نقوس المهدي
كاتب
-1-
نعم؛ لقد جاء الإسلام في مجتمع منفتح جنسيًا أشد ما يكون الانفتاح، جاء وشريعة تعدد الزوجات راسخة في حياة العرب منذ قرون، على تعدد أديانهم، شأنها شأن الاسترقاق أو العبودية، ولما استحال على الإسلام أن يحرم العبودية، واكتفى بتقنينها وتحسين شروطها، مراعاة لظروف المجتمع، استحال عليه أيضًا أن يحرم تعدد الزوجات، واكتفى بتقنين العلاقات الجنسية.
هذا ما انتهينا إليه في المقال السابق. والآن؛ يجب أن نوضح شكل تلك العلاقات الجنسية في مجتمع النص، وسنبدأ بمؤسسة الزواج، التي هي المؤسسة الأولى لممارسة النكاح، لنرى كيف تعددت أشكالها وتنوّعت.
(1) نكاح البعولة:
كلمة بَعْل، تعني سيد أو مالك، وهي إشارة إلى الزوج. أما الزوجة فكانت تُسمى "بعلت" أو "بعلة"، وهي كلمة، كما تشير النصوص العربية القديمة، تعني "الحيازة"، أي أن الزوجة أصبحت ملكية يحوزها الزوج. ونكاح البعولة هو النكاح السائد اليوم، والذي اعتمده الإسلام كنكاح شرعي من بين كل أنكحة الجاهلية.
وهو النكاح الذي يتم بموجب اتفاق أو عقد بين الرجل وأهل المرأة، يصبح فيه الرجل بمقتضى هذا العقد سيدها ومالكها، وتصبح هي ملكية له، يستطيع ممارسة الجنس معها أنا شاء. وهو أمر من شأنه أن يقود تلقائيًا إلى وجوب دفع الرجل للمهر نظير المتعة التي سيحصل عليها. وهذا ما كان يفعله العرب في الجاهلية.
ولما كان الزوج قد دفع مالاً ليشتري به المتعة من الجسد المملوك، كان هذا الجسد يتم توريثه كما يورث المال والعقار، وهو الأمر الذي عبر عنه جواد على بالقول: ولذلك عوملت الزوجة بعد وفاة زوجها معاملة "التركة"، أي: ما يتركه الإنسان بعد وفاته؛ لأنها كانت في ملك زوجها وفي يمينه.
إلا أن هذا النكاح كان له طريق آخر غير عقود التراضي، أو اتفاقات التجار، وهو طريق الحروب، فإذا حدث وسبت قبيلة نساء قبيلة أخرى، فحاز رجل منهم امرأة، فمارس معها الجنس، وأنجب منها أولاد تدخل حينئذ في عداد زوجاته، وهو الأمر الذي انتقل إلى الإسلام أيضًا تحت بند ما يُطلق عليه الفقهاء "أم الولد".
وفي هذا النوع من النكاح كان للرجل حق التعدد اللامحدود، فهو يستطيع أن يجمع من الزوجات ما يشاء في وقت واحد. وقد جاء في سنن الترمذي أَنَّ غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية. وفي سنن ابن ماجة، وعن قيس بن الحارث قال: أسلمت وعندي ثماني نسوة. هذا – طبعًا – بخلاف الجواري وملكات اليمين!
وكما كانت شريعة تعدد الزوجات سائدة، عرف بعض العرب أيضاً "تعدد الأزواج"، فكان هناك من الإخوة من يشتركون في الزوجة الواحدة، شأن مشاركتهم بعضهم البعض في المال والتجارة، وإذا ما أراد أحدهم أن ينكح الزوجة وضع عصاه على باب الخيمة، ليعرف بقية الإخوة أن الزوجة مشغولة! أما أثناء الليل، فالمرأة للأخ الأكبر وحده.
ولأن تحديد الأب في هذا النوع من النكاح من الصعوبة بمكان، فكان الابن ينسب غالبًا إلى الأم، وكان هذا الزواج بدوره لا يتم إلا في إطار العشيرة الواحدة، أما إذا تخطى أحدهم حدود العشيرة، عُد فعله "زنا".
فالزنا إذن؛ في فلسفته الأعمق، جرم اقتصادي، وليس أخلاقيا، لأنه اعتداء على ملكية الغير.. وهو الأمر الذي سيظهر معنا بوضوح بعد استعراض بقية أنوع النكاح في الجاهلية.
(2) نكاح الظعينة:
إذا سبى رجل امرأة من قبيلة أخرى، وأراد أن يتخذها زوجة له، بدون بذلٍ للمال، كما هو حاصل في نكاح البعولة، فله ذلك. وليس للمرأة بالطبع أن ترفض أو تبدي أي اعتراض، فيكون النكاح وقتئذ بدون خطبة ولا مهر، ذلك لأنها قد وقعت في حيازته بالفعل، قبل الرغبة في النكاح، فما الدافع لتقديم الأموال؟!
(3) نكاح المتعة:
كان نكاح المتعة، الذي أقره الإسلام واختلف الفقهاء والإخباريون حول الذي أبطله ومتى، معروف أيضًا في الجاهلية، ويختلف عن نكاح البعولة أنه نكاح مؤقت، معلوم مدته مسبقًا، وهو نكاح كان تستدعيه ظروف الترحال الدائم، فكان الرجل إذا أراد أن يحصل على المتعة الجنسية اتفق مع امرأة على أن يجامعها مدة معلومة مقابل أجر محدد من المال يتم الاتفاق عليه مسبقاً، وقد أشار القرآن إلى ضرورة الوفاء بهذا الأجر واعتبره فريضة، حين قال: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً.
وهي الآية التي كانت في مصحف أبيّ - بحسب ما يقول الطبري - مكتوبة بهذا الشكل: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى. وقد أقسم حبر الأمة عبدالله بن عباس، ثلاث مرات، أن الله أنزلها كذلك: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى. وبدوره؛ أكد سعيد بن جبير – رضي الله عنه – صحة قسم ابن عباس، فكان يقرأها: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن.
ويختلف نكاح المتعة عن نكاح البعولة في أنه حال حدوث حمل أو إنجاب، يكون النسب فيه – غالبًا – للمرأة. فيحصل الطفل على نسب عشيرة الأم. ولا يترتب على الانفصال بعد انقضاء المدة أي التزامات مادية، ذلك لأن المرأة في هذه الحالة لم تدخل ضمن حيازة الرجل أو ملكيته كما في نكاح البعولة، ولم تكن له وحده.
(4) نكاح الاستبضاع:
تحسين النسل هو الغرض من هذا النكاح. فكان الرجل أحيانًا يطلب من زوجته بعد أن تنقضي مدة طمثها، أن تذهب لتمارس الجنس مع فارس شجاع أو سيد شريف في القبيلة، يختاره هو، كي تحمل منه، رغبة في أن يأتي الولد حاملاً معه جينات هذا الفارس أو السيد الوراثية.
أما إذا ما سألنا كيف لرجل أن يفعل ذلك مع زوجته، فالجواب، كما أشرنا سابقًا، ونكرر، لأن الزوجة "ملكية" في حيازة الزوج، يستطيع أن يفعل بها ما يشاء.
وبالإضافة لغرض تحسين النسل وإنجاب الأطفال كان هناك غرض اقتصادي لهذا النوع من النكاح، فمالك الجارية كان يطلب منها ما يطلبه من زوجته، أن تستبضع من رجل شريف، حتى يُحسِّن من نسل عبيده وإمائه، ومن ثمَّ يبيعهم بأثمن الأجور ويحقق أعلى العوائد.
(5) نكاح البدل:
أو تبادل الزوجات، وهو أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي. وبينما يعتبره الدكتور جواد علي زواجا بطريق المبادلة لكن بغير مهر، يرى الدكتور جمال جمعة أنه مجرد تبادل مؤقت للزوجات بغرض الاستمتاع عن طريق التغيير، دون الحاجة إلى إعلان طلاق أو إنشاء عقد.
فهل اكتفي العرب بهذه الأنواع المتعددة من الزواج؟ هذا ما سنعرفه في المقال القادم إن شاء الله.
للتواصل مع الكاتب عبر فيسبوك
المصادر:
تفسير الطبري. المجلد الثامن. صـ 177.
سنن الترمذي. المجلد الثالث. صـ 427. تحقيق: أحمد محمد شاكر. ومحمد فؤاد عبد الباقي.
سنن ابن ماجة. المجلد الأول. صـ 628. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. جواد علي. المجلد العاشر. صـ 205 وما بعدها. طـ: الساقي.
نزهة الألباب فيما لا يوجد في الكتاب. صـ 18.
وسماء الآغا - العراق.
نعم؛ لقد جاء الإسلام في مجتمع منفتح جنسيًا أشد ما يكون الانفتاح، جاء وشريعة تعدد الزوجات راسخة في حياة العرب منذ قرون، على تعدد أديانهم، شأنها شأن الاسترقاق أو العبودية، ولما استحال على الإسلام أن يحرم العبودية، واكتفى بتقنينها وتحسين شروطها، مراعاة لظروف المجتمع، استحال عليه أيضًا أن يحرم تعدد الزوجات، واكتفى بتقنين العلاقات الجنسية.
هذا ما انتهينا إليه في المقال السابق. والآن؛ يجب أن نوضح شكل تلك العلاقات الجنسية في مجتمع النص، وسنبدأ بمؤسسة الزواج، التي هي المؤسسة الأولى لممارسة النكاح، لنرى كيف تعددت أشكالها وتنوّعت.
(1) نكاح البعولة:
كلمة بَعْل، تعني سيد أو مالك، وهي إشارة إلى الزوج. أما الزوجة فكانت تُسمى "بعلت" أو "بعلة"، وهي كلمة، كما تشير النصوص العربية القديمة، تعني "الحيازة"، أي أن الزوجة أصبحت ملكية يحوزها الزوج. ونكاح البعولة هو النكاح السائد اليوم، والذي اعتمده الإسلام كنكاح شرعي من بين كل أنكحة الجاهلية.
وهو النكاح الذي يتم بموجب اتفاق أو عقد بين الرجل وأهل المرأة، يصبح فيه الرجل بمقتضى هذا العقد سيدها ومالكها، وتصبح هي ملكية له، يستطيع ممارسة الجنس معها أنا شاء. وهو أمر من شأنه أن يقود تلقائيًا إلى وجوب دفع الرجل للمهر نظير المتعة التي سيحصل عليها. وهذا ما كان يفعله العرب في الجاهلية.
ولما كان الزوج قد دفع مالاً ليشتري به المتعة من الجسد المملوك، كان هذا الجسد يتم توريثه كما يورث المال والعقار، وهو الأمر الذي عبر عنه جواد على بالقول: ولذلك عوملت الزوجة بعد وفاة زوجها معاملة "التركة"، أي: ما يتركه الإنسان بعد وفاته؛ لأنها كانت في ملك زوجها وفي يمينه.
إلا أن هذا النكاح كان له طريق آخر غير عقود التراضي، أو اتفاقات التجار، وهو طريق الحروب، فإذا حدث وسبت قبيلة نساء قبيلة أخرى، فحاز رجل منهم امرأة، فمارس معها الجنس، وأنجب منها أولاد تدخل حينئذ في عداد زوجاته، وهو الأمر الذي انتقل إلى الإسلام أيضًا تحت بند ما يُطلق عليه الفقهاء "أم الولد".
وفي هذا النوع من النكاح كان للرجل حق التعدد اللامحدود، فهو يستطيع أن يجمع من الزوجات ما يشاء في وقت واحد. وقد جاء في سنن الترمذي أَنَّ غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية. وفي سنن ابن ماجة، وعن قيس بن الحارث قال: أسلمت وعندي ثماني نسوة. هذا – طبعًا – بخلاف الجواري وملكات اليمين!
وكما كانت شريعة تعدد الزوجات سائدة، عرف بعض العرب أيضاً "تعدد الأزواج"، فكان هناك من الإخوة من يشتركون في الزوجة الواحدة، شأن مشاركتهم بعضهم البعض في المال والتجارة، وإذا ما أراد أحدهم أن ينكح الزوجة وضع عصاه على باب الخيمة، ليعرف بقية الإخوة أن الزوجة مشغولة! أما أثناء الليل، فالمرأة للأخ الأكبر وحده.
ولأن تحديد الأب في هذا النوع من النكاح من الصعوبة بمكان، فكان الابن ينسب غالبًا إلى الأم، وكان هذا الزواج بدوره لا يتم إلا في إطار العشيرة الواحدة، أما إذا تخطى أحدهم حدود العشيرة، عُد فعله "زنا".
فالزنا إذن؛ في فلسفته الأعمق، جرم اقتصادي، وليس أخلاقيا، لأنه اعتداء على ملكية الغير.. وهو الأمر الذي سيظهر معنا بوضوح بعد استعراض بقية أنوع النكاح في الجاهلية.
(2) نكاح الظعينة:
إذا سبى رجل امرأة من قبيلة أخرى، وأراد أن يتخذها زوجة له، بدون بذلٍ للمال، كما هو حاصل في نكاح البعولة، فله ذلك. وليس للمرأة بالطبع أن ترفض أو تبدي أي اعتراض، فيكون النكاح وقتئذ بدون خطبة ولا مهر، ذلك لأنها قد وقعت في حيازته بالفعل، قبل الرغبة في النكاح، فما الدافع لتقديم الأموال؟!
(3) نكاح المتعة:
كان نكاح المتعة، الذي أقره الإسلام واختلف الفقهاء والإخباريون حول الذي أبطله ومتى، معروف أيضًا في الجاهلية، ويختلف عن نكاح البعولة أنه نكاح مؤقت، معلوم مدته مسبقًا، وهو نكاح كان تستدعيه ظروف الترحال الدائم، فكان الرجل إذا أراد أن يحصل على المتعة الجنسية اتفق مع امرأة على أن يجامعها مدة معلومة مقابل أجر محدد من المال يتم الاتفاق عليه مسبقاً، وقد أشار القرآن إلى ضرورة الوفاء بهذا الأجر واعتبره فريضة، حين قال: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً.
وهي الآية التي كانت في مصحف أبيّ - بحسب ما يقول الطبري - مكتوبة بهذا الشكل: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى. وقد أقسم حبر الأمة عبدالله بن عباس، ثلاث مرات، أن الله أنزلها كذلك: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى. وبدوره؛ أكد سعيد بن جبير – رضي الله عنه – صحة قسم ابن عباس، فكان يقرأها: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن.
ويختلف نكاح المتعة عن نكاح البعولة في أنه حال حدوث حمل أو إنجاب، يكون النسب فيه – غالبًا – للمرأة. فيحصل الطفل على نسب عشيرة الأم. ولا يترتب على الانفصال بعد انقضاء المدة أي التزامات مادية، ذلك لأن المرأة في هذه الحالة لم تدخل ضمن حيازة الرجل أو ملكيته كما في نكاح البعولة، ولم تكن له وحده.
(4) نكاح الاستبضاع:
تحسين النسل هو الغرض من هذا النكاح. فكان الرجل أحيانًا يطلب من زوجته بعد أن تنقضي مدة طمثها، أن تذهب لتمارس الجنس مع فارس شجاع أو سيد شريف في القبيلة، يختاره هو، كي تحمل منه، رغبة في أن يأتي الولد حاملاً معه جينات هذا الفارس أو السيد الوراثية.
أما إذا ما سألنا كيف لرجل أن يفعل ذلك مع زوجته، فالجواب، كما أشرنا سابقًا، ونكرر، لأن الزوجة "ملكية" في حيازة الزوج، يستطيع أن يفعل بها ما يشاء.
وبالإضافة لغرض تحسين النسل وإنجاب الأطفال كان هناك غرض اقتصادي لهذا النوع من النكاح، فمالك الجارية كان يطلب منها ما يطلبه من زوجته، أن تستبضع من رجل شريف، حتى يُحسِّن من نسل عبيده وإمائه، ومن ثمَّ يبيعهم بأثمن الأجور ويحقق أعلى العوائد.
(5) نكاح البدل:
أو تبادل الزوجات، وهو أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي. وبينما يعتبره الدكتور جواد علي زواجا بطريق المبادلة لكن بغير مهر، يرى الدكتور جمال جمعة أنه مجرد تبادل مؤقت للزوجات بغرض الاستمتاع عن طريق التغيير، دون الحاجة إلى إعلان طلاق أو إنشاء عقد.
فهل اكتفي العرب بهذه الأنواع المتعددة من الزواج؟ هذا ما سنعرفه في المقال القادم إن شاء الله.
للتواصل مع الكاتب عبر فيسبوك
المصادر:
تفسير الطبري. المجلد الثامن. صـ 177.
سنن الترمذي. المجلد الثالث. صـ 427. تحقيق: أحمد محمد شاكر. ومحمد فؤاد عبد الباقي.
سنن ابن ماجة. المجلد الأول. صـ 628. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. جواد علي. المجلد العاشر. صـ 205 وما بعدها. طـ: الساقي.
نزهة الألباب فيما لا يوجد في الكتاب. صـ 18.
صورة مفقودة
وسماء الآغا - العراق.