نقوس المهدي
كاتب
نَظرت، فلم تجد حولها إلا ملاءاتٍ بيضاءَ، تزركشها وشومٌ ورديةٌ تتماوجُ على شكلِ ورداتٍ متباينةِ التصنيف.
غرفةٌ بحجمِ الآه .. بامتدادِ البصرِ السارحِ في اللاشئ ينفذُ من خلالِ الفراغ ..
تستطيلُ الغرفةُ في ابتعادٍ سرابيٍ يفصلُ بينَ الفكرِ والفكرةِ .. ومن وراءِ ذَاك وذَاك .. بعيداً عن الدفءِ المغمورِ بوهجِ السكون؛ زَوجٌ يستجدي طولَ الصيفِ ليمتطي صهوةَ الرغبةِ، يسافرُ لتحلَّ عليهِ لعنةُ الرَّحيلِ المشبُوه. يعدو بشبقٍ أهوجٍ خلفَ قططِ رُوسيَا وعاهراتِ بانكوك.
لا شئَ إذاً، هيَ والوحدةُ والفراغ، كلٌّ يلتهمُ الآخرَ في بطءٍ رماديٍ كأعقابِ سجارةٍ مولعةٍ بالاشتعالِ، تُركت في إهمالٍ مُتَمَاوتٍ على مِنفَضَةٍ للحسرة.
أخذتْ تذرَعُ البيتَ فِي تشاغلٍ أبلهٍ، يشبهُ تصانعَ المتغابي لحياكةِ الموقف.
يستوقفها أدنى وضعٍ في المنزِلِ كما اندهاشُ الأطفالِ لجديديةِ الأَشياءِ ، تُصلِحُ من حالِ الفراش في لامبالاةٍ حانقة ، تُوصِدُ النوافذَ جيداً و تُعَدِّلُ ستائرَ غرفةِ النومِ كامرأةٍ تستَعِدُّ للحبِّ ..
تنظرُ حولها .. تُبصرُ المرآةَ وحيدةً كسيرةً في الركنِ الأقصى مِنَ الغُرفةِ ، تتمشى إليها بخطىً مبعثرةٍ بَينَ الإِقدَامِ والإِحجَامْ .
ينعكسُ وجهُهَا أخيراً في عمقِ شفافيةِ المرآةِ .. تتأملُ هذا الوجهَ بشئٍ من شغفِ الرؤيا ، وسَرَحَانِ الخاطر .. تنحَطُّ يدُهَا على نَهدها كمن يتحسَّسُ شيئاً لأوِّلِ مرةٍ ، بشئٍ من اندهاشِ المفاجأة ، تُزِيحُ طرفَ البيجامةِ البيتية ، ليظهرَ سطحُ السوتيانِ المشدودِ جيداً على صدرها ، وكأنها تخشى نِفارَ نُهودِها .
تَسَاءَلَتْ : لمَ كلُّ هذا ؟
وبعصبيةٍ لا تخلو مِنْ فُضولْ ، أزاحتْ طرفَ السوتيانِ عن صدرها ، ليظهرَ خلفه لحمٌ طريٌ لنهدٍ متكورٍ على نفسِهِ ، ما لبثَ أن تَدلَّى بطراوتهِ وحَلَمتِهِ ليعَبِّرَ عن شئٍ من رغباتِها الداخلية .
اكتشفتْ أن سرَّ الرغباتِ منوطٌ بِمَدى عِلاَقَتِنَا بأعضائِنَا ، ومدى تفهُمِنا لها..
تلكَ الأعضاءُ التي نِحبِسُهَا فيما يسَمَّى بالملابِسِ الداخلية …
إننا نمنَعُها أحياناً من الإنطلاق .. من التعبيرِ عن الحاجة .. نسفكُ شرعيةَ وجودها بحُكمِ العَادَة .
أَرَدَاتْ أَنْ تعرِفَ إلى أينَ تقودُهَا رغبَتُهَا .
نَقَلَتْ يَدَهَا سَرِيعاً إلى الطرفِ الآخرِ من السوتيان ، وحرَّرت نهدها الآخرَ من كبتِ العتمة .
تأمَّلتْ في المرآةِ نَهدَيهَا المتَدَلِّيَينِ كَعَنَاقِيدَ ناضجةٍ تَـتَشَهَّى القَطفَ ، بعدَ أن أثقلَ حلَماتِهِا نُضجُهَا الوَردِيُّ .
كيفَ لم يُبصرْ زَوجُهَا ذلكَ مِنْ قَبلْ ؟
وَاصلتْ نَزعَ مَلابِسِهَا شَيئاً فشيئاً ، إلى أَنْ بَقِيتْ بِقطعَةِ الملابسِ التي تُسمَّى : كيلوت .
لاَحَظتْ أنَّ التَعرِّي في حَدِّ ذاتِهِ مُتعة ، وأن عفويةَ العُري تخلقُ نوعاً من القيمةِ للجَسَدِ كَكُل ، وليسَ فَقَط للأَعضَاءِ الدَّاخِلِيةِ .
حَنِقت فِي خَاطِرِها ، كيفَ زوجُها يستعمِلُها كأداةٍ لتفريغِ منيِّهِ كلَّما أرادَ ذلك ؟
لماذا لَمْ يَطلُبْ منها مَرةً أن تَـتَعَرَّى لَهُ كَنوعٍ مِنَ الإثارَةِ ، أَنْ تَستَعرِضَ مَفاتِنَهَا أمَامَهُ كنوعٍ من تدليلِ أنوثتها المنطوية ؟
قَرَرتْ أيضاً أنها لن تدعه يُعاشرها مرةً أخرى تحتَ ظلامِ الغطاء ..
هذا إن كان سيعاشرها مرةً أخرى ..!
لَنْ تَدَعَهُ يُعَرِّي أعضاءَهَا السفليةَ مِن أجلِ شهوتِه الحقيرة ، ثُمَّ يَدعها كَبركَانٍ يَغلِي ، دونَ انفجارٍ حقيقي .
مرَّتِ اللحظاتُ وهيَ تزدادُ قوةً وعزماً على كلِّ شئ .. لكنها تتلفتُ حولَها لتجدَ لا أحد ..
الوقتُ يدفرها برجلِ الدقائقِ المتثائبةِ في حركاتٍ تزدردُ الانتظارَ الآتي، والفراغ المتناهي ..
وَحدَهُ السوقُ يساومُ أجندةَ المللِ لاستقطابِ عَبَدَةِ الإنفاقِ وَالرَّفَاهِية …والباحثينَ عن المغامراتِ العابرة .. واللقاءات المؤقتةِ بتوقيتِ الشبهة ..
في السوقِ لا أحدَ يشتبهُ بأحد ، إذ الكلُّ مُشتَبَهٌ به ..
تناولتْ علبةَ المكياجِ ، وسرعان ما بدأت رتوشٌ صغيرةٌ على وجهها تنبضُ بالجمال ..
كَانتْ لمساتُ المكياجِ رسومٌ دقيقةٌ على صفحةِ الوجهِ الليلكي ، وأحمرُ الشفاهِ كما انشطارُ حبةِ فراولةٍ أجهشها النضج ..
حُمرةٌ هادئةٌ ، وظلالُ العينِ قوساً قزحياً أبديَّ الإغراء ، وعلى الخدينِ مسحةٌ لونيةٌ ترتعشُ الريشةُ في اصطفاقها ..
ارتدت قميصاً طويلَ اليدينِ ، يلتصقُ بجسدها خشيةَ الفراق ، أو كترقبِ خائفٍ يستمسكُ بجذعِ اختفاء ، وبنطالٌ يقدحُ بشررِ النصفِ السفلي في ابتذالٍ فاضحِ النبرات.
يستقي بنطالها وقميصها لونَ الغروبِ المائلِ إلى البرتقالي الدافئ.
زينت سحرها بعطرٍ يرتشفُ شميمَ الأنوفِ في نفاذٍ سعاري الاختراق..
غلَّفت كلَّ ذلكَ بعباءةٍ يغشاها الليلُ بالسوادِ ، لكن نجومها تلتمعُ بالبريق ..
يُقلها السائقُ كدميةٍ تقاذفتها يدُ طفلةٍ تُحركها وفقَ سكناتٍ مزاجية .
وقفت عندَ السوق ..
ثمةَ مساءاتٌ كمساءاتِ الصيف ، تنتشي بغفلةِ الرقيبِ وتمارسُ نزقَ التفلتِ في استسلاماتٍ بريئةٍ وماكرةٍ أيضاً ..
وَقفتْ بها رجلاها عندَ محلٍ للمجوهراتِ يقبعُ في استدارةِ الطابقِ العلوي للمولِ الفخمِ الذي قصدته .طافت بنظرتها كلَّ أرجاءِ المحل.
ها هيَ وحدها وَشابٌ يقبعُ في عمقِ المحل ، لا زبائنَ .. ولا ازدحام .. إنه موسمٌ دراسي يبدأ .. يتلألأُ كلُّ شئٍ تحتَ مصابيحِ الإضاءةِ الفخمة ، الانبهارُ يتواضعُ أمامَ الديكورِ الفَني للمكانْ ، وتنعكسُ عليهِ شعاعاتُ ضوءٍ ذهبيةٍ بفعلِ توهُجِ المصابيح .
كانَ البائعُ شاباً وَسيماً .. لكنه ثاقبُ النظرةِ جداً .. من الصعبِ أن تنظرَ أنثى في عينيهِ ولا تتلعثم .. يبرزُ جسده مُفَصَّلاً من تحتِ لباسٍ يحتضنُ تفاصيلَ كتفيهِ القائمينِ وصدره القوي .
فتنةٌ نفاثة مغلفة بالرزانةِ والجدِّية ..وقوامٌ نافرٌ يغري بالتمرغِ على عَتَبَةِ عُريِه .
أشارتْ لهُ ونَظَرَاتُها تَتَشهَّى أَنْ تَذوبَ فِيه .. دَلَّتهُ عَلى طَلبِها .. كانت تشيرُ بلا وعيٍ إلى مجموعةٍ من الخواتمِ مصفوفةً في علبةِ مجوهراتٍ حمراء . تحرَّكَ هوَ ليحضرَ لها ما تريدُ باتزانٍ ٍ يُنبئُ بالانخراطِ الوظيفيِّ ، بعيداً عن متاهاتِ الجسدِ وَلغةِ العُيونِ النَهِمة .. و إِلاَّ فمن يقوى على مثلِ هذا السحرِ البض …
كانَتْ تراقبُهُ وهوَ يتحركُ ، ورغبتها تحوُّلُ كلَّ لفتةٍ إلى فعلِ إثارة .
قلبتِ الخواتمَ بينَ يديها برهةً لتتسلى بسؤالِهِ عن كل خاتمٍ على حدة ، وهوَ يجيبها باتزانٍ ومنهجيةٍ لم تكن تريدها في ذلكَ الوقتِ تماماً ..
طلبت منه مجموعةَ السلاسلِ الصدريةِ لتُجَربَها ، فأحضرَ لها سَرِيعاً مَا تُريد .. بَدَأتْ فِي تَجربةِ كلِّ سلسلةٍ على صَدرِهَا ، تَلبَسُها بغوايةِ امرأةٍ تريدُ لفتَ الانتباه ، تنزعها بشكايةِ أنثى تئنُّ من التجاهل .. وتلبسُ غيرها بحميمةِ الحركاتِ المثيرةِ للمغزى .. لكن رزانتهُ حفظتهُ من ظهورِ الافتتانِ على وجههِ وجسدِه ، وإن كانت نظرته تنمُّ عن شوقٍ مماثل ..وإعجابٍ باهر .
شعرتْ بشوقِ جَسَدِهَا إلى الانسحاقِ في هذا الصدرِ القوي .. كان الحصولُ على هذا الشابِ هوَ غايتها الوحيدة ، وفكرتها الوحيدة .. ومشروعها الوقتي .. حيثُ ستنفردُ به وتذيقُه طعمَ النفور ..
تركت إحدى السلاسلِ على صدرها لتتأملَ قليلاً في نظراتِهِ إليها ، فلم تشعرْ بثقةٍ في تأثيرها .. ولم ترضَ عن استجابةٍ صامتة .. احتاجت إلى المباشرةِ في التلميحِ بشهوتها .. برغبتها فيه .. أرادت أن تَمُدَّ إلى خاطرِهِ جسراً من الأمانِ الضامنِ لرداتِ الفعلِ الإيجابية ..
فَكرَتْ في فعلٍ حاسمٍ سينهي تراجيديا الصمتِ اللاهث ..
فجأةً أدارت ظَهرَهَا هَامةً بالخروجِ من البابِ الْخَلفِي ، بَينمَا كَانَ هوَ يُحضرُ المرآةَ لتنظرَ فيها .. صاحَ وهوَ يبادرُ باللحاقِ بها :
– سيدتي …. إلى أين .. السِّلسِلة ؟
التفتت بابتسامةٍ تقذفُ بالرغبةِ :
– تعالَ .. خذها .. وأشارتْ إلى فتحةِ صدرها ….!!
أغسطس – 2005
غرفةٌ بحجمِ الآه .. بامتدادِ البصرِ السارحِ في اللاشئ ينفذُ من خلالِ الفراغ ..
تستطيلُ الغرفةُ في ابتعادٍ سرابيٍ يفصلُ بينَ الفكرِ والفكرةِ .. ومن وراءِ ذَاك وذَاك .. بعيداً عن الدفءِ المغمورِ بوهجِ السكون؛ زَوجٌ يستجدي طولَ الصيفِ ليمتطي صهوةَ الرغبةِ، يسافرُ لتحلَّ عليهِ لعنةُ الرَّحيلِ المشبُوه. يعدو بشبقٍ أهوجٍ خلفَ قططِ رُوسيَا وعاهراتِ بانكوك.
لا شئَ إذاً، هيَ والوحدةُ والفراغ، كلٌّ يلتهمُ الآخرَ في بطءٍ رماديٍ كأعقابِ سجارةٍ مولعةٍ بالاشتعالِ، تُركت في إهمالٍ مُتَمَاوتٍ على مِنفَضَةٍ للحسرة.
أخذتْ تذرَعُ البيتَ فِي تشاغلٍ أبلهٍ، يشبهُ تصانعَ المتغابي لحياكةِ الموقف.
يستوقفها أدنى وضعٍ في المنزِلِ كما اندهاشُ الأطفالِ لجديديةِ الأَشياءِ ، تُصلِحُ من حالِ الفراش في لامبالاةٍ حانقة ، تُوصِدُ النوافذَ جيداً و تُعَدِّلُ ستائرَ غرفةِ النومِ كامرأةٍ تستَعِدُّ للحبِّ ..
تنظرُ حولها .. تُبصرُ المرآةَ وحيدةً كسيرةً في الركنِ الأقصى مِنَ الغُرفةِ ، تتمشى إليها بخطىً مبعثرةٍ بَينَ الإِقدَامِ والإِحجَامْ .
ينعكسُ وجهُهَا أخيراً في عمقِ شفافيةِ المرآةِ .. تتأملُ هذا الوجهَ بشئٍ من شغفِ الرؤيا ، وسَرَحَانِ الخاطر .. تنحَطُّ يدُهَا على نَهدها كمن يتحسَّسُ شيئاً لأوِّلِ مرةٍ ، بشئٍ من اندهاشِ المفاجأة ، تُزِيحُ طرفَ البيجامةِ البيتية ، ليظهرَ سطحُ السوتيانِ المشدودِ جيداً على صدرها ، وكأنها تخشى نِفارَ نُهودِها .
تَسَاءَلَتْ : لمَ كلُّ هذا ؟
وبعصبيةٍ لا تخلو مِنْ فُضولْ ، أزاحتْ طرفَ السوتيانِ عن صدرها ، ليظهرَ خلفه لحمٌ طريٌ لنهدٍ متكورٍ على نفسِهِ ، ما لبثَ أن تَدلَّى بطراوتهِ وحَلَمتِهِ ليعَبِّرَ عن شئٍ من رغباتِها الداخلية .
اكتشفتْ أن سرَّ الرغباتِ منوطٌ بِمَدى عِلاَقَتِنَا بأعضائِنَا ، ومدى تفهُمِنا لها..
تلكَ الأعضاءُ التي نِحبِسُهَا فيما يسَمَّى بالملابِسِ الداخلية …
إننا نمنَعُها أحياناً من الإنطلاق .. من التعبيرِ عن الحاجة .. نسفكُ شرعيةَ وجودها بحُكمِ العَادَة .
أَرَدَاتْ أَنْ تعرِفَ إلى أينَ تقودُهَا رغبَتُهَا .
نَقَلَتْ يَدَهَا سَرِيعاً إلى الطرفِ الآخرِ من السوتيان ، وحرَّرت نهدها الآخرَ من كبتِ العتمة .
تأمَّلتْ في المرآةِ نَهدَيهَا المتَدَلِّيَينِ كَعَنَاقِيدَ ناضجةٍ تَـتَشَهَّى القَطفَ ، بعدَ أن أثقلَ حلَماتِهِا نُضجُهَا الوَردِيُّ .
كيفَ لم يُبصرْ زَوجُهَا ذلكَ مِنْ قَبلْ ؟
وَاصلتْ نَزعَ مَلابِسِهَا شَيئاً فشيئاً ، إلى أَنْ بَقِيتْ بِقطعَةِ الملابسِ التي تُسمَّى : كيلوت .
لاَحَظتْ أنَّ التَعرِّي في حَدِّ ذاتِهِ مُتعة ، وأن عفويةَ العُري تخلقُ نوعاً من القيمةِ للجَسَدِ كَكُل ، وليسَ فَقَط للأَعضَاءِ الدَّاخِلِيةِ .
حَنِقت فِي خَاطِرِها ، كيفَ زوجُها يستعمِلُها كأداةٍ لتفريغِ منيِّهِ كلَّما أرادَ ذلك ؟
لماذا لَمْ يَطلُبْ منها مَرةً أن تَـتَعَرَّى لَهُ كَنوعٍ مِنَ الإثارَةِ ، أَنْ تَستَعرِضَ مَفاتِنَهَا أمَامَهُ كنوعٍ من تدليلِ أنوثتها المنطوية ؟
قَرَرتْ أيضاً أنها لن تدعه يُعاشرها مرةً أخرى تحتَ ظلامِ الغطاء ..
هذا إن كان سيعاشرها مرةً أخرى ..!
لَنْ تَدَعَهُ يُعَرِّي أعضاءَهَا السفليةَ مِن أجلِ شهوتِه الحقيرة ، ثُمَّ يَدعها كَبركَانٍ يَغلِي ، دونَ انفجارٍ حقيقي .
مرَّتِ اللحظاتُ وهيَ تزدادُ قوةً وعزماً على كلِّ شئ .. لكنها تتلفتُ حولَها لتجدَ لا أحد ..
الوقتُ يدفرها برجلِ الدقائقِ المتثائبةِ في حركاتٍ تزدردُ الانتظارَ الآتي، والفراغ المتناهي ..
وَحدَهُ السوقُ يساومُ أجندةَ المللِ لاستقطابِ عَبَدَةِ الإنفاقِ وَالرَّفَاهِية …والباحثينَ عن المغامراتِ العابرة .. واللقاءات المؤقتةِ بتوقيتِ الشبهة ..
في السوقِ لا أحدَ يشتبهُ بأحد ، إذ الكلُّ مُشتَبَهٌ به ..
تناولتْ علبةَ المكياجِ ، وسرعان ما بدأت رتوشٌ صغيرةٌ على وجهها تنبضُ بالجمال ..
كَانتْ لمساتُ المكياجِ رسومٌ دقيقةٌ على صفحةِ الوجهِ الليلكي ، وأحمرُ الشفاهِ كما انشطارُ حبةِ فراولةٍ أجهشها النضج ..
حُمرةٌ هادئةٌ ، وظلالُ العينِ قوساً قزحياً أبديَّ الإغراء ، وعلى الخدينِ مسحةٌ لونيةٌ ترتعشُ الريشةُ في اصطفاقها ..
ارتدت قميصاً طويلَ اليدينِ ، يلتصقُ بجسدها خشيةَ الفراق ، أو كترقبِ خائفٍ يستمسكُ بجذعِ اختفاء ، وبنطالٌ يقدحُ بشررِ النصفِ السفلي في ابتذالٍ فاضحِ النبرات.
يستقي بنطالها وقميصها لونَ الغروبِ المائلِ إلى البرتقالي الدافئ.
زينت سحرها بعطرٍ يرتشفُ شميمَ الأنوفِ في نفاذٍ سعاري الاختراق..
غلَّفت كلَّ ذلكَ بعباءةٍ يغشاها الليلُ بالسوادِ ، لكن نجومها تلتمعُ بالبريق ..
يُقلها السائقُ كدميةٍ تقاذفتها يدُ طفلةٍ تُحركها وفقَ سكناتٍ مزاجية .
وقفت عندَ السوق ..
ثمةَ مساءاتٌ كمساءاتِ الصيف ، تنتشي بغفلةِ الرقيبِ وتمارسُ نزقَ التفلتِ في استسلاماتٍ بريئةٍ وماكرةٍ أيضاً ..
وَقفتْ بها رجلاها عندَ محلٍ للمجوهراتِ يقبعُ في استدارةِ الطابقِ العلوي للمولِ الفخمِ الذي قصدته .طافت بنظرتها كلَّ أرجاءِ المحل.
ها هيَ وحدها وَشابٌ يقبعُ في عمقِ المحل ، لا زبائنَ .. ولا ازدحام .. إنه موسمٌ دراسي يبدأ .. يتلألأُ كلُّ شئٍ تحتَ مصابيحِ الإضاءةِ الفخمة ، الانبهارُ يتواضعُ أمامَ الديكورِ الفَني للمكانْ ، وتنعكسُ عليهِ شعاعاتُ ضوءٍ ذهبيةٍ بفعلِ توهُجِ المصابيح .
كانَ البائعُ شاباً وَسيماً .. لكنه ثاقبُ النظرةِ جداً .. من الصعبِ أن تنظرَ أنثى في عينيهِ ولا تتلعثم .. يبرزُ جسده مُفَصَّلاً من تحتِ لباسٍ يحتضنُ تفاصيلَ كتفيهِ القائمينِ وصدره القوي .
فتنةٌ نفاثة مغلفة بالرزانةِ والجدِّية ..وقوامٌ نافرٌ يغري بالتمرغِ على عَتَبَةِ عُريِه .
أشارتْ لهُ ونَظَرَاتُها تَتَشهَّى أَنْ تَذوبَ فِيه .. دَلَّتهُ عَلى طَلبِها .. كانت تشيرُ بلا وعيٍ إلى مجموعةٍ من الخواتمِ مصفوفةً في علبةِ مجوهراتٍ حمراء . تحرَّكَ هوَ ليحضرَ لها ما تريدُ باتزانٍ ٍ يُنبئُ بالانخراطِ الوظيفيِّ ، بعيداً عن متاهاتِ الجسدِ وَلغةِ العُيونِ النَهِمة .. و إِلاَّ فمن يقوى على مثلِ هذا السحرِ البض …
كانَتْ تراقبُهُ وهوَ يتحركُ ، ورغبتها تحوُّلُ كلَّ لفتةٍ إلى فعلِ إثارة .
قلبتِ الخواتمَ بينَ يديها برهةً لتتسلى بسؤالِهِ عن كل خاتمٍ على حدة ، وهوَ يجيبها باتزانٍ ومنهجيةٍ لم تكن تريدها في ذلكَ الوقتِ تماماً ..
طلبت منه مجموعةَ السلاسلِ الصدريةِ لتُجَربَها ، فأحضرَ لها سَرِيعاً مَا تُريد .. بَدَأتْ فِي تَجربةِ كلِّ سلسلةٍ على صَدرِهَا ، تَلبَسُها بغوايةِ امرأةٍ تريدُ لفتَ الانتباه ، تنزعها بشكايةِ أنثى تئنُّ من التجاهل .. وتلبسُ غيرها بحميمةِ الحركاتِ المثيرةِ للمغزى .. لكن رزانتهُ حفظتهُ من ظهورِ الافتتانِ على وجههِ وجسدِه ، وإن كانت نظرته تنمُّ عن شوقٍ مماثل ..وإعجابٍ باهر .
شعرتْ بشوقِ جَسَدِهَا إلى الانسحاقِ في هذا الصدرِ القوي .. كان الحصولُ على هذا الشابِ هوَ غايتها الوحيدة ، وفكرتها الوحيدة .. ومشروعها الوقتي .. حيثُ ستنفردُ به وتذيقُه طعمَ النفور ..
تركت إحدى السلاسلِ على صدرها لتتأملَ قليلاً في نظراتِهِ إليها ، فلم تشعرْ بثقةٍ في تأثيرها .. ولم ترضَ عن استجابةٍ صامتة .. احتاجت إلى المباشرةِ في التلميحِ بشهوتها .. برغبتها فيه .. أرادت أن تَمُدَّ إلى خاطرِهِ جسراً من الأمانِ الضامنِ لرداتِ الفعلِ الإيجابية ..
فَكرَتْ في فعلٍ حاسمٍ سينهي تراجيديا الصمتِ اللاهث ..
فجأةً أدارت ظَهرَهَا هَامةً بالخروجِ من البابِ الْخَلفِي ، بَينمَا كَانَ هوَ يُحضرُ المرآةَ لتنظرَ فيها .. صاحَ وهوَ يبادرُ باللحاقِ بها :
– سيدتي …. إلى أين .. السِّلسِلة ؟
التفتت بابتسامةٍ تقذفُ بالرغبةِ :
– تعالَ .. خذها .. وأشارتْ إلى فتحةِ صدرها ….!!
أغسطس – 2005
صورة مفقودة