نقوس المهدي
كاتب
يكاد الإغراء يساوي مَشق الجسم، الذي لا يكتنز لحماً، ولا يرهل جلداً. شكل دقيق، مشدود إلى داخله، خفيف، وكل تضريس من تضاريسه، أكان هضبة، أو منحدرا، أو سهلا، يتسم بالملاسة النظيفة. فما أن تنزل عليه قطرة ماء، حتى ينفذ النظر عبرها إليه، ويتجلى بصفائه وشفافيته ولا ارتخاء فيه، ومن دون تورم، أو إنتفاخ. جسم شائع في صورة مثيرة عنه، ولكثرة ذيوعه، نُسرع إلى التحلي أو الإدعاء به، وفي سبيلنا نزدري البدانة، ونظن أنها غير قادرة على جذبنا. كيف يمكن لجسم غرق في وزنه أن يغري، كيف يمكن لبدن ضخم أن يسحر؟ نسأل ونجيب بالنفي، على إعتقاد أن مظهر السمنة لا يعين على الإيحاء بغيره.
لقد شاهدنا جميعنا مشهد العرس الشعبي في الأفلام المصرية. لفت انتباهنا جسم الراقصة، التي غالباً ما توصف بـ"الملظلظة"، نظراً لامتلاء جسدها، واقترابه من حال السُمنة. إلى هذا المشهد، تُضاف مشاهد أخرى، أبطالها عليا حامد، وفيفي عبده، وهياتم، وإلهام شاهين، وغادة ابراهيم... إثارة بأجساد متكورة، مكتظة، أو شبه ذلك، لا تبلغ بأنها صارت غيرها، ولا تنتج ما ينقصها، بل تكتفي ببروزها أمامنا، لدرجة توقفنا عن الهجس في كونها تخفي شيئاً ما خلفها.
لا شيء سوى هذا الجسم، "لا شيء" مفرطاً في وزنه، لكنه ليس مسرفاً في مدلوله. غياب المُضمر، وحضور الهيئة الثقيل، الذي حين يحتك بالعين، من وجهه إلى بطنه، ثم فخذيه، يسلبها النظر. لا شيء لتراه، وكل شيء ستراه، إلا أن الوقت لم يحِن بعد.
توفر البدانة عناصر الإغراء. الثبات في الجسم (الوزن)، البطء (تحرك كثيف)، المعنى في الأمام وانعدامه في الوراء (ارتخاء الجلد وتدلي اللحم). هذا ما يرغب فيه الجسم، الذي يمارس إغراءه، بعيداً من شكله، أي أن يكون بائناً إلى حدَ الإنتهاء من البيان، أو التخلص من قيمته، وجعلها مجرد لعبة بقواعد، الإلتزام بها مفرح. فالجسد البدين باعتباره موجوداً في مساحته، وفي أكثر منها، ومن دون يحيل إلى غيره، يكفل للمنجذب صوبه مكاناً مكشوفاً، على معاينة مجزأة، تماماً، مثلما تلتقطه الكاميرا، من أصابع الرجلين نحو الرأس، أو العكس. لا تسرع في فعلها، بل تعطي لكل عضو من الجسم وقته.
الجسم المغري يملأ مشهده بعدما امتلأ، لا حاجة له للكثير من اللعب، أي يركز العين عليه، ما دام هو وحده في الإطار، إلى درجة انمحائه. ذلك، من دون أن يلعب بثقله ليصبح خفيفاً، بل ليصبح أكثرثقلا وفارغا.
ما الذي يغري في الجسم البدين سوى أن يبرز مملوءاً وخالياً في الوقت نفسه؟ يظهر كأن أعضاءه أكبر منه، تتفلت من مفاصلها، تكاد تنزل أفقياً، بسبب انتفاخها. ليس لهذا الجسم ما يتستر عليه، هو موجود كما هو، وبإثارته، يريد أن يكون موجوداً أكثر، كأنه يتقطع، وفي كل قطعة منه، يحضر كله. هذا، ما يعبر عنه المأخوذون بإغراء البدانة. ماذا يقولون حين يتحدثون عن فانتازم السمانة؟ "أينما مددت يدك، وجدت شيئاً تُمسكه". فعلياً، أثناء الإغراء، لن يُمسكوا بشيء، لأن الجسم، صحيح أنه يصل بسمنته إليهم، غير أنه يصل كشكل فارغ، قريب وبعيد، على وشك الحياة والموت، في المسافة بينهما، وبذلك، يسحرهم، "وأينما مددت يدك، لا تجد شيئاً تمسكه" أيضاً.
باختصار، الجسم النحيل يغري من خلال، أولاً، تصويب العين نحوه ليستحيل الحاضر الوحيد أمامها، وثانياً، من خلال نفخ هيئته، وتكثيفها، وثالثاً، بتفريغها، فتصبح جذابة. في حين أن الجسم البدين عناصر إغرائه شبه متوفرة قبل ممارستها، هو موجود بثقله، وشكله مملوء، يكفي، أن يبين خلاءه كي يثير مُعاينه، الذي سرعان ما يُؤخذ به. بالتالي، الجسيم النحيل ليكون مغرياً، لا بد أن يسعى إلى السمنة، قبل أن يخليها. لكن، على كل حال، الجسم المثير يفقد وزنه، لا ليكون رشيقاً، بل ليكون خارج الخفة والثقل.
.
- عن المدن
لقد شاهدنا جميعنا مشهد العرس الشعبي في الأفلام المصرية. لفت انتباهنا جسم الراقصة، التي غالباً ما توصف بـ"الملظلظة"، نظراً لامتلاء جسدها، واقترابه من حال السُمنة. إلى هذا المشهد، تُضاف مشاهد أخرى، أبطالها عليا حامد، وفيفي عبده، وهياتم، وإلهام شاهين، وغادة ابراهيم... إثارة بأجساد متكورة، مكتظة، أو شبه ذلك، لا تبلغ بأنها صارت غيرها، ولا تنتج ما ينقصها، بل تكتفي ببروزها أمامنا، لدرجة توقفنا عن الهجس في كونها تخفي شيئاً ما خلفها.
لا شيء سوى هذا الجسم، "لا شيء" مفرطاً في وزنه، لكنه ليس مسرفاً في مدلوله. غياب المُضمر، وحضور الهيئة الثقيل، الذي حين يحتك بالعين، من وجهه إلى بطنه، ثم فخذيه، يسلبها النظر. لا شيء لتراه، وكل شيء ستراه، إلا أن الوقت لم يحِن بعد.
توفر البدانة عناصر الإغراء. الثبات في الجسم (الوزن)، البطء (تحرك كثيف)، المعنى في الأمام وانعدامه في الوراء (ارتخاء الجلد وتدلي اللحم). هذا ما يرغب فيه الجسم، الذي يمارس إغراءه، بعيداً من شكله، أي أن يكون بائناً إلى حدَ الإنتهاء من البيان، أو التخلص من قيمته، وجعلها مجرد لعبة بقواعد، الإلتزام بها مفرح. فالجسد البدين باعتباره موجوداً في مساحته، وفي أكثر منها، ومن دون يحيل إلى غيره، يكفل للمنجذب صوبه مكاناً مكشوفاً، على معاينة مجزأة، تماماً، مثلما تلتقطه الكاميرا، من أصابع الرجلين نحو الرأس، أو العكس. لا تسرع في فعلها، بل تعطي لكل عضو من الجسم وقته.
الجسم المغري يملأ مشهده بعدما امتلأ، لا حاجة له للكثير من اللعب، أي يركز العين عليه، ما دام هو وحده في الإطار، إلى درجة انمحائه. ذلك، من دون أن يلعب بثقله ليصبح خفيفاً، بل ليصبح أكثرثقلا وفارغا.
ما الذي يغري في الجسم البدين سوى أن يبرز مملوءاً وخالياً في الوقت نفسه؟ يظهر كأن أعضاءه أكبر منه، تتفلت من مفاصلها، تكاد تنزل أفقياً، بسبب انتفاخها. ليس لهذا الجسم ما يتستر عليه، هو موجود كما هو، وبإثارته، يريد أن يكون موجوداً أكثر، كأنه يتقطع، وفي كل قطعة منه، يحضر كله. هذا، ما يعبر عنه المأخوذون بإغراء البدانة. ماذا يقولون حين يتحدثون عن فانتازم السمانة؟ "أينما مددت يدك، وجدت شيئاً تُمسكه". فعلياً، أثناء الإغراء، لن يُمسكوا بشيء، لأن الجسم، صحيح أنه يصل بسمنته إليهم، غير أنه يصل كشكل فارغ، قريب وبعيد، على وشك الحياة والموت، في المسافة بينهما، وبذلك، يسحرهم، "وأينما مددت يدك، لا تجد شيئاً تمسكه" أيضاً.
باختصار، الجسم النحيل يغري من خلال، أولاً، تصويب العين نحوه ليستحيل الحاضر الوحيد أمامها، وثانياً، من خلال نفخ هيئته، وتكثيفها، وثالثاً، بتفريغها، فتصبح جذابة. في حين أن الجسم البدين عناصر إغرائه شبه متوفرة قبل ممارستها، هو موجود بثقله، وشكله مملوء، يكفي، أن يبين خلاءه كي يثير مُعاينه، الذي سرعان ما يُؤخذ به. بالتالي، الجسيم النحيل ليكون مغرياً، لا بد أن يسعى إلى السمنة، قبل أن يخليها. لكن، على كل حال، الجسم المثير يفقد وزنه، لا ليكون رشيقاً، بل ليكون خارج الخفة والثقل.
.
- عن المدن