نقوس المهدي
كاتب
لم تظهر الحرية الجنسية في بلاد الفرنجة بين عشية وضحاها، برزت على السطح كنتيجة لا كفعل، نتاج لتفاعل عوامل كثيرة جدًا، على مدار أربعة قرون على الأقل. فلسفة الجنس في الغرب ترتكز علي شرطين تاريخيين. الأول إنساني والثاني ديني!
الشرط الأول: الحرية الفردية. وتلك نتيجة أخري لرحلة كفاح فكرية واقتصادية وسياسية طويلة جدًا.
الشرط الثاني: دحض فرضية عرفت على مدار عشرات القرون باسم "الخطيئة الأولى".
هذه الأخيرة بالذات كانت تكليلا لجهود جيوش مجيشة من المفكرين والفلاسفة، بداية من إيراسموس، ووصولاً إلى ميشيل فوكو.
بفعل هذه المجهودات، تحول الجنس من فعل موصوف بالخطيئة، كما في الكتاب المقدس الذي يدين به الغرب، إلى فعل مقبول اجتماعيا، بمشروطيه وحيدة فقط: التراضي، ولا شيء غيره!
في فترة ليست ببعيدة عن زماننا هذا، كانت أوروبا تعاني ما تعانيه مجتمعاتنا حرفيا، كانت قد خرجت من شرنقة الظلام وتخبطه، ولم تلج بعد مرحلة النور وسكينته، قدماها المرتعشتان، بفعل الإرث الديني، كانتا لم تطأ بعد مرحلة الاعتراف بطبيعية الغرائز.
كان الجنس لا يزال أحد الطواطم والتابوهات. في العلن فقط كان كذلك، بيد أن الوضع لم يكن كذلك في السر، تماما كوضعه عندنا. في إنجلترا مثلاً وحتى بداية القرن التاسع عشر، كان من غير اللائق أن يطلب الرجل الجالس على مائدة الطعام من السيدة الجالسة مقابله تقديم أرجل الدجاج! لماذا؟ لأن ذلك يعد تلميحا جنسيا مثيرا! وعند زيارة الطبيب كان محظورًا على السيدات الإشارة لموضع الألم على أجسادهن. كن يستخدمن دمى بديلة. عرائس. والسبب؟ كي لا يثرن غرائز الأطباء! وأكثر من ذلك أنهم كانوا يضربون الحجاب بين كتب الرجال وكتب السيدات على أرفف المكتبات!
في هذه الفترة تحديدًا عاش الطبيب الشاب "سيجموند فرويد"، أواخر القرن التاسع عشر، وكانت إحدى المشكلات التي تعاني منها الأوروبيات على وجه التحديد، وليس الحصر، هي أعراض ما عرف آنذاك باسم "الهستريا". فمن لتحليل الأسباب سوى فرويد؟!
اجتمعت أمام فرويد العديد من الشواهد التي جعلته يقول إن كل الأعراض الهستيرية تبدأ من فراش الزوجية، أو الحرمان الجنسي، كان يعالج أحد الشخصيات الأرستقراطية، بالمشاركة مع طبيب آخر، وبعد أن برأت المريضة تمامًا، إذا بها تتعرض لنوبة شديدة من التقلصات والتشنجات، انتكاسة كانت قد ألمت بها، ولما ذهب زميله الذي كان يدعى "بروير" لفحصها إذا بها تقول له منتشية : طفل الدكتور بروير قادم الآن! ياللهول! السيدة الأرستقراطية تمارس الجنس مع الدكتور برويز. في مخيلتها تمارسه، كانت تمارس الجنس بجسدها المكبوت!
مرة أخرى، كان صديق له قد أجرى جراحة في الأنف لإحدى مريضاته، والمؤسف أنه قد نسي قطعة من الشاش داخل منخارها، وأثناء إعادة فتح الجرح لاستخراج الشاش، صرخت المريضة في حضور فرويد قائلة: هذه هي الممارسة الجنسية العنيفة إذن! والشواهد أكثر من أن تحصى. وسواء اتفقت مع فرضيات "فرويد"؛ التي كان هو شخصيًا قد تراجع عن جزء كبير منها، أو اختلفت، لا أعتقد أن باستطاعتك أن تنكر أنها مثلت ناقوس خطر وصفارات إنذار، سمعت الغرب دويها.. واستجاب!
الاستجابة الأولى أو بالأحرى الأهم، جاءت بعد أن ثبت للمتخصصين في علم النفس مدى تأثير الجنس على الحالة المزاجية والإنتاجية للبشر، بدأت بعد أن ثبت لهم صحة بعض ما ذهب إليه فرويد، وجاءت من غرب الأطلسي، من أمريكا، حيث تطور علم النفس الأوروبي النشأة. هكذا هي دومًا مسيرة التطور، خطوات تُبني عليها خطوات.
من هناك، من ولاية إنديانا تحديداً، وفي عام 1947أقدم عالم الأحياء "ألفريد كنزي" على إنشاء أول معهد متخصص للدراسات الجنسية. كانت هذه أول محاولة يكتب لها النجاح بعد أن حطم الألمان معهد شبيه قام بتأسيسه الطبيب "ماجنوس هيرشفيلد". حدث ذلك بعد أن غير الرجل اهتمامه لدراسة السلوك الجنسي. لاحظ أن البشرية، في هذا التوقيت، كانت تعرف عن الجنس في عالم الحيوان أكثر ما تعرف عنه في عالم البشر، بدأ أبحاثه علي تلاميذه في الجامعة!
اكتشف الرجل بعد أن فرّغ نتائج عشرة آلاف عينة، أن الخيانات الزوجية كانت شائعة بشكل يفوق الوصف، فضلاً عن إقرار 50 % من نساء العينة أنهن قد مارسن الجنس قبل الزواج، في الولاية المحافظة – كمجتمعاتنا – جداً. ومن ذات العينة، وجد أن 92 % من الرجال يمارسون العادة السرية، وكذلك 65 % من النساء، لكن ليس هذا كل ما في الأمر.. فقد أثبتت العينات، أن 50 % من النساء تقريباً قد مارسن علاقة جنسية مع نساء أخريات. و 8% من الرجال و 3% من النساء مارسوا الجنس مع الحيوانات!
في 25 أغسطس عام 1956 توفي ألفريد كنزي ، ولازال العالم يعرفه حتى اليوم بثلاث فضائل. الأولى: كتابيه؛ السلوك الجنسي للرجال، والسلوك الجنسي للنساء. الثانية: مقياس كنزي للميول الجنسية، والذي وضع فيه سلم للرغبات تجاه الجنس الآخر، يبدأ من الرقم صفر، بـ Exclusively heterosexual وينتهي بالرقم 6 أو ما يعرف بـ Exclusively homosexual.
أما الفضيلة الثالثة: فهي كشفه عن حقيقة الممارسات الجنسية المخفية تحت قشرة الدين، في المجتمع الأمريكي المتدين جداً، ومن ثم أعتبر هذا الرجل بالذات القادح الأهم لما عرف في حقبة الستينيات، بعد مماته، باسم الثورة الجنسية، تلك التي فتحت الباب علي مصراعيه للدخول إلي عالم الجنس لكن من باب العلم هذه المرة.
وللحديث – إن شاء الله – بقية.
.
فايزة مغني - الجزائر
الشرط الأول: الحرية الفردية. وتلك نتيجة أخري لرحلة كفاح فكرية واقتصادية وسياسية طويلة جدًا.
الشرط الثاني: دحض فرضية عرفت على مدار عشرات القرون باسم "الخطيئة الأولى".
هذه الأخيرة بالذات كانت تكليلا لجهود جيوش مجيشة من المفكرين والفلاسفة، بداية من إيراسموس، ووصولاً إلى ميشيل فوكو.
بفعل هذه المجهودات، تحول الجنس من فعل موصوف بالخطيئة، كما في الكتاب المقدس الذي يدين به الغرب، إلى فعل مقبول اجتماعيا، بمشروطيه وحيدة فقط: التراضي، ولا شيء غيره!
في فترة ليست ببعيدة عن زماننا هذا، كانت أوروبا تعاني ما تعانيه مجتمعاتنا حرفيا، كانت قد خرجت من شرنقة الظلام وتخبطه، ولم تلج بعد مرحلة النور وسكينته، قدماها المرتعشتان، بفعل الإرث الديني، كانتا لم تطأ بعد مرحلة الاعتراف بطبيعية الغرائز.
كان الجنس لا يزال أحد الطواطم والتابوهات. في العلن فقط كان كذلك، بيد أن الوضع لم يكن كذلك في السر، تماما كوضعه عندنا. في إنجلترا مثلاً وحتى بداية القرن التاسع عشر، كان من غير اللائق أن يطلب الرجل الجالس على مائدة الطعام من السيدة الجالسة مقابله تقديم أرجل الدجاج! لماذا؟ لأن ذلك يعد تلميحا جنسيا مثيرا! وعند زيارة الطبيب كان محظورًا على السيدات الإشارة لموضع الألم على أجسادهن. كن يستخدمن دمى بديلة. عرائس. والسبب؟ كي لا يثرن غرائز الأطباء! وأكثر من ذلك أنهم كانوا يضربون الحجاب بين كتب الرجال وكتب السيدات على أرفف المكتبات!
في هذه الفترة تحديدًا عاش الطبيب الشاب "سيجموند فرويد"، أواخر القرن التاسع عشر، وكانت إحدى المشكلات التي تعاني منها الأوروبيات على وجه التحديد، وليس الحصر، هي أعراض ما عرف آنذاك باسم "الهستريا". فمن لتحليل الأسباب سوى فرويد؟!
اجتمعت أمام فرويد العديد من الشواهد التي جعلته يقول إن كل الأعراض الهستيرية تبدأ من فراش الزوجية، أو الحرمان الجنسي، كان يعالج أحد الشخصيات الأرستقراطية، بالمشاركة مع طبيب آخر، وبعد أن برأت المريضة تمامًا، إذا بها تتعرض لنوبة شديدة من التقلصات والتشنجات، انتكاسة كانت قد ألمت بها، ولما ذهب زميله الذي كان يدعى "بروير" لفحصها إذا بها تقول له منتشية : طفل الدكتور بروير قادم الآن! ياللهول! السيدة الأرستقراطية تمارس الجنس مع الدكتور برويز. في مخيلتها تمارسه، كانت تمارس الجنس بجسدها المكبوت!
مرة أخرى، كان صديق له قد أجرى جراحة في الأنف لإحدى مريضاته، والمؤسف أنه قد نسي قطعة من الشاش داخل منخارها، وأثناء إعادة فتح الجرح لاستخراج الشاش، صرخت المريضة في حضور فرويد قائلة: هذه هي الممارسة الجنسية العنيفة إذن! والشواهد أكثر من أن تحصى. وسواء اتفقت مع فرضيات "فرويد"؛ التي كان هو شخصيًا قد تراجع عن جزء كبير منها، أو اختلفت، لا أعتقد أن باستطاعتك أن تنكر أنها مثلت ناقوس خطر وصفارات إنذار، سمعت الغرب دويها.. واستجاب!
الاستجابة الأولى أو بالأحرى الأهم، جاءت بعد أن ثبت للمتخصصين في علم النفس مدى تأثير الجنس على الحالة المزاجية والإنتاجية للبشر، بدأت بعد أن ثبت لهم صحة بعض ما ذهب إليه فرويد، وجاءت من غرب الأطلسي، من أمريكا، حيث تطور علم النفس الأوروبي النشأة. هكذا هي دومًا مسيرة التطور، خطوات تُبني عليها خطوات.
من هناك، من ولاية إنديانا تحديداً، وفي عام 1947أقدم عالم الأحياء "ألفريد كنزي" على إنشاء أول معهد متخصص للدراسات الجنسية. كانت هذه أول محاولة يكتب لها النجاح بعد أن حطم الألمان معهد شبيه قام بتأسيسه الطبيب "ماجنوس هيرشفيلد". حدث ذلك بعد أن غير الرجل اهتمامه لدراسة السلوك الجنسي. لاحظ أن البشرية، في هذا التوقيت، كانت تعرف عن الجنس في عالم الحيوان أكثر ما تعرف عنه في عالم البشر، بدأ أبحاثه علي تلاميذه في الجامعة!
اكتشف الرجل بعد أن فرّغ نتائج عشرة آلاف عينة، أن الخيانات الزوجية كانت شائعة بشكل يفوق الوصف، فضلاً عن إقرار 50 % من نساء العينة أنهن قد مارسن الجنس قبل الزواج، في الولاية المحافظة – كمجتمعاتنا – جداً. ومن ذات العينة، وجد أن 92 % من الرجال يمارسون العادة السرية، وكذلك 65 % من النساء، لكن ليس هذا كل ما في الأمر.. فقد أثبتت العينات، أن 50 % من النساء تقريباً قد مارسن علاقة جنسية مع نساء أخريات. و 8% من الرجال و 3% من النساء مارسوا الجنس مع الحيوانات!
في 25 أغسطس عام 1956 توفي ألفريد كنزي ، ولازال العالم يعرفه حتى اليوم بثلاث فضائل. الأولى: كتابيه؛ السلوك الجنسي للرجال، والسلوك الجنسي للنساء. الثانية: مقياس كنزي للميول الجنسية، والذي وضع فيه سلم للرغبات تجاه الجنس الآخر، يبدأ من الرقم صفر، بـ Exclusively heterosexual وينتهي بالرقم 6 أو ما يعرف بـ Exclusively homosexual.
أما الفضيلة الثالثة: فهي كشفه عن حقيقة الممارسات الجنسية المخفية تحت قشرة الدين، في المجتمع الأمريكي المتدين جداً، ومن ثم أعتبر هذا الرجل بالذات القادح الأهم لما عرف في حقبة الستينيات، بعد مماته، باسم الثورة الجنسية، تلك التي فتحت الباب علي مصراعيه للدخول إلي عالم الجنس لكن من باب العلم هذه المرة.
وللحديث – إن شاء الله – بقية.
.
صورة مفقودة
فايزة مغني - الجزائر