نقوس المهدي
كاتب
بداية أود أن أنوه إلى أني لا أوافق على مصطلح «الاستعمار» بمعنى «الاحتلال»، لأن «الاحتلال» عدوان، ومن ثم فهو «استخراب»، وليس استعمارا. ولأن «استعمار» كلمة إيجابية، كما وردت في القرآن الكريم، لكنني مضطرة لاستخدامها، مؤقتا، في هذا الحديث الذي أدخله، مضطرة كذلك، بعد أن فاض بي الكيل من الكتابات المغالطة الخاصة برواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للأديب السوداني الراحل الطيب صالح، كتلك التي كتبها الدكتور جابر عصفور بجريدة الأهرام، 2 مارس 2009، تحت عنوان «فقدنا الطيب صالح»، التي جاء فيها: «..فبطل موسم الهجرة إلى الشمال تنتهي حياته بنوع من الدمار، لأنه مضى مع حدية العداء للاستعمار إلى الدرجة القصوى، خصوصا حين جعل من نساء لندن فريسة له، يقودهن إلى الدمار، مستغلا فتوته الإفريقية، وأوهامهن عن فحولة الرجل الإفريقي الوحشي، وكان مصطفى سعيد يتصور أنه في سيطرته الجنسية على ضحاياه من نساء لندن البيض يثأر من الاستعمار الأبيض الذي احتل وطنه..»!.
والله لولا مثل هذه الكتابة التي انهالت علينا بكمها الهائل بمناسبة رحيل الطيب صالح، غفر الله له، متجاوزة إطار التأبين الحزين وذكر محاسن الموتى إلى استغلال يحول العزاء إلى «موسم» تتسابق فيه الأحكام التلفيقية لإدخال البغل في الإبريق لما زججت بنفسي في هذه المداخلة.
تقييمي النقدي لهذه الرواية يتلخص في الآتي: أنها من أقبح ما كتبه الحرف العربي، ولعل صفة القبح هي الوحيدة التي تؤهل هذه الرواية لتصنيف: «واحدة من أشهر» مئة رواية عربية، فشهرتها جاءت من قبحها، وليس من أهميتها أو جدواها. و كنت قد قرأتها حين صدورها عام 1969 في سلسلة روايات الهلال مع الضجيج الذي صاحبها، من الناقد الراحل جبرا إبراهيم جبرا، الذي اعتبرها «أحسن رواية ظهرت في الأدب العربي على الإطلاق..»، ووافقه الناقد الراحل رجاء النقاش في ترويج مكثف لها، قيل فيه الكثير، وإن كان أعجب ما قد قيل هو تفسيرها كرمز من رموز المقاومة الثقافية ضد «الاستعمار»!، بينما كان الذي سطرته بعد انتهائي من قراءتها هو: «أخيرا استطعت، بمجهود وصعوبة، قراءة هذه الرواية الفاحشة عن سيرة سفاح نساء، لا أكثر ولا أقل، سخر لها الطيب صالح فنه هباء بلا ضرورة».
عدت، مجددا، لقراءتها بعد أن نسيت تفاصيلها، وهالتني بشاعتها لفظا ووصفا وتصورا وتساءلت: كيف رأى البعض بطلها «مصطفى سعيد» رمزا إيجابيا بين الشمال والجنوب، أو بين الشرق والغرب في ما لقبوه بـ «صراع الحضارات»؟، وإذا كان المقصود رسم صورة لنماذج إنسانية، فما هي الضرورة الفنية لكل ذلك التفحش في السرد؟، وأين هو الجمال المزعوم في صياغات كشف العورة البهيمية التي اعتمدها المؤلف في بنائه الروائي، ولم تضف إلى القارئ سوى القرف والاشمئزاز والإهانة؟.
في مقال قيم نشرته جريدة «الشرق الأوسط»في11/4/2007، للكاتبة البريطانية جريزلدا الطيب بعنوان «من هو مصطفى سعيد بطل رواية موسم الهجرة إلى الشمال»، أعجبني اقتصادها في نعت الرواية بقولها «روايته ذائعة الصيت»، نعم هي ذائعة الصيت، لكن هذا لا يجعلها نبيلة، ولا جليلة، ولا «أحسن رواية ظهرت في الأدب العربي على الإطلاق».
الطيب صالح صاحب قدرة فنية، لا أطعن في ذلك، لكنه مثل مغن أضاع نعمة صوته الجميل في غناء كلمات نابية منزوعة العفة والحياء، وهو رائد، بلا شك، في مسيرة أدب الهوس الجنسي، المنغمس فيه الآن كتاب كثيرون وكاتبات، أبرزهم مؤلف رواية «تغريدة البجعة» التي «ذاع صيتها» بجدارة لفحشها، وهَيَّص لها نقاد ومعجبون لهم ذائقة أدبية وفنية مثيرة لتعجبي!.
.
والله لولا مثل هذه الكتابة التي انهالت علينا بكمها الهائل بمناسبة رحيل الطيب صالح، غفر الله له، متجاوزة إطار التأبين الحزين وذكر محاسن الموتى إلى استغلال يحول العزاء إلى «موسم» تتسابق فيه الأحكام التلفيقية لإدخال البغل في الإبريق لما زججت بنفسي في هذه المداخلة.
تقييمي النقدي لهذه الرواية يتلخص في الآتي: أنها من أقبح ما كتبه الحرف العربي، ولعل صفة القبح هي الوحيدة التي تؤهل هذه الرواية لتصنيف: «واحدة من أشهر» مئة رواية عربية، فشهرتها جاءت من قبحها، وليس من أهميتها أو جدواها. و كنت قد قرأتها حين صدورها عام 1969 في سلسلة روايات الهلال مع الضجيج الذي صاحبها، من الناقد الراحل جبرا إبراهيم جبرا، الذي اعتبرها «أحسن رواية ظهرت في الأدب العربي على الإطلاق..»، ووافقه الناقد الراحل رجاء النقاش في ترويج مكثف لها، قيل فيه الكثير، وإن كان أعجب ما قد قيل هو تفسيرها كرمز من رموز المقاومة الثقافية ضد «الاستعمار»!، بينما كان الذي سطرته بعد انتهائي من قراءتها هو: «أخيرا استطعت، بمجهود وصعوبة، قراءة هذه الرواية الفاحشة عن سيرة سفاح نساء، لا أكثر ولا أقل، سخر لها الطيب صالح فنه هباء بلا ضرورة».
عدت، مجددا، لقراءتها بعد أن نسيت تفاصيلها، وهالتني بشاعتها لفظا ووصفا وتصورا وتساءلت: كيف رأى البعض بطلها «مصطفى سعيد» رمزا إيجابيا بين الشمال والجنوب، أو بين الشرق والغرب في ما لقبوه بـ «صراع الحضارات»؟، وإذا كان المقصود رسم صورة لنماذج إنسانية، فما هي الضرورة الفنية لكل ذلك التفحش في السرد؟، وأين هو الجمال المزعوم في صياغات كشف العورة البهيمية التي اعتمدها المؤلف في بنائه الروائي، ولم تضف إلى القارئ سوى القرف والاشمئزاز والإهانة؟.
في مقال قيم نشرته جريدة «الشرق الأوسط»في11/4/2007، للكاتبة البريطانية جريزلدا الطيب بعنوان «من هو مصطفى سعيد بطل رواية موسم الهجرة إلى الشمال»، أعجبني اقتصادها في نعت الرواية بقولها «روايته ذائعة الصيت»، نعم هي ذائعة الصيت، لكن هذا لا يجعلها نبيلة، ولا جليلة، ولا «أحسن رواية ظهرت في الأدب العربي على الإطلاق».
الطيب صالح صاحب قدرة فنية، لا أطعن في ذلك، لكنه مثل مغن أضاع نعمة صوته الجميل في غناء كلمات نابية منزوعة العفة والحياء، وهو رائد، بلا شك، في مسيرة أدب الهوس الجنسي، المنغمس فيه الآن كتاب كثيرون وكاتبات، أبرزهم مؤلف رواية «تغريدة البجعة» التي «ذاع صيتها» بجدارة لفحشها، وهَيَّص لها نقاد ومعجبون لهم ذائقة أدبية وفنية مثيرة لتعجبي!.
.