نقوس المهدي
كاتب
الباب الثالث والسبعون
في ذكر النساء وصفاتهن ونكاحهن وطلاقهن وما يحمد ويذم من عشرتهن وفيه فصول
الفصل الأول في النكاح وفضله والترغيب فيه
قال الله تعالى ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ ) الآية وقال تعالى ( وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ) وقال تعالى ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم ) الآية وقال رسول الله " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " وقال رسول الله " استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عورا عندكم " وقال رسول الله " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " وقال " سوداء ولود خير من حسناء عقيم " وقال رسول الله " أحسن النساء بركة أحسنهن وجها وأرخصهن مهرا فينبغي للرجل إذا أراد أن يتزوج أن يرغب في ذات الدين وأن يختار الشرف والحسب "
حكي أن نوح بن مريم قاضي مرو أراد أن يزوج ابنته فاستشار جار له مجوسيا فقال سبحان الله يستفتونك وأنت تستفتيني قال لا بد أن تشير علي قال إن رئيسنا كسرى كان يختار المال ورئيس الروم قيصر كان يختار الحسب والنسب ورئيسكم محمد كان يختار الدين فانظر أنت بأيهم تقتدي وقال رجل للحسن إن لي ابنة فمن ترى أن أزوجها له قال زوجها ممن يتقي الله عز وجل فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلم ها وقيل لرجل من الحكماء فلان يخطب فلانة أموسر من عقل ودين فقالوا نعم قال فزوجوه إياها ويستحب أن يختار البكر لقوله " عليكم بالأبكار فإنهن أطيب فواها وأنتق أرحاما " وقالوا أشهى المطي ما لم يركب وأحب اللآلئ ما لم يثقب وأنشد بعضهم
( قالوا نكحت صغيرة فأجبتهم ... أشهى المطي إلى ما لم يركب )
( كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة ... نظمت وحبة لؤلؤ لم تثقب ) فأجابته إمرأة
( إن المطية لا يلذ ركوبها ... حتى تذلل بالزمام وتركبا )
( والدر ليس بنافع أربابه ... حتى يؤلف بالنظام ويثقبا ) قال خالد بن صفوان
( عليك إذا ما كنت في الناس ناكحا ... بذات الثنايا الغر والأعين النجل ) وقيل استشار رجل داود عليه السلام في التزويج فقال له سل سليمان وأخبرني بجوابه فصادفه ابن سبع سنين وهو يلعب مع الصبيان وراكبا قصبة فسأله فقال عليك بالذهب الأحمر أو الفضة البيضاء واحذر الفرس لا يضربك فلم يفهم الرجل ذلك فقال له داود عليه الصلاة والسلام الذهب الأحمر البكر والفضة البيضاء الثيب
الشابة ومن وراءهما كالفرس الجموح وقال رسول الله " تخيروا لنطفكم " وقال أنظر في أي شيء تضع ولدك فإن العرق دساس وقال عليه الصلاة والسلام " إياكم إياكم وخضراء الدمن قالوا وما خضراء الدمن يا رسول الله قال المرأة الحسناء في المنبت السوء " وأنشدوا فيه
( إذا تزوجت فكن حاذقا ... وأسأل عن الغصن وعن منبته ) وقال بعضهم
( وأول خبث الماء خبث ترابه ... وأول خبث القوم خبث المناكح ) وعن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي قال " لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء فإن اللبن يعدي ) وقيل إن جعفر بن سليمان بن علي عاب يوما على أولاده وأنهم ليسوا كما يحب فقال له ولده أحمد بن جعفر إنك عمدت إلى فاسقات مكة والمدينة وإماء الحجاز فأوعيت فيهن نطفك ثم تريد أن ينجبن وإنما نحن كصاحبات الحجاز هلا فعلت في ولدك ما فعل أبوك فيك حين اختار لك عقيلة قومها فزوجها منك وأنشدوا
( صفات من يستحب الشرع خطبتها ... جلوتها الأولى الألباب مختصرا )
( صبية ذات دين زانه أدب ... بكر ولود حكت في نفسها القمرا )
( غريبة لم تكن من أهل خاطبها ... تلك الصفات التي أجلوا لمن نظرا )
( فيها أحاديث جاءت وهي ثابتة ... أحاط علما بها من في العلوم قرا ) وقال آخر
( مطيات السرور فويق عشر ... إلى العشرين ثم قف المطايا )
( فإن جزت المسير فسر قليلا ... وبنت الأربعين من الرزايا ) وقال آخر
( فإياك إياك العجوز ووطأها ... فما هو إلا مثل سم الأراقم )
أن العيش كله مقصور على الحليلة الصالحة والبلاء كله موكل بالقرينة السوء التي لا تسكن النفس إلى عشرتها ولا تقر العيون برؤيتها وفي حكمة سليمان بن داود عليهما السلام المرأة العاقلة تعمر بيت زوجها والمرأة السفيهة تهدمه
وروي أنه لما حضر أبو طالب نكاح رسول الله على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ومعه بنو هاشم ورؤساء مضر خطب فقال الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن محمد بن عبد الله ابن أخي من لا يوزن به رجل من قريش إلا رجح به برا وفضلا وكرما ومجدا ونبلا فإن كان في المال قل فالمال ظل زائل ورزق حائل وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالي كذا وكذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل
ولما خطب عمرو بن حجر الكندي إلى عوف بن محلم الشيباني ابنته أم إياس وأجابه إلى ذلك أقبلت عليها أمها ليلة دخولها بها توصيها فكان مما أوصتها به أن قالت أي بنية إنك مفارقة بيتك الذي منه خرجت وعشك الذي منه درجت إلى رجل لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فكوني له أمة ليكون لك عبدا واحفظي له خصالا عشرا يكن لك ذخرا فأما الأولى والثانية فالرضا بالقناعة وحسن السمع له والطاعة وأما الثالثة والرابعة فالتفقد لمواقع عينيه وأنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم أنفه منك إلا أطيب الريح وأما الخامسة والسادسة فالتفقد لوقت طعامه ومنامه فإن شدة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة وأما السابعة والثامنة فالاحراز لماله والارعاء على حشمه وعياله وأما التاسعة والعاشرة فلا تعصي له أمرا ولا تفشي له سرا فإنك إن خالفت أمره أو غرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره وإياك والفرح بين يديه إذا كان مهتما والكآبة لديه إذا كان فرحا فقبلت وصية أمها فأنجبت وولدت له الحرث بن عمرو جد أمرئ القيس الملك الشاعر
الهيثم بن عدي الطائي عن الشعبي قال لقيني شريح فقال لي يا شعبي عليك بنساء بني تميم فإني رأيت لهن عقولا فقلت وما رأيت من عقولهن قال أقبلت من جنازة ظهرا فمررت بدورهن وإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جانبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري فعدلت إليها واستسقيت وما بي عطش فقالت لي أي الشراب أحب إليك قلت ما تيسر قالت ويحك يا جارية ائتيه بلبن فإني أظن الرجل غريبا فقلت للعجوز ومن تكون هذه الجارية منك قالت هي زينب بنت جرير إحدى نساء بني حنظلة قلت هي فارغة أم مشغولة قالت بل فارغة قلت أتزوجينيها قالت إن كنت كفأ ( ولم تقل كفوا ) وهي لغة بني تميم فتركتها ومضيت إلى منزلي لأقيل فيه فامتنعت مني القائلة فلما صليت الظهر أخذت بيد إخواني من العرب الأشراف علقمة والأسود والمسيب ومضيت أريد عمها فاستقبلنا وقال ما شأنك أبا أمية قلت زينب ابنة أخيك قال ما بها عنك رغبة فزوجنيها فلما صارت في حبالي ندمت وقلت أي شيء صنعت بنساء بني تميم وذكرت غلظ قلوبهن فقلت أطلقها ثم قلت لا ولكن أدخل بها فإن رأيت ما أحب وإلا كان ذلك فلو شهدتني يا شعبي وقد أقبلت نساؤها بهدينها حتى أدخلت علي فقلت إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها فتوضأت فإذا هي تتوضأ بوضوئي وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسني ملحفة قد صبغت بالزعفران فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناصيتها فقالت على رسلك أبا أمية ثم قالت الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله أما بعد فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه وما تكره فأجتنبه فإنه قد كان لك منكح في قومك ولي في قومي مثل ذلك ولكن إذا قضى الله أمرا كان مفعولا وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله تعالى به إما إمساك بمعروف أو تسريح باحسان أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين قال فأحوجتني
والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع فقلت الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله أما بعد فإنك قلت كلاما إن ثبت عليه يكن ذلك حظا لي وإن تدعيه يكن حجة عليك أحب كذا وأكره كذا وما رأيت من حسنة فابثثيها وما رأيت من سيئة فاستريها فقالت كيف محبتك لزيارة الأهل ؟ قلت ما أحب أن يملني أصهاري قالت فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له ومن تكرهه أكرهه قلت بنو فلان قوم صالحون وبنو فلان قوم سوء قال فبت معها يا شعبي بأنعم ليلة ومكثت معي حولا لا أرى منها إلا ما أحب فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء وإذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهي قلت من هذه ؟ قالوا فلانة أم حليلتك قلت مرحبا وأهلا وسهلا فلما جلست أقبلت العجوز فقالت السلام عليك يا أبا أمية فقلت وعليك السلام ومرحبا بك وأهلا قالت كيف رأيت زوجتك قلت خير زوجة وأوفق قرينة لقد أدبت فأحسنت الأدب وريضت فأحسنت الرياضة فجزاكي الله خيرا فقالت أبا أمية إن المرأة لا يرى أسوأ حالا منها في حالتين قلت وما هما ؟ قالت إذا ولدت غلاما أو حظيت عند زوجها فإن رابك مريب فعليك بالسوط فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشر من الروعاء المدللة فقلت والله لقد أدبت فأحسنت الأدب وريضت فأحسنت الرياضة قالت كيف تحب أن يزورك أصهارك ؟ قلت ما شاءوا فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية فمكثت معي يا شعبي عشرين سنة لم أعب عليها شيئا وكان لي جار من كندة يفزع امرأته ويضربها فقلت في ذلك
( رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلت يميني يوم تضرب زينب )
( أأضربها من غير ذنب أتت به ... فما العدل مني ضرب من ليس يذنب )
( فزينب شمس والنساء كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب )
وخطب الحجاج بن يوسف إلى عبد الله بن جعفر ابنته أم كلثوم على ألفي ألف في السر وخمسمائة ألف في العلانية فأجابه إلى ذلك وحملها إلى العراق فأقامت عنده ثمانية أشهر فلما خرج عبد الله بن
إلى عبد الملك بن مروان وافدا نزل بدمشق فأتاه الوليد بن عبد الملك على بغلة ومعه الناس فاستقبله ابن جعفر بالترحيب فقال له الوليد لكنك أنت لا مرحبا بك ولا أهلا قال مهلا يا ابن أخي فلست أهلا لهذه المقالة منك قال بلى والله وبشر منها قال وفيم ذلك ؟ قال لأنك عمدت إلى عقيلة نساء العرب وسيدة نساء بني عبد مناف فعرضتها عبد ثقيف يتفخذها بتفخذ قال وفي هذا عتبت علي يا ابن أخي ؟ قال نعم فقال عبد الله والله ما أحق الناس أن لا يلومني في هذا إلا أنت وأبوك لأن من كان قبلكم من الولاة كانوا يصلون رحمي ويعرفون حقي وإنك وأباك منعتماني رفدكما حتى ركبني الدين أما والله لو أن عبدا حبشيا مجدعا أعطاني بها ما أعطاني عبد ثقيف لزوجتها منه إنما فديت بها رقبتي فما راجعه كلمة حتى عطف عنانه ومضى حتى دخل على عبد الملك فقال ما لك يا أبا عباس ؟ قال إنك سلطت عبد ثقيف وملكته حتى تفخذ نساء بني عبد مناف فأدركت عبد الملك غيرة فكتب إلى الحجاج يقسم عليه أن لا يضع كتابه من يده حتى يطلقها ففعل قال ولم يكن يقطع الحجاج عنها رزقا ولا كرامة يجريها عليها حتى خرجت من الدنيا وما زال واصلا لعبد الله بن جعفر حتى مات وما كان يأتي عليه حول إلا وعنده عير مقبلة من عند الحجاج عليها أموال وكسوة وتحف
وحكي أن المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة سار إلى دير هند بنت النعمان وهي فيه عمياء مترهبة فاستأذن عليها فقالت من أنت ؟ قال المغيرة ين شعبة الثقفي قالت ما حاجتك ؟ قال جئت خاطبا قالت إنك لم تكن جئتني لجمال ولا مال ولكنك أردت أن تتشرف في محافل العرب فتقول تزوجت بنت النعمان بن المنذر وإلا فأي خير في اجتماع عمياء وأعور وكان عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قد تزود عاتكة بنت عمرو بن نفيل وكانت من أجمل نساء قريش وكان عبد الرحمن من أحسن الناس وجها وأبرهم بوالديه فلما دخل بها غلبت على عقله وأحبها حبا شديدا فثقل ذلك على أبيه فمر به أبو بكر يوما وهو في غرفة له فقال يا بني إني أرى هذه
قد أذهلت رأيك وغلبت على عقلك فطلقها قال لست أقدر على ذلك فقال أقسمت عليك إلا طلقتها فلم يقدر على مخالفة أبيه فطلقها فجزع عليها جزعا شديدا وامتنع من الطعام والشراب فقيل لأبي بكر أهلكت عبد الرحمن فمر به يوما وعبد الرحمن لا يراه وهو مضطجع في الشمس ويقول هذه الأبيات
( فوالله لا أنساك ما ذر شارق ... وما ناح قمري الحمام المطوق )
( فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير شيء يطلق )
( لها خلق عف ودين ومحتد ... وخلق سوي في الحياء ومنطق )
فسمعه أبوه فرق له وقال له راجعها يا بني فراجعها وأقامت عنده حتى قتل عنها يوم الطائف مع رسول الله أصابه سهم فقتله فجزعت عليه جزعا شديدا وقالت ترثيه
( فآ ليت لا تنفك نفسي حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا )
( فتى طول عمري ما أرى مثله فتى ... أكر وأحمى في الهياج وأصبرا )
( إذا شرعت فيه الأسنة خاضها ... إلى القرن حتى يترك الرمح أحمرا )
ثم تزوجها بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته ودعا الناس إلى وليمته فأتوه فلما فرغ من الطعام وخرج الناس قال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه يا أمير المؤمنين ائذن لي في كلام عاتكة حتى أهنيها وأدعو لها بالبركة فذكر عمر ذلك لعاتكة فقالت إن أبا الحسن فيه مزاح فائذن له يا أمير المؤمنين فأذن له فرفع جانب الخدر فنظر اليها فإذا ما بدا من جسدها مضمخ بالخلوق فقال لها يا عاتكة ألست القائلة
( فآ ليت لا تنفك نفسي حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا )
وقيل إن عمر لما قتل عنها جزعت عليه جزعا شديدا وتزوجت بعده الزبير بن العوام وكان رجلا غيورا وكانت تخرج إلى المسجد كعادتها مع أزواجها فشق ذلك عليه وكان يكره أن ينهاها عن الخروج إلى الصلاة لحديث رسول الله ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) فعرض لها ليلة في ظهر المسجد وهي لا تعرفه فضرب بيده عجيزتها ثم انصرف فقعدت بعد ذلك عن الخروج إلى المسجد وكان يقول لها ألا تخرجين يا عاتكة ؟ فتقول كنا نخرج إذا الناس ناس وما بهم من باس وأما الآن فلا ثم قتل عنها الزبير قتله عمرو بن جرموز بوادي السباع وهو نائم ثم تزوجها بعده محمد بن أبي بكر فقتل عنها بمصر فقالت لا أتزوج بعده أبدا إني لأحسبني أني لو تزوجت جميع أهل الأرض لقتلوا عن آخرهم
وحكي عن الحرث بن عوف بن أبي حارثة أنه قال لخارجة بن سنان أترى أخطب إلى أحد فبردني قال نعم قال ومن هو ؟ قال أوس بن حارثة بن لام الطائي قال اركب بنا إليه فركبنا إليه حتى أتينا أوس بن حارثة في بلاده فوجدناه في فناء منزلة فلما رأى الحرث ابن عوف قال مرحبا بك يا حارث ثم قال ما جاء بك ؟ قال جئت خاطبا قالت لست هناك فانصرف ولم يكلمه فدخول أوس على امرأته مغضبا فقالت له من الرجل الذي سلم عليك فلم تطل معه الوقوف ولم تكلمه ؟ فقال ذلك سيد العرب الحارث بن عوف فقالت فما لك لا تستنزله ؟ قال إنه استهجنني قالت وكيف ؟ قال لأنه جاءني خاطبا فالت ألست تزعم أنه سيد العرب قال نعم قالت إذا لم تزوج سيد العرب في زمانه فمن تزوج ؟ قال قد كان ذلك قالت فتدارك ما كان منك قال فبماذا ؟ قالت بأن تلحفه فترده قال وكيف وقد فرط مني إليه ما فرط قالت تقول له إنك لقيتني وأنا مغضب لأمر فلك المعذرة فيما فرط مني فارجع ولك عندي كل ما طلبت قال فركب في أثرهما قال خارجة ابن سنان فوالله إنا لنسير إذ حانت مني التفاتة فرأيته فقلت للحرث وهو ما يكلمني هذا أوس في أثرنا فقال ما أصنع به فلما رآنا
لا نقف قال يا حاراث اربع علي فوقفنا له وكلمه بذلك الكلام فرجع مسرورا قال خارجة بن سنان فبلغني أن أوسا لما دخل منزله قال لزوجته ادعيى لي فلانة أكبر بناته فأتته فقال لها أي بنية هذا الحرث بن عوف سيد من سادات العرب جاءني خاطبا وقد أردت أن أزوجك منه فما تقولين ؟ قالت لا تفعل قال ولم ؟ قالت لأن في خلقي رداءة وفي لساني حدة ولست بابنة عمه فيراعي رحمي ولا هو بجارك في البلد فيستحي منك ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني فيكون علي بذلك مسبة قال لها قومي بارك الله فيك ثم دعا ابنته الأخرى فقال لها مثل قوله لأختها فأجابته بمثل جوابها فقال لها قومي بارك الله فيك ثم دعا بالثالثة وكانت أصغرهن سنا فقال لها مثل ما قال لأختيها فقالت له أنت وذاك فقال لها إني عرضت ذلك على أختيك فأبتاه ولم يذكر لها مقالتهما فقالت والله أني الجميلة وجها الرفيعةخلقا الحسنة رأيا فإن طلقني فلا أخلف الله عليه فقال لها بارك الله فيك ثم خرج إليه فقال زوجتك يا حارث بابنتي هئيسة قال قد قبلت نكاحها وأمر أمها أن تهيئها له وتصلح شأنها ثم أمر ببيت فضرب له وأنزله إياه ثم بعثها إليه فلما دخلت عليه لبث هنيهة ثم خرج إلي فقلت له أفرغت من شأنك ؟ قال لا والله قلت له وكيف ذلك ؟ قال لما مددت يدي إليها قالت مه أعند أبي وأخوتي هذا والله لا يكون ثم أمر بالرحلة فارتحلنا بها معا وسرنا ما شاء الله قال لي تقدم فتقدمت فعدل عن الطريق فما لبث أن لحقني فقلت أفرغت من شأنك ؟ قال لا والله قلت ولم ؟ قال قالت تفعل بي كما يفعل بألأمة السبية الأخيذة لا والله حتى تنحر الجزر والغنم وتدعو العرب وتعمل ما يعمل مثلك لمثلي فقلت والله إني لأرى همة وعقلا فقال صدقت قال أرجو الله أن تكون المرأة النجيبة فوردنا إلى بلادنا فأحضر الإبل والغنم ونحر وأولم ثم دخل عليها وخرج إلي فقلت أفرغت من شأنك ؟ قال لا والله قلت ولم ذلك ؟ قال دخلت عليها أريدها فقلت لها أحضرت من المال ما تريدين قالت والله لقد ذكرت من الشرف
ليس فيك قلت ولم ذاك ؟ قالت أتستفرغ لنكاح النساء والعرب يقتل بعضها بعضا وكان ذلك في أيام حرب قيس وذبيان قلت فماذا تقولين ؟ قالت أخرج إلى القوم فاصلح بينهم ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتك ما تريد فقلت والله إني لأرى عقلا ورأيا سديدا قال فاخرج بنا فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا بينهم بالصلح فاصطلحوا على أن يحسبوا القتلى ثم تؤخذ الدية فحملنا عنهما الديات فكانت ثلاثة الآف بعير فانصرفنا بأجمل ذكر ثم دخل عليها فقالت له أما الآن فنعم فأقامت عنده في ألذ عيش وأطيبه وولدت له بنين وبنات وكان من أمرهما ما كان والله أعلم بالصواب
وحكى الفضل أبو محمد الطيبي قال حدثنا بعض أصحابنا أن رجلا من بني سعد مرت به جاريه لأمية بن خالد بن عبد الله بن أسد ذات ظرف وجمال وكان شجاعا فارسا فلما رآها قال طوبى لمن كان له امرأة مثلك ثم اتبعها رسولا يسألها ألها زود ويذكره لها وكان جميلا فقالت للرسول وما حرفته فأبلغه الرسول ذلك فقال ارجع إليها وقل لها
( وسائلة ما حرفتي قلت حرفتي ... مقارعة الأبطال في كل شارق )
( إذا عرضت خيل لخيل رأيتني ... أمام رعيل الخيل أحمي حقائقي )
( أصبر نفسي حين لم أر صابرا ... على ألم البيض الرقاق البوارق )
فلحقها الرسول فأنشدها ما قال فقالت له ارجع إليه وقل له أنت أسد فاطلب لك لبوة فلست من نسائك وأنشدته تقول
( ألا إنما أبغي جوادا بماله ... كريما محياه كثير الصدائق )
( فتى همه مذ كان خود خريدة ... يعانقها في الليل فوق النمارق )
وحدث يحيى بن عبد العزيز عن محمد بن عبد الحكم عن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال تزوج رجل امرأة جديدة على امرأة قديمة فكانت الجارية الجديدة تمر على بيت القديمة فتقول
( وما يستوي الرجلان رجل صحيحة ... وأخرى رمى فيها الزمان فشلت )
ثم تعود وتقول
( وما يستوي الثوبان ثوب به البلى ... وثوب بأيدي البائعين جديد )
فمرت الجارية القديمة على باب الجديدة يوما وقالت
( نقل فؤادك ما استطعت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول )
( كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبدا لأول منزل )
وقال عمرو بن العلاء وكان أعلم الناس بالنساء
( فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بادواء النساء طبيب )
( إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ... فليس له في ودهن نصيب )
وسئل المغيرة بن شعبة عن صفة النساء فقال بنات العم أحسن مؤاساة والغرائب أنجب وما ضرب رؤوس الأقران مثل ابن السوداء وقال عبد الملك بن مروان من أراد أن يتخذ جارية للمتعة فليتخذها بربرية ومن أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسية ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية قال الشاعر
( لا تشتمن امرأ ممن يكون له ... أم من الروم أو سوداء عجماء )
( فإنما أمهات القوم أرعية ... مستودعات وللأنساب آباء )
وقال الأصمعي أتاني رجل من قريش يستشيرني في امرأة يتزوجها فقلت يا ابن أخي أقصيرة النسب أم طويلته فلم يفهم علي فقلت يا ابن أخي أما القصيرة النسب فالتي إذا ذكرت أياما اكتفت به والطويلة النسب فهي التي لا تعرف حتى تطيل في نسبها فإياك أن تقع مع قوم قد أصابوا كثيرا من الدنيا مع دناءة فيهم فتضيع نسبك فيهم وخرج رجل من أهل الكوفة في غزاة فكسب جارية وفرسا وكان مملكا على ابنة عمه فكتب إليها يعيرها ويقول
( إلا بلغوا أم البنين بأننا ... غنينا واغنتنا الغطارفة النجد )
( بعيد مناط المنكبي إذا جرى ... وبيضاء كالتمثال زينها العقد )
( فهذا لأيام العدو وهذه ... لحاجة نفسي حين ينصرف الجند )
فلما ورد عليها كتابه وقرأته قالت يا غلام هات الدواة وكتبت جوابه تقول
( ألا فاقرء مني السلام وقل له ... غنينا وأغنتنا الغطارفة المرد )
( إذا شئت أغناني غلام مرجل ... ونازعته في ماء معتصر الورد )
( وإن شاء منهم ناشئ مد كفه ... إلى عكن ملساء أو كفل نهدي )
( فما كنتم تقضون حاجة أهلكم ... شهودا فتقضوها على النأى والبعد )
( فعجل إلينا بالسراح فإنه ... منانا ولا ندعو لك الله بالرد )
( فلا قفل الجنج الذي أنت فيهم ... وزادك رب الناس بعدا على بعد )
فلما ورد عليه كتابها لم يزد على أن ركب الفرس وأردف الجارية خلفه ولحق بابنة عمه فكان أول شيء بدأها به بعد السلام أن قال لها بالله عليك هل كنت فاعلة ذلك فقالت له الله في قلبي أعظم وأجل وأنت في عيني أذل وأحقر من أن أعصي الله فيك فكيف ذقت طعم الغيرة فوهب لها الجارية وانصرف إلى الغزاة والله تعالى أعلم بالصواب
الفصل الثاني في صفات النساء المحمودة
كتب الحجاج إلى الحكم بن أيوب أن أخطب لعبد الملك بن مراون امرأة جميلة من بعيد مليحة من قريب شريفة في قومها ذليلة في مؤاتية لبعلها فكتب إليه قد أصبتها لولا عظم ثديها فكتب إليه لا يكمل حسن المرأة حتى يعظم ثديها فتدفي الضجيع وتروي الرضيع وقال عبد الملك بن مروان لرجل من غطفان صف لي أحسن النساء قال خذها يا أمير المؤمنين ملساء القدمين ردماء الكعبين ناعمة الساقين ضخماء الركبتين لفاء الفخذين ضخمة الذراعين رخصة الكفين ناهدة الثديين حمراء الخدين كحلاء العينين زجاء الحاجبين لمياء الشفتين بلجاء الجبين شماء العرنين شنباء الثغر محلولكة الشعر غيداء العنق مكسرة البطن فقال ويحك وأين توجد هذه قال تجدها في خالص العرب وفي خالص الفرس وقال حكيم عليكم بمن تربت في النعيم ثم أصابتها فاقة فأثر فيها الغنى وأدبها الفقر وقال رجل لخاطب ابغ لي امرأة لا تؤنس جارا ولا توطن دارا يعني لا تدخل على الجيران ولا تدخل الجيران عليها وفي مثل هذه قال الشاعر
( هيفاء فيها إذا استقبلتها صلف ... عيطاء غامضة الكعبين معطار )
( خود من الخفرات البيض لم يرها ... بساحة الدار لا بعل ولا جار )
وقال الأعشى
( لم تمش ميلا ولم تركب على جمل ... ولم تر الشمس دونها الكلل )
وكانت امرأة عمران بن حطان من أجمل الناس وجها وكان هو من أقبح الناس وجها فقال لها يوما أنا وإياك في الجنة إن شاء الله تعالى فقالت له وكيف ذلك فقال لأني أعطيت مثلك فشكرت وأعطيت مثلي فصبرت والصابر والشاكر في الجنة وقال بعضهم رأيت في طريق مكة أعرابية ما رأيت أحسن منها وجها فقعدت أنظر إليها وأتعجب من جمالها فجاء شيخ قصير فأخذ بردائها وسار بها ومضى فلقيتها مرة أخرى فقلت لها من هذا الشيخ قالت زوجي قلت كيف يرضى مثلك بمثله فأنشد
( أيا عجبا للخود يجري وشاحها ... تزف إلى شيخ بأقبح تمثال )
( دعاني إليه أنه ذو قرابة ... يعز علينا من بني العم والخال )
وسمع بعضهم قائلا يقول
( ومن لا يرد مدحي فإن مدائحي ... نوافق عند الأكرمين نوامي )
( نوافق عند المشتري الحمد بالندى ... نفاق بنات الحرث بن هشام )
فقال يا ابن أخي ما بلغ من نفاق بنات الحرث بن هشام قال كن من أجمل الناس وجوها وكان أبوهن إذا زوجهن يسوفهن ومهورهن إلى بعولتهن فقال يا ابن أخي لو فعل هذا ابليس ببناته لتنافست فيهن الملائكة المقربون
وقال عبد الملك لابن أبي الرقاع كيف علمك بالنساء قال أنا والله أعلم الناس بهن وجعل يقول
( قضاعية الكعبين كندية الحشا ... خزاعية الأطراف طائية الفم )
( لها حكم لقمان وصورة يوسف ... ومنطق داود وعفة مريم )
وقالوا الوجه الحسن أحمر وقد تضرب فيه الصفرة مع طول المكث في الكن والتضمخ بالطيب وقالوا أن الوجه الرقيق البشرة الصافي الأديم إذا خجل يحمر وإذا فرق يصفر ومنه قولهم ديباج الوجه يريدون تلونه من رقته قال علي بن زيد في وصفه
( حمرة خلط صفرة في بياض ... مثل ما حاك حائك ديباجا )
( وقال علي بن عبد ربه )
( بيضاء يحمر خداها إذا خجلت ... كما جرى ذهب في صفحتي ورق )
وقالوا إن الجارية الحسناء تتلون بتلون الشمس فهي بالضحى بيضاء وبالعشى صفراء فقال ذو الرمة
( بيضاء صفراء قد تنازعها ... لونان من فضة ومن ذهب )
قالوا ليس المرأة الجميلة التي تأخذ ببصرك جملة على بعد فإذا دنت منك لم تكن كذلك بل الجميلة التي كلما كررت بصرك فبها زادتك حسنا وقالوا إن أردت أن ينجب ولدك فاغضبها ثم قع عليها قال الشاعر
( ممن حملن به وهن عواقد ... حبك النطاق فعاش غير مهبل )
( حملت به في ليلة مزورة ... كرها وعقد نطاقها لم يحلل )
الفصل الثالث في صفة المرأة السوء نعوذ بالله تعالى منها
في حكمة داود عليه السلام " أن المرأة السوء مثل شرك الصياد لا ينجو منها إلا من رضي الله تعالى عنه " وقيل المرأة السوء غل يلقيه الله تعالى في عنق من يشاء من عباده وقيل لأعرابي كان ذا تجربة للنساء صف لنا شر النساء فقال شرهن النحيفة الجسم القليلة اللحم المحياض الممراض المصفرة الميشومة العسرة المبشومة السلطة البطرة النفرة السريعة الوثبة كأنها لسان حربة تضحك من غير عجب وتبكي من غير سبب وتدعو على زوجها بالحرب أنف في السماء وإست في الماء عرقوبها حديد منتفخة الوريد كلامها وعيد وصوتها شديد وتدفن الحسنات وتفشي السيآت تعين الزمان على بعلها ولا تعين بعلها على الزمان ليس في قلبها عليه رأفة ولا عليها منه مخافة إن دخل خرجت وإن خرج دخلت وإن ضحك بكت وإن بكى ضحكت كثيرة الدعاء قليلة الإرعاء تأكل لما وتوسع ذما ضيقة الباع مهتوكة القناع صبيها مهزول وبيتها مزبول إذا حدثت تشير بالإصبع وتبكي في المجامع بادية من حجابها نباحة عند بابها تبكي وهي ظالمة وتشهد وهي غائبة دلى لسانها بالزور وسال دمعها بالفجور ابتلاها الله بالويل والثبور وعظائم الأمور ويقال إن المرأة إذا كانت مبغضة لزوجها فإن علامة ذلك أن تكون عند قربها منه مرتدة الطرف عنه كأنها تنظر إلى إنسان غيره من ورائه وإن كانت محبة له لا تقلع عن النظر إليه قال بعضهم
( لقد كنت محتاجا إلى موت زوجتي ... ولكن قرين السوء يلقى معمر )
( فيا ليتها صارت إلى القبر عاجلا ... وعذبها فيه نكير ومنكر )
وقال زيد بن عمير
( أعاتبها حتى قلت أقلعت ... أبى الله إلا خزيها فتعود )
( فإن طمثت قادت وإن طهرت زنت ... فهاتيك تزني دائما وتقود )
وقال داود عليه الصلاة والسلام المرأة السوء على بعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير والمرأة الصالحة كالتاج المرصع بالذهب كلما رآها قرت عينه برؤيتها والله أعلم
الفصل الرابع في مكر النساء وغدرهن وذمهن ومخالفتهن
في حكمة داود عليه الصلاة والسلام وجدت في الرجال واحدا في ألف ولم أجد واحدة في جميع النساء وقيل إن عيسى عليه الصلاة والسلام لقي إبليس يسوق أربعة أحمرة عليها أحمال فسأله فقال أحمل تجارة وأطلب مشترين فقال ما أحدها قال الحمور قال من يشتريه قال السلاطين قال فما الثاني قال الحسد قال فمن يشتريه قال العلماء قال فما الثالث قال الخيانة قال فمن يشتريها قال التجار قال فما الرابع قال الكيد قال فمن يشتريه قال النساء وقال حكيم النساء شر كلهن وشر ما فيهن قلة الاستغناء عنهن وقالت الحكماء لا تثق بامرأة ولا تغتر بمال وإن كثر وقال النساء حبائل الشيطان قال الشاعر
( تمتع بها ملسا عفتك ولا تكن ... جزوعا إذا بانت فسوف تبين )
( وخنها وإن كانت تفي لك إنها ... على قدم الأيام سوف تخون )
( وإن هي أعطتك الليان فانها ... لغيرك من طلابها ستلين )
( وإن حلفت أن ليس تنقض عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين )
( وإن سكبت يوم الفراق دموعها ... فليس لعمر الله ذاك يقين )
وقال ابن بشار
( رأيت مواعيد النساء كأنها ... سراب لمرتاد المناهل حافل )
( ومنتظر الموعود منهن كالذي ... يؤمل يوما أن تلين الجنادل )
قال بعض الحكماء لم تنه عن شيء قط إلا فعلته وقال الغنوي
( إن النساء متى ينهين عن خلق ... فإنه واقع لا بد مفعول )
وقال النخعي من اقتراب الساعة طاعة النساء ويقال من أطاع عرسه فقد أضاع نفسه وقال علي رضي الله تعالى عنه إياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن اكفف أبصارهن بالحجاب فإن شدة الحجاب خير لهن من الارتياب وليس خروجهن بأضر من دخول من لا يوثق به عليهن فإن استطعت أن لا يعرفهن غيرك فافعل قال السمعاني
( لا تأمنن على النساء ولو أخا ... ما في الرجال على النساء أمين )
( إن الأمين وإن تحفظ جهده ... لا بد أن بنظرة سيخون )
وقال غيره
( لا تركنن إلى النساء ... ولا تثق بعهودهن )
( فرضاؤهن جميعهن ... معلق بفروجهن )
وقال علي رضي الله تعالى عنه لا تطلعوا النساء على حال ولا تأمنوهن على مال ولا تذروهن إلا لتدبير العيال إن تركن وما يردن أو ردن المهالك وأفسدن الممالك ينسين الخير ويحفظن الشر يتهافتن في البهتان ويتمادين في الطغيان وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه ذل من أسند أمره إلى امرأة وقيل إن صيادا أتى أبرويز بسمكة فأعجبه حسنها وسمتها فأمر له بأربعة آلاف درهم فخطأته سيرين زوجته فقال لها ماذا أفعل فقالت له إذا جاءك فقل له أذكر كانت أم أنثى فإن قال لك ذكر فاطلب منه الأنثى وإن قال لك أنثى فاطلب منه الذكر فلما أتاه سأله فقال كانت أنثى فقال ائتني بذكرها فقال عمر الله الملك كنت بكرا لم تتزوج فقال زه وأمر له بثمانية آلاف درهم وقال اكتبوا في الحكمة الغدر ومطاوعة النساء يؤديان إلى الغرم الثقيل وقال حكيم اعص النساء وهواك وافعل ماشئت وقال عمر رضي الله تعالى عنه أكثروا لهن من قول لا فإن نعم تغريهن على المسألة قال أستعيذ بالله من أشرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر
ومما قيل في الباءة ذكر الجماع عند الإمام مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه قال هو نور وجهك ومخ ساقك منه أو أكثر وقال معاوية رضي الله تعالى عنه ما رأيت نهما في النساء إلا عرفت ذلك في وجهه وخلا تمام بجارية له فعجز عنها فقال ما أوسع حرك فأنشأت تقول
( أنت الفداء لمن قد كان يملؤه ... ويشتكي الضيق منه حين يلقاه )
وقال آخر
( شفاء الحب تقبيل ولمس ... وسحب بالبطون على البطون )
( ورهز تذرف العينان منه ... وأخذ بالمناكب والقرون )
وقالت امرأة من أهل الكوفة دخلت على عائشة بنت طلحة فسألت عنها فقيل هي مع زوجها في القيطون فسمعت شهيقا وشخيرا لم أسمع مثله ثم خرجت إلي وجبينها يتصبب عرقا فقلت لها ما ظننت حرة تفعل هذا بنفسها فقالت إن الخيل تشرب بالصفير وعاتبت امرأة زوجها على قلة إتيانها فأجابها يقول
( أنا شيخ ولي امرأة عجوز ... تراودني على ما لا يجوز )
( وقالت رق أيرك مذ كبرنا ... فقلت بلى قد اتسع القفيز )
وكان لرجل امرأة تخاصمه وكلما خاصمته قام إليها فواقعها فقالت ويحك كلما تخاصمني تأتيني بشفيع لا أقدر على رده وأتى رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقال إن لي امرأة كلما غشيتها تقول قتلتني فقال اقتلها بهذه القتلة وعلي إثمها وقالوا من ل جماعه فهو أصح بدنا وأنقى جلدا وأطول عمرا ويعتبر ذلك بذكور الحيوان وذلك أنه ليس في الحيوان أطول أعمارا من البغال ولا أقصر أعمارا من العصافير وهي أكثرها سفادا والله تعالى أعلم بالصواب
الفصل الخامس في الطلاق وما جاء فيه
عن عبد الرحمن بن محمد بن أخي الأصمعي قال قال عمي للرشيد في بعض حديثه يا أمير المؤمنين بلغني إن رجلا من العرب طلق في يوم واحد خمس نسوة قال وكيف ذلك وإنما لا يجوز للرجل غير أربعة قال يا أمير المؤمنين كان متزوجا بأربعة فدخل عليهن يوما فوجدهن متنازعات وكان شريرا فقال إلى متى هذا النزاع ما أظن هذا إلا من قبلك يا فلانة لامرأة منهن اذهبي فأنت طالق فقالت له صاحبتها عجلت عليها بالطلاق ولو أدبتها بغير ذلك لكان أصلح فقال لها وأنت أيضا طالق فقالت له الثالثة قبحك الله فوالله لقد كانتا إليك محسنتين فقال لها وأنت أيضا أيتها المتعددة أياديهما طالق فقالت الرابعة وكانت هلالية ضاق صدرك إلا أن تؤدب نساءك بالطلاق فقال لها وأنت طالق أيضا فسمعته جاره له فأشرفت عليه وقالت له والله ما شهدت العرب عليك ولا على قومك بالضعف إلا لما بلوه منكم ووجدوه فيكم أبيت إلا طلاق نسائك في ساعة واحدة فقال لها وأنت أيتها المتكلمة فيما لا يعنيك طالق إن أجازني بعلك فأجابه زوجها قد أجزت لك ذلك فعجب الرشيد من ذلك وطلق امرأته فلما أرادت الارتحال قال لها اسمعي وليسمع من حضر إني والله اعتمدتك برغبة وعاشرتك بمحبة ولم أجد منك زلة ولم يدخلني عنك ملة ولكن القضاء كان غالبا فقالت المرأة جزيت من صاحب ومصحوب خيرا فما استقللت خيرك ولا شكوت ضيرك ولا تمنيت غيرك ولا أجد لك في الرجال شبيها وليس لقضاء الله مدفع ولا من حكمة علينا ممنع وقال رجل لابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء فقال يكفيه من ذلك عدد نجوم الجوزاء
ذكر من طلق امرأته فتبعها نفسه قال الهيثم بن عدي كانت تحت ابن الغربان بن الأسود بنت عم له فطلقها فتبعتها نفسه فكتب إليها يعرض لها بالرجوع فكتبت إليه تقول
( إن كنت ذا حاجة فاطلب لها بذلا ... إن الغزال الذي ضيعت مشغول )
فكتب إليها يقول
( إن كان ذا شغل فالله يكلؤه ... فقد لهونا به والحبل موصول )
( وقد قضينا من استظرافه وطرا ... وفي الليالي وفي أيامها طول )
وطلق الوليد بن يزيد زوجته سعدى فلما تزوجت اشتد ذلك عليه وندم على ما كان منه فدخل عليه أشعب فقال له هل لك أن تبلغ سعدى عني رسالة ولك عشرة آلاف درهم قال أقبضنيها فأمر له بها فلما قبضها قال له هات رسالتك قال ائتها فأنشدها
( أسعدى هل إليك لنا سبيل ... ولا حتى القيامة من تلاق )
( بلى ولعل دهرا أن يؤاتي ... بموت من خليلك أو فراق )
قال فأتاها أشعب فاستأذن عليها فأذنت له فدخل فقالت له ما بدا لك في زيارتنا يا أشعب فقال يا سيدتي أرسلني إليك برسالة ثم أنشدها الشعر فقالت لجواريها عليكن بهذا الخبيث فقال يا سيدتي إنه دفع إلي عشرة آلاف درهم فهي لك واعتقيني لوجه الله فقالت والله لا أعتقك أو تبلغ إليه ما أقول لك قال يا سيدتي فاجعل لي جعلا قالت لك بساطي هذا قال قومي عنه فقامت فأخذه وألقاه على ظهره وقال هاتي رسالتك فقالت
( أتبكي على سعدى وأنت تركتها ... فقد ذهبت سعدى فما أنت صانع )
فلما بلغه الرسالة ضاقت عليه الأرض بما رحبت وأخذته كظمة فقال لأشعب اختر مني إحدى ثلاث إما أن أقتلك وأما أن أطرحك من هذا القصر وأما أن ألقيك إلى هذه السباع فتفترسك فتحير أشعب وأطرق مليا ثم قال يا سيدي ما كنت لتعذب عينا نظرت إلى سعدى فتبسم وخلى سبيله وممن طلق امرأته فتبعتها نفسه الفرزدق الشاعر طلق النوار ثم ندم على طلاقها وقال
( ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار )
( فأصبحت الغداة ألوم نفسي ... بأمر ليس لي فيه اختيار )
( وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار )
( ولو أني ملكت بها يميني ... لكان علي للقدر الخيار )
وممن طلق امرأته فتبعتها نفسه فندم قيس بن ذريح وكان أبوه أمره بطلاقها فطلقها وندم على ذلك فأنشأ يقول
( فنى صبري وعاودني رداعي ... وكان فراق لبتي كالخداع )
( تكنفني الوشاة فأزعجوني ... فيا للناس للواشي المطاع )
( فأصبحت الغداة ألوم نفسي ... على أمر وليس بمستطاع )
( كمغبون يعض على يديه ... تبين غبنه عند البياع )
وحدث العتبي قال جاء رجل بامرأة كأنها برج من فضة إلى عبد الرحمن بن الحكم وهو على الكوفة فقال إن امرأتي هذه شجتني فسألها عبد الرحمن فقالت نعم يا مولاي غير متعمدة لذلك كنت أعالج طيبا فوقع الفهر من يدي على رأسه وليس عندي علم ولا يقوى بدني على القصاص فقال للرجل علام تمسكها وقد فعلت بك ما أرى فقال يا مولاي إن صداقها علي أربعة آلاف درهم ولا تطيب نفسي بفراقها قال فإن أعطيتك الأربعة آلاف درهم تفارقها قال نعم قال هي لك قال فهي إذن طالق فقال لها عبد الرحمن احبسي علينا نفسك وأنشأ يقول
( يا شيخ يا شيخ من دلاك بالغزل ... قد كنت يا شيخ عن هذا بمعتزل )
( رضت الصعاب فلم تحسن رياضتها ... فاعمد لنفسك نحو القرح الذلل )
والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
.
في ذكر النساء وصفاتهن ونكاحهن وطلاقهن وما يحمد ويذم من عشرتهن وفيه فصول
الفصل الأول في النكاح وفضله والترغيب فيه
قال الله تعالى ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ ) الآية وقال تعالى ( وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ) وقال تعالى ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم ) الآية وقال رسول الله " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " وقال رسول الله " استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عورا عندكم " وقال رسول الله " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " وقال " سوداء ولود خير من حسناء عقيم " وقال رسول الله " أحسن النساء بركة أحسنهن وجها وأرخصهن مهرا فينبغي للرجل إذا أراد أن يتزوج أن يرغب في ذات الدين وأن يختار الشرف والحسب "
حكي أن نوح بن مريم قاضي مرو أراد أن يزوج ابنته فاستشار جار له مجوسيا فقال سبحان الله يستفتونك وأنت تستفتيني قال لا بد أن تشير علي قال إن رئيسنا كسرى كان يختار المال ورئيس الروم قيصر كان يختار الحسب والنسب ورئيسكم محمد كان يختار الدين فانظر أنت بأيهم تقتدي وقال رجل للحسن إن لي ابنة فمن ترى أن أزوجها له قال زوجها ممن يتقي الله عز وجل فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلم ها وقيل لرجل من الحكماء فلان يخطب فلانة أموسر من عقل ودين فقالوا نعم قال فزوجوه إياها ويستحب أن يختار البكر لقوله " عليكم بالأبكار فإنهن أطيب فواها وأنتق أرحاما " وقالوا أشهى المطي ما لم يركب وأحب اللآلئ ما لم يثقب وأنشد بعضهم
( قالوا نكحت صغيرة فأجبتهم ... أشهى المطي إلى ما لم يركب )
( كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة ... نظمت وحبة لؤلؤ لم تثقب ) فأجابته إمرأة
( إن المطية لا يلذ ركوبها ... حتى تذلل بالزمام وتركبا )
( والدر ليس بنافع أربابه ... حتى يؤلف بالنظام ويثقبا ) قال خالد بن صفوان
( عليك إذا ما كنت في الناس ناكحا ... بذات الثنايا الغر والأعين النجل ) وقيل استشار رجل داود عليه السلام في التزويج فقال له سل سليمان وأخبرني بجوابه فصادفه ابن سبع سنين وهو يلعب مع الصبيان وراكبا قصبة فسأله فقال عليك بالذهب الأحمر أو الفضة البيضاء واحذر الفرس لا يضربك فلم يفهم الرجل ذلك فقال له داود عليه الصلاة والسلام الذهب الأحمر البكر والفضة البيضاء الثيب
الشابة ومن وراءهما كالفرس الجموح وقال رسول الله " تخيروا لنطفكم " وقال أنظر في أي شيء تضع ولدك فإن العرق دساس وقال عليه الصلاة والسلام " إياكم إياكم وخضراء الدمن قالوا وما خضراء الدمن يا رسول الله قال المرأة الحسناء في المنبت السوء " وأنشدوا فيه
( إذا تزوجت فكن حاذقا ... وأسأل عن الغصن وعن منبته ) وقال بعضهم
( وأول خبث الماء خبث ترابه ... وأول خبث القوم خبث المناكح ) وعن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي قال " لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء فإن اللبن يعدي ) وقيل إن جعفر بن سليمان بن علي عاب يوما على أولاده وأنهم ليسوا كما يحب فقال له ولده أحمد بن جعفر إنك عمدت إلى فاسقات مكة والمدينة وإماء الحجاز فأوعيت فيهن نطفك ثم تريد أن ينجبن وإنما نحن كصاحبات الحجاز هلا فعلت في ولدك ما فعل أبوك فيك حين اختار لك عقيلة قومها فزوجها منك وأنشدوا
( صفات من يستحب الشرع خطبتها ... جلوتها الأولى الألباب مختصرا )
( صبية ذات دين زانه أدب ... بكر ولود حكت في نفسها القمرا )
( غريبة لم تكن من أهل خاطبها ... تلك الصفات التي أجلوا لمن نظرا )
( فيها أحاديث جاءت وهي ثابتة ... أحاط علما بها من في العلوم قرا ) وقال آخر
( مطيات السرور فويق عشر ... إلى العشرين ثم قف المطايا )
( فإن جزت المسير فسر قليلا ... وبنت الأربعين من الرزايا ) وقال آخر
( فإياك إياك العجوز ووطأها ... فما هو إلا مثل سم الأراقم )
أن العيش كله مقصور على الحليلة الصالحة والبلاء كله موكل بالقرينة السوء التي لا تسكن النفس إلى عشرتها ولا تقر العيون برؤيتها وفي حكمة سليمان بن داود عليهما السلام المرأة العاقلة تعمر بيت زوجها والمرأة السفيهة تهدمه
وروي أنه لما حضر أبو طالب نكاح رسول الله على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ومعه بنو هاشم ورؤساء مضر خطب فقال الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن محمد بن عبد الله ابن أخي من لا يوزن به رجل من قريش إلا رجح به برا وفضلا وكرما ومجدا ونبلا فإن كان في المال قل فالمال ظل زائل ورزق حائل وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالي كذا وكذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل
ولما خطب عمرو بن حجر الكندي إلى عوف بن محلم الشيباني ابنته أم إياس وأجابه إلى ذلك أقبلت عليها أمها ليلة دخولها بها توصيها فكان مما أوصتها به أن قالت أي بنية إنك مفارقة بيتك الذي منه خرجت وعشك الذي منه درجت إلى رجل لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فكوني له أمة ليكون لك عبدا واحفظي له خصالا عشرا يكن لك ذخرا فأما الأولى والثانية فالرضا بالقناعة وحسن السمع له والطاعة وأما الثالثة والرابعة فالتفقد لمواقع عينيه وأنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم أنفه منك إلا أطيب الريح وأما الخامسة والسادسة فالتفقد لوقت طعامه ومنامه فإن شدة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة وأما السابعة والثامنة فالاحراز لماله والارعاء على حشمه وعياله وأما التاسعة والعاشرة فلا تعصي له أمرا ولا تفشي له سرا فإنك إن خالفت أمره أو غرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره وإياك والفرح بين يديه إذا كان مهتما والكآبة لديه إذا كان فرحا فقبلت وصية أمها فأنجبت وولدت له الحرث بن عمرو جد أمرئ القيس الملك الشاعر
الهيثم بن عدي الطائي عن الشعبي قال لقيني شريح فقال لي يا شعبي عليك بنساء بني تميم فإني رأيت لهن عقولا فقلت وما رأيت من عقولهن قال أقبلت من جنازة ظهرا فمررت بدورهن وإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جانبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري فعدلت إليها واستسقيت وما بي عطش فقالت لي أي الشراب أحب إليك قلت ما تيسر قالت ويحك يا جارية ائتيه بلبن فإني أظن الرجل غريبا فقلت للعجوز ومن تكون هذه الجارية منك قالت هي زينب بنت جرير إحدى نساء بني حنظلة قلت هي فارغة أم مشغولة قالت بل فارغة قلت أتزوجينيها قالت إن كنت كفأ ( ولم تقل كفوا ) وهي لغة بني تميم فتركتها ومضيت إلى منزلي لأقيل فيه فامتنعت مني القائلة فلما صليت الظهر أخذت بيد إخواني من العرب الأشراف علقمة والأسود والمسيب ومضيت أريد عمها فاستقبلنا وقال ما شأنك أبا أمية قلت زينب ابنة أخيك قال ما بها عنك رغبة فزوجنيها فلما صارت في حبالي ندمت وقلت أي شيء صنعت بنساء بني تميم وذكرت غلظ قلوبهن فقلت أطلقها ثم قلت لا ولكن أدخل بها فإن رأيت ما أحب وإلا كان ذلك فلو شهدتني يا شعبي وقد أقبلت نساؤها بهدينها حتى أدخلت علي فقلت إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها فتوضأت فإذا هي تتوضأ بوضوئي وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسني ملحفة قد صبغت بالزعفران فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناصيتها فقالت على رسلك أبا أمية ثم قالت الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله أما بعد فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه وما تكره فأجتنبه فإنه قد كان لك منكح في قومك ولي في قومي مثل ذلك ولكن إذا قضى الله أمرا كان مفعولا وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله تعالى به إما إمساك بمعروف أو تسريح باحسان أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين قال فأحوجتني
والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع فقلت الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله أما بعد فإنك قلت كلاما إن ثبت عليه يكن ذلك حظا لي وإن تدعيه يكن حجة عليك أحب كذا وأكره كذا وما رأيت من حسنة فابثثيها وما رأيت من سيئة فاستريها فقالت كيف محبتك لزيارة الأهل ؟ قلت ما أحب أن يملني أصهاري قالت فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له ومن تكرهه أكرهه قلت بنو فلان قوم صالحون وبنو فلان قوم سوء قال فبت معها يا شعبي بأنعم ليلة ومكثت معي حولا لا أرى منها إلا ما أحب فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء وإذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهي قلت من هذه ؟ قالوا فلانة أم حليلتك قلت مرحبا وأهلا وسهلا فلما جلست أقبلت العجوز فقالت السلام عليك يا أبا أمية فقلت وعليك السلام ومرحبا بك وأهلا قالت كيف رأيت زوجتك قلت خير زوجة وأوفق قرينة لقد أدبت فأحسنت الأدب وريضت فأحسنت الرياضة فجزاكي الله خيرا فقالت أبا أمية إن المرأة لا يرى أسوأ حالا منها في حالتين قلت وما هما ؟ قالت إذا ولدت غلاما أو حظيت عند زوجها فإن رابك مريب فعليك بالسوط فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشر من الروعاء المدللة فقلت والله لقد أدبت فأحسنت الأدب وريضت فأحسنت الرياضة قالت كيف تحب أن يزورك أصهارك ؟ قلت ما شاءوا فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية فمكثت معي يا شعبي عشرين سنة لم أعب عليها شيئا وكان لي جار من كندة يفزع امرأته ويضربها فقلت في ذلك
( رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلت يميني يوم تضرب زينب )
( أأضربها من غير ذنب أتت به ... فما العدل مني ضرب من ليس يذنب )
( فزينب شمس والنساء كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب )
وخطب الحجاج بن يوسف إلى عبد الله بن جعفر ابنته أم كلثوم على ألفي ألف في السر وخمسمائة ألف في العلانية فأجابه إلى ذلك وحملها إلى العراق فأقامت عنده ثمانية أشهر فلما خرج عبد الله بن
إلى عبد الملك بن مروان وافدا نزل بدمشق فأتاه الوليد بن عبد الملك على بغلة ومعه الناس فاستقبله ابن جعفر بالترحيب فقال له الوليد لكنك أنت لا مرحبا بك ولا أهلا قال مهلا يا ابن أخي فلست أهلا لهذه المقالة منك قال بلى والله وبشر منها قال وفيم ذلك ؟ قال لأنك عمدت إلى عقيلة نساء العرب وسيدة نساء بني عبد مناف فعرضتها عبد ثقيف يتفخذها بتفخذ قال وفي هذا عتبت علي يا ابن أخي ؟ قال نعم فقال عبد الله والله ما أحق الناس أن لا يلومني في هذا إلا أنت وأبوك لأن من كان قبلكم من الولاة كانوا يصلون رحمي ويعرفون حقي وإنك وأباك منعتماني رفدكما حتى ركبني الدين أما والله لو أن عبدا حبشيا مجدعا أعطاني بها ما أعطاني عبد ثقيف لزوجتها منه إنما فديت بها رقبتي فما راجعه كلمة حتى عطف عنانه ومضى حتى دخل على عبد الملك فقال ما لك يا أبا عباس ؟ قال إنك سلطت عبد ثقيف وملكته حتى تفخذ نساء بني عبد مناف فأدركت عبد الملك غيرة فكتب إلى الحجاج يقسم عليه أن لا يضع كتابه من يده حتى يطلقها ففعل قال ولم يكن يقطع الحجاج عنها رزقا ولا كرامة يجريها عليها حتى خرجت من الدنيا وما زال واصلا لعبد الله بن جعفر حتى مات وما كان يأتي عليه حول إلا وعنده عير مقبلة من عند الحجاج عليها أموال وكسوة وتحف
وحكي أن المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة سار إلى دير هند بنت النعمان وهي فيه عمياء مترهبة فاستأذن عليها فقالت من أنت ؟ قال المغيرة ين شعبة الثقفي قالت ما حاجتك ؟ قال جئت خاطبا قالت إنك لم تكن جئتني لجمال ولا مال ولكنك أردت أن تتشرف في محافل العرب فتقول تزوجت بنت النعمان بن المنذر وإلا فأي خير في اجتماع عمياء وأعور وكان عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قد تزود عاتكة بنت عمرو بن نفيل وكانت من أجمل نساء قريش وكان عبد الرحمن من أحسن الناس وجها وأبرهم بوالديه فلما دخل بها غلبت على عقله وأحبها حبا شديدا فثقل ذلك على أبيه فمر به أبو بكر يوما وهو في غرفة له فقال يا بني إني أرى هذه
قد أذهلت رأيك وغلبت على عقلك فطلقها قال لست أقدر على ذلك فقال أقسمت عليك إلا طلقتها فلم يقدر على مخالفة أبيه فطلقها فجزع عليها جزعا شديدا وامتنع من الطعام والشراب فقيل لأبي بكر أهلكت عبد الرحمن فمر به يوما وعبد الرحمن لا يراه وهو مضطجع في الشمس ويقول هذه الأبيات
( فوالله لا أنساك ما ذر شارق ... وما ناح قمري الحمام المطوق )
( فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير شيء يطلق )
( لها خلق عف ودين ومحتد ... وخلق سوي في الحياء ومنطق )
فسمعه أبوه فرق له وقال له راجعها يا بني فراجعها وأقامت عنده حتى قتل عنها يوم الطائف مع رسول الله أصابه سهم فقتله فجزعت عليه جزعا شديدا وقالت ترثيه
( فآ ليت لا تنفك نفسي حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا )
( فتى طول عمري ما أرى مثله فتى ... أكر وأحمى في الهياج وأصبرا )
( إذا شرعت فيه الأسنة خاضها ... إلى القرن حتى يترك الرمح أحمرا )
ثم تزوجها بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته ودعا الناس إلى وليمته فأتوه فلما فرغ من الطعام وخرج الناس قال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه يا أمير المؤمنين ائذن لي في كلام عاتكة حتى أهنيها وأدعو لها بالبركة فذكر عمر ذلك لعاتكة فقالت إن أبا الحسن فيه مزاح فائذن له يا أمير المؤمنين فأذن له فرفع جانب الخدر فنظر اليها فإذا ما بدا من جسدها مضمخ بالخلوق فقال لها يا عاتكة ألست القائلة
( فآ ليت لا تنفك نفسي حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا )
وقيل إن عمر لما قتل عنها جزعت عليه جزعا شديدا وتزوجت بعده الزبير بن العوام وكان رجلا غيورا وكانت تخرج إلى المسجد كعادتها مع أزواجها فشق ذلك عليه وكان يكره أن ينهاها عن الخروج إلى الصلاة لحديث رسول الله ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) فعرض لها ليلة في ظهر المسجد وهي لا تعرفه فضرب بيده عجيزتها ثم انصرف فقعدت بعد ذلك عن الخروج إلى المسجد وكان يقول لها ألا تخرجين يا عاتكة ؟ فتقول كنا نخرج إذا الناس ناس وما بهم من باس وأما الآن فلا ثم قتل عنها الزبير قتله عمرو بن جرموز بوادي السباع وهو نائم ثم تزوجها بعده محمد بن أبي بكر فقتل عنها بمصر فقالت لا أتزوج بعده أبدا إني لأحسبني أني لو تزوجت جميع أهل الأرض لقتلوا عن آخرهم
وحكي عن الحرث بن عوف بن أبي حارثة أنه قال لخارجة بن سنان أترى أخطب إلى أحد فبردني قال نعم قال ومن هو ؟ قال أوس بن حارثة بن لام الطائي قال اركب بنا إليه فركبنا إليه حتى أتينا أوس بن حارثة في بلاده فوجدناه في فناء منزلة فلما رأى الحرث ابن عوف قال مرحبا بك يا حارث ثم قال ما جاء بك ؟ قال جئت خاطبا قالت لست هناك فانصرف ولم يكلمه فدخول أوس على امرأته مغضبا فقالت له من الرجل الذي سلم عليك فلم تطل معه الوقوف ولم تكلمه ؟ فقال ذلك سيد العرب الحارث بن عوف فقالت فما لك لا تستنزله ؟ قال إنه استهجنني قالت وكيف ؟ قال لأنه جاءني خاطبا فالت ألست تزعم أنه سيد العرب قال نعم قالت إذا لم تزوج سيد العرب في زمانه فمن تزوج ؟ قال قد كان ذلك قالت فتدارك ما كان منك قال فبماذا ؟ قالت بأن تلحفه فترده قال وكيف وقد فرط مني إليه ما فرط قالت تقول له إنك لقيتني وأنا مغضب لأمر فلك المعذرة فيما فرط مني فارجع ولك عندي كل ما طلبت قال فركب في أثرهما قال خارجة ابن سنان فوالله إنا لنسير إذ حانت مني التفاتة فرأيته فقلت للحرث وهو ما يكلمني هذا أوس في أثرنا فقال ما أصنع به فلما رآنا
لا نقف قال يا حاراث اربع علي فوقفنا له وكلمه بذلك الكلام فرجع مسرورا قال خارجة بن سنان فبلغني أن أوسا لما دخل منزله قال لزوجته ادعيى لي فلانة أكبر بناته فأتته فقال لها أي بنية هذا الحرث بن عوف سيد من سادات العرب جاءني خاطبا وقد أردت أن أزوجك منه فما تقولين ؟ قالت لا تفعل قال ولم ؟ قالت لأن في خلقي رداءة وفي لساني حدة ولست بابنة عمه فيراعي رحمي ولا هو بجارك في البلد فيستحي منك ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني فيكون علي بذلك مسبة قال لها قومي بارك الله فيك ثم دعا ابنته الأخرى فقال لها مثل قوله لأختها فأجابته بمثل جوابها فقال لها قومي بارك الله فيك ثم دعا بالثالثة وكانت أصغرهن سنا فقال لها مثل ما قال لأختيها فقالت له أنت وذاك فقال لها إني عرضت ذلك على أختيك فأبتاه ولم يذكر لها مقالتهما فقالت والله أني الجميلة وجها الرفيعةخلقا الحسنة رأيا فإن طلقني فلا أخلف الله عليه فقال لها بارك الله فيك ثم خرج إليه فقال زوجتك يا حارث بابنتي هئيسة قال قد قبلت نكاحها وأمر أمها أن تهيئها له وتصلح شأنها ثم أمر ببيت فضرب له وأنزله إياه ثم بعثها إليه فلما دخلت عليه لبث هنيهة ثم خرج إلي فقلت له أفرغت من شأنك ؟ قال لا والله قلت له وكيف ذلك ؟ قال لما مددت يدي إليها قالت مه أعند أبي وأخوتي هذا والله لا يكون ثم أمر بالرحلة فارتحلنا بها معا وسرنا ما شاء الله قال لي تقدم فتقدمت فعدل عن الطريق فما لبث أن لحقني فقلت أفرغت من شأنك ؟ قال لا والله قلت ولم ؟ قال قالت تفعل بي كما يفعل بألأمة السبية الأخيذة لا والله حتى تنحر الجزر والغنم وتدعو العرب وتعمل ما يعمل مثلك لمثلي فقلت والله إني لأرى همة وعقلا فقال صدقت قال أرجو الله أن تكون المرأة النجيبة فوردنا إلى بلادنا فأحضر الإبل والغنم ونحر وأولم ثم دخل عليها وخرج إلي فقلت أفرغت من شأنك ؟ قال لا والله قلت ولم ذلك ؟ قال دخلت عليها أريدها فقلت لها أحضرت من المال ما تريدين قالت والله لقد ذكرت من الشرف
ليس فيك قلت ولم ذاك ؟ قالت أتستفرغ لنكاح النساء والعرب يقتل بعضها بعضا وكان ذلك في أيام حرب قيس وذبيان قلت فماذا تقولين ؟ قالت أخرج إلى القوم فاصلح بينهم ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتك ما تريد فقلت والله إني لأرى عقلا ورأيا سديدا قال فاخرج بنا فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا بينهم بالصلح فاصطلحوا على أن يحسبوا القتلى ثم تؤخذ الدية فحملنا عنهما الديات فكانت ثلاثة الآف بعير فانصرفنا بأجمل ذكر ثم دخل عليها فقالت له أما الآن فنعم فأقامت عنده في ألذ عيش وأطيبه وولدت له بنين وبنات وكان من أمرهما ما كان والله أعلم بالصواب
وحكى الفضل أبو محمد الطيبي قال حدثنا بعض أصحابنا أن رجلا من بني سعد مرت به جاريه لأمية بن خالد بن عبد الله بن أسد ذات ظرف وجمال وكان شجاعا فارسا فلما رآها قال طوبى لمن كان له امرأة مثلك ثم اتبعها رسولا يسألها ألها زود ويذكره لها وكان جميلا فقالت للرسول وما حرفته فأبلغه الرسول ذلك فقال ارجع إليها وقل لها
( وسائلة ما حرفتي قلت حرفتي ... مقارعة الأبطال في كل شارق )
( إذا عرضت خيل لخيل رأيتني ... أمام رعيل الخيل أحمي حقائقي )
( أصبر نفسي حين لم أر صابرا ... على ألم البيض الرقاق البوارق )
فلحقها الرسول فأنشدها ما قال فقالت له ارجع إليه وقل له أنت أسد فاطلب لك لبوة فلست من نسائك وأنشدته تقول
( ألا إنما أبغي جوادا بماله ... كريما محياه كثير الصدائق )
( فتى همه مذ كان خود خريدة ... يعانقها في الليل فوق النمارق )
وحدث يحيى بن عبد العزيز عن محمد بن عبد الحكم عن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال تزوج رجل امرأة جديدة على امرأة قديمة فكانت الجارية الجديدة تمر على بيت القديمة فتقول
( وما يستوي الرجلان رجل صحيحة ... وأخرى رمى فيها الزمان فشلت )
ثم تعود وتقول
( وما يستوي الثوبان ثوب به البلى ... وثوب بأيدي البائعين جديد )
فمرت الجارية القديمة على باب الجديدة يوما وقالت
( نقل فؤادك ما استطعت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول )
( كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبدا لأول منزل )
وقال عمرو بن العلاء وكان أعلم الناس بالنساء
( فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بادواء النساء طبيب )
( إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ... فليس له في ودهن نصيب )
وسئل المغيرة بن شعبة عن صفة النساء فقال بنات العم أحسن مؤاساة والغرائب أنجب وما ضرب رؤوس الأقران مثل ابن السوداء وقال عبد الملك بن مروان من أراد أن يتخذ جارية للمتعة فليتخذها بربرية ومن أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسية ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية قال الشاعر
( لا تشتمن امرأ ممن يكون له ... أم من الروم أو سوداء عجماء )
( فإنما أمهات القوم أرعية ... مستودعات وللأنساب آباء )
وقال الأصمعي أتاني رجل من قريش يستشيرني في امرأة يتزوجها فقلت يا ابن أخي أقصيرة النسب أم طويلته فلم يفهم علي فقلت يا ابن أخي أما القصيرة النسب فالتي إذا ذكرت أياما اكتفت به والطويلة النسب فهي التي لا تعرف حتى تطيل في نسبها فإياك أن تقع مع قوم قد أصابوا كثيرا من الدنيا مع دناءة فيهم فتضيع نسبك فيهم وخرج رجل من أهل الكوفة في غزاة فكسب جارية وفرسا وكان مملكا على ابنة عمه فكتب إليها يعيرها ويقول
( إلا بلغوا أم البنين بأننا ... غنينا واغنتنا الغطارفة النجد )
( بعيد مناط المنكبي إذا جرى ... وبيضاء كالتمثال زينها العقد )
( فهذا لأيام العدو وهذه ... لحاجة نفسي حين ينصرف الجند )
فلما ورد عليها كتابه وقرأته قالت يا غلام هات الدواة وكتبت جوابه تقول
( ألا فاقرء مني السلام وقل له ... غنينا وأغنتنا الغطارفة المرد )
( إذا شئت أغناني غلام مرجل ... ونازعته في ماء معتصر الورد )
( وإن شاء منهم ناشئ مد كفه ... إلى عكن ملساء أو كفل نهدي )
( فما كنتم تقضون حاجة أهلكم ... شهودا فتقضوها على النأى والبعد )
( فعجل إلينا بالسراح فإنه ... منانا ولا ندعو لك الله بالرد )
( فلا قفل الجنج الذي أنت فيهم ... وزادك رب الناس بعدا على بعد )
فلما ورد عليه كتابها لم يزد على أن ركب الفرس وأردف الجارية خلفه ولحق بابنة عمه فكان أول شيء بدأها به بعد السلام أن قال لها بالله عليك هل كنت فاعلة ذلك فقالت له الله في قلبي أعظم وأجل وأنت في عيني أذل وأحقر من أن أعصي الله فيك فكيف ذقت طعم الغيرة فوهب لها الجارية وانصرف إلى الغزاة والله تعالى أعلم بالصواب
الفصل الثاني في صفات النساء المحمودة
كتب الحجاج إلى الحكم بن أيوب أن أخطب لعبد الملك بن مراون امرأة جميلة من بعيد مليحة من قريب شريفة في قومها ذليلة في مؤاتية لبعلها فكتب إليه قد أصبتها لولا عظم ثديها فكتب إليه لا يكمل حسن المرأة حتى يعظم ثديها فتدفي الضجيع وتروي الرضيع وقال عبد الملك بن مروان لرجل من غطفان صف لي أحسن النساء قال خذها يا أمير المؤمنين ملساء القدمين ردماء الكعبين ناعمة الساقين ضخماء الركبتين لفاء الفخذين ضخمة الذراعين رخصة الكفين ناهدة الثديين حمراء الخدين كحلاء العينين زجاء الحاجبين لمياء الشفتين بلجاء الجبين شماء العرنين شنباء الثغر محلولكة الشعر غيداء العنق مكسرة البطن فقال ويحك وأين توجد هذه قال تجدها في خالص العرب وفي خالص الفرس وقال حكيم عليكم بمن تربت في النعيم ثم أصابتها فاقة فأثر فيها الغنى وأدبها الفقر وقال رجل لخاطب ابغ لي امرأة لا تؤنس جارا ولا توطن دارا يعني لا تدخل على الجيران ولا تدخل الجيران عليها وفي مثل هذه قال الشاعر
( هيفاء فيها إذا استقبلتها صلف ... عيطاء غامضة الكعبين معطار )
( خود من الخفرات البيض لم يرها ... بساحة الدار لا بعل ولا جار )
وقال الأعشى
( لم تمش ميلا ولم تركب على جمل ... ولم تر الشمس دونها الكلل )
وكانت امرأة عمران بن حطان من أجمل الناس وجها وكان هو من أقبح الناس وجها فقال لها يوما أنا وإياك في الجنة إن شاء الله تعالى فقالت له وكيف ذلك فقال لأني أعطيت مثلك فشكرت وأعطيت مثلي فصبرت والصابر والشاكر في الجنة وقال بعضهم رأيت في طريق مكة أعرابية ما رأيت أحسن منها وجها فقعدت أنظر إليها وأتعجب من جمالها فجاء شيخ قصير فأخذ بردائها وسار بها ومضى فلقيتها مرة أخرى فقلت لها من هذا الشيخ قالت زوجي قلت كيف يرضى مثلك بمثله فأنشد
( أيا عجبا للخود يجري وشاحها ... تزف إلى شيخ بأقبح تمثال )
( دعاني إليه أنه ذو قرابة ... يعز علينا من بني العم والخال )
وسمع بعضهم قائلا يقول
( ومن لا يرد مدحي فإن مدائحي ... نوافق عند الأكرمين نوامي )
( نوافق عند المشتري الحمد بالندى ... نفاق بنات الحرث بن هشام )
فقال يا ابن أخي ما بلغ من نفاق بنات الحرث بن هشام قال كن من أجمل الناس وجوها وكان أبوهن إذا زوجهن يسوفهن ومهورهن إلى بعولتهن فقال يا ابن أخي لو فعل هذا ابليس ببناته لتنافست فيهن الملائكة المقربون
وقال عبد الملك لابن أبي الرقاع كيف علمك بالنساء قال أنا والله أعلم الناس بهن وجعل يقول
( قضاعية الكعبين كندية الحشا ... خزاعية الأطراف طائية الفم )
( لها حكم لقمان وصورة يوسف ... ومنطق داود وعفة مريم )
وقالوا الوجه الحسن أحمر وقد تضرب فيه الصفرة مع طول المكث في الكن والتضمخ بالطيب وقالوا أن الوجه الرقيق البشرة الصافي الأديم إذا خجل يحمر وإذا فرق يصفر ومنه قولهم ديباج الوجه يريدون تلونه من رقته قال علي بن زيد في وصفه
( حمرة خلط صفرة في بياض ... مثل ما حاك حائك ديباجا )
( وقال علي بن عبد ربه )
( بيضاء يحمر خداها إذا خجلت ... كما جرى ذهب في صفحتي ورق )
وقالوا إن الجارية الحسناء تتلون بتلون الشمس فهي بالضحى بيضاء وبالعشى صفراء فقال ذو الرمة
( بيضاء صفراء قد تنازعها ... لونان من فضة ومن ذهب )
قالوا ليس المرأة الجميلة التي تأخذ ببصرك جملة على بعد فإذا دنت منك لم تكن كذلك بل الجميلة التي كلما كررت بصرك فبها زادتك حسنا وقالوا إن أردت أن ينجب ولدك فاغضبها ثم قع عليها قال الشاعر
( ممن حملن به وهن عواقد ... حبك النطاق فعاش غير مهبل )
( حملت به في ليلة مزورة ... كرها وعقد نطاقها لم يحلل )
الفصل الثالث في صفة المرأة السوء نعوذ بالله تعالى منها
في حكمة داود عليه السلام " أن المرأة السوء مثل شرك الصياد لا ينجو منها إلا من رضي الله تعالى عنه " وقيل المرأة السوء غل يلقيه الله تعالى في عنق من يشاء من عباده وقيل لأعرابي كان ذا تجربة للنساء صف لنا شر النساء فقال شرهن النحيفة الجسم القليلة اللحم المحياض الممراض المصفرة الميشومة العسرة المبشومة السلطة البطرة النفرة السريعة الوثبة كأنها لسان حربة تضحك من غير عجب وتبكي من غير سبب وتدعو على زوجها بالحرب أنف في السماء وإست في الماء عرقوبها حديد منتفخة الوريد كلامها وعيد وصوتها شديد وتدفن الحسنات وتفشي السيآت تعين الزمان على بعلها ولا تعين بعلها على الزمان ليس في قلبها عليه رأفة ولا عليها منه مخافة إن دخل خرجت وإن خرج دخلت وإن ضحك بكت وإن بكى ضحكت كثيرة الدعاء قليلة الإرعاء تأكل لما وتوسع ذما ضيقة الباع مهتوكة القناع صبيها مهزول وبيتها مزبول إذا حدثت تشير بالإصبع وتبكي في المجامع بادية من حجابها نباحة عند بابها تبكي وهي ظالمة وتشهد وهي غائبة دلى لسانها بالزور وسال دمعها بالفجور ابتلاها الله بالويل والثبور وعظائم الأمور ويقال إن المرأة إذا كانت مبغضة لزوجها فإن علامة ذلك أن تكون عند قربها منه مرتدة الطرف عنه كأنها تنظر إلى إنسان غيره من ورائه وإن كانت محبة له لا تقلع عن النظر إليه قال بعضهم
( لقد كنت محتاجا إلى موت زوجتي ... ولكن قرين السوء يلقى معمر )
( فيا ليتها صارت إلى القبر عاجلا ... وعذبها فيه نكير ومنكر )
وقال زيد بن عمير
( أعاتبها حتى قلت أقلعت ... أبى الله إلا خزيها فتعود )
( فإن طمثت قادت وإن طهرت زنت ... فهاتيك تزني دائما وتقود )
وقال داود عليه الصلاة والسلام المرأة السوء على بعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير والمرأة الصالحة كالتاج المرصع بالذهب كلما رآها قرت عينه برؤيتها والله أعلم
الفصل الرابع في مكر النساء وغدرهن وذمهن ومخالفتهن
في حكمة داود عليه الصلاة والسلام وجدت في الرجال واحدا في ألف ولم أجد واحدة في جميع النساء وقيل إن عيسى عليه الصلاة والسلام لقي إبليس يسوق أربعة أحمرة عليها أحمال فسأله فقال أحمل تجارة وأطلب مشترين فقال ما أحدها قال الحمور قال من يشتريه قال السلاطين قال فما الثاني قال الحسد قال فمن يشتريه قال العلماء قال فما الثالث قال الخيانة قال فمن يشتريها قال التجار قال فما الرابع قال الكيد قال فمن يشتريه قال النساء وقال حكيم النساء شر كلهن وشر ما فيهن قلة الاستغناء عنهن وقالت الحكماء لا تثق بامرأة ولا تغتر بمال وإن كثر وقال النساء حبائل الشيطان قال الشاعر
( تمتع بها ملسا عفتك ولا تكن ... جزوعا إذا بانت فسوف تبين )
( وخنها وإن كانت تفي لك إنها ... على قدم الأيام سوف تخون )
( وإن هي أعطتك الليان فانها ... لغيرك من طلابها ستلين )
( وإن حلفت أن ليس تنقض عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين )
( وإن سكبت يوم الفراق دموعها ... فليس لعمر الله ذاك يقين )
وقال ابن بشار
( رأيت مواعيد النساء كأنها ... سراب لمرتاد المناهل حافل )
( ومنتظر الموعود منهن كالذي ... يؤمل يوما أن تلين الجنادل )
قال بعض الحكماء لم تنه عن شيء قط إلا فعلته وقال الغنوي
( إن النساء متى ينهين عن خلق ... فإنه واقع لا بد مفعول )
وقال النخعي من اقتراب الساعة طاعة النساء ويقال من أطاع عرسه فقد أضاع نفسه وقال علي رضي الله تعالى عنه إياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن اكفف أبصارهن بالحجاب فإن شدة الحجاب خير لهن من الارتياب وليس خروجهن بأضر من دخول من لا يوثق به عليهن فإن استطعت أن لا يعرفهن غيرك فافعل قال السمعاني
( لا تأمنن على النساء ولو أخا ... ما في الرجال على النساء أمين )
( إن الأمين وإن تحفظ جهده ... لا بد أن بنظرة سيخون )
وقال غيره
( لا تركنن إلى النساء ... ولا تثق بعهودهن )
( فرضاؤهن جميعهن ... معلق بفروجهن )
وقال علي رضي الله تعالى عنه لا تطلعوا النساء على حال ولا تأمنوهن على مال ولا تذروهن إلا لتدبير العيال إن تركن وما يردن أو ردن المهالك وأفسدن الممالك ينسين الخير ويحفظن الشر يتهافتن في البهتان ويتمادين في الطغيان وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه ذل من أسند أمره إلى امرأة وقيل إن صيادا أتى أبرويز بسمكة فأعجبه حسنها وسمتها فأمر له بأربعة آلاف درهم فخطأته سيرين زوجته فقال لها ماذا أفعل فقالت له إذا جاءك فقل له أذكر كانت أم أنثى فإن قال لك ذكر فاطلب منه الأنثى وإن قال لك أنثى فاطلب منه الذكر فلما أتاه سأله فقال كانت أنثى فقال ائتني بذكرها فقال عمر الله الملك كنت بكرا لم تتزوج فقال زه وأمر له بثمانية آلاف درهم وقال اكتبوا في الحكمة الغدر ومطاوعة النساء يؤديان إلى الغرم الثقيل وقال حكيم اعص النساء وهواك وافعل ماشئت وقال عمر رضي الله تعالى عنه أكثروا لهن من قول لا فإن نعم تغريهن على المسألة قال أستعيذ بالله من أشرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر
ومما قيل في الباءة ذكر الجماع عند الإمام مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه قال هو نور وجهك ومخ ساقك منه أو أكثر وقال معاوية رضي الله تعالى عنه ما رأيت نهما في النساء إلا عرفت ذلك في وجهه وخلا تمام بجارية له فعجز عنها فقال ما أوسع حرك فأنشأت تقول
( أنت الفداء لمن قد كان يملؤه ... ويشتكي الضيق منه حين يلقاه )
وقال آخر
( شفاء الحب تقبيل ولمس ... وسحب بالبطون على البطون )
( ورهز تذرف العينان منه ... وأخذ بالمناكب والقرون )
وقالت امرأة من أهل الكوفة دخلت على عائشة بنت طلحة فسألت عنها فقيل هي مع زوجها في القيطون فسمعت شهيقا وشخيرا لم أسمع مثله ثم خرجت إلي وجبينها يتصبب عرقا فقلت لها ما ظننت حرة تفعل هذا بنفسها فقالت إن الخيل تشرب بالصفير وعاتبت امرأة زوجها على قلة إتيانها فأجابها يقول
( أنا شيخ ولي امرأة عجوز ... تراودني على ما لا يجوز )
( وقالت رق أيرك مذ كبرنا ... فقلت بلى قد اتسع القفيز )
وكان لرجل امرأة تخاصمه وكلما خاصمته قام إليها فواقعها فقالت ويحك كلما تخاصمني تأتيني بشفيع لا أقدر على رده وأتى رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقال إن لي امرأة كلما غشيتها تقول قتلتني فقال اقتلها بهذه القتلة وعلي إثمها وقالوا من ل جماعه فهو أصح بدنا وأنقى جلدا وأطول عمرا ويعتبر ذلك بذكور الحيوان وذلك أنه ليس في الحيوان أطول أعمارا من البغال ولا أقصر أعمارا من العصافير وهي أكثرها سفادا والله تعالى أعلم بالصواب
الفصل الخامس في الطلاق وما جاء فيه
عن عبد الرحمن بن محمد بن أخي الأصمعي قال قال عمي للرشيد في بعض حديثه يا أمير المؤمنين بلغني إن رجلا من العرب طلق في يوم واحد خمس نسوة قال وكيف ذلك وإنما لا يجوز للرجل غير أربعة قال يا أمير المؤمنين كان متزوجا بأربعة فدخل عليهن يوما فوجدهن متنازعات وكان شريرا فقال إلى متى هذا النزاع ما أظن هذا إلا من قبلك يا فلانة لامرأة منهن اذهبي فأنت طالق فقالت له صاحبتها عجلت عليها بالطلاق ولو أدبتها بغير ذلك لكان أصلح فقال لها وأنت أيضا طالق فقالت له الثالثة قبحك الله فوالله لقد كانتا إليك محسنتين فقال لها وأنت أيضا أيتها المتعددة أياديهما طالق فقالت الرابعة وكانت هلالية ضاق صدرك إلا أن تؤدب نساءك بالطلاق فقال لها وأنت طالق أيضا فسمعته جاره له فأشرفت عليه وقالت له والله ما شهدت العرب عليك ولا على قومك بالضعف إلا لما بلوه منكم ووجدوه فيكم أبيت إلا طلاق نسائك في ساعة واحدة فقال لها وأنت أيتها المتكلمة فيما لا يعنيك طالق إن أجازني بعلك فأجابه زوجها قد أجزت لك ذلك فعجب الرشيد من ذلك وطلق امرأته فلما أرادت الارتحال قال لها اسمعي وليسمع من حضر إني والله اعتمدتك برغبة وعاشرتك بمحبة ولم أجد منك زلة ولم يدخلني عنك ملة ولكن القضاء كان غالبا فقالت المرأة جزيت من صاحب ومصحوب خيرا فما استقللت خيرك ولا شكوت ضيرك ولا تمنيت غيرك ولا أجد لك في الرجال شبيها وليس لقضاء الله مدفع ولا من حكمة علينا ممنع وقال رجل لابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء فقال يكفيه من ذلك عدد نجوم الجوزاء
ذكر من طلق امرأته فتبعها نفسه قال الهيثم بن عدي كانت تحت ابن الغربان بن الأسود بنت عم له فطلقها فتبعتها نفسه فكتب إليها يعرض لها بالرجوع فكتبت إليه تقول
( إن كنت ذا حاجة فاطلب لها بذلا ... إن الغزال الذي ضيعت مشغول )
فكتب إليها يقول
( إن كان ذا شغل فالله يكلؤه ... فقد لهونا به والحبل موصول )
( وقد قضينا من استظرافه وطرا ... وفي الليالي وفي أيامها طول )
وطلق الوليد بن يزيد زوجته سعدى فلما تزوجت اشتد ذلك عليه وندم على ما كان منه فدخل عليه أشعب فقال له هل لك أن تبلغ سعدى عني رسالة ولك عشرة آلاف درهم قال أقبضنيها فأمر له بها فلما قبضها قال له هات رسالتك قال ائتها فأنشدها
( أسعدى هل إليك لنا سبيل ... ولا حتى القيامة من تلاق )
( بلى ولعل دهرا أن يؤاتي ... بموت من خليلك أو فراق )
قال فأتاها أشعب فاستأذن عليها فأذنت له فدخل فقالت له ما بدا لك في زيارتنا يا أشعب فقال يا سيدتي أرسلني إليك برسالة ثم أنشدها الشعر فقالت لجواريها عليكن بهذا الخبيث فقال يا سيدتي إنه دفع إلي عشرة آلاف درهم فهي لك واعتقيني لوجه الله فقالت والله لا أعتقك أو تبلغ إليه ما أقول لك قال يا سيدتي فاجعل لي جعلا قالت لك بساطي هذا قال قومي عنه فقامت فأخذه وألقاه على ظهره وقال هاتي رسالتك فقالت
( أتبكي على سعدى وأنت تركتها ... فقد ذهبت سعدى فما أنت صانع )
فلما بلغه الرسالة ضاقت عليه الأرض بما رحبت وأخذته كظمة فقال لأشعب اختر مني إحدى ثلاث إما أن أقتلك وأما أن أطرحك من هذا القصر وأما أن ألقيك إلى هذه السباع فتفترسك فتحير أشعب وأطرق مليا ثم قال يا سيدي ما كنت لتعذب عينا نظرت إلى سعدى فتبسم وخلى سبيله وممن طلق امرأته فتبعتها نفسه الفرزدق الشاعر طلق النوار ثم ندم على طلاقها وقال
( ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار )
( فأصبحت الغداة ألوم نفسي ... بأمر ليس لي فيه اختيار )
( وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار )
( ولو أني ملكت بها يميني ... لكان علي للقدر الخيار )
وممن طلق امرأته فتبعتها نفسه فندم قيس بن ذريح وكان أبوه أمره بطلاقها فطلقها وندم على ذلك فأنشأ يقول
( فنى صبري وعاودني رداعي ... وكان فراق لبتي كالخداع )
( تكنفني الوشاة فأزعجوني ... فيا للناس للواشي المطاع )
( فأصبحت الغداة ألوم نفسي ... على أمر وليس بمستطاع )
( كمغبون يعض على يديه ... تبين غبنه عند البياع )
وحدث العتبي قال جاء رجل بامرأة كأنها برج من فضة إلى عبد الرحمن بن الحكم وهو على الكوفة فقال إن امرأتي هذه شجتني فسألها عبد الرحمن فقالت نعم يا مولاي غير متعمدة لذلك كنت أعالج طيبا فوقع الفهر من يدي على رأسه وليس عندي علم ولا يقوى بدني على القصاص فقال للرجل علام تمسكها وقد فعلت بك ما أرى فقال يا مولاي إن صداقها علي أربعة آلاف درهم ولا تطيب نفسي بفراقها قال فإن أعطيتك الأربعة آلاف درهم تفارقها قال نعم قال هي لك قال فهي إذن طالق فقال لها عبد الرحمن احبسي علينا نفسك وأنشأ يقول
( يا شيخ يا شيخ من دلاك بالغزل ... قد كنت يا شيخ عن هذا بمعتزل )
( رضت الصعاب فلم تحسن رياضتها ... فاعمد لنفسك نحو القرح الذلل )
والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
.
صورة مفقودة