نقوس المهدي
كاتب
لقاءات عابرة، تترك أثرا بليغا فينا.
قبل شهر من الآن،كان قد أخبرني صديق عن إحدى المقاهي التي تجتمع فيها الفتيات لكسب لقمة العيش، في واقع صعب لا يعترف سوى بالمظاهر والماديات.
وبدافع الفضول وحب الإستطلاع قررت دخولها، لأكتشف عالما قائما بذاته، عالما من الفتيات يستعرضن جمالهن وأنوثتهن بشباب يافع وجمال أخاد، ينتظرن الزبائن ورواد المقهى، طمعا في إعجاب قد يضمن لهن مقابلا ماديا جراء قضاء ليلة أو سويعات قليلة، سواء بالمنزل أو بنزل يفتح أبوابه متخصصا لممارسة السرقة الجنسية من حين لآخر.
وبينما جلست منتظرا، مجيء نادل المقهى كي أطلب مشروبا، دخلت شابة عشرينية آية في الجمال، بقوام ممشوق زاد من رونقه فستان في الأسود وشعر مسرح إلى وراء بدقة عالية.
فتاة يبدو من نظرات عينيها العسليتين، أنها ما زالت جديدة في المهنة وعالم العمل في الجنس.
حسن ملامح وجها، بمكياج خفيف متكون من أحمر شفاه وملون حول جنبات الأعين، وبراءة محياها، التي زادته وحمة صغيرة على الخد الأيسر سحرا على سحر، جعلتني أرغب في التكلم معها، ليس طمعا في قضاء مغامرة جنسية عابرة وإنما إعجابا من أول نظرة إن صح القول.
رغبتي في التحدث إليها، سرعان ما تبخرت بعدما خرجت مع زبون أربعيني، بعد مفاوضات للإتفاق على المعلوم من النقود.
لم أتكلم معها، لكن صورتها طبعت في ذاكرتي، ولا أظن أنها ستمسح يوما.
أنهيت مشروبي وهممت للخروج، عائدا للمنزل وسيل من الأفكار تخالج ذهني، وأسئلة لا تكاد تنقضي.
أي دولة هذه التي ترمي فيها بنات كالورد، أنفسهن في سوق النخاسة؟
كيف يعقل أن تدخل جميلات بريئات، عالم ” لحم رخيص”؟
ألم يكن، من المفروض، أن تكن تلك الشابات في المدارس والجامعات، للعلم والتحصيل، وإن كنت متيقنا أن فيهن شابات معطلات بشواهدهن الجامعية؟
أي مستقبل وضمان إجتماعي، للعاملات في الجنس ما بعد الثلاثينات من العمر؟
كيف سيعشن، ومعدل سنوات خدمتهن لا يتجاوز ال 10 إلى 15 سنة، بعد أن تذبل بشرتهن ويضعف جسدهن من جراء السهر وما يصاحبه من تدخين وكحول، العلاقات الجنسية السريعة، عمليات إجهاض سرية جراء حمل غير مرغوب فيه؟
ماذا لو أصبحن أمهات عازبات، من سيعيلهن في حالة الوعكة الصحية؟
ألم يحن الوقت، لتقنين العمل في الجنس، على الأقل لضمان الحد الأدنى من الحقوق….
ألا يخجل رئيس الحكومة من نفسه، وهو يردد هنا وهناك أن المغرب بلد الإستقرار والإستثناء، ألا يرى ويقرأ عن آلاف النساء يبعن لحمهن بأثمان بخسة، ألا يسمع عن شباب إرتمى في حضن الجريمة والمخدرات بعد الإكتواء والمعاناة الطوال من شبح البطالة القاتل؟؟
عن أي دولة الحق والقانون والمؤسسات يتكلمون، وبنات من الوطن بعانين يوما في سبيل لقمة عيش مرة، مصدرها زبائن قد تأتي وقد لا تأتي لمقاهي تحولت لشبه دور القوادة الجنسية.
كيف وكيف ولماذا، أسئلة تقض مضجعي، كلما وقفت عن الواقع المر، عن المغرب الحقيقي، بلا مكياج، مغرب الدعارة والإتجار بالبشر، مغرب الفقر والقرقوبي، مغرب التعليم المقبور، الصحة المتهالكة والشغل المفقود.
أحس بغبن وحنق شديد حينما، أرى فتيات في مقتبل العمر، يفنين عمرهن ويبهتن جمالهن ويضحين بكرامتهن وأجسادهن، كالشمعة التي تحترق لتضيء للناس، لإرضاء زبون يعتبرهن في الأول والأخير مجرد عاهرات لا أقل ولا أكثر، وإن كن في الحقيقة عاملات من نوع خاص عاملات في الجنس في الظاهر بل إنسان نعم إنسان يستحق الإحترام رغم الظروف القاسية التي تدفع بهن نحو الهلاك الإجتماعي والنفسي الصحي في مجتمع ذكوري أخلاقوي لا يرحم.
أشعر بحزن وأنا أتابع كيف أصبح بلدي مستنقعا ضحلا يستقبل ضعاف الأنفس من البيدوفيل ممارسي الجنس على أطفالنا مقابل دريهمات وبعلم عائلاتهم.
أتحسر حينما أشاهد أبناء بلدي، يمارسون العبودية والتزلف بتقبيل يدي أمير إماراتي، جاء للمغرب، خيل له في لحظة من النشوة أنه المهدي المنتظر الذي سيخلص البلاد والعباد من الشرور، الآثام و الظلم، والناس تتبرك منه بتقبيل اليدين والكتفين.
عاملة الجنس التي سحرتني، ليست الوحيدة ولا الأخيرة التي تشتغل وستشتغل في الجنس ومعاناته الكبيرة، بل منها الآلاف والآلاف من بنات بلدي، اللواتي يعانين جنبا إلى جنب أبناء الشعب، من جراء مصاصي الدماء الذين نهبوا خيرات وطني ويزالون في ممارسة سرقة ثرواتنا وبمشاركة ومباركة دنيئة من جبناء يسمون أنفسهم قوى حية مجتمعية تدافع عن الشعب كالأكباش الحزبية والنقابية.
الإنسانة التي سحرتني، تستحقين وسام الشرف والتقدير أنت وغيرك من النساء، فعلى الأقل تعيشين بمجهودك الخاص وربما تعيلين أسرتك وتسدين رمق جوع أفواه وأفواه بشرف، ولا تسرقين لا ثروة شعب ولا حقوق مواطن.
نتألم ونحزن، لأننا نمتلك ضميرا ولأننا نهتم.
وكما قال الفيلسوف العبقري نيتشه : تريد ألما أقل؟ إنكمش إذا وكن جزء من القطيع.
عدت مرة أخرى لذات المقهى ، لكن هذه المرة ليس بدافع الفضول وإنما بحثا عن الحب داخل السراب أملا في لقاء تلك الفاتنة ، وبالفعل جاءت فالمقهى أصبحت مقرا لعملها ومصدر رزقها الوحيد.
تكلمت معها وعبرت لها عن إعجابي الشديد بها ، ورغبتي في علاقة حب تجمعنا… فكانت الإجابة صادمة وقالت: إن أمثالنا لا يصلح للحب ولا للعلاقات العاطفية ، فمن يدخل عالم الجنس وبيع جسده لمن يدفع ، يفقد الرغبة في كل شيء حتى في تبادل الحب مع من يحبنا بل نفقد الشهية في الحياة يا صديقي نفقد الشهية في الحياة.
إنتهى الحوار بيننا ، وقالت لي ،بنبرة فيها نوع من الحزن أو شيء من عذاب الضمير والندم، دعني أذهب فقد حان موعد كسب المال.
كم أنت جميلة بوجهك الملائكي وخصلات شعرك الحريري الأسود المائل للبني، أيتها العاملة في الجنس التي سحرتني.
.
قبل شهر من الآن،كان قد أخبرني صديق عن إحدى المقاهي التي تجتمع فيها الفتيات لكسب لقمة العيش، في واقع صعب لا يعترف سوى بالمظاهر والماديات.
وبدافع الفضول وحب الإستطلاع قررت دخولها، لأكتشف عالما قائما بذاته، عالما من الفتيات يستعرضن جمالهن وأنوثتهن بشباب يافع وجمال أخاد، ينتظرن الزبائن ورواد المقهى، طمعا في إعجاب قد يضمن لهن مقابلا ماديا جراء قضاء ليلة أو سويعات قليلة، سواء بالمنزل أو بنزل يفتح أبوابه متخصصا لممارسة السرقة الجنسية من حين لآخر.
وبينما جلست منتظرا، مجيء نادل المقهى كي أطلب مشروبا، دخلت شابة عشرينية آية في الجمال، بقوام ممشوق زاد من رونقه فستان في الأسود وشعر مسرح إلى وراء بدقة عالية.
فتاة يبدو من نظرات عينيها العسليتين، أنها ما زالت جديدة في المهنة وعالم العمل في الجنس.
حسن ملامح وجها، بمكياج خفيف متكون من أحمر شفاه وملون حول جنبات الأعين، وبراءة محياها، التي زادته وحمة صغيرة على الخد الأيسر سحرا على سحر، جعلتني أرغب في التكلم معها، ليس طمعا في قضاء مغامرة جنسية عابرة وإنما إعجابا من أول نظرة إن صح القول.
رغبتي في التحدث إليها، سرعان ما تبخرت بعدما خرجت مع زبون أربعيني، بعد مفاوضات للإتفاق على المعلوم من النقود.
لم أتكلم معها، لكن صورتها طبعت في ذاكرتي، ولا أظن أنها ستمسح يوما.
أنهيت مشروبي وهممت للخروج، عائدا للمنزل وسيل من الأفكار تخالج ذهني، وأسئلة لا تكاد تنقضي.
أي دولة هذه التي ترمي فيها بنات كالورد، أنفسهن في سوق النخاسة؟
كيف يعقل أن تدخل جميلات بريئات، عالم ” لحم رخيص”؟
ألم يكن، من المفروض، أن تكن تلك الشابات في المدارس والجامعات، للعلم والتحصيل، وإن كنت متيقنا أن فيهن شابات معطلات بشواهدهن الجامعية؟
أي مستقبل وضمان إجتماعي، للعاملات في الجنس ما بعد الثلاثينات من العمر؟
كيف سيعشن، ومعدل سنوات خدمتهن لا يتجاوز ال 10 إلى 15 سنة، بعد أن تذبل بشرتهن ويضعف جسدهن من جراء السهر وما يصاحبه من تدخين وكحول، العلاقات الجنسية السريعة، عمليات إجهاض سرية جراء حمل غير مرغوب فيه؟
ماذا لو أصبحن أمهات عازبات، من سيعيلهن في حالة الوعكة الصحية؟
ألم يحن الوقت، لتقنين العمل في الجنس، على الأقل لضمان الحد الأدنى من الحقوق….
ألا يخجل رئيس الحكومة من نفسه، وهو يردد هنا وهناك أن المغرب بلد الإستقرار والإستثناء، ألا يرى ويقرأ عن آلاف النساء يبعن لحمهن بأثمان بخسة، ألا يسمع عن شباب إرتمى في حضن الجريمة والمخدرات بعد الإكتواء والمعاناة الطوال من شبح البطالة القاتل؟؟
عن أي دولة الحق والقانون والمؤسسات يتكلمون، وبنات من الوطن بعانين يوما في سبيل لقمة عيش مرة، مصدرها زبائن قد تأتي وقد لا تأتي لمقاهي تحولت لشبه دور القوادة الجنسية.
كيف وكيف ولماذا، أسئلة تقض مضجعي، كلما وقفت عن الواقع المر، عن المغرب الحقيقي، بلا مكياج، مغرب الدعارة والإتجار بالبشر، مغرب الفقر والقرقوبي، مغرب التعليم المقبور، الصحة المتهالكة والشغل المفقود.
أحس بغبن وحنق شديد حينما، أرى فتيات في مقتبل العمر، يفنين عمرهن ويبهتن جمالهن ويضحين بكرامتهن وأجسادهن، كالشمعة التي تحترق لتضيء للناس، لإرضاء زبون يعتبرهن في الأول والأخير مجرد عاهرات لا أقل ولا أكثر، وإن كن في الحقيقة عاملات من نوع خاص عاملات في الجنس في الظاهر بل إنسان نعم إنسان يستحق الإحترام رغم الظروف القاسية التي تدفع بهن نحو الهلاك الإجتماعي والنفسي الصحي في مجتمع ذكوري أخلاقوي لا يرحم.
أشعر بحزن وأنا أتابع كيف أصبح بلدي مستنقعا ضحلا يستقبل ضعاف الأنفس من البيدوفيل ممارسي الجنس على أطفالنا مقابل دريهمات وبعلم عائلاتهم.
أتحسر حينما أشاهد أبناء بلدي، يمارسون العبودية والتزلف بتقبيل يدي أمير إماراتي، جاء للمغرب، خيل له في لحظة من النشوة أنه المهدي المنتظر الذي سيخلص البلاد والعباد من الشرور، الآثام و الظلم، والناس تتبرك منه بتقبيل اليدين والكتفين.
عاملة الجنس التي سحرتني، ليست الوحيدة ولا الأخيرة التي تشتغل وستشتغل في الجنس ومعاناته الكبيرة، بل منها الآلاف والآلاف من بنات بلدي، اللواتي يعانين جنبا إلى جنب أبناء الشعب، من جراء مصاصي الدماء الذين نهبوا خيرات وطني ويزالون في ممارسة سرقة ثرواتنا وبمشاركة ومباركة دنيئة من جبناء يسمون أنفسهم قوى حية مجتمعية تدافع عن الشعب كالأكباش الحزبية والنقابية.
الإنسانة التي سحرتني، تستحقين وسام الشرف والتقدير أنت وغيرك من النساء، فعلى الأقل تعيشين بمجهودك الخاص وربما تعيلين أسرتك وتسدين رمق جوع أفواه وأفواه بشرف، ولا تسرقين لا ثروة شعب ولا حقوق مواطن.
نتألم ونحزن، لأننا نمتلك ضميرا ولأننا نهتم.
وكما قال الفيلسوف العبقري نيتشه : تريد ألما أقل؟ إنكمش إذا وكن جزء من القطيع.
عدت مرة أخرى لذات المقهى ، لكن هذه المرة ليس بدافع الفضول وإنما بحثا عن الحب داخل السراب أملا في لقاء تلك الفاتنة ، وبالفعل جاءت فالمقهى أصبحت مقرا لعملها ومصدر رزقها الوحيد.
تكلمت معها وعبرت لها عن إعجابي الشديد بها ، ورغبتي في علاقة حب تجمعنا… فكانت الإجابة صادمة وقالت: إن أمثالنا لا يصلح للحب ولا للعلاقات العاطفية ، فمن يدخل عالم الجنس وبيع جسده لمن يدفع ، يفقد الرغبة في كل شيء حتى في تبادل الحب مع من يحبنا بل نفقد الشهية في الحياة يا صديقي نفقد الشهية في الحياة.
إنتهى الحوار بيننا ، وقالت لي ،بنبرة فيها نوع من الحزن أو شيء من عذاب الضمير والندم، دعني أذهب فقد حان موعد كسب المال.
كم أنت جميلة بوجهك الملائكي وخصلات شعرك الحريري الأسود المائل للبني، أيتها العاملة في الجنس التي سحرتني.
.
صورة مفقودة