نقوس المهدي
كاتب
1- في تعريف الحب والهوى :
قال ابن حزم الاندلسي في تعريفه للحب والهوى : ” وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا واطالوا ، والذي اذهب اليه انه اتصال بين اجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في اصل عنصرها الرفيع … لكن على سبيل مناسبة قواها في مقر عالمها العلوي ، ومجاورتها في (هيأة) تركيبها . وقد علمنا ان سر التمازج والتباين في المخلوقات انما هو الاتصال والانفصال والشكل دأبا يستدعي شكله(1).
وابن حزم هنا يشير الى دور الروح في الحب والهوى لا الى الجسد بوصف الانسان مركبا من روح وجسد ، ويعتقد المتصوفة ان الروح هبطت الى الانسان من الذات العلوية ويمثلها مقولة الحلاج الشهيرة : ” نحن روحان حللنا بدنا ” وهذا ما اشار اليه ابن حزم حين قال : ” في اصل عنصرها الرفيع ” .
وتعريف ابن حزم هذا للحب والهوى يتفق والمفهوم المعاصر للحب والهوى فالحب والهوى يصيبان الانسان لصفات روحية وخلقية فيميل الرجل للمرأة وتميل المرأة للرجل بالضرورة .
قال ايفون بريس : ” ليس الجنس حاجة جسدية ” مستقلة فيزيولوجيا ، ان الوظيفة الجنسية مرتبطة صميميا بالشعور والخيال ” (2) وقال بندلي : ” يمكن تلخيص هذه المعاني بقولنا انها معان اتحادية فالانسان هو ذلك الكائن الذي يسعى الى اقامة شركة مع الاخرين لانه يحس بانه لا يكتمل ولا يحقق ذاته الا بهذه الشركة ” (3) ، لذا يخلص هنارد وهو احد كبار الاخصائيين المعاصرين في شؤون الجنس الى القول بان العمل الجنسي هو اساسا عمل اجتماعي وهو ما اشار اليه ابن حزم بل وما سبقهم اليه.
2- في الجنسية المثلية Homosexuality :
عالج الاسلام الجنسية المثلية فحرم اللواط والسحاق وقد وضع الرسول (ص) قواعد قبل وقوع الانسان في هاتين الرذيلتين تعدّ ممهدة لتربية الانسان تربية رصينة منها : نهى المرأة عن التشبه بالرجال وبالعكس ، فلا شك ان المظاهر الخارجية هي مثيرات (( كنوع الملابس وترتيب الشعر وغيرهما )) تستدعي استجابات وقد تكون هذه الاستجابات مما يثير الجنس عند الإنسان فيختلط الحابل بالنابل اذ يُتصوَّر الرجلُ المتشبه بالنساء امرأة وبالعكس مما يمهد للجنسية المثلية لذلك قال الرسول (ص) : ” ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ، ولا من تشبه بالنساء من الرجال “(4) وسنده صحيح وقد (( لعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل ” (5) وهو حديث صحيح على شرط مسلم .
وبناء على ذلك فان الاسلام اعطى اهتماما للبعد النفسي في هذا الموضوع قال الدكتور : اندريه ارتوس : ” في الاغلبية الساحقة من الحالات ، ليست الجنسية المثلية homosexualityنتيجة وضع غير طبيعي للغدد … انها سلوك خاص عائد لعوامل نفسية ” (6) . نعم قد تكون هناك استعدادات عضوية تمهد الطريق امام هذا الشذوذ ، لكن السبب الاساس يبقى في معظم الحالات نفسيا (7) وهذا مما يدلل على بعد بصيرة الرسول (ص) ومن ثم مطابقة الاسلام في الموضوع للحداثة الفكرية المعاصرة .
3- في التسامي بالغريزة الجنسية :
قال ابن حزم الاندلسي : ” ومن افضل ما يأتيه الانسان في حبه التعفف ، وترك ركوب المعصية والفاحشة … وان من هام قلبه ، وشُغل باله ، واشتد شوقه ، وعظم وجده ، ثم ظفر فرام هواه ان يغلب عقله ، وشهوته وان يقهر دينه ، ثم اقام العدل لنفسه هنا وعلم انها النفس الامارة بالسوء … ونظر بعين ضميره ، الى انفراده عن كل مدافع يحضره علام الغيوب ” (8) .
ولا بد من الاشارة الى ان مصطلح التسامي sublimationوالاعلاء هما من مصطلحات علم النفس المعاصر وانهما يقابلان مصطلح ” التعفف ” المذكور سابقا .
والتسامي والاعلاء او التعفف لا يعني الكبت الجنسي لان العفيف او المتسامي من سيطرت ذاته العليا ” super Ego ” على ذاته السفلى ” under Ego ” فيسيطر الانسان على اناه ” Id ” على وفق فهم سليم للحياة الجنسية ، اما الكبت فيعني تجاهل حياة الانسان الجنسية من دون أي فهم صحيح للسبب ، قال تعالى : ” وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ” النور /33 . وقال الرسول (ص) : ” يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فانه اغض للبصر ، واحصن للفرج . ومن لم يستطع فعليه بالصوم فان له وجاء ” ( أي وقاية وستر ) .
وقال هنري ميلر : ” ان خير وسيلة لحفظ اجسادنا هو امتناعنا عن طلب اللذة الجنسية قبل الزواج من اية وسيلة كانت ، ومع هذا فهنالك غير هذا النفع ، فما هو يا ترى ؟ ان الاستسلام لكل فرصة سانحة للفعل الجنسي ، يفقدنا ارادتنا وشخصيتنا المبنية على قوة ارادتنا ” (9) فالتسامي والتعفف يقود الانسان الى صفاء النفس والابتعاد عن الاندفاع الغريزي الذي لا يعلّم الانسان سوى محاولة امتلاك كل شيء من دون حق لا سيما امتلاك المرأة التي تكون بين يدي الغريزي كجثة هامدة وعد فرويد الاندفاع الغريزي رواسب طفلية فهو يرى ان الانسان بعد انفصاله عن رحم الام يريد الرجوع اليه بالقوة وباية وسيلة ليحقق اتصاله الطفولي بالام الذي يشعره بالنقص والحاجة الى امه في لاشعوره .
4- في العلاقة المتبادلة بين الحب والجنس:
قال تعالى : ( ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) الروم/ ، اية : 21 .
لقد قرنت الاية الكريمة الجنس بالحب لان الانسان لا يستطيع مشاركة زوجته في الجماع من الحصول على اللذة الجنسية من دون الحب فمن دون الحب يصبح الجماع عملية فيزيولوجية خالية من المشاعر والمودة والحب وليس للمتحابين مثل التزويج . عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رجلا قال :
” يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم ، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم : فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ” لم ير للمتحابين مثل النكاح ” … صحيح على شرط مسلم .
قال اسفلت كوله :” ان مزيجا من الحب والجنس يستطيع وحدهما ان يقود المرأة الى تحقيق ذاتها بالفعل على الصعيد الجنسي ، ما عدا ذلك ، فالكل ناقص ويترك شعورا بالفشل والخيبة . انطلاقا من هذه الاعتبارات يثور بحق الاستاذ نيدر ماير ، الاختصاصي بالامراض النسائية في فيينا ، قائلا : عندنا ، لسوء الحظ ، المزيد من الحالات التي يجد فيها اطباء انفسهم امام اضطرابات عصبية بسيطة ، فيوصون فتيات لم يكدن يتجاوزن فترة البلوغ بممارسة العلاقات الجنسية ، غير واعين للمسؤوليات التي ترتبها توصية كهذه . ويذكر الكاتب عدة شهادات دراماتيكية تظهر مدى الشعور بالفشل والخيبة الذي انتاب نساء اثناء اول اتصال جنسي في الزواج او خارجه ، عندما ضاجعن شريكهن بعنف دون ان يبدي لهن حنانا كفيلا بان يوقظهن الى الحب ويثير فيهن الرغبة في الجماع ” (10) .
فالانوثة ليست جسدا فحسب ، بل هي قبل ذلك تجسد الحب المقدس والجمال والرقة والروح المهذبة والتعلق الــــنبيل وهذا مما اكده التاريخ العربي والاســــــلامي وثبته في القران الكريم واحـــــــاديث الرسول (ص) .
5- في الحب والموت :
يتخطى الحب في التاريخ العربي والاسلامي الحدود الزمكانية فيبقى المحبوب يراود خيال محبوبه بعد الموت وقد نشأ نوع من الاغراض الشعرية يسمى ” بالمرثاة الغزلية ” : ان المرثاة الغزلية ، في الشعر العربي لم تكن على لسان الشاعر حبيبا عاشقا ، او زوجا امينا مخلصا فحسب بل كانت على لسان الشاعرة حبيبة او زوجة وفية ايضا .
كما يتجلى ذلك من نماذج كثيرة لشواعر العرب اللائي رثين في مقطعاتهن احبابهن وازواجهن ، ولا تخلو تلك من شعور بالحزن والألم والرقة ، وهي صفات تمتاز بها شخصية المرأة الشاعرة .فالمرأة انسانا لا ترى في الحب مجرد لهو او تجربة عابرة او مرحلة لابد من تجاوزها ، بل هي تعد الحب سببا كافيا ” لتسويغ ” وجودها وغاية كبرى تسعى من اجلها ، وسعادة قصوى تنزع نحو بلوغها … وهي من خلال .. الصور ” تثبت مرثيها ” حبها وشوقها وتظهر له اخلاصها وعندئذ تبادله بعض عواطف الحب النبيل ومشاعر المودة الصادقة ” (11) . وروى الأصمعي لاعرابية في زوجها وكانت تبكي على قبره وهي لابسة الحلي والحلل هذه الابيات :
يا صاحب القبر يا من كان ينعم بي
قد زرت قبرك في حلي وفي حللي
اردت اتيك فيما كنت اعرفه
فمـن رآنـي رأى عبـري مولـهة
بالا ويكثر في الدنيا مواساتي
كانني لست من اهل المصيبات
ان قد تسر به من بعض هيئاتي
عجيبة الزي تبكي بين اموات(12)
والشيء بالشيء يذكر ” ففي الشعر الانكليزي امثلة صريحة للمرثاة الغزلية تجسد تعلق الشاعر بحبيبته وتصور لنا شيئا من فلسفته في الحياة والموت … فقصيدة الشاعر روبرت بردجر ” Robert Bridges ” 1844 – 1930، ، بعنوان مرثاة : مهداة الى سيدة قتلها حزنها على خطيبها ، صورة واقعية لامتزاج غرضي الغزل والرثاء غرضا فنيا واحدا استطاع الشاعر بقدرته وعمق مشاعره ان يمنحه بعدا ذاتيا حتى ليخيل للقاريء ان الشاعر هو خطيب هذه الفــــــــتاة وهي حبيبته ” (13) .
وروى ابن حزم الاندلسي : ” وانا اعلم جارية كانت لبعض الرؤوساء فعزف عنها لشيء بلغه في جهتها لم يكن يوجب السخط ، فباعها ، فجزعت لذلك جزعا شديدا وما فارقها النحول والاسف ، ولا بان عن عينها الدمع الى ان سلت ، وكان ذلك سبب موتها . ولم تعش بعد خروجها عنه الا اشهرا ليست بالكثيرة . ولقد اخبرتني عنها امرأة اثق بها ، انها لقيتها وهي قد صارت كالخيال نحولا ، ورقة ، فقالت لها واحسب هذا الذي بك من محبتك لفلان ؟ فتنفست الصعداء وقالت : والله لا نسيته ابدا وان كان جفاني بلا سبب . وما عاشت بعد هذا القول الا يسيرا ” (14) .
6- وفي ذهول العشاق وجنونهم :
وفي تراثنا العربي من اصابه صدق حبه بالذهول والجنون : ” ومن مشاهير العشاق الذين نذكرهم بهذا الخصوص عروة بن حزام : احب عروة عفراء ، فاخذه الهلاس وقالوا به جنة ، فاخذوه الى عراف اليمامة وعراف حجر لمعرفة ما به وعلاجه . ويخبرنا عروة في اشعاره ان حبه عفراء كان السبب في انصراف فكره ، وان لا فائدة ترجى من العرافين ، يصفها عروة كما يلي :
وقد تركتني لا اعي لمحدث
جعلت لعراف اليمامة حكمه
فما تركا من حيلة يعرفانها
وقالا : شفاك الله والله ما لنا
حديثا وان ناجيته ونجاني
وعراف حجر ان هما شفياني
ولا شربة الا وقد سقياني
بما ضمنت منك الضلوع يدان
قيل : وما زال في هذيان وقلق لا يتناول قوته حتى شفت عظامه ومات . وبقيت عفراء تندبه حتى قضت فدفنت الى جانبه (15) .
وهناك قيس بن ذريح الذي اصابه اختلال العقل اما المجنون الشهير فهو قيس بن الملوح مجنون ليلى الذي اطال شعره وهام في البرية على وجهه مع الحيوانات لانه لم يستطع الزواج منها وقد تعبر حكاية مجنون ليلى عن روح الامة تجاه الحب لا عن واقع ملموس ولكن النتيجة واحدة .
وقال برنارد في ذلك :
انا مرتبك الفكر ، هبل العقل ، وذلك بسبب
الحب الذي يلازمني ويملك عناني في
كل مكان اتوجه اليه
ويخبرنا المختصون بادب العصر الوسيط ان ارتباك عقول العشاق وذهولهم على وجوههم كالمجانين كانت ظواهر متفشية في الادب الاوربي انذاك (16) .
وقد جاء في التراث العربي الاسلامي :
(( وقد زعم قوم انه لا ذنب على اهل الهوى ، ولا وزر على ذوي الضنا ، ان خطاياهم تنمحي عنهم لطول بلائهم ، وكثرة شقائهم ، ولما يلقون من القلق ، ويعانون من الارق )) (17) . وملُح الحكمي اذ قال :
ولقـد كنـا رُويـنا عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب ان سعد بن عـبادة قال : من مات محـبا لـه اجر الشهـادة (18) 7- في الحب والوصول الى المطلق :
لقد ادرك المتصوفة ان بالحب والعشق لله سبحانه تعالى يفني الانسان في الذات الالهية ” هذا ما ادركه المتصوف الكبير ابن عربي عندما قال : ان الله يتجلى بنظر كل محب في محبوبه ” (19) ، ” وقد قالت المفكرة سيمون فايل ان ما يستقطب الحب الجنسي انما هو السعي الى الاتصال بجمال الكون ومن خلاله بالحكمة الالهية ” (20) . لان حب الله لابد وان يكون حبا للاخر ، قال دانتي متوجها الى بياتريس ” هل تعتقدين انني كنت اشتهيت بهذا المقدار رؤية الله ولو لم المحه في نظرك ؟ وقد قال عنها في موضع اخر انها كانت تنظر الى الله اما هو فكان ينظر اليه بعينيها وكانت السماء اكثر زرقة ” (21) .
وقد اكد الرسول الحب الجنسي بالزواج في الجنة ” قال لقيط : قلت يا رسول الله او لنا فيها ازواج مصلحات ؟ قال : الصالحون للصالحات ، تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا . ويلذونكم غير ان لا توالد ” وسنده جيد .
اما النفري فقد جعل الحب في مخاطباته لله سبحانه وتعالى بمنزلة متحابين ناظرين ، قال على لسان الخالق سبحانه وتعالى : ” يا عبد لقد احببتك الحب كله ، اتجلى لك فلا ارضاك لشيء حتى تحادثني فتكون بما اتجلى به ، اشبهت حكمة ذلك متحابين ناظرين ” (22) . وقد صور الحلاج علاقة المحب بالمطلق في الابيات الاتية :
والله ، لو حلف العشاق انهم = قوم اذا هجروا من بعد ما وصلوا
ترى المحبين صرعى في ديارهـم = موتى من الحب او قتلى لما حنثوا
ماتوا ، وان عاد وصل بعده بعثوا = كفتية الكهف: لا يدرون كم لبثوا (20)
و ” ديانات الجنس على انواعها تحاول ان تقتحم الالوهة من خلال النشوة الجنسية ، ولكن الله هو بطبيعته ما لا يُقتحم ، لانه لو كان في متناول الانسان ، لما كان الله ، بل مجرد امتداد للانسان … هذا هو المعنى العميق لوحدانية الله : الله واحد” (24) . ان الوصول الى المطلق يتجلى عن طريق الحب ففي الحب كل السمات النبيلة من الجمال والعفة وانزال الاخر منزلة النفس ففي الحب الايثار والتضحية فالحب بحد ذاته مدرسة لتقويم الانسان وتهذيبه لكي يتآلف مع ابناء مجتمعه . وهذا ما اكده التراث العربي والاسلامي .
الاستنتاجات
1- في التراث العربي والاسلامي نظرة سديدة للحب والجنس تعطى فيها الروح الاولية على الجسد .
2- عد المتصوفة المسلمون ان الحب جزء من الذات الالهية وان الفناء في الحب يوصل الى الفناء بذات الله سبحانه وتعالى بحسب رأيهم ” .
3- نهى الفكر العربي والاسلامي عن الانحراف الجنسي كالجنسية المثلية ووضع كل شيء في موضعه الصحيح حتى لا يختلط الحابل بالنابل وكرّم المرأة والرجل .
4- ان التراث العربي والاسلامي اعطى للحب والجنس ما يمثله عصارة تفكير المنظرين المعاصرين عن الحب والجنس .
5- عد التراث العربي والاسلامي ان الجنس لم يكن سوى عملية فيزيولوجية اذا لم يقترن بالحب وان المرأة تعامل كجثة هامدة دون الحب .
6- دعا التراث العربي والاسلامي الى التسامي بالحب واعلاء شأن النفس والتعفف والابتعاد عن الاندفاع الغريزي .
7- كشف التراث العربي نقاء سيرة المحبين العرب وطيب نفوسهم ووفائهم حين اصابهم الذهول والجنون نتيجة الحب .
8- كشف التراث العربي على لسان شعرائه ان الحب لم يكن نزوة عابرة بل يتخطى الحدود الزمكانية الى ما بعد الموت .
9- كشف التراث العربي ان الحب مطلق وانه غير محدد ويستدعي من الانسان البحث عن الحب بذلك فان الحب يفتح افاقا امام عقل الانسان لتحقيق المناطق المجهولة لخير البشرية .
10- ان دراسة الحب والجنس في التاريخ والتراث العربي والاسلامي يستدعينا الاطلاع عليه لتوجيه شبابنا وبناء شخصياتهم من طريق المدارس والجامعات والاعلام …. الخ .
الحواشي
1- طوق الحمامة ، ص: 49 – 50 .
2- الجنس ومعناه الانساني ، ص: 19 .
3- نفسه ، ص: 21 .
4- تحفة العروس ، ص: 359 .
5- نفسه ، ص: 360 .
6- الجنس ومعناه الانساني ، نفسه ، ص: 19 .
7- نفسه ، ص19 .
8- طوق الحمامة ، نفسه ، ص: 249 .
9- تحفة العروس ، نفسه ، ص: 34 .
10- الجنس ومعناه الانساني ، نفسه ، ص: 89 .
11- المرثاة الغزلية في الشعر العربي ، ص: 26 .
12- نفسه ، ص: 27 .
13- نفسه ، ً: 16 .
14- طوق الحمامة ، نفسه ، ص: 214 – 215 .
15- الحب بين تراثين ، ص: 96 .
16- نفسه ، ص: 94 .
17- اخبار النساء ، ص: 70 .
18- الموشى او الظرف والظرفاء ، ص: 113 .
19- الجنس ومعناه الانساني ، نفسه ، ص: 326 .
20- نفسه ، ص: 324 .
21- نفسه ، ص: 327 .
22- الاعمال الصوفية ، ص: 199 .
23- شرح ديوان الحلاج ، ص: 194 .
24- الجنس ومعناه الانساني ، نفسه ، ص329 .
المصادر
– ابن حزم ، ابو محمد علي بن احمد بن سعيد الاندلسي ، طوق الحمامة في الالفة والالاف ، تحقيق : صلاح الدين القاسمي ، بغداد ، دار الشؤون ، مشروع النشر المشترك ، 1986م .
– الاستانبولي ، محمود مهدي ، تحفة العروس او الزواج الاسلامي السعيد ، الرسالة الاسلامية للنشر ، ط6 ، 1985م ، بلا .
– اسماعيل ، د. عناد غزوان ، المرثاة الغزلية في الشعر العربي ، بغداد ، 1974 ، مطبعة الزهراء.
– بندلي ، كوستي ، الجنس ومعناه الانساني ، منشورات النور ، ط4 ، بلا .
– الجوزية ، ابن القيم ، اخبار النساء ، بغداد ، مكتبة التحرير ، 1988م .
– الشبيبي ، د. كامل مصطفى ، شرح ديوان الحلاج ، بيروت ، منشورات الجمل ، 2012م ، ط2 .
– مراني ، ناجية ، الحب بين تراثين ، بغداد ، 1985م ، ط2 ، منشورات وتوزيع المكتبة العالمية ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
– الوشاء ، ابو الطيب محمد بن اسحق بن يحيى ، الموشى او الظرف والظرفاء ، لبنان – بيروت ، دار صادر ، بلا .
– النفري ، محمد بن عبد الجبار بن الحسن ، الاعمال الصوفية ، راجعها وقدم لها : سعيد الغانمي ، منشورات الجمل ، (كولونيا ) – بغداد ، 2007م .
- دراسة مقارنة لإبداع إبن حزم الأندلسي
البعد الإنساني للحب في التاريخ العربي والاسلامي – نصوص – نجاح هادي كبة
.
قال ابن حزم الاندلسي في تعريفه للحب والهوى : ” وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا واطالوا ، والذي اذهب اليه انه اتصال بين اجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في اصل عنصرها الرفيع … لكن على سبيل مناسبة قواها في مقر عالمها العلوي ، ومجاورتها في (هيأة) تركيبها . وقد علمنا ان سر التمازج والتباين في المخلوقات انما هو الاتصال والانفصال والشكل دأبا يستدعي شكله(1).
وابن حزم هنا يشير الى دور الروح في الحب والهوى لا الى الجسد بوصف الانسان مركبا من روح وجسد ، ويعتقد المتصوفة ان الروح هبطت الى الانسان من الذات العلوية ويمثلها مقولة الحلاج الشهيرة : ” نحن روحان حللنا بدنا ” وهذا ما اشار اليه ابن حزم حين قال : ” في اصل عنصرها الرفيع ” .
وتعريف ابن حزم هذا للحب والهوى يتفق والمفهوم المعاصر للحب والهوى فالحب والهوى يصيبان الانسان لصفات روحية وخلقية فيميل الرجل للمرأة وتميل المرأة للرجل بالضرورة .
قال ايفون بريس : ” ليس الجنس حاجة جسدية ” مستقلة فيزيولوجيا ، ان الوظيفة الجنسية مرتبطة صميميا بالشعور والخيال ” (2) وقال بندلي : ” يمكن تلخيص هذه المعاني بقولنا انها معان اتحادية فالانسان هو ذلك الكائن الذي يسعى الى اقامة شركة مع الاخرين لانه يحس بانه لا يكتمل ولا يحقق ذاته الا بهذه الشركة ” (3) ، لذا يخلص هنارد وهو احد كبار الاخصائيين المعاصرين في شؤون الجنس الى القول بان العمل الجنسي هو اساسا عمل اجتماعي وهو ما اشار اليه ابن حزم بل وما سبقهم اليه.
2- في الجنسية المثلية Homosexuality :
عالج الاسلام الجنسية المثلية فحرم اللواط والسحاق وقد وضع الرسول (ص) قواعد قبل وقوع الانسان في هاتين الرذيلتين تعدّ ممهدة لتربية الانسان تربية رصينة منها : نهى المرأة عن التشبه بالرجال وبالعكس ، فلا شك ان المظاهر الخارجية هي مثيرات (( كنوع الملابس وترتيب الشعر وغيرهما )) تستدعي استجابات وقد تكون هذه الاستجابات مما يثير الجنس عند الإنسان فيختلط الحابل بالنابل اذ يُتصوَّر الرجلُ المتشبه بالنساء امرأة وبالعكس مما يمهد للجنسية المثلية لذلك قال الرسول (ص) : ” ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ، ولا من تشبه بالنساء من الرجال “(4) وسنده صحيح وقد (( لعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل ” (5) وهو حديث صحيح على شرط مسلم .
وبناء على ذلك فان الاسلام اعطى اهتماما للبعد النفسي في هذا الموضوع قال الدكتور : اندريه ارتوس : ” في الاغلبية الساحقة من الحالات ، ليست الجنسية المثلية homosexualityنتيجة وضع غير طبيعي للغدد … انها سلوك خاص عائد لعوامل نفسية ” (6) . نعم قد تكون هناك استعدادات عضوية تمهد الطريق امام هذا الشذوذ ، لكن السبب الاساس يبقى في معظم الحالات نفسيا (7) وهذا مما يدلل على بعد بصيرة الرسول (ص) ومن ثم مطابقة الاسلام في الموضوع للحداثة الفكرية المعاصرة .
3- في التسامي بالغريزة الجنسية :
قال ابن حزم الاندلسي : ” ومن افضل ما يأتيه الانسان في حبه التعفف ، وترك ركوب المعصية والفاحشة … وان من هام قلبه ، وشُغل باله ، واشتد شوقه ، وعظم وجده ، ثم ظفر فرام هواه ان يغلب عقله ، وشهوته وان يقهر دينه ، ثم اقام العدل لنفسه هنا وعلم انها النفس الامارة بالسوء … ونظر بعين ضميره ، الى انفراده عن كل مدافع يحضره علام الغيوب ” (8) .
ولا بد من الاشارة الى ان مصطلح التسامي sublimationوالاعلاء هما من مصطلحات علم النفس المعاصر وانهما يقابلان مصطلح ” التعفف ” المذكور سابقا .
والتسامي والاعلاء او التعفف لا يعني الكبت الجنسي لان العفيف او المتسامي من سيطرت ذاته العليا ” super Ego ” على ذاته السفلى ” under Ego ” فيسيطر الانسان على اناه ” Id ” على وفق فهم سليم للحياة الجنسية ، اما الكبت فيعني تجاهل حياة الانسان الجنسية من دون أي فهم صحيح للسبب ، قال تعالى : ” وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ” النور /33 . وقال الرسول (ص) : ” يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فانه اغض للبصر ، واحصن للفرج . ومن لم يستطع فعليه بالصوم فان له وجاء ” ( أي وقاية وستر ) .
وقال هنري ميلر : ” ان خير وسيلة لحفظ اجسادنا هو امتناعنا عن طلب اللذة الجنسية قبل الزواج من اية وسيلة كانت ، ومع هذا فهنالك غير هذا النفع ، فما هو يا ترى ؟ ان الاستسلام لكل فرصة سانحة للفعل الجنسي ، يفقدنا ارادتنا وشخصيتنا المبنية على قوة ارادتنا ” (9) فالتسامي والتعفف يقود الانسان الى صفاء النفس والابتعاد عن الاندفاع الغريزي الذي لا يعلّم الانسان سوى محاولة امتلاك كل شيء من دون حق لا سيما امتلاك المرأة التي تكون بين يدي الغريزي كجثة هامدة وعد فرويد الاندفاع الغريزي رواسب طفلية فهو يرى ان الانسان بعد انفصاله عن رحم الام يريد الرجوع اليه بالقوة وباية وسيلة ليحقق اتصاله الطفولي بالام الذي يشعره بالنقص والحاجة الى امه في لاشعوره .
4- في العلاقة المتبادلة بين الحب والجنس:
قال تعالى : ( ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) الروم/ ، اية : 21 .
لقد قرنت الاية الكريمة الجنس بالحب لان الانسان لا يستطيع مشاركة زوجته في الجماع من الحصول على اللذة الجنسية من دون الحب فمن دون الحب يصبح الجماع عملية فيزيولوجية خالية من المشاعر والمودة والحب وليس للمتحابين مثل التزويج . عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رجلا قال :
” يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم ، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم : فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ” لم ير للمتحابين مثل النكاح ” … صحيح على شرط مسلم .
قال اسفلت كوله :” ان مزيجا من الحب والجنس يستطيع وحدهما ان يقود المرأة الى تحقيق ذاتها بالفعل على الصعيد الجنسي ، ما عدا ذلك ، فالكل ناقص ويترك شعورا بالفشل والخيبة . انطلاقا من هذه الاعتبارات يثور بحق الاستاذ نيدر ماير ، الاختصاصي بالامراض النسائية في فيينا ، قائلا : عندنا ، لسوء الحظ ، المزيد من الحالات التي يجد فيها اطباء انفسهم امام اضطرابات عصبية بسيطة ، فيوصون فتيات لم يكدن يتجاوزن فترة البلوغ بممارسة العلاقات الجنسية ، غير واعين للمسؤوليات التي ترتبها توصية كهذه . ويذكر الكاتب عدة شهادات دراماتيكية تظهر مدى الشعور بالفشل والخيبة الذي انتاب نساء اثناء اول اتصال جنسي في الزواج او خارجه ، عندما ضاجعن شريكهن بعنف دون ان يبدي لهن حنانا كفيلا بان يوقظهن الى الحب ويثير فيهن الرغبة في الجماع ” (10) .
فالانوثة ليست جسدا فحسب ، بل هي قبل ذلك تجسد الحب المقدس والجمال والرقة والروح المهذبة والتعلق الــــنبيل وهذا مما اكده التاريخ العربي والاســــــلامي وثبته في القران الكريم واحـــــــاديث الرسول (ص) .
5- في الحب والموت :
يتخطى الحب في التاريخ العربي والاسلامي الحدود الزمكانية فيبقى المحبوب يراود خيال محبوبه بعد الموت وقد نشأ نوع من الاغراض الشعرية يسمى ” بالمرثاة الغزلية ” : ان المرثاة الغزلية ، في الشعر العربي لم تكن على لسان الشاعر حبيبا عاشقا ، او زوجا امينا مخلصا فحسب بل كانت على لسان الشاعرة حبيبة او زوجة وفية ايضا .
كما يتجلى ذلك من نماذج كثيرة لشواعر العرب اللائي رثين في مقطعاتهن احبابهن وازواجهن ، ولا تخلو تلك من شعور بالحزن والألم والرقة ، وهي صفات تمتاز بها شخصية المرأة الشاعرة .فالمرأة انسانا لا ترى في الحب مجرد لهو او تجربة عابرة او مرحلة لابد من تجاوزها ، بل هي تعد الحب سببا كافيا ” لتسويغ ” وجودها وغاية كبرى تسعى من اجلها ، وسعادة قصوى تنزع نحو بلوغها … وهي من خلال .. الصور ” تثبت مرثيها ” حبها وشوقها وتظهر له اخلاصها وعندئذ تبادله بعض عواطف الحب النبيل ومشاعر المودة الصادقة ” (11) . وروى الأصمعي لاعرابية في زوجها وكانت تبكي على قبره وهي لابسة الحلي والحلل هذه الابيات :
يا صاحب القبر يا من كان ينعم بي
قد زرت قبرك في حلي وفي حللي
اردت اتيك فيما كنت اعرفه
فمـن رآنـي رأى عبـري مولـهة
بالا ويكثر في الدنيا مواساتي
كانني لست من اهل المصيبات
ان قد تسر به من بعض هيئاتي
عجيبة الزي تبكي بين اموات(12)
والشيء بالشيء يذكر ” ففي الشعر الانكليزي امثلة صريحة للمرثاة الغزلية تجسد تعلق الشاعر بحبيبته وتصور لنا شيئا من فلسفته في الحياة والموت … فقصيدة الشاعر روبرت بردجر ” Robert Bridges ” 1844 – 1930، ، بعنوان مرثاة : مهداة الى سيدة قتلها حزنها على خطيبها ، صورة واقعية لامتزاج غرضي الغزل والرثاء غرضا فنيا واحدا استطاع الشاعر بقدرته وعمق مشاعره ان يمنحه بعدا ذاتيا حتى ليخيل للقاريء ان الشاعر هو خطيب هذه الفــــــــتاة وهي حبيبته ” (13) .
وروى ابن حزم الاندلسي : ” وانا اعلم جارية كانت لبعض الرؤوساء فعزف عنها لشيء بلغه في جهتها لم يكن يوجب السخط ، فباعها ، فجزعت لذلك جزعا شديدا وما فارقها النحول والاسف ، ولا بان عن عينها الدمع الى ان سلت ، وكان ذلك سبب موتها . ولم تعش بعد خروجها عنه الا اشهرا ليست بالكثيرة . ولقد اخبرتني عنها امرأة اثق بها ، انها لقيتها وهي قد صارت كالخيال نحولا ، ورقة ، فقالت لها واحسب هذا الذي بك من محبتك لفلان ؟ فتنفست الصعداء وقالت : والله لا نسيته ابدا وان كان جفاني بلا سبب . وما عاشت بعد هذا القول الا يسيرا ” (14) .
6- وفي ذهول العشاق وجنونهم :
وفي تراثنا العربي من اصابه صدق حبه بالذهول والجنون : ” ومن مشاهير العشاق الذين نذكرهم بهذا الخصوص عروة بن حزام : احب عروة عفراء ، فاخذه الهلاس وقالوا به جنة ، فاخذوه الى عراف اليمامة وعراف حجر لمعرفة ما به وعلاجه . ويخبرنا عروة في اشعاره ان حبه عفراء كان السبب في انصراف فكره ، وان لا فائدة ترجى من العرافين ، يصفها عروة كما يلي :
وقد تركتني لا اعي لمحدث
جعلت لعراف اليمامة حكمه
فما تركا من حيلة يعرفانها
وقالا : شفاك الله والله ما لنا
حديثا وان ناجيته ونجاني
وعراف حجر ان هما شفياني
ولا شربة الا وقد سقياني
بما ضمنت منك الضلوع يدان
قيل : وما زال في هذيان وقلق لا يتناول قوته حتى شفت عظامه ومات . وبقيت عفراء تندبه حتى قضت فدفنت الى جانبه (15) .
وهناك قيس بن ذريح الذي اصابه اختلال العقل اما المجنون الشهير فهو قيس بن الملوح مجنون ليلى الذي اطال شعره وهام في البرية على وجهه مع الحيوانات لانه لم يستطع الزواج منها وقد تعبر حكاية مجنون ليلى عن روح الامة تجاه الحب لا عن واقع ملموس ولكن النتيجة واحدة .
وقال برنارد في ذلك :
انا مرتبك الفكر ، هبل العقل ، وذلك بسبب
الحب الذي يلازمني ويملك عناني في
كل مكان اتوجه اليه
ويخبرنا المختصون بادب العصر الوسيط ان ارتباك عقول العشاق وذهولهم على وجوههم كالمجانين كانت ظواهر متفشية في الادب الاوربي انذاك (16) .
وقد جاء في التراث العربي الاسلامي :
(( وقد زعم قوم انه لا ذنب على اهل الهوى ، ولا وزر على ذوي الضنا ، ان خطاياهم تنمحي عنهم لطول بلائهم ، وكثرة شقائهم ، ولما يلقون من القلق ، ويعانون من الارق )) (17) . وملُح الحكمي اذ قال :
ولقـد كنـا رُويـنا عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب ان سعد بن عـبادة قال : من مات محـبا لـه اجر الشهـادة (18) 7- في الحب والوصول الى المطلق :
لقد ادرك المتصوفة ان بالحب والعشق لله سبحانه تعالى يفني الانسان في الذات الالهية ” هذا ما ادركه المتصوف الكبير ابن عربي عندما قال : ان الله يتجلى بنظر كل محب في محبوبه ” (19) ، ” وقد قالت المفكرة سيمون فايل ان ما يستقطب الحب الجنسي انما هو السعي الى الاتصال بجمال الكون ومن خلاله بالحكمة الالهية ” (20) . لان حب الله لابد وان يكون حبا للاخر ، قال دانتي متوجها الى بياتريس ” هل تعتقدين انني كنت اشتهيت بهذا المقدار رؤية الله ولو لم المحه في نظرك ؟ وقد قال عنها في موضع اخر انها كانت تنظر الى الله اما هو فكان ينظر اليه بعينيها وكانت السماء اكثر زرقة ” (21) .
وقد اكد الرسول الحب الجنسي بالزواج في الجنة ” قال لقيط : قلت يا رسول الله او لنا فيها ازواج مصلحات ؟ قال : الصالحون للصالحات ، تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا . ويلذونكم غير ان لا توالد ” وسنده جيد .
اما النفري فقد جعل الحب في مخاطباته لله سبحانه وتعالى بمنزلة متحابين ناظرين ، قال على لسان الخالق سبحانه وتعالى : ” يا عبد لقد احببتك الحب كله ، اتجلى لك فلا ارضاك لشيء حتى تحادثني فتكون بما اتجلى به ، اشبهت حكمة ذلك متحابين ناظرين ” (22) . وقد صور الحلاج علاقة المحب بالمطلق في الابيات الاتية :
والله ، لو حلف العشاق انهم = قوم اذا هجروا من بعد ما وصلوا
ترى المحبين صرعى في ديارهـم = موتى من الحب او قتلى لما حنثوا
ماتوا ، وان عاد وصل بعده بعثوا = كفتية الكهف: لا يدرون كم لبثوا (20)
و ” ديانات الجنس على انواعها تحاول ان تقتحم الالوهة من خلال النشوة الجنسية ، ولكن الله هو بطبيعته ما لا يُقتحم ، لانه لو كان في متناول الانسان ، لما كان الله ، بل مجرد امتداد للانسان … هذا هو المعنى العميق لوحدانية الله : الله واحد” (24) . ان الوصول الى المطلق يتجلى عن طريق الحب ففي الحب كل السمات النبيلة من الجمال والعفة وانزال الاخر منزلة النفس ففي الحب الايثار والتضحية فالحب بحد ذاته مدرسة لتقويم الانسان وتهذيبه لكي يتآلف مع ابناء مجتمعه . وهذا ما اكده التراث العربي والاسلامي .
الاستنتاجات
1- في التراث العربي والاسلامي نظرة سديدة للحب والجنس تعطى فيها الروح الاولية على الجسد .
2- عد المتصوفة المسلمون ان الحب جزء من الذات الالهية وان الفناء في الحب يوصل الى الفناء بذات الله سبحانه وتعالى بحسب رأيهم ” .
3- نهى الفكر العربي والاسلامي عن الانحراف الجنسي كالجنسية المثلية ووضع كل شيء في موضعه الصحيح حتى لا يختلط الحابل بالنابل وكرّم المرأة والرجل .
4- ان التراث العربي والاسلامي اعطى للحب والجنس ما يمثله عصارة تفكير المنظرين المعاصرين عن الحب والجنس .
5- عد التراث العربي والاسلامي ان الجنس لم يكن سوى عملية فيزيولوجية اذا لم يقترن بالحب وان المرأة تعامل كجثة هامدة دون الحب .
6- دعا التراث العربي والاسلامي الى التسامي بالحب واعلاء شأن النفس والتعفف والابتعاد عن الاندفاع الغريزي .
7- كشف التراث العربي نقاء سيرة المحبين العرب وطيب نفوسهم ووفائهم حين اصابهم الذهول والجنون نتيجة الحب .
8- كشف التراث العربي على لسان شعرائه ان الحب لم يكن نزوة عابرة بل يتخطى الحدود الزمكانية الى ما بعد الموت .
9- كشف التراث العربي ان الحب مطلق وانه غير محدد ويستدعي من الانسان البحث عن الحب بذلك فان الحب يفتح افاقا امام عقل الانسان لتحقيق المناطق المجهولة لخير البشرية .
10- ان دراسة الحب والجنس في التاريخ والتراث العربي والاسلامي يستدعينا الاطلاع عليه لتوجيه شبابنا وبناء شخصياتهم من طريق المدارس والجامعات والاعلام …. الخ .
الحواشي
1- طوق الحمامة ، ص: 49 – 50 .
2- الجنس ومعناه الانساني ، ص: 19 .
3- نفسه ، ص: 21 .
4- تحفة العروس ، ص: 359 .
5- نفسه ، ص: 360 .
6- الجنس ومعناه الانساني ، نفسه ، ص: 19 .
7- نفسه ، ص19 .
8- طوق الحمامة ، نفسه ، ص: 249 .
9- تحفة العروس ، نفسه ، ص: 34 .
10- الجنس ومعناه الانساني ، نفسه ، ص: 89 .
11- المرثاة الغزلية في الشعر العربي ، ص: 26 .
12- نفسه ، ص: 27 .
13- نفسه ، ً: 16 .
14- طوق الحمامة ، نفسه ، ص: 214 – 215 .
15- الحب بين تراثين ، ص: 96 .
16- نفسه ، ص: 94 .
17- اخبار النساء ، ص: 70 .
18- الموشى او الظرف والظرفاء ، ص: 113 .
19- الجنس ومعناه الانساني ، نفسه ، ص: 326 .
20- نفسه ، ص: 324 .
21- نفسه ، ص: 327 .
22- الاعمال الصوفية ، ص: 199 .
23- شرح ديوان الحلاج ، ص: 194 .
24- الجنس ومعناه الانساني ، نفسه ، ص329 .
المصادر
– ابن حزم ، ابو محمد علي بن احمد بن سعيد الاندلسي ، طوق الحمامة في الالفة والالاف ، تحقيق : صلاح الدين القاسمي ، بغداد ، دار الشؤون ، مشروع النشر المشترك ، 1986م .
– الاستانبولي ، محمود مهدي ، تحفة العروس او الزواج الاسلامي السعيد ، الرسالة الاسلامية للنشر ، ط6 ، 1985م ، بلا .
– اسماعيل ، د. عناد غزوان ، المرثاة الغزلية في الشعر العربي ، بغداد ، 1974 ، مطبعة الزهراء.
– بندلي ، كوستي ، الجنس ومعناه الانساني ، منشورات النور ، ط4 ، بلا .
– الجوزية ، ابن القيم ، اخبار النساء ، بغداد ، مكتبة التحرير ، 1988م .
– الشبيبي ، د. كامل مصطفى ، شرح ديوان الحلاج ، بيروت ، منشورات الجمل ، 2012م ، ط2 .
– مراني ، ناجية ، الحب بين تراثين ، بغداد ، 1985م ، ط2 ، منشورات وتوزيع المكتبة العالمية ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
– الوشاء ، ابو الطيب محمد بن اسحق بن يحيى ، الموشى او الظرف والظرفاء ، لبنان – بيروت ، دار صادر ، بلا .
– النفري ، محمد بن عبد الجبار بن الحسن ، الاعمال الصوفية ، راجعها وقدم لها : سعيد الغانمي ، منشورات الجمل ، (كولونيا ) – بغداد ، 2007م .
- دراسة مقارنة لإبداع إبن حزم الأندلسي
البعد الإنساني للحب في التاريخ العربي والاسلامي – نصوص – نجاح هادي كبة
.
صورة مفقودة