نقوس المهدي
كاتب
"هل تعرف كيف تصفّر؟ ضُمّ شفتيك.. ثم انفخ".. هذه الجملة قالتها لورين باكال وهي تهمّ بالخروج من الغرفة - مرتدية كامل ملابسها - ومخاطبة همفري بوغارت في العام 1944، وتُعدّ هذه العبارة من أكثر العبارات إغواءً في السينما العالمية، وما زال مفتونو السينما يتذكرونها بالكثير من الحنين إلى الزمن الجميل الذي تصدرته نجمات امتلكن قلوب الرجال والنساء على السواء. إذ شكلت لورين باكال، مع نجمات أخريات، مصدراً للسحر، ومنبعاً لعوالم المراهقين الدافئة (بالإمكان مراجعة فيلم "سينما باراديسو" على سبيل المثال)، وغدت مقاييس جمال النجمات آنذاك المعيار الأوحد للحسن: الجسد المنحوت والسيقان الطويلة، شعر قصير على الأغلب يتموج بطريقة مدروسة مع الأذن الصغيرة، وعينان نافذتان بأهداب طويلة..
مرت عقود على تلك الصورة التي تبدلت وتبلورت، لكن الإغراء ظل جزءاً عزيزاً في السينما وإن كانت الفروق بين ممثلة الإغراء وغيرها، في هوليوود على الأقل، لم تعد بتلك الصرامة.
في سينمانا العربية، ذات المئة عام أو أكثر، ارتبط الإغراء بالتعري بصفة مباشرة ثم بالرخص الفني بشكل أكبر، فلا يمكن مثلاً أن نجد مشهداً مشابهاً لمشهد باكال وبشروطه نفسها أو أقل منها بقليل، بحيث نطلق عليه مشهداً إغرائياً خالداً. ولو تفحصنا إرثنا السينمائي قليلاً لوجدنا أن كل نجوم ونجمات السينما العربية بشكل عام، ونجمات الإغراء بشكل خاص، كانوا نسخاً متكررة من الأصل الأميركي/الأوروبي، فلأنه كان هناك كلارك غيبل أصبح لدينا كمال الشناوي ورشدي أباظة، وبعد الطفلة المعجزة شيرلي تمبل شاهدنا الطفلة فيروز ثم لبلبة، وهند رستم ما هي إلا خليط غير متجانس من جين مانسفليد ومارلين مونرو. وعندما كانت هناك فرح فاوسِت وراكيل وِلش وبريجيت باردو وجين فوندا، بأجسادهن النحيلة نوعاً ما والبشرة المشمشية والشعر العسلي الطويل، قدم المخرجون مديحة كامل وشمس البارودي وميرفت أمين ولاحقاً يسرا وبوسي.
أفلام الإغراء هي النوعية الوحيدة التي ظلت متاحة للجماهير العربية رغم كل التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالمنطقة، وكانت هذه النوعية أداة سياسية يغطي بها الحكام على فشلهم السياسي. وبحلول التسعينات، الواقعة بين سينما الثمانينات الصلبة والملتصقة بالجماهير، وسينما "المضحكين الجدد" المتذبذبة، دخلت السينما المصرية فترة حرجة ولأكثر من سبب: تدهورت الحالة الاقتصادية لشركات الإنتاج بسبب حرب الخليج الثانية، فاضطر عدد من المخرجين إلى إنتاج أفلام تُصور في أسبوعين، وتباع لبعض جهات التوزيع الخارجية بأجور متواضعة تفي بالكاد مصاريف إنتاج أفلام مشابهة لضمان دوران العجلة - حتى لو كانت صدئة - وتفادياً لخراب البيوت، وكنتيجة لذلك تعامل المخرجون مع فنانات متشابهات ظهرت ثم اختفين لأسباب مجهولة ومعروفة، لا دور لهن سوى تكرار جمل صغيرة مقصقصة ويقبلن التعري من دون إجادة للأدوار ومن دون أرواح أنثوية تغطي على ثغرات الفيلم.
من ناحية أخرى، تغيرت نظرة الجماهير العربية نحو الفنون بشكل عام، مع موجة "الأسلمة" التي بدأت أواخر الثمانينات ونضجت في التسعينات (على سبيل المثال: شرائط الشيخ الكويتي أحمد القطان المسماة بـ"العفن الفني")، وتجلى ذلك في جماعات الفنانات التائبات، والتي تصدرت قصص توبتهن أغلفة الصحف وطُبعت حولهن كتب بعناوين على غرار: "العائدون إلى الله"،. فلم يعد المشاهد العربي يرى التمثيل فناً، بل انحلالاً وسفالة، وأن الفنانين هم سبب هزائم الأمة وارتهاناتها للغرب المنحل. لكن الفرد العربي الفصامي بطبعه، لا يستغني عن المشاهد العارية مهما ادعى غير ذلك، لذلك كان من الشائع أن يخرج المشاهد من دار السينما كي يمزق صورة البطلة العارية في "البوستر"، أو يلوث بالحبر أجزاء جسدها المكشوف الذي دفع ثمن تذكرة السينما كي يشاهده يتحرك في الداخل.
في هذه الظروف المتخبطة والخانقة، ظهرت أسماء تركت بصمات في سينما التسعينات المتناقضة كمّاً وكيفاً: جالا فهمي، ووفاء عامر، ونهلة سلامة.
جاء الظهور الأول لجالا فهمي في فيلم "يوم حلو ويوم مر" مع الراحلة فاتن حمامة العام 1988، في دور صغير جداً، ثم اثارت انتباه الجمهور في فيلم "إعدام قاضي" من إخراج والدها الراحل أشرف فهمي. وجاءت جالا من عائلة فنية، سيدة مثقفة تجيد لغات ثلاث إلى جانب العربية، لها ملامح شركسية ووجه "فوتوجونيك"، وجسد جميل غربي الطابع يروق لجميع الأذواق بما فيها مقص الرقابة، وقد كانت حريصة على ارتداء فساتين مكشوفة الكتفين لإظهار النمش الذي يغطيهما. آخر فيلم لجالا فهمي كان في العام 2011 عنوان بفيلم "عذاب الرجال"، وما بين الفيلمين مسيرة سينمائية بائسة منها عمل مع إيناس الدغيدي بعنوان "كلام الليل" تقوم فيه بدور مالكة لبيت دعارة، وفيلم "جينز" المتقبس – بابتذال – عنن فيلم "امرأة جميلة" لجوليا روبرتس وريتشارد غير، حيث قدمت جالا فهمي أشهر مشاهدها على الإطلاق. ومارست جالا فهمي أدوار الإغراء بتعالِ واضح على الجمهور الذي يبدو أنه ملّها سريعاً، فلم تلق أي نجاح لا على مستوى القيمة ولا على مستوى شباك التذاكر.
جالا التي تظهر ألطف بكثير في المقابلات الشخصية، عجزت عن إظهار القليل من هذا اللطف في شاشة السينما، فتوقف المخرجون بعد فترة عن التعامل معها، بعدما قدمت أفلاماً مثل "طأطأ وريكا وكاظم بيه" و"الحب في طابا" وسُجّل اسمها كنجمة إغراء التسعينات.
***
لو سألت أي مشاهد عن أبرز ما في فيلم "الواد محروس بتاع الوزير"، للنجم عادل إمام، لقال لك الممثلة التي قدمت دور الخادمة، الفنانة المغمورة آنذاك وفاء عامر. وفاء هي الأجمل بين قريناتها من نجمات التسعينات، بجمال بدوي وشعر كثيف وطويل وقامة فارعة كسهير رمزي. وأحياناً كانت أطول من الرجال الذين تمثل إلى جانبهم: فاروق الفيشاوي وحسين الشربيني والمنتصر بالله وعادل إمام وغيرهم. تميزت وفاء عامر بأدائها الطبيعي غير المتكلف والجريء في آن، وكأنها بين جدران بيتها، واستسلامها التام للحظة الإغواء، فبدت المشاهد كأنها ساعات. تقريباً لا يخلو فيلم لوفاء عامر من رقصة "بلدي" تمهيداً للخلوة مع الحبيب، مرتدية الجلابية "الساتان" التي تبين جسدها الذي كان يميل للامتلاء المحبب، بحسب المعايير الشرقية. وفاء عامر التي يبدو أنها لم تقل "لا" لأي مخرج، احتلت المكانة الأبرز في سينما التسعينات، لذا كانت الوجود الأنثوي المحموم الذي استغله نظام مبارك في قضية الدعارة الشهيرة في التسعينات، والتي اتضح لاحقاً أنها كانت بتدبير من النظام لإشغال الرأي العام عن قضية تفجير الأقصر الإرهابي.
وفاء عامر هي الوحيدة من نجمات الإغراء في التسعينات التي استمرت في بناء مسيرتها الفنية حتى الآن. فبعد زواجها من المنتج محمد فوزي وإنجاب ابنها عمر، امتنعت تماماً عن أدوار التعري حتى وهي تشارك في أفلام للمخرج خالد يوسف، وشاركت في أعمال أثبتت قدراتها الفنية الفذة، ونالت جوائز مهمة، وأدارت ظهرها تماما لتلك "الجلابية". لكن عدد المشاهدات لـ"كليباتها" في الانترنت، والذي بلغ أحياناً أكثر من مليون مشاهدة، دليل على ما كانته وفاء يوماً ما.
***
النجمة الملفتة للنظر في تلك الفترة أيضاً كانت نهلة سلامة، ابنة عازف الأكورديون فاروق سلامة، وعمّها الموسيقار المعروف جمال سلامة، والتي تزوجت المخرج الكبير محمد خان لفترة.
نهلة لم تكن صارخة الجمال، فتاة متوسطية، سمراء صافية، بصف أسنان ناتيء ومعوج قليلاً ما منح ابتسامتها شيئاً جاذباً وغامضاً، شعرها غامق – صبغته لاحقا بأصفر فاقع كديدن الممثلات المصريات – ووجه صغير استطاعت التعبير من خلاله بقوة. نهلة، لم تكن فقط ممثلة لا تمانع بالقيام بأدوار الإغراء، بل كانت ممثلة موهوبة، أجادت كل أدوارها وتفاصيلها، كما أنها برعت – ربما من دون أن تقصد – في أدوار المرأة البادئة الجامحة، التي تعبر عن دواخلها الرغبوية في الرجل الذي أمامها، لذا ناسبت نهلة سلامة أدوار الإغواء الخشن المقتحم حيث تقود هي العلاقة الحميمة حسب مزاجها. شاركت في عدد من الأفلام والمسلسلات، مرافقة لعدد من النجوم، نمن دون أن يقلل ذلك من توهجها. ظهرت في كل أفلامها بماكياج خفيف جدا، وتسريحات بسيطة، فبدت كفتاة قادمة من ريف أي مدينة عربية، يرافق ذلك صوت أنثوي يزداد تهدجاً في المشاهد التي تجمعها مع الرجل الذي يتحول سريعاً إلى عجينة طيعة بين يديها.
مع حلول الألفية الجديدة، دخلت السينما المصرية فترة تاريخية مختلفة، تحديداً بعد فيلم "إسماعيلية رايح جاي" الذي أطلق "المضحكون الجدد" كما ذُكر سابقا، وأبرزهم محمد هنيدي الذي أصبح "زعيم" تلك الموجة بلا شك. وقدم هؤلاء الجدد عدداً وافراً من الأفلام التي تندرج تحت عنوان "السينما النظيفة"، وهي الأفلام – سواء اتفق الناس مع السينما النظيفة أم لا – التي تشاهدها الأسرة سوياً، وتعرضها الفضائيات من دون حذف حرف واحد. ولذا كان من الطبيعي أن تختفي أدوار الإغراء الأنثوية والذكورية على حد سواء. وما ظهر منها، على الأغلب، كان أدواراً ركيكة فجة أو أدواراً قوبلت بهجوم شديد دفعت البعض إلى تقديم شكاوى ضد بعض الفنانين بحجة خدش حياء الجماهير.. كما حدث مع إيناس الدغيدي والمحامي نبيه الوحش.
نبيه الوحش هو الذي أصبح نجم الفضائيات أثناء حكم مرسي، وقال في أحد البرامج أن الناشطات النسويات في مصر إما "عانسات أو مطلقات" في معرض انتقاده لهن، لذا من الممكن القول أن التسعينات كانت آخر مرحلة في "إغراء" السينما المصرية، بغض النظر عن مستوى تلك الأفلام.. فرغم وجود أسماء حالية مثل غادة عبد الرزاق وسمية الخشاب وعلا غانم، ثم رحاب الجمل ونسرين أمين كنجمات الصف الثاني والثالث، إلا أن ما ينقصهن هو أفلام ونصوص جيدة، وقبل ذلك ينقص الفن العربي جمهور يضعه، في مكان لائق به، كي يتوقف سيل البذاءات الذي يصبه الجمهور على الفنانات ومشاهدهن المقتطفة من الأفلام – بعد مشاهدتها طبعاً! – وكي يمتنع المشاهد الذي لم يهمه في فيلم "أين عقلي" سوى مشهد واحد يجمع البطلين في غرفة النوم تحت عنوان "إلحق قبل الحذف: فضيحة سعاد حسني ومحمود ياسين".
* حلقة من سلسلة مقالات عن الاغراء ونجومه في العالم العربي، سواء في السينما أو في المجتمع، وحتى سنتطرق الى اللاغراء في بعض البلدان.
- عن موقع المدن
مرت عقود على تلك الصورة التي تبدلت وتبلورت، لكن الإغراء ظل جزءاً عزيزاً في السينما وإن كانت الفروق بين ممثلة الإغراء وغيرها، في هوليوود على الأقل، لم تعد بتلك الصرامة.
في سينمانا العربية، ذات المئة عام أو أكثر، ارتبط الإغراء بالتعري بصفة مباشرة ثم بالرخص الفني بشكل أكبر، فلا يمكن مثلاً أن نجد مشهداً مشابهاً لمشهد باكال وبشروطه نفسها أو أقل منها بقليل، بحيث نطلق عليه مشهداً إغرائياً خالداً. ولو تفحصنا إرثنا السينمائي قليلاً لوجدنا أن كل نجوم ونجمات السينما العربية بشكل عام، ونجمات الإغراء بشكل خاص، كانوا نسخاً متكررة من الأصل الأميركي/الأوروبي، فلأنه كان هناك كلارك غيبل أصبح لدينا كمال الشناوي ورشدي أباظة، وبعد الطفلة المعجزة شيرلي تمبل شاهدنا الطفلة فيروز ثم لبلبة، وهند رستم ما هي إلا خليط غير متجانس من جين مانسفليد ومارلين مونرو. وعندما كانت هناك فرح فاوسِت وراكيل وِلش وبريجيت باردو وجين فوندا، بأجسادهن النحيلة نوعاً ما والبشرة المشمشية والشعر العسلي الطويل، قدم المخرجون مديحة كامل وشمس البارودي وميرفت أمين ولاحقاً يسرا وبوسي.
أفلام الإغراء هي النوعية الوحيدة التي ظلت متاحة للجماهير العربية رغم كل التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالمنطقة، وكانت هذه النوعية أداة سياسية يغطي بها الحكام على فشلهم السياسي. وبحلول التسعينات، الواقعة بين سينما الثمانينات الصلبة والملتصقة بالجماهير، وسينما "المضحكين الجدد" المتذبذبة، دخلت السينما المصرية فترة حرجة ولأكثر من سبب: تدهورت الحالة الاقتصادية لشركات الإنتاج بسبب حرب الخليج الثانية، فاضطر عدد من المخرجين إلى إنتاج أفلام تُصور في أسبوعين، وتباع لبعض جهات التوزيع الخارجية بأجور متواضعة تفي بالكاد مصاريف إنتاج أفلام مشابهة لضمان دوران العجلة - حتى لو كانت صدئة - وتفادياً لخراب البيوت، وكنتيجة لذلك تعامل المخرجون مع فنانات متشابهات ظهرت ثم اختفين لأسباب مجهولة ومعروفة، لا دور لهن سوى تكرار جمل صغيرة مقصقصة ويقبلن التعري من دون إجادة للأدوار ومن دون أرواح أنثوية تغطي على ثغرات الفيلم.
من ناحية أخرى، تغيرت نظرة الجماهير العربية نحو الفنون بشكل عام، مع موجة "الأسلمة" التي بدأت أواخر الثمانينات ونضجت في التسعينات (على سبيل المثال: شرائط الشيخ الكويتي أحمد القطان المسماة بـ"العفن الفني")، وتجلى ذلك في جماعات الفنانات التائبات، والتي تصدرت قصص توبتهن أغلفة الصحف وطُبعت حولهن كتب بعناوين على غرار: "العائدون إلى الله"،. فلم يعد المشاهد العربي يرى التمثيل فناً، بل انحلالاً وسفالة، وأن الفنانين هم سبب هزائم الأمة وارتهاناتها للغرب المنحل. لكن الفرد العربي الفصامي بطبعه، لا يستغني عن المشاهد العارية مهما ادعى غير ذلك، لذلك كان من الشائع أن يخرج المشاهد من دار السينما كي يمزق صورة البطلة العارية في "البوستر"، أو يلوث بالحبر أجزاء جسدها المكشوف الذي دفع ثمن تذكرة السينما كي يشاهده يتحرك في الداخل.
في هذه الظروف المتخبطة والخانقة، ظهرت أسماء تركت بصمات في سينما التسعينات المتناقضة كمّاً وكيفاً: جالا فهمي، ووفاء عامر، ونهلة سلامة.
جاء الظهور الأول لجالا فهمي في فيلم "يوم حلو ويوم مر" مع الراحلة فاتن حمامة العام 1988، في دور صغير جداً، ثم اثارت انتباه الجمهور في فيلم "إعدام قاضي" من إخراج والدها الراحل أشرف فهمي. وجاءت جالا من عائلة فنية، سيدة مثقفة تجيد لغات ثلاث إلى جانب العربية، لها ملامح شركسية ووجه "فوتوجونيك"، وجسد جميل غربي الطابع يروق لجميع الأذواق بما فيها مقص الرقابة، وقد كانت حريصة على ارتداء فساتين مكشوفة الكتفين لإظهار النمش الذي يغطيهما. آخر فيلم لجالا فهمي كان في العام 2011 عنوان بفيلم "عذاب الرجال"، وما بين الفيلمين مسيرة سينمائية بائسة منها عمل مع إيناس الدغيدي بعنوان "كلام الليل" تقوم فيه بدور مالكة لبيت دعارة، وفيلم "جينز" المتقبس – بابتذال – عنن فيلم "امرأة جميلة" لجوليا روبرتس وريتشارد غير، حيث قدمت جالا فهمي أشهر مشاهدها على الإطلاق. ومارست جالا فهمي أدوار الإغراء بتعالِ واضح على الجمهور الذي يبدو أنه ملّها سريعاً، فلم تلق أي نجاح لا على مستوى القيمة ولا على مستوى شباك التذاكر.
جالا التي تظهر ألطف بكثير في المقابلات الشخصية، عجزت عن إظهار القليل من هذا اللطف في شاشة السينما، فتوقف المخرجون بعد فترة عن التعامل معها، بعدما قدمت أفلاماً مثل "طأطأ وريكا وكاظم بيه" و"الحب في طابا" وسُجّل اسمها كنجمة إغراء التسعينات.
***
لو سألت أي مشاهد عن أبرز ما في فيلم "الواد محروس بتاع الوزير"، للنجم عادل إمام، لقال لك الممثلة التي قدمت دور الخادمة، الفنانة المغمورة آنذاك وفاء عامر. وفاء هي الأجمل بين قريناتها من نجمات التسعينات، بجمال بدوي وشعر كثيف وطويل وقامة فارعة كسهير رمزي. وأحياناً كانت أطول من الرجال الذين تمثل إلى جانبهم: فاروق الفيشاوي وحسين الشربيني والمنتصر بالله وعادل إمام وغيرهم. تميزت وفاء عامر بأدائها الطبيعي غير المتكلف والجريء في آن، وكأنها بين جدران بيتها، واستسلامها التام للحظة الإغواء، فبدت المشاهد كأنها ساعات. تقريباً لا يخلو فيلم لوفاء عامر من رقصة "بلدي" تمهيداً للخلوة مع الحبيب، مرتدية الجلابية "الساتان" التي تبين جسدها الذي كان يميل للامتلاء المحبب، بحسب المعايير الشرقية. وفاء عامر التي يبدو أنها لم تقل "لا" لأي مخرج، احتلت المكانة الأبرز في سينما التسعينات، لذا كانت الوجود الأنثوي المحموم الذي استغله نظام مبارك في قضية الدعارة الشهيرة في التسعينات، والتي اتضح لاحقاً أنها كانت بتدبير من النظام لإشغال الرأي العام عن قضية تفجير الأقصر الإرهابي.
وفاء عامر هي الوحيدة من نجمات الإغراء في التسعينات التي استمرت في بناء مسيرتها الفنية حتى الآن. فبعد زواجها من المنتج محمد فوزي وإنجاب ابنها عمر، امتنعت تماماً عن أدوار التعري حتى وهي تشارك في أفلام للمخرج خالد يوسف، وشاركت في أعمال أثبتت قدراتها الفنية الفذة، ونالت جوائز مهمة، وأدارت ظهرها تماما لتلك "الجلابية". لكن عدد المشاهدات لـ"كليباتها" في الانترنت، والذي بلغ أحياناً أكثر من مليون مشاهدة، دليل على ما كانته وفاء يوماً ما.
***
النجمة الملفتة للنظر في تلك الفترة أيضاً كانت نهلة سلامة، ابنة عازف الأكورديون فاروق سلامة، وعمّها الموسيقار المعروف جمال سلامة، والتي تزوجت المخرج الكبير محمد خان لفترة.
نهلة لم تكن صارخة الجمال، فتاة متوسطية، سمراء صافية، بصف أسنان ناتيء ومعوج قليلاً ما منح ابتسامتها شيئاً جاذباً وغامضاً، شعرها غامق – صبغته لاحقا بأصفر فاقع كديدن الممثلات المصريات – ووجه صغير استطاعت التعبير من خلاله بقوة. نهلة، لم تكن فقط ممثلة لا تمانع بالقيام بأدوار الإغراء، بل كانت ممثلة موهوبة، أجادت كل أدوارها وتفاصيلها، كما أنها برعت – ربما من دون أن تقصد – في أدوار المرأة البادئة الجامحة، التي تعبر عن دواخلها الرغبوية في الرجل الذي أمامها، لذا ناسبت نهلة سلامة أدوار الإغواء الخشن المقتحم حيث تقود هي العلاقة الحميمة حسب مزاجها. شاركت في عدد من الأفلام والمسلسلات، مرافقة لعدد من النجوم، نمن دون أن يقلل ذلك من توهجها. ظهرت في كل أفلامها بماكياج خفيف جدا، وتسريحات بسيطة، فبدت كفتاة قادمة من ريف أي مدينة عربية، يرافق ذلك صوت أنثوي يزداد تهدجاً في المشاهد التي تجمعها مع الرجل الذي يتحول سريعاً إلى عجينة طيعة بين يديها.
مع حلول الألفية الجديدة، دخلت السينما المصرية فترة تاريخية مختلفة، تحديداً بعد فيلم "إسماعيلية رايح جاي" الذي أطلق "المضحكون الجدد" كما ذُكر سابقا، وأبرزهم محمد هنيدي الذي أصبح "زعيم" تلك الموجة بلا شك. وقدم هؤلاء الجدد عدداً وافراً من الأفلام التي تندرج تحت عنوان "السينما النظيفة"، وهي الأفلام – سواء اتفق الناس مع السينما النظيفة أم لا – التي تشاهدها الأسرة سوياً، وتعرضها الفضائيات من دون حذف حرف واحد. ولذا كان من الطبيعي أن تختفي أدوار الإغراء الأنثوية والذكورية على حد سواء. وما ظهر منها، على الأغلب، كان أدواراً ركيكة فجة أو أدواراً قوبلت بهجوم شديد دفعت البعض إلى تقديم شكاوى ضد بعض الفنانين بحجة خدش حياء الجماهير.. كما حدث مع إيناس الدغيدي والمحامي نبيه الوحش.
نبيه الوحش هو الذي أصبح نجم الفضائيات أثناء حكم مرسي، وقال في أحد البرامج أن الناشطات النسويات في مصر إما "عانسات أو مطلقات" في معرض انتقاده لهن، لذا من الممكن القول أن التسعينات كانت آخر مرحلة في "إغراء" السينما المصرية، بغض النظر عن مستوى تلك الأفلام.. فرغم وجود أسماء حالية مثل غادة عبد الرزاق وسمية الخشاب وعلا غانم، ثم رحاب الجمل ونسرين أمين كنجمات الصف الثاني والثالث، إلا أن ما ينقصهن هو أفلام ونصوص جيدة، وقبل ذلك ينقص الفن العربي جمهور يضعه، في مكان لائق به، كي يتوقف سيل البذاءات الذي يصبه الجمهور على الفنانات ومشاهدهن المقتطفة من الأفلام – بعد مشاهدتها طبعاً! – وكي يمتنع المشاهد الذي لم يهمه في فيلم "أين عقلي" سوى مشهد واحد يجمع البطلين في غرفة النوم تحت عنوان "إلحق قبل الحذف: فضيحة سعاد حسني ومحمود ياسين".
* حلقة من سلسلة مقالات عن الاغراء ونجومه في العالم العربي، سواء في السينما أو في المجتمع، وحتى سنتطرق الى اللاغراء في بعض البلدان.
- عن موقع المدن