد في هذه المسألة!
وأما النقطة الثانية والتي اعترض من أجلها المعترضون على مسألة الحور العين ومن أجلها جعلوها فاكهة! هي قولهم أن هذه الأعداد الرهيبة المذكورة للحور العين توحي بأنه ليس للإنسان أي هم في الجنة إلا الجماع!
فقد وردت بعض الروايات التي تقول أن للرجل في الجنة سبعين زوجة من الحور العين ومنهم من جعلها بضع آلاف , وبعض الروايات جعلتهن سبعين ألفا ثم توسع الأمر كثيرا فوصل إلى حوالي 125 مليون وفي نهاية المطاف انفجر العدد فوصل إلى ما يزيد عن أربعة مليارات من الحور العين!
وبداهة كل هذه الروايات مضعفة بأقوال علماء الحديث, ونحن نحكم عليها بالوضع لمخالفتها للنص القرآني والذي حدد عدد الحور العين لكل فرد في الجنة!
كما اعترض المعترضون لوجود الروايات التي تصرح بالشهوانية مثل ما ورد:
" قالرسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوجه الله عزوجل ثنتين وسبعين زوجة ثنتين من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل النار ما منهنواحدة إلا ولها قبل شهي وله ذكر لا ينثني"
وهذا كلام بذيء ساقط يستحي المرء أن ينسبه إلى الرسول الكريم أو إلى أي إنسان حسن الخلق, فما بالنا بصاحب الخلق العظيم! إن هذا الكلام لا يصدر إلى عن بعض المنحرفين أصحاب الشهوات الطاغية والعجيب أن السادة علماء الحديث (مثل الشيخ الألباني رحمه الله) حكموا عليه بالضعف الشديد فقط ولم يحكموا عليه بالوضع! والأحاديث على هذه الشاكلة كثيرة والعجيب أن السادة علماء الحديث لم يحكموا عليها بالوضع مثل ما ورد عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع. قيل يا رسول الله، أو يطيق ذلك؟ قال: يعطى قوة مائة رجل)، رواه الترمذي.
والمفترض أن الرسول صاحب الخلق العظيم حدد مقدار هذه القوة في التعامل مع النساء ! فيعجب الصحابة فيوضح لهم ذلك بأنه يعطى قوة مائة رجل! والعجيب أن الصحابي يستحي من ذكر ما يفترض أن الرسول الكريم قاله! فيبدو والله أعلم أن الكلام كان فاحشا! وحاشا لرسول الله أن يصدر عنه هذا الكلام!
وهناك روايات أخرى مشابهة مثل ما رواه أبو نعيم في "صفة الجنة" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء !). يعني في الجنة!
ومثل ما رواه أحمد وغيره: " عن زيد بن أرقم قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع " ، فقال رجل من اليهود : فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة ، قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده فإذا بطنه قد ضمر " .
وبسبب هذه الأوصاف الواردة في الروايات وهذا التصوير الجنسي المبالغ فيه وجدنا أن ابن القيم يقول في صفة الحورفي كتابه بستان الواعظين صفة الحور: "في نحرها مكتوب أنت حبي وأنا حبك لست أبغي بك بدلا ولا عنك معدلا. كبدها مرآته وكبده مرآتها يرى مخ ساقها من وراء لحمها وحليها كما ترى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء، وكما يرى السلك الأبيض في جوف الياقوتة الصافية." اهـ
ولست أدري ما دليله على ما يقول؟ ثم هل هذه الأوصاف أوصاف جميلة مغرية؟ أعتقد أن الإمام ابن القيم كان متأثرا فيما يقول بالتماثيل المرمرية التي كانت تصنع للنساء في أوضاع مختلفات! فظن أن الحال هكذا في الجنة للحور العين!
ونبدأ متوكلين على الله تعالى في الرد على من قال أن الحور العين فاكهة! فنقول: سبب ضلال القائل هو الانطباعات المسبقة التي ذكرنا بعضها وكذلك عدم القراءة الجيدة للآيات القرآنية الواردة في هذه الموضوع لذا نبدأ في عرض الآيات المتعلقة بالموضوع حتى يخرج القارئ منها بتصور عام, ثم بعد ذلك نقوم بتحليلها:
وردت لفظة "حور" في القرآن أربع مرات, موصوفة في ثلاث منهن ب "عين" وفي الرابعة بقوله تعالى "مقصورات في الخيام", ونذكر هذه المواطن للقارئ مسبوقة بالآيات المتعلقة بها حتى يكون القارئ على دراية بالسياق:
ورد أول ذكر في القرآن للحور العين في سورة الدخان في قوله تعالى: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"
وجاء الذكر الثاني للحور العين في سورة الطور في قوله تعالى:
"إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ"
وجاء الذكر الثالث في سورة الرحمن في قوله تعالى:
"وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَى أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ"
ويأتي الموضع الأخير في السورة التالية, سورة الواقعة في قوله تعالى:
"فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"
إذا هذه هي المواطن التي ذكر فيها الحور والموصوفات بالعين أو بالمقصورات! ونلاحظ أن الوصف بال "عين" تكرر ثلاث مرات! فإذا نحن بحثنا في القرآن عن موصوف آخر بال "عين" وجدنا قوله تعالى في سورة الصافات: " َوعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ [الصافات : 48]"! إذا فقاصرات الطرف هن أيضا عين, -وليلاحظ القارئ قوله تعالى"عندهم" فسنعود إليه فيما بعد- وحتى لا يفكر القارئ في السياق الوارد في الآية نذكره له:
"أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ"
وهن كذلك في سورة الرحمن: " فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ"
إذا فقاصرات الطرف عين ولم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان" فإذا نحن بحثنا عن قاصرات الطرف في القرآن لنستكمل أوصافهن وجدنهن يذكرن في سورة ص في قوله تعالى "وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ [صـ : 52]" ونذكر للقارئ السياق الذي وردت فيه الآية الكريمة:
"هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ"
إذا فقاصرات الطرف عين ولم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان وهن في عين الوقت أتراب والوصف في القرآن بالأتراب لم يرد إلا في ثلاثة مواضع, في هذا الموضع في سورة ص في وصف قاصرات الطرف وفي سورة الواقعة في وصف الفرش! المنشأة لأصحاب اليمين فقال الله فيها "عُرُباً أَتْرَاباً [الواقعة : 37]" ونذكر للقارئ السياق الذي وردت فيه الآية:
"وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لأَصْحَابِ الْيَمِينِ"
ويأتي الذكر الأخير للأتراب في قوله تعالى في سورة النبأ "وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ : 33]" ونذكر للقارئ الكريم السياق الوارد فيه الآية:
"إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا وَكَأْسًا دِهَاقًا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا"
ونختم هذه الآيات بآية من كثير من الآيات الواردة في القرآن والمتعلقة بالنعيم في الجنة وهي أول آية في القرآن في هذا الأمر وهي قوله تعالى: " وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 25]" وسيرى القارئ لم ختمنا الآيات المتعلقة بأوصاف الحور العين بهذه الآية الكريمة!
من المتعارف عليه كون الحور العين هن نساء في الجنة سواء كن نساء منشئات في الجنة أو أنهن نساء الدنيا يحورهن الله تعالى! والسياق العام يطفح بهذا, فما هو مستند القائل بأن الحور العين هي فاكهة من النص القرآني؟
الناظر في مستند هؤلاء القائلين بهذا القول يجده أنه انطلق من أن "زوّج" تتعدى بنفسها فلا تحتاج إلى حرف جار ويقول أن هذا هو الوارد في القرآن والوارد في لغة العرب , فيقال: "تزوجت فلانة" و " زوجتكها" ولا يقال: تزوجت بها!
" وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [الأحزاب : 37]"
والناظر في اللغة يجد أن ما يقولونه صحيح, فإذا نحن نظرنا في اللسان وجدنا ابن منظور يقول عند حديثه عن "زوج" :
" ...... وكل شيئين مقترنين، شكلين كانا أَو نقيضين، فهما زوجان؛ وكلُّ واحد منهما زوج. ........ وقد تَزَوَّج امرأَة وزَوَّجَهُ إِياها وبها، وأَبى بعضهم تعديتها بالباء. وفي التهذيب: وتقول العرب: زوَّجته امرأَة. وتزوّجت امرأَة. وليس من كلامهم: تزوَّجت بامرأَة، ولا زوَّجْتُ منه امرأَةً. قال: وقال الله تعالى: وزوَّجناهم بحور عين، أَي قرنَّاهم بهن، من قوله تعالى: احْشُرُوا الذين ظلموا وأَزواجَهم، أَي وقُرَناءهم. وقال الفراء: تَزوجت بامرأَة، لغة في أَزد شنوءة. وتَزَوَّجَ في بني فلان: نَكَحَ فيهم. وتَزَاوجَ القومُ وازْدَوَجُوا: تَزَوَّجَ بعضهم بعضاً؛ صحت في ازْدَوَجُوا لكونها في معنى تَزاوجُوا. وفي التنزيل: وزوّجناهم بحور عين؛ أَي قرناهم؛ وأَنشد ثعلب: ولا يَلْبَثُ الفِتْيانُ أَنْ يَتَفَرَّقُوا، إِذا لم يُزَوَّجْ رُوحُ شَكْلٍ إِلى شَكْلِ وقال الزجاج في قوله تعالى: احشروا الذين ظلموا وأَزواجهم؛ معناه: ونظراءهم وضرباءهم ....... كل شيئين اقترن أَحدهما بالآخر: فهما زوجان. قال الفراء: يجعل بعضهم بنين وبعضهم بنات، فذلك التزويج. ....." اهـ
ونحن نسلم فعلا بأن "زوج" تتعدى بنفسها ولا تحتاج إلى حرف جار! ولكن هل يعني هذا أن التزويج ملغي وأنه اقتران بشيء من غير جنس الإنسان؟
لما قال القائل بهذا القول أن التزويج بالباء بختلف عن التزويج المتعدي بنفسه أخذ يبحث عن معان "زوج" في القرآن ليخرج منها بمعنى يكون مناسبا لسياق الآيات هذه, فعرض عددا من الآيات واستخرج منها أن الزواج بمعنى الاقتران ولكنه ليس بالأزواج ولكن بفاكهة! –وسنعرض بعد سطور عديدة من أين أتى بالفاكهة هذه- ونحن نعرض لك عزيزي القارئ ما رأيناه في القرآن متعلقا بالزواج أو التزويج, واكتفينا في عرضنا بالآيات المختلفات المعنى, أما الآيات التي تحمل معنى موجود في آيات مشابهة فلم نذكرها خشية الإطالة:
" َوقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ [البقرة : 35] (فالزوج هنا رجل وامرأة من جنس واحد)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء : 1] ( والزوج هنا خلية من نفس جنس الخلية الأخرى)
حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ [هود : 40] ( والزوجين هنا كما هو معلوم بداهة زوجين ذكر وأنثى من صنف واحد من الأنعام)
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الرعد : 3] (وكذلك هنا أزواج من الثمرات من النوع الواحد)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى : 50] ( ذكور وإناث من الجنس البشري)
َومِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات : 49]( أزواج مذكرة ومؤنثة وموجبة وسالبة للمخلوقات وكل زوج من نفس نوع الزوج المقابل!)
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [النجم : 45] ( الزوجين الذكر والأنثى من المخلوقات الحية عامة, وكل زوج من نفس صنف زوجه!)
ِفيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن : 52] (أزواج من الفاكهة في الجنة)
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير : 7] ( إما تزويج الأنفس في الأجساد أو أن النفوس تقسم إلى أزواج كل منها تابع لتقسيمه: سابقون و أصحاب يمين وأصحاب شمال)
وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 25] (أزواج من نفس الصنف)
وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام : 139] (أزواج بمعنى النساء في مقابلة الرجال)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ [الرعد : 23] ( أزواج بمعنى الصنف المقابل, فأزواج الرجال نساء وأزواج النساء رجال)
وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل : 72] (وهذه الآية مثل سابقتها ولكنها في الدنيا)
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [يس : 36] (سيطرة قانون الزوجية على النبات والإنسان وعلى ما لا نعلم )
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ [يس : 56] (إما بالمعنى المعروف أو بمعنى القرين من نفس الجنس)
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ [الصافات : 22] (الزوج بمعنى القرين من نفس الجنس)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ [الزخرف : 70] (دخول القرناء أو الأزواج الجنة مقترنين)
ويظهر للقارئ جليا من خلال هذه الآيات –وباقي الآيات في القرآن كذلك- أن التزويج لا يكون إلا بين الشيء وشبيهه أو نقيضه من نفس الجنس (الذكر والأنثى)! أما أن يحدث تزويج بين الشيء وشيء لا علاقة له به في جنسه فهذا ما لم نجده في القرآن –إلا على قول هؤلاء القائلين بتزويج الإنسان بالثمار!-
إذا نخرج من هذا التتبع بأن القول بتزويج الشيء بما ليس من جنسه لا أصل له في القرآن. ونستطرد لنر من أين أتى القائلون بهذا القول من أن الحور العين ثمار:
المنطلق الذي انطلقوا منه في هذه المسألة –على الرغم من أنه لا يسلم لهم أيضا- هو مسألة عود الضمير في هذه الآيات, فإذا نحن أخذنا آيات سورة الرحمن مثلا وجدناها تقول:
""وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَى أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ"
فيقولون: عند النظر في هذه الآيات نجد أن الله تعالى عند الحديث عن نعيم من خاف مقام ربه ذكر أن له جنتين وعند الحديث عنهما وجدنا أنه يستعمل صيغة المثنى "فيهما" ويكررها إلى أن قال " فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ " وقال في آخر السورة " فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ " فعلام يعود الضمير في هذه الآيات؟ فيقولون: من المعلوم بداهة أنه من غير الممكن أن يعود الضمير على الجنتين وإلا لقال الله تعالى "فيهما", فنفهم من ذلك أن مرجع الضمير شيء آخر! فنقول لهم: معكم كل الحق, فهلا قلتم لنا ما هو مرجع الضمير؟ وتأتينا الإجابة العجيبة وهي أن عود الضمير هو على مجموع أزواج الفاكهة وجنى الجنتين!!!!
وهذا تعسف, فإذا كان عود الضمير يعود على مجموع فمن الممكن لأي إنسان أن يعيد الضمير على ما يشاء! فيقول في أي آية من القرآن: ليس عود الضمير إلى كذا – والذي يتطابق معه في كل الأوصاف من جمع وتأنيث مثلا- ولكنه يعود إلى مجموع كذا وكذا! وهذا من عجيب عود الضمير في اللغة!
إذا لقد لاحظوا مخالفة الضمير فنزعوا الآية ولكنهم ما استطاعوا أن يجدوا مرجع الضمير فابتكروا من عند أنفسهم مرجعا جديدا للضمير!
أما نحن فنقول إن مرجع الضمير واضح جدا وجد ظاهر وهو قوله تعالى " مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ " فالضمير في "فيهن" يعود على الفرش! فأصحاب الجنة متكئين على فرش وفي هذه الفرش قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم! ويسأل الإنسان نفسه: ما هي قاصرة الطرف الموجودة في الفراش؟ ونترك السؤال لعبقرية القارئ! بداهة هي ........ (ونرجو أن يتذكر القارئ هذه الآية عند نقاشنا لآيات الواقعة)
فإذا قال القائل: سلمنا لك في هذه الآية أن مرجع الضمير هو الفرش لأن هذا هو الإمكانية المباشرة لها, فما تقول في الآية الأخيرة " فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ" فهذه الآية مرجع الضمير فيها لا يتعلق بالفرش وإنما يتعلق بالمذكورات السابقات وهي : فاكهة ونخل ورمان!
فنقول: نعم نحن نسلم أن مرجع الضمير ما تقولون, ولكن هل يعني هذا أن هذه الحور من نفس الجنس؟ إذا قلتم بهذا فعليكم أن تقولوا أن أصحاب اليمين سيصيروا ثمارا أيضا! فإذا نحن نظرنا في سورة الواقعة وجدنا الله تعالى يقول:
" وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ...." فهل معنى كونهم في سدر وطلح أنهم صاروا فاكهة؟!! هذا ما لا يقول به عاقل! لذا فنحن نفهم أن الخيرات الحسان في وسط هذه الأشجار المذكورة في الرحمن ولكنهن مقصورات في الخيام! ولسن في الهواء الطلق!
إذا فمسألة عود الضمير الذي استندوا إليه مسألة واهية وهي دليل ضدهم لا لهم!
قد يقول صاحب الرأي: بقيت آيات الواقعة وفيها يقول الله تعالى:
""وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لأَصْحَابِ الْيَمِينِ" فعلاما يعود الضمير في أنشأناهن؟ ألا يعود إلا الفاكهة؟!
نقول: لا, بداهة هو يعود إلى الفرش! فهي آخر مذكور, فأصحاب اليمين في كذا وكذا من النعيم وهم في فرش مرفوعة وفي هذه الفرش المرفوعة –في سورة الرحمن- توجد القاصرات الطرف! فيكون الحديث هنا استكمالا لتوصيف قاصرات الطرف فهن لم يطثهن إنس قبلهم ولاجان وهن أنشأن إنشاءا فجعلن أبكار! كلما جومعن عدن أبكارا كما كن! وهن عربا متوددات متقربات إلى أزواجهن!
فنخرج من هذا أن مسألة عود الضمير لا يستقيم لهم فيما يقولون.
وتبقى النقطة الأخيرة وهي مسألة السياق العام, فهم يرون أن السياق لا يستقيم مع القول بأن الحور العين أزواج!
وكما قلنا مسبقا: الحور العين ذكور وإناث وليست للرجال فقط! والرد على هذا القول جد بسيط ونطلب إلى القارئ أن يعود إلى الآيات التي ذكرناها في أول الموضوع والتي جمعنا فيها الأوصاف المتعلقة بالحور العين ويقرأ سياقها جيدا ويقارن بينها وبين الآية التي ختمنا بها هذه الآيات وهي آية 25 في سورة البقرة. وسيجد القارئ أن الآيات كلها تدور في نسق واحد وهو أن للمتقين كل أصناف النعيم من أكل وشرب ومتع جنسية ومتع بصرية وسمعية! أما على أقوال السادة فهناك تكرار لصنف وإهمال لصنف آخر!
ونحن متأكدون أن القارئ سيلاحظ من خلال السياق العام للآيات كلها أن الحديث فيها عن شيء مختلف عن الأكل! , وحتى لا تبقى أي نسبة شك لدى القارئ في كون الحور العين مختلفات تماما عن متع الأكل نقدم له آيات الواقعة وفيها يجد قوله تعالى :
"عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ "
فنلاحظ أن كل متع الطعام والشراب الواردة في الآيات ذكرت مجرورة فالأكواب والأباريق والكأس والفاكهة ولحم الطير كلها مجرورة, ثم يبدأ صنف جديد لا علاقة له بالأصناف الماضية وهو "وحور عين" فيأتي مرفوعا! ولو كان هذا الصنف تابعا للأصناف الماضية لعطف على السابق مجرورا وما بدأ به مستهلا لنوع جديد. وعلى أساس آيات الواقعة هذه التي ظهر فيها اختلاف الحور العين عن باقي الأصناف يمكننا أن نفهم باقي الآيات!
وتبقى النقطة الأخيرة وهي قولهم أنه لا يحسن تشبيه النساء باللؤلؤ أو المرجان وهذا التشبيه يستقيم مع الفاكهة!
نقول: لقد شبه الله تعالى في كتابه الكريم الولدان المخلدون باللؤلؤ المنثور فقال: "َيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً [الإنسان : 19]" ونلاحظ أن الله تعالى لم يقل أنهم كاللؤلؤ المنثور بل قال "حسبتهم لؤلؤا منثورا" وهذا يدل على شدة التشابه بينهم وبين اللؤلؤ! فما المانع إذن من تشبيه الحور العين باللؤلؤ أو المرجان؟ لا مانع على الإطلاق إلا إذا قالوا أن الولدان المخلدون ليسوا ولدانا وإنما ....!!!
وبهذا القول نكون قد أتينا على الأدلة التي استدل بها القائلون بأن الحور العين هي فاكهة!
سيقول قائل: بقيت نقطة واحدة وهي مسألة "زوجناهم ب" فلقد سلمت للقائل بأنها لا تعني الزواج وقلت أنها بمعنى الاقتران ولكن لم تزد على ذلك, فما هو المراد من ذلك؟
نقول: الناظر في القرآن يجد أنه حدد بصراحة عدد الحور العين المخلوقة لكل إنسان –وورد ذلك أيضا في بعض الروايات ولكنها ضاعت وأولت في وسط باقي الروايات- وهذا العدد هو أنه لكل إنسان حور واحد فقط من الحور العين, فللرجل واحدة وللمرأة واحد! هذا بخلاف الأزواج من الدنيا!
قد يقول قائل: ومن أين أتيت بهذا التحديد؟
نقول: من خلال آيات التزويج بالحور العين! فالناظر يجد أن الله تعالى قال: "وزوجناهم بحور" أي أن الله تعالى جعلهم أزواج بالحور العين! ومن المعلوم بداهة أن التزويج يكون بين فرد وآخر! ولو حدث اقتران بين فرد وأكثر من فرد أو فردة أخرى لما صار تزويجا !
إذا فالله تعالى يخبرنا في القرآن أنه زوجنا –أي صيرنا أزواجا- بالحور العين, وكما أثبتنا مسبقا فإن التزويج في القرآن لا يكون إلا بين الشيء ومثيله أو مضاده في الجنس! وهنا يكون التزويج بين الذكر والأنثى! وهذه الحور العين منشأة في الجنة! ولما توصلت إلى هذا الفهم, قلت أنظر في كتب التفسير لأعرف هل قال به أحد من السابقين أم لم يقل به أحد؟
فلما نظرت في تفسير الفخر الرازي وجدته يقول:
" ....... قال أبو عبيدة : جعلناهم أزواجاً كما يزوج البعل بالبعل أي جلعناهم اثنين اثنين ، واختلفوا في أن هذا اللفظ هل يدل على حصول عقد التزويج أم لا؟ ، قال يونس قوله { وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ } أي قرناهم بهن فليس من عقد التزويج ، والعرب لا تقول تزوجت بها وإنما تقول تزوجتها ، قال الواحدي رحمه لله والتنزيل يدل على ما قال يونس وذلك قوله { فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زوجناكها } [ الأحزاب : 37 ] ولو كان المراد تزوجت بها زوجناك بها وأيضاً فقول القائل زوجته به معناه أنه كان فرداً فزوجته بآخر كما يقال شفعته بآخر ، وأما الحور ، فقال الواحدي أصل الحور البياض والتحوير التبييض ، وقد ذكرنا ذلك في تفسير الحواريين ، وعين حوراء إذا اشتد بياض بياضها واشتد سواد سوادها ، ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون حور عينيها بياضاً في لون الجسد ، والدليل على أن المراد بالحور في هذه الآية البيض قراءة ابن مسعود بعيس عين والعيس البيض ، وأما العين فجمع عيناء وهي التي تكون عظيمة العينين من النساء ، فقال الجبائي رجل أعين إذا كان ضخم العين واسعها والأنثى عيناء والجمع عين ، ثم اختلفوا في هؤلاء الحور العين ، فقال الحسن هن عجائزكم الدرد ينشئهن الله خلقاً آخر ، وقال أبو هريرة إنهن ليسوا من نساء الدنيا." اهـ
إذا فهذا الفهم قال به بعض السابقين وليس بدعا من القول –ثم إنه المطابق للغة- . ومن العجيب أن يجد المرء في تفسير الرازي هذه الروايات التي تذكر اختلاف الصحابة والتابعين في خلق الحور العين ولا يجدها عند الطبري!
إذا فنحن نفهم الحور العين على أنهن رجال أو نساء ينشأهن الله تعالى في الجنة للمؤمنين فللرجل امرأة وللمرأة رجل منهن!
قد يقول قائل: ولكن كيف يكون ذلك؟ هل تجمع المرأة زوجين في الجنة؟
نقول: أولا ليس كل النساء متزوجات! فقد تموت المرأة ولا تتزوج! وقد تكون المرأة كارهة لزوجها ولا تريده ولكنها كانت صابرة في الدنيا وقد تكون المرأة تحب رجلا في الدنيا ولكنها زوجت من غيره , وقد يكون الرجل هو الذي لا يحب امرأته أو يكون قد أحب امرأة أخرى أحبت زوجها وهما في الجنة وقد وقد ... إلخ هذه الاحتمالات الممكنة! فما هو حل هذه الإشكاليات؟
إن حل هذه الإشكاليات يكمن في وجود رجل للمرأة يتشكل كما يحلو لها وامرأة للرجل تتشكل له كما يحلو له! فعندما يشتهي المرأة الفلانية يأمرها فتصير كفلانة وإذا كان يشتهي فلانة فيأمرها فتصير مثل هذه الأخرى ! وكذلك الحال بالنسبة للمرأة فإذا كانت تشتهي رجلا معينا في الدنيا فتأمر الحور فيتحور ويصير مثله وإذا كانت تشتهي فلانا آخر فتأمره فيتحور إلى الشكل الذي أرادت!
والناظر يجد أن ما نقول به هو الحل الوحيد لمشكلة غفل عنها الكثيرون ولا حل لها إلا ما نقول وهي:
إذا اشتهت المرأة الجنس وكان زوجها مشغولا مع الحور العين وسينام –كما ورد في الروايات – في أحضانهن مئات الأعوام! فماذا تفعل هذه المرأة؟ هل تنتطر مئات السنين؟ هذا لا يعني إلا وجود حرمان للمرأة في الجنة! وهذا ما لا يكون في الجنة! أما إذا قلنا أنها اشتهت الجنس مع زوجها فتأمر حوريها فيتحور إلى شكل زوجها فتمارس الجنس معه فلا حرج في ذلك!
المشكلة الكبرى عند السادة هو قولهم: كيف تمارس المرأة الجنس مع غير زوجها؟ نقول: وما الحرج في ذلك في الجنة؟ هناك من هو تحت أمرها – من خلق الجنة- تأمره فيتشكل لها كما يحلو لها, وهي في فعلها هذا كمن يمارس جنسا افتراضيا! فإذا نحن عرفنا أنه يوجد الآن بعض أجهزة الخيال الافتراضي والتي يضعها المرء على رأسه ويبدأ في مشاهدة بعض الوقائع يكون هو نفسه فيها! ويعيش هذه التجربة ليس كشخص مشاهد وإنما كشخص مشارك يمر بالتجربة التي يراها من خلال الجهاز! فهل إذا حدث ومارس الجنس عبر الجهاز يكون زانيا ويقام عليه الحد؟
لا أعتقد! فإذا كان هذا في الدنيا فلا أعتقد أن هناك حرج من حدوث المشابهة في الجنة مع الحور العين! ولكنها ذات أجسام حقيقية وليست صور افتراضية! كما أنه لا يشترط أن تمارس المرأة معه الجنس فهو فقط تحت أمرها! فقد تنشغل بزوجها وتكتفي بها وقد تكتفي بملاعبة هذا الحوري ومحاورته!
ثم إنه من الواجب علينا ألا نغفل عن نقطة رئيسة في علاقتنا في الجنة ببعض وهي أن الوضع في الجنة جد مختلف! فإذا كان الرجل سيكون مع زوجه وذريته فعليه أن يتذكر أنهم سيكونون كلهم في سن واحد! فالأب والأم والأولاد كلهم في نفس العمر! وهذا مما يعجب له الإنسان ولكنه سيكون في الجنة! فلن أكون مثلا أنا وإخوتي في الجنة كذرية لآبائنا كأطفال ويكون أبي رجلا! بل كلنا سنكون في نفس العمر ولكني في نفس الوقت ابنه!
فعلى هذا علينا أن نفهم أن العلاقة الأسرية والزوجية في الجنة مختلفة تماما عن الأرض.
وليس ما ذكرنا فقط هو الدليل على ما قلنا بل نجد أن الصيغة الماضية دليل على فهمنا لمسألة التزويج بمعنى الاقتران وهي استعمال الصيغة الماضية عند الحديث عن متع أهل الجنة! فنحن نجد أن الله تعالى يصف متع أهل الجنة بالصيغة الفعلية المضارعة أو الاسمية والتي تفيد الاستمرار والتجدد إلا التزويج فيوصف بالماضي " وزوجناهم" فهذا يدل على أن التزويج هو بمعنى الاقتران! والذي يحدث بمجرد دخول الجنة لا أن الرجل يتقلب بين حورية وأخرى ثم ألف وألف ألف ألف من الحوريات! ولو كان الوضع كذلك لذكرت هذه النعمة في الصيغة الاسمية أو صيغة المضارعة ولقد انتبه الإمام الفخر الرازي إلى هذه النقطة وحاول أن يتجاوزها فلم ينجح, فقال في تفسيره لسورة الطور:
" ....... فإن قيل قوله { زوجناهم } ذكره بفعل ماض و { مُتَّكِئِينَ } حال ولم يسبق ذكر فعل ماض يعطف عليه ذلك وعطف الماضي على الماضي والمستقبل على المستقبل أحسن ، نقول الجواب من وجوه اثنان لفظيان ومعنوي أحدها : أن ذلك حسن في كثير من المواضع ، تقول جاء زيد ويجيء عمراً وخرج زيد ثانيها : أن قوله تعالى : { إِنَّ المتقين فِى جنات وَنَعِيمٍ } تقديره أدخلناهم في جنات ، وذلك لأن الكلام على تقدير أن في اليوم الذي يدع الكافر في النار في ذلك الوقت يكون المؤمن قد أدخل مكانه ، فكأنه تعالى يقول في يوم يدعون إلى نار جهنم إن المتقين كائنون في جنّات والثالث : المعنوي وهو أنه تعالى ذكر مجزاة الحكم ، فهو في هذا اليوم زوج عباده حوراً عيناً ، ...." اهـ
إذا فالصيغة المتعدية بالباء والتوصيف بالزمن الماضي يحتمان أن يكون التزويج بالمعنى الذي قلنا وهو اقتران المتقي في الجنة بواحد من الحور العين! ولا يعجب القارئ فالحور جمع للمذكر وللمؤنث في عين الوقت وليس للمؤنث فقط! فهي على القول التقليدي جمع حوراء و أحور، ويقال للشخص الذي يكون سواد عينه شديداً وبياضها شفافاً، و (عين) جمع (عيناء) و أعين، بمعنى العين الواسعة، لأنّ أكثر جمال الإنسان في عيونه، فقد ذكر هذا الوصف خصوصاً.
أما نحن فنفهم الحور فهما مخالفا لما يقولون, فنحن نسلم لهم أن العين جمع عيناء وأعين أما الحور فلا نسلم لهم بما يقولون ونفهمه بالمعنى الأصلي له وهو التحور! فالحور العين خلق متحور يتحور ويتحول كما يريد الإنسان المتقي ليس أنه من الحور الموجود في العين! لأنه على قولهم يفترض أن الله تعالى عندما يصف هذا الخلق المنشأ للإنسان لا يصف فيه إلا العين! فيقول أنه أحور وصاحب عين واسعة! هذا إذا كان الحور أساسا وصفا للعين! فإذا نحن نظرنا في اللسان وجدنا أن ابن منظور يقول:
"الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإِلى الشيء، حارَ إِلى الشيء وعنه حَوْراً ومَحاراً ومَحارَةً وحُؤُورواً: رجع عنه وإِليه ....... وكل شيء تغير من حال إِلى حال، فقد حارَ يَحُور حَوْراً؛ قال لبيد: وما المَرْءُ إِلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ، يِحُورُ رَماداً بعد إِذْ هو ساطِعُ ........ والحَوَرُ أَن يَشْتَدَّ بياضُ العين وسَوادُ سَوادِها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيضَّ ما حواليها؛ وقيل: الحَوَرُ شِدَّةُ سواد المُقْلَةِ في شدّة بياضها في شدّة بياض الجسد، ولا تكون الأَدْماءُ حَوْراءَ؛ قال الأَزهري: لا تسمى حوراء حتى تكون مع حَوَرِ عينيها بيضاءَ لَوْنِ الجَسَدِ؛ ...... وقال الأَصمعي: لا أَدري ما الحَوَرُ في العين وقد حَوِرَ حَوَراً واحْوَرَّ، وهو أَحْوَرُ. .......... والتَّحْوِيرُ: التببيض. ........ قال: وأَصل التَّحْوِيرِ في اللغة من حارَ يَحُورُ، وهو الرجوع. والتَّحْوِيرُ: الترجيع، ........... والمِحْوَرُ الحديدة التي تجمع بين الخُطَّافِ والبَكَرَةِ، وهي أَيضاً الخشبة التي تجمع المَحَالَةَ. قال الزجاج: قال بعضهم قيل له مِحْوَرٌ للدَّوَرَانِ لأَنه يرجع إِلى المكان الذي زال عنه، وقيل: إِنما قيل له مِحْوَرٌ لأَنه بدورانه ينصقل حتى يبيض. وحَوَّرَ الخُبْزَةَ تَحْوِيراً: هَيَّأَها وأَدارها ليضعها في المَلَّةِ. وحَوَّرَ عَيْنَ الدابة: حَجِّرَ حولها بِكَيٍّ وذلك من داء يصيبها، والكَيَّةُ يقال لها الحَوْراءُ، سميت بذلك لأَن موضعها يبيضُّ؛ ويقال: حَوِّرْ عينَ بعيرك أَي حَجَّرْ حولها بِكَيٍّ. وحَوَّرَ عين البعير: أَدار حولها مِيسَماً." اهـ
فإذا فهمنا نحن أن الحور خلق (ذكر أو أنثى) منشأ في الجنة أبيض جميل متحور –بأمر من قرن به- نكون قد أخذنا المعنى الرئيس للفظ ونكون قد فارقنا بين الموصوف لا أنه موصوف واحد!
قد يقول قائل: قد نتفق معك فيما تقول, ولكن ألا ترى أن الوصف الوارد في الآيات يجعلها للإناث فقط وذلك بدليل قوله تعالى: "لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان" وكذلك قوله تعالى " فجعلناهن أبكارا" وكذلك التوصيف بصيغة المؤنث!
نقول: أما التوصيف بصيغة المؤنث فنجده يأتي في القرآن عامة لتوصيف النفس " ليس لوقعتها كاذبة" وليس للمؤنث فقط! ثم إنها تأتي كذلك أحيانا توصيفا للملائكة ومن المعلوم بنص القرآن أن الملائكة ليسوا إناثا! إذا فمسألة الوصف بصيغة المؤنث ليس دليلا لأن هذه الحور العين أنفس!
أما يخصوص الطمث فهو كما ورد في المقاييس:
" الطاء والميم والثاء أصلٌ صحيح يدلُّ على مسِّ الشيء. قال الشَّيباني: الطَّمْث في كلام العرب المسُّ، وذلك في كلِّ شيء. يقال: ما طَمَث ذا المرتعَ قبلنا أحد. قال: وكلُّ شيء يُطمث. " اهـ
وكما ورد في اللسان: " والطَّمْثُ المَسُّ، وذلك في كل شيءٍ يُمَسُّ.
ويقال للمَرْتَعِ: ما طَمَثَ ذلك المَرْتَعَ قبْلَنا أَحدٌ، وما طَمَثَ هذه الناقةَ حَبْلٌ قَطُّ أَي ما مَسَّها عِقالٌ. وما طَمَثَ البعيرَ حَبْلٌ أَي لم يَمَسَّه.وقوله تعالى: لم يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قبلهم ولا جانٌّ؛ قيل: معناه لم يَمْسَسْ، وقال ثعلب: معناه لم يَنْكِحْ.
والعرب تقول: هذا جَمَلٌ ما طَمَثَه حبلٌ قَطُّ أَي لم يَمَسَّه. ومعنى لم يَطْمِثْهُنَّ: لم يمسسهنّ. " اهـ
فالآية تقول أنه لم يلمسهن قبل المتقي إنس ولا جان! فهن أنشأن إنشاءا للمتقي خصيصا! أما الوصف بكونهن أبكارا فهن كما قلن يتحورن إلى الشكل الذي يريده المتقي فهن أبكار ففي كل تحور يظهر شكل بكر جديد لم يمسه أي إنسان! فإذا أراد الرجل أن يجعلها بكرا في كل مرة يجعلها! وإذا أرادها في كل مرة بشكل يجعلها كما يريد! وفهم الأبكار على المعنى الذي نقول به مشتمل للمعنى الآخر ويزيد عليه أنه يركز على نقطة هامة لكل إنسان وهي مسألة التجدد والاختلاف في كل مرة بخلاف مسألة كون المرأة بكرا فهذا لا يؤثر كثيرا في المتعة!
إذا نخرج من هذا بأن نعيم الجنة في القرآن مساو للذكر والأنثى ونفهمه بمعنى أشمل وأوسع من المعنى التقليدي! يبعد عن التصورات الأرضية الشهوانية! فلكل رجل وصيف مخلوق في الجنة! ذكرا كان أو أنثى حسب جنس من في الجنة! فإذا استغنى عنه واكتفى بزوجه الأرضي فلا حرج في ذلك! ونختم حديثنا بتذكير القرآنيين الذين ينكرون أن الحور العين خلق منشأ في الجنة بقولنا:
كما أعتقد فأنتم تسلمون بالولدان المخلدين وترون أنهم خلق أنشأ في الجنة لخدمة أهلها! فما الحرج والمانع أن ينشأ الله عزوجل خلقا آخر في الجنة لأهلها يقارن بينه وبين أهل الأرض يتمتع به كما يحلو له! فكما يقبل هذا يقبل ذاك.
تبقى النقطة الأخيرة في مسألة الأحاديث الواردة في تحديد هذا العدد وهي ما ورد من حديث معاذ رضي الله عنه عند أحمد و في سنن الترمذي بإسنادصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنماهو دخيل عندك يوشك أن يفارقك إلينا "
فلو كان للمرء أكثر من زوجة في الجنة لقال الرسول الكريم:" لقالت زوجة من زوجاته من الحور العين" ولكنا نلاحظ أن الرسول الكريم يقول " قالت زوجته من الحور العين" فنفهم من هذا أن لكل إنسان زوجة واحدة من الحور العين في الجنة وهذا ما جاء في النص القرآني!
وهناك حديث آخر يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى اللهعليه وسلم -: " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون،ولا يمتخطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن ".
ففي هذا الحديث يتكلم الرسول عن أول زمرة ممن يدخلون الجنة وهم بداهة رجال ونساء وليسوا رجالا فقط! فهم وصفهم كذا وكذا ولكل واحد منهما زوجان ( الرواية المذكورة تقول "زوجتان" ورواية معاذ تقول " زوجته" وفي النفس من صدور كلمة " زوجة" من الرسول الكريم شيء بل أشياء كثيرة, فالرسول أفصح العرب يترك استعمال القرآن ويستعمل استعمال آخر! نحن نرجح أن يكون من تصرف الراوي حيث قال زوجتان مكان "زوجان" و "زوجته" مكان "زوجه"! )
واختلف العلماء في كون هذين الزوجين هل هما من أهل الأرض أم هل هما من الحور العين؟ ورجح بعضهم أن يكن من الحور العين!
ولكني أرى رأيا مخالفا فنقول أنهما من الأرض والجنة وبهذا يكون هذا الحديث موافقا لما نقول, فلكل منهما زوجان! زوج من الأرض وزوج من الجنة!
وبعد هذه الجولة الطويلة مع الحور العين نكون قد أثبتنا أن الحور العين جنس مماثل لجنس البشر حيث أنه من غير الممكن حدوث التزويج بين الشيء والآخر من غير جنسه, وأظهرنا استحالة كون الحور العين فاكهة كما وضحنا عدد الحور العين لكل مؤمن وهو واحد فقط ليس أكثر كما قدمنا فهما جديدا موسعا لكلمة "حور" أدخلنا فيه المعنى التقليدي الذي يقولون به.
ندعو الله أن يهدينا لما فيه خير الصواب ويغفر لنا الزلل والخلل!