نقوس المهدي
كاتب
1
وحين حطت قافلة الحضارة رحلها في محطة "بابل"، كان رحم المرأة مازال في مخيلة البشرية على عهده القديم؛ منبع الحياة ورافدها. إذ ذاك؛ كانت عملية فض البكارة لا تعني أكثر من "فتح الرحم"، لتدخل به حياة المرأة في طورها الجنسي الجديد، طور الإخصاب. وكانت المرأة إذا رغبت في الزواج، أو اشتعلت شهوة الجسد وحان وقت إطفائها، توجّب عليها أن تذهب إلى المعبد. لأن فض الغشاء عصرئذ كانت شعيرة مقدسة. لذا كان يتوجب على النساء أن يقمن بها في المعابد كي يقدمن دم عذريتهن قرابين لآلهة السماء.
أما ممثلو الآلهة على الأرض، أقصد الكهنة، كانوا قد حصلوا على تفويض سماوي لفض الأبكار، وبمقتضى التفويض، تم منحهم حق تعليم الإناث فنون الجنس، الجنس المقدس، في حضور "عشتار" شخصيًا.
فقد كانت "عشتار" في حضارة البابليين رمزا للدين والجنس معًا. في الواقع؛ كانت إلهة ماجنة إلى أبعد حد. نعم حرّمت على نفسها الزواج، لكنّها استحلت معاشرة كل الرجال. نعم أقرت بقداسة الزواج، لكنها في الوقت عينه أحلت نفسها من كل رباط مقدس يجمعها بزوج. أليست هي القائلة: أنا الأول وأنا الآخر. أنا البغي وأنا القديسة. أنا العاقر وكثر هم أبنائي. أنا القابلة ولم أنجب أحدا!
يقول "بول فريشاور" لم تكن عشتار بوصفها إلهة الحب الجسدي حامية للزواج فحسب، بل كانت حامية أيضًا لنساء المعبد؛ وكن كاهنات من الطبقة العليا في المجتمع، وهبن أنفسهن لممارسة الجنس في أروقة بيوت الآلهة. كان مُحرم عليهن الذهاب إلى الخمارات كي لا يدنسن بالسكر أجسادهن الطاهرة المنذورة لمعاشرة راغبي المتعة من الرجال. كانت الكاهنة منهن إذا ارتكبت مخالفة أخلاقية أو فعلا يتجاوز الحشمة حكم عليها بالقتل حرقاً. لماذا؟ لأن الجسد المنذور للجنس لا يجب أن يدنس بأي رذيلة.
وهكذا فقد كانت الحرية الجنسية مباحة باسم الدين. كان للمرأة أن تنذر نفسها للكهانة من أجل ممارسة الجنس. ولم يكن من العيب أن يذهب الرجل المتزوج إلى المعبد كي يحصل على المتعة الجنسية من الكاهنات هنالك؛ فالمتعة كانت على الدوام أداة إغراء في يد رجال الدين!
ولم تقتصر تلك المهمة الجنسية المقدسة على نساء الطبقة العليا فحسب، بل كانت الآلهة عادلة إلى أبعد حد. فقد كان للأخريات، من الطبقات الاجتماعية الأدنى، أن ينذرن أجسادهن للجنس في أروقة المعابد أيضًا، وكانت ممارسة النساء للجنس مع الرجال؛ أولئك الذين يدفعون الجزية لهذا الغرض، طقس له كل الاحترام والتبجيل في المجتمع. كانت المرأة من تلك الطبقة ما إن أمضت بعض الوقت تمارس الجنس مع الغرباء، وتتمرس في فن المتعة، إلا وانهالت عليها طلبات الزواج. ويا له من محظوظ ذلك الرجل الذي تمنحه الأقدار حظ الزواج من إحدى "نساء الآلهة"!
وبديهي، في ظل تعاقب كثير من الرجال على هؤلاء النساء، أن ينسب الطفل إلى أمه. أحد هؤلاء الأطفال، أبناء نساء الآلهة، كان "سرجون الأكادي"، الذي يتحدث عن نفسه فيقول: "أنا الملك واسع السلطان.. كانت أمي كاهنة معبد، ووالدي لم أعرفه... أخرجتني أمي إلى العالم سراً ووضعتني في صندوق صغير كالسلة وأحكمت علىَّ الغطاء بالقار، وسلمتني إلى النهر" .. ثم تلقاه من علي ضفاف النهر أحد سقاة الملك، فأخذه، وترعرع في كنف القصر الملكي. وتوالت مسيرة ارتقاء الولد العصامي، حتي شيد أول إمبراطوريات العالم قبل 2300 سنة من الميلاد تقريباً، وبجله الشعب حتى وصل لدرجة الألوهية. وسبحان الذي بعد قرون كرر القصة بحذافيرها مع نبيه موسى عليه أفضل الصلوات والتسليم.
وبخلاف النساء الواهبات أجسادهن لخدمة المعبد على الدوام أو لردح من الزمن، كان على كل امرأة بابلية أن تذهب مرة في حياتها وتجلس بالقرب من هيكل عشتار لتضاجع أحد الغرباء. يصف هيرودوت هذا المشهد المهيب فيقول ما معناه: كانت الثرّيات منهن يذهبن في عربات مغلقة، يحيط بهن أعداد غفيرة من الخدم والحشم. أما الغالبية من نساء الشعب فكن يجلسن مصفوفات في الجنان المقدسة إلى جوار الهيكل، واضعات التيجان على رؤوسهن، تاركات بينهن ممرات تسمح بعبور الرجال، ليختار كل منهم من يريد أن يضاجع. وكانت المرأة إذا ذهبت لا يحل لها العودة إلى بيتها إلا بعد أن تمارس الجنس مع من يختارها من الرجال. أيعقل أن يكونوا قد عرفوا الحور العين في بابل أيضًا؟
ويضيف المؤرخ الأشهر : ليس من حق المرأة أن ترفض من يختارها من الرجال. من حقها فقط أن ترفض الزواج منه لاحقاً إذا أعجبته وأراد أن يرتبط بها، بعد أن وفت بنذرها للآلهة. وبالطبع لا تمكث النساء الجميلات إلا بعض الوقت، حتى تسطيع أن توفي الآلهة حقها، بينما القبيحات يمكثن في الهيكل طويلاً لعجزهن عن الوفاء.
وفي سومر أيضاً، كان الإله "إنليل" إله عازب، لم يتخذ زوجة ولا ولدا، ولما اعترته الرغبة في الزواج، طاف العالم كله، وانتهي به الحال متزوجًا من فتاة، كان يحسبها من الناذرات أجسادهن للجنس. كان يظنها إحدى نساء الآلهة، وهو نفس ما فعله الملك "سليمان"، بحسب ما جاء في أحد أناشيد الكتاب المقدس، لهذا السبب يذهب كثير من الباحثين إلى أن هذه الأسفار ما هي في الحقيقة إلا تراث أهل العراق القديم، ثم اقتبسه اليهود ونسبوه إلى الرب!
ولئن كان محتما على البغايا في اليونان أن يقدمن النذور والقرابين إلى "كيوبيد" إله الحب، بوصفة سيد السماء، إلا أن الإله نفسه كان قد فقد عقله أمام إحدى الحسناوات، إذا كان ذات مرة جالسا على طاولة القمار مع حسناء يقال لها "كمباسبي" فاستدرجته الفتاة، حتى قامر بكل شيء يملكه من أجل تقبيل شفتيها، وبعد أن خسر كل شيء لم يجد ما يقامر عليه سوى منصب الإله نفسه. وكان أن خسره، فأضحت " كمباسبي" إلها للحب. لقد كان الإنسان، أعقل، وأرصن كثيرًا من كثير من الآلهة التي صنعها على يديه وتحت ناظريه. "ولكن أكثرهم لا يعلمون". صدق الله العظيم.
.
رسم الفنانة الفلسطينية ليلى شوّا
وحين حطت قافلة الحضارة رحلها في محطة "بابل"، كان رحم المرأة مازال في مخيلة البشرية على عهده القديم؛ منبع الحياة ورافدها. إذ ذاك؛ كانت عملية فض البكارة لا تعني أكثر من "فتح الرحم"، لتدخل به حياة المرأة في طورها الجنسي الجديد، طور الإخصاب. وكانت المرأة إذا رغبت في الزواج، أو اشتعلت شهوة الجسد وحان وقت إطفائها، توجّب عليها أن تذهب إلى المعبد. لأن فض الغشاء عصرئذ كانت شعيرة مقدسة. لذا كان يتوجب على النساء أن يقمن بها في المعابد كي يقدمن دم عذريتهن قرابين لآلهة السماء.
أما ممثلو الآلهة على الأرض، أقصد الكهنة، كانوا قد حصلوا على تفويض سماوي لفض الأبكار، وبمقتضى التفويض، تم منحهم حق تعليم الإناث فنون الجنس، الجنس المقدس، في حضور "عشتار" شخصيًا.
فقد كانت "عشتار" في حضارة البابليين رمزا للدين والجنس معًا. في الواقع؛ كانت إلهة ماجنة إلى أبعد حد. نعم حرّمت على نفسها الزواج، لكنّها استحلت معاشرة كل الرجال. نعم أقرت بقداسة الزواج، لكنها في الوقت عينه أحلت نفسها من كل رباط مقدس يجمعها بزوج. أليست هي القائلة: أنا الأول وأنا الآخر. أنا البغي وأنا القديسة. أنا العاقر وكثر هم أبنائي. أنا القابلة ولم أنجب أحدا!
يقول "بول فريشاور" لم تكن عشتار بوصفها إلهة الحب الجسدي حامية للزواج فحسب، بل كانت حامية أيضًا لنساء المعبد؛ وكن كاهنات من الطبقة العليا في المجتمع، وهبن أنفسهن لممارسة الجنس في أروقة بيوت الآلهة. كان مُحرم عليهن الذهاب إلى الخمارات كي لا يدنسن بالسكر أجسادهن الطاهرة المنذورة لمعاشرة راغبي المتعة من الرجال. كانت الكاهنة منهن إذا ارتكبت مخالفة أخلاقية أو فعلا يتجاوز الحشمة حكم عليها بالقتل حرقاً. لماذا؟ لأن الجسد المنذور للجنس لا يجب أن يدنس بأي رذيلة.
وهكذا فقد كانت الحرية الجنسية مباحة باسم الدين. كان للمرأة أن تنذر نفسها للكهانة من أجل ممارسة الجنس. ولم يكن من العيب أن يذهب الرجل المتزوج إلى المعبد كي يحصل على المتعة الجنسية من الكاهنات هنالك؛ فالمتعة كانت على الدوام أداة إغراء في يد رجال الدين!
ولم تقتصر تلك المهمة الجنسية المقدسة على نساء الطبقة العليا فحسب، بل كانت الآلهة عادلة إلى أبعد حد. فقد كان للأخريات، من الطبقات الاجتماعية الأدنى، أن ينذرن أجسادهن للجنس في أروقة المعابد أيضًا، وكانت ممارسة النساء للجنس مع الرجال؛ أولئك الذين يدفعون الجزية لهذا الغرض، طقس له كل الاحترام والتبجيل في المجتمع. كانت المرأة من تلك الطبقة ما إن أمضت بعض الوقت تمارس الجنس مع الغرباء، وتتمرس في فن المتعة، إلا وانهالت عليها طلبات الزواج. ويا له من محظوظ ذلك الرجل الذي تمنحه الأقدار حظ الزواج من إحدى "نساء الآلهة"!
وبديهي، في ظل تعاقب كثير من الرجال على هؤلاء النساء، أن ينسب الطفل إلى أمه. أحد هؤلاء الأطفال، أبناء نساء الآلهة، كان "سرجون الأكادي"، الذي يتحدث عن نفسه فيقول: "أنا الملك واسع السلطان.. كانت أمي كاهنة معبد، ووالدي لم أعرفه... أخرجتني أمي إلى العالم سراً ووضعتني في صندوق صغير كالسلة وأحكمت علىَّ الغطاء بالقار، وسلمتني إلى النهر" .. ثم تلقاه من علي ضفاف النهر أحد سقاة الملك، فأخذه، وترعرع في كنف القصر الملكي. وتوالت مسيرة ارتقاء الولد العصامي، حتي شيد أول إمبراطوريات العالم قبل 2300 سنة من الميلاد تقريباً، وبجله الشعب حتى وصل لدرجة الألوهية. وسبحان الذي بعد قرون كرر القصة بحذافيرها مع نبيه موسى عليه أفضل الصلوات والتسليم.
وبخلاف النساء الواهبات أجسادهن لخدمة المعبد على الدوام أو لردح من الزمن، كان على كل امرأة بابلية أن تذهب مرة في حياتها وتجلس بالقرب من هيكل عشتار لتضاجع أحد الغرباء. يصف هيرودوت هذا المشهد المهيب فيقول ما معناه: كانت الثرّيات منهن يذهبن في عربات مغلقة، يحيط بهن أعداد غفيرة من الخدم والحشم. أما الغالبية من نساء الشعب فكن يجلسن مصفوفات في الجنان المقدسة إلى جوار الهيكل، واضعات التيجان على رؤوسهن، تاركات بينهن ممرات تسمح بعبور الرجال، ليختار كل منهم من يريد أن يضاجع. وكانت المرأة إذا ذهبت لا يحل لها العودة إلى بيتها إلا بعد أن تمارس الجنس مع من يختارها من الرجال. أيعقل أن يكونوا قد عرفوا الحور العين في بابل أيضًا؟
ويضيف المؤرخ الأشهر : ليس من حق المرأة أن ترفض من يختارها من الرجال. من حقها فقط أن ترفض الزواج منه لاحقاً إذا أعجبته وأراد أن يرتبط بها، بعد أن وفت بنذرها للآلهة. وبالطبع لا تمكث النساء الجميلات إلا بعض الوقت، حتى تسطيع أن توفي الآلهة حقها، بينما القبيحات يمكثن في الهيكل طويلاً لعجزهن عن الوفاء.
وفي سومر أيضاً، كان الإله "إنليل" إله عازب، لم يتخذ زوجة ولا ولدا، ولما اعترته الرغبة في الزواج، طاف العالم كله، وانتهي به الحال متزوجًا من فتاة، كان يحسبها من الناذرات أجسادهن للجنس. كان يظنها إحدى نساء الآلهة، وهو نفس ما فعله الملك "سليمان"، بحسب ما جاء في أحد أناشيد الكتاب المقدس، لهذا السبب يذهب كثير من الباحثين إلى أن هذه الأسفار ما هي في الحقيقة إلا تراث أهل العراق القديم، ثم اقتبسه اليهود ونسبوه إلى الرب!
ولئن كان محتما على البغايا في اليونان أن يقدمن النذور والقرابين إلى "كيوبيد" إله الحب، بوصفة سيد السماء، إلا أن الإله نفسه كان قد فقد عقله أمام إحدى الحسناوات، إذا كان ذات مرة جالسا على طاولة القمار مع حسناء يقال لها "كمباسبي" فاستدرجته الفتاة، حتى قامر بكل شيء يملكه من أجل تقبيل شفتيها، وبعد أن خسر كل شيء لم يجد ما يقامر عليه سوى منصب الإله نفسه. وكان أن خسره، فأضحت " كمباسبي" إلها للحب. لقد كان الإنسان، أعقل، وأرصن كثيرًا من كثير من الآلهة التي صنعها على يديه وتحت ناظريه. "ولكن أكثرهم لا يعلمون". صدق الله العظيم.
.
صورة مفقودة
رسم الفنانة الفلسطينية ليلى شوّا