اليامين بن تومي - الكتابة والجنس.. الجناية المُعلَّقة

نلاحظُ كباحثين ودارسين للاستخدام المُكثَّف للجنس في السرد على اعتبار أنه طابو يحاول الكثير من الروائيين أن يُجسدوه في رواياتهم، لذلك ينكر بعض القراء و النقاد هذا الاستخدام الفج للجنس في الرواية، ويرون فيه حالة مُسِّفةٍ و طاعنة للأدب، الذي يرون فيه أنَّ عليه أن يحترم أخلاقيات المجتمع المُحافظ ،لعل هذا الاختلال الوظيفي بين بنية المجتمع و بنية النص الأدبي هي من تجعل الفارق يصعب تقديره من قبل القراء ،ذلك أن الجنس لا يعدو كونه قضية أدبية بحتة ترمي بثقلها نتيجة لاعتبارات فنية أساسية، ولأنها كذلك فهي تُساعد الأديب و الكاتب على فضح الكثير من الممارسات التي قد تتدثر بها السُّلط المختلفة .
فالاحتكام للجنس ليس أمرا عاديا ولا مُتاحا لكل المشتغلين بالكتابة فهو يحتاج إلى تقنيات عالية الجودة حتى يمكن أن يكون له دوره الحقيقي في السرد ،و إلا سيكون عبارة عن عبث يسيء للسرد بشكل عام ،وهناك مفارقة في تِكنيك الكتابة بين استعمالات الجنس في الرواية التي يكتبها الرجل، و الرواية التي تكتبها المرأة، فغالبا ما تكون الكتابة النِّسوية مساندة للحاجات الجسدية للمرأة حيث تنطلق في إزاحة الطبقات المعنمية المختلفة للجسد، فتجمع المرأة موضوعا مُبهما لتبرز كل حاجات المرأة الجسدية و العقلية، و لعل ذلك يضطرها إلى أن تكتب عن الجنس باعتباره ظاهرة جسدية كما فعلت مثلا "فضيلة الفاروق " في روايتها "اكتشاف شهوة" ،وقد يراه البعض تمثيلا قويا و معقدا لميزاجية المرأة الكاتبة التي تريد أن تُعرِّي كل السُّلط التي مارسها الضغط التاريخي و الديني على جسد المرأة، فتأتي الكتابة هنا كحاجة حقوقية للدفاع عن تلك الوضعية الاجتماعية المعقدة التي جعلت المرأة هامشا مركبا في عمق بنية بطريريكية اضطهدت صوت المرأة وخبأتها وصيرتها إلى الهامش لذلك تأتي الكتابات النسوية الجنسية غالبا لتدافع عن هذا المطلوب؛ تحرير المرأة من تلك النظرة المتوارثة، وجعلها متاحة أدبيا و ابستيمولوجيا بفضح كل أشكال التغطية و التورية و الحجب التي تجعل المرأة كائنا مُبهما وفائضا يتلاعب به أنصاف الكتاب ،أما الرجل حين يكتب عن الجنس عموما لغاية ومقصد آخر في تصوري إما؛ أنه يريد أن يكشف بني السلطة المتراكبة و المعقدة ،فيسارع لفضح هذا التلاعب السياسي و التاريخي من خلال فصل العلاقة بين كل أشكال التعمية التي تمارسها السلطة على الفرد، و رسم تلك العلاقات المركبة و التي شوهت الجسد تشويها تاريخيا و ابستمولوجيا و طرزته بوشوم متعددة ،لذلك يحاول الروائي أن يخترق تلك الوشوم بفضحها من خلال توصيف للعلاقات الجسدية حتى لا تبقى ذريعة واحدة للسلطة تتخذها كحصان طراودة لتحتمي بها، و هاهنا يتشكل التوظيف للجنس،لا يأتي بداعي مؤامرة على القارئ كما يصور البعض ، فقد يكون بقصد تخطي تلك العتبات السلطوية و فضح التحالف المرجعي بين البنيات المختلفة التي أحرجت الخطاب السياسي و السلطوي العربي، يأتي الجنس في الرواية ليفضح تلك الألاعيب .
و لطالما وجدنا للجنس حضورا دقيقا في الرواية الجزائرية فمثلا يستعمله "رشيد بوجدرة" ليتجاوز به كل عقد الأب المِزوَاج ،و يفضح السلطة السياسية التي أعطب للأب مكانة تاريخية جعلته يفتعل فحولة مُزيفة ليُهمل كل خصومه التاريخيين ،ونجده عند أمين الزاوي ليُعرِّي كل التناقضات الاجتماعية بين الحاجات الداخلية و الخارجية التي تُدخله في الغالب في ازداوجية مركبة بين مجتمع يدعي الفضيلة في الظاهر، و بين دروبه العميقة التي تُحطم كل تلك المقولات، و هاهنا يفضح الأزمة السياسية التي تمنح بيد ما تُجيزه بيد أخرى ،في حين أن "بشير مفتى" مثلا يستخدم الجنس ليفح نفاق المدينة التي تتخذ من جسد المرأة لعبة لتعبِّر عن حداثتها، بينما "سمير قسيمي "فيستخدمه لحاجة أخرى تنفذ إلى عمق تعرية التاريخي و التناقضات الداخلية للذِّكرى الجريحة التي تُعبِّر جنسيا عن استعادتها السردية كضرورة لأسئلتها الوجودية ،وهذا يتم بسحب الإستراتيجية النصية لتمثيلات محددة لبناء عالم يسوده الصراع الطبقي وفضح كل الألاعيب المختلفة للسلطة .
إذا توظيف الجنس لا ينبغي أن يكون عائقا ،أو يُفهم كذلك ،بل يكون مأزقا إلا في حالة وحيدة حين لا يؤدي وظيفة سردية واضحة .هنا فقط يصبح الجنس عائقا أمام الرسالة لتصل للمتلقي بشكل جذري وعميق .

.
 
أعلى