نقوس المهدي
كاتب
لا يتوقف التاريخ عن إثبات حالة التحول التي أصابت المنظومة الفكرية والأخلاقية الإنسانية بصورة عامة، والعربية الإسلامية بصورة خاصة. إذ تكفي عودة بحثية حثيثة في الماضي البعيد، للعثور على الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة في تلك الأزمنة، وسرعان ما جرى عليها الزمن، لتصبح مرفوضة بالمطلق، وغير مقبولة بصورة جذرية.
ينكشف هذا الواقع بتتبع تاريخ العلاقات الجسدية عبر العصور الدينية المتلاحقة. إذ ليس غريباً أن يجد المعاين واحدةً من الممارسات الفجة في تلك الأزمان، لم يعد العقل البشري المعاصر قابلاً لتصديقها، أو حتى تصورها. فهي مغالية، وفق مقاييس الراهن، للحد الذي تقيم البنت علاقة جسدية مع أبيها، أو يدعو الأب أهل قريته لمعاشرة بناته، أو يعاشر الابن زوجة أبيه.
لا يعد هذا الكشف محاولة لتهشيم التاريخ وتزويره، إنما هي محاولة لتشكيل حالة من الانفتاح على المختلف والمغاير، والنظر بعين جديدة نحو مشوار تطور الوعي الإنساني.
الباحث في سير الأنبياء في التاريخ الديني للشرق، بعيداً عن الحكايات التقليدية، سيجد ممارسات كثيرة على صعيد العلاقات الجسدية، لم يعد من الممكن تخيلها، لكن الوثائق التاريخية المتوارية، والمطموسة تؤكدها.
بنات لوط: مواجهة الحياة بمضاجعة النبي في كهف معزول
تروي حكاية النبي لوط وفق النصوص التاريخية التوراتية منها، والقرآنية، حكاية العذاب الذي ألم بقرية النبي المعروفة بـ"سدوم". فتظهر شخصية الملكين اللذين جاءا إلى لوط ليبشراه برسالة الإله، فوقع النبي في مأزق، واجه أهل قريته الذين كانوا يشتهون الرجال من دون النساء، وجاءوا إلى بيت النبي طلباً لضيفيه. فما كان منه إلا أن عرض عليهم بناته مقابل ترك ضيفيه.
تمضي الحكاية في هذا النسق الزمني، فينزل الله العذاب على القرية بعد أن يقتحم رجال القرية بيت النبي لوط. فيخرج هو وعائلته: الزوجة والفتاتان. وتهلك الزوجة التي كانت سبباً في ذاك النزاع على الضيفين، فيبقى لوط وبناته بعد أن هلكت القرية بمن فيها. وغابوا بعيداً حتى اختبأوا في كهف ونجوا من القرية وعذابها.
لا يتوقف الكثير من قارئي هذه الحكاية عند مفصلين مهمين فيها، وهما اللذان يكشفان تاريخ العلاقات الجسدية في تلك الحقبة من الزمن. الأول هو دعوة لوط أهل القرية للاستمتاع ببناته مقابل ترك ضيفيه الملكين، والثاني هو ما الذي جرى للوط وأهله بعد أن دُمرت القرية بأكملها، ولم يبقَ غيرهما في العراء؟
يكشف الباحث جوناثان كيرتش، في كتابه "حكايات محرمة في التوراة" محوراً يفسر المفصل الأول للحكاية. يقول: "يقدر بعض العلماء الأنثروبولوجيين أن واجب إكرام الضيف يتسع إلى حد تقديم رفقة جنسية إلى الضيوف. ولوحظت هذه الممارسة في القرن التاسع في أوساط قبائل بدوية معينة مثل "جماعة ورثة إبراهيم في الوقت الراهن"، التي كانت تمارسها في وقت متأخر من القرن المذكور. وإذ اعتبر لوط نفسه ملزماً بتقديم نوع مماثل من باب "كرم الضيافة"، فمن الطبيعي إذن تقديم ابنتيه للمتعة الجنسية، ولا يستبعد أن يكون هذا الغرض أقل قيمة في نظره".
يتأكد هذا الطرح بالرجوع إلى النص القرآني. قصة النبي لوط في سورة "هود": "وجاءه قوْمُه يُهْرعون إليه ومِن قبلُ كانوا يعملون السيئات قال يا قوْم هؤلاء بناتي هن أطهَر لكُم فاتقوا الله ولا تُخزونِ في ضَيْفي أَليسَ مِنكم رَجُل رشيد (78) قالوا لقد عَلِمت ما لنا في بَنَاتك من حَقٍّ وإِنك لتعْلم ما نرِيد (79) قال لو أَن لي بكُم قوة أَو آَوِي إلى ركن شديد".
أما المفصل الثاني، فيرتبط بتاريخ نشوء المؤابيين، والعمانيون في الحضارات الشرقية، فتروي الحكاية التوراتية أن الفتاتين وجدتا نفسيهما مع والدهن الذكر الوحيد وسط ذاك الخلاء، فقررت أكبرهن أن ذلك يعني أنهن سيمتن من الجوع، ولا يجدن من يعيلهن بعد أن يتوفى الله والدهم الكبير في السن. فقررت أن تنجب ابناً بالنوم مع أبيها، واتفقت مع أختها الصغيرة على ذلك، لتناما الاثنتين معه بعد أن يسكراه بشرب الخمر، حتى يصبح غير واعياً بما يقوم به، وذلك ما كان، فحملت الكبرى بمؤاب، والصغرى بعمون.
يرد ذلك في سفر التكوين بسرد حكاية النبي لوط: (فلما كان الغد قالت الكبرى للصغرى ها أنذا ضاجعت أبي فلنسقيه خمراً الليلة أيضاً وتعالي أنتِ فضاجعيه لنقيم من أبينا نسلاً (35) فسقتا أباهما خمراً تلك أيضاً وقامت الصغرى فضاجعته ولم يعلم بنيامها ولا قيامها) (سفر التكوين 19: 34 و35).
خوف النبي إبراهيم، هل دفعه لتقديم زوجته كجارية للفرعون المصري؟
تظهر حكاية النبي إبراهيم وزوجته سارة أكثر عمقاً في قراءة مفهوم المحارم التاريخي، وسيرة العلاقات الجسدية عبر العصور. إذ تروي الحكاية أنه عندما سافر النبي إبراهيم مع سارة إلى مصر ليهربا من الكنعانيين، أصر إبراهيم على ارتداء قناع يوحي بأنه أخو سارة وليس زوجها خوفاً من أي رجل ينظر إلى سارة بنظرة حب، فيقتل زوجها النبي إبراهيم. وهذا ما جرى، دخل إبراهيم إلى فرعون مصر فضم الملك سارة إلى الخدم في حريم الفرعون، وأغدق على النبي الهدايا. وصدق الملك أن سارة أخت إبراهيم وليست زوجته: "ولم ينقذ سارة من النوم الفعلي مع فرعون غير تدخل الرب نفسه"، بحسب التعبير التوراتي في سفر التكوين (12 : 10 -20).
تظهر الخدعة نفسها في قصة النبي اسحاق بن إبراهيم، حين سافر إلى مملكة أبيملك برفقة زوجته، فيقول في سفر التكوين: "لئلا يقتلني أهل المكان بسبب رفقة لأنها جميلة المنظر".
النوم مع زوجة الأب: كيف تدنس فراش النبي يعقوب
تتواصل الحكايات التاريخية في زواج المحارم والعلاقات غير الشرعية عند الكثير من القديسين والأنبياء في الحقب التاريخية القديمة. فيسرد التوراة حكاية الابن الأكبر للنبي يعقوب رؤوبين، الذي تجرأ على مضاجعة زوجة أبيه بلهة. فترد الحكاية وفق سفر التكوين: "وحدث إذ كان إسرائيل ساكناً في تلك الأرض أن رؤوبين ذهب وضاجع بلهة"، فقال يعقوب لابنه: "رؤوبين أنت بكري.. فرت كالماء لا تفضل ولأنك علوت مضجع أبيك. حينئذ دنسته. على فراشي صعد" (سفر التكوين 49: 3 و4).
تشير كل تلك الحكايات وغيرها، إلى صورة متحولة للتاريخ الإنساني، وتؤكد العلاقة بين الثابت والمتحول في الذهنية البشرية. وتفتح العقل على مزيد من البحث، والمرونة في الامتثال للواقع بكل تحولاته المتسارعة.
.
ينكشف هذا الواقع بتتبع تاريخ العلاقات الجسدية عبر العصور الدينية المتلاحقة. إذ ليس غريباً أن يجد المعاين واحدةً من الممارسات الفجة في تلك الأزمان، لم يعد العقل البشري المعاصر قابلاً لتصديقها، أو حتى تصورها. فهي مغالية، وفق مقاييس الراهن، للحد الذي تقيم البنت علاقة جسدية مع أبيها، أو يدعو الأب أهل قريته لمعاشرة بناته، أو يعاشر الابن زوجة أبيه.
لا يعد هذا الكشف محاولة لتهشيم التاريخ وتزويره، إنما هي محاولة لتشكيل حالة من الانفتاح على المختلف والمغاير، والنظر بعين جديدة نحو مشوار تطور الوعي الإنساني.
الباحث في سير الأنبياء في التاريخ الديني للشرق، بعيداً عن الحكايات التقليدية، سيجد ممارسات كثيرة على صعيد العلاقات الجسدية، لم يعد من الممكن تخيلها، لكن الوثائق التاريخية المتوارية، والمطموسة تؤكدها.
بنات لوط: مواجهة الحياة بمضاجعة النبي في كهف معزول
تروي حكاية النبي لوط وفق النصوص التاريخية التوراتية منها، والقرآنية، حكاية العذاب الذي ألم بقرية النبي المعروفة بـ"سدوم". فتظهر شخصية الملكين اللذين جاءا إلى لوط ليبشراه برسالة الإله، فوقع النبي في مأزق، واجه أهل قريته الذين كانوا يشتهون الرجال من دون النساء، وجاءوا إلى بيت النبي طلباً لضيفيه. فما كان منه إلا أن عرض عليهم بناته مقابل ترك ضيفيه.
تمضي الحكاية في هذا النسق الزمني، فينزل الله العذاب على القرية بعد أن يقتحم رجال القرية بيت النبي لوط. فيخرج هو وعائلته: الزوجة والفتاتان. وتهلك الزوجة التي كانت سبباً في ذاك النزاع على الضيفين، فيبقى لوط وبناته بعد أن هلكت القرية بمن فيها. وغابوا بعيداً حتى اختبأوا في كهف ونجوا من القرية وعذابها.
لا يتوقف الكثير من قارئي هذه الحكاية عند مفصلين مهمين فيها، وهما اللذان يكشفان تاريخ العلاقات الجسدية في تلك الحقبة من الزمن. الأول هو دعوة لوط أهل القرية للاستمتاع ببناته مقابل ترك ضيفيه الملكين، والثاني هو ما الذي جرى للوط وأهله بعد أن دُمرت القرية بأكملها، ولم يبقَ غيرهما في العراء؟
يكشف الباحث جوناثان كيرتش، في كتابه "حكايات محرمة في التوراة" محوراً يفسر المفصل الأول للحكاية. يقول: "يقدر بعض العلماء الأنثروبولوجيين أن واجب إكرام الضيف يتسع إلى حد تقديم رفقة جنسية إلى الضيوف. ولوحظت هذه الممارسة في القرن التاسع في أوساط قبائل بدوية معينة مثل "جماعة ورثة إبراهيم في الوقت الراهن"، التي كانت تمارسها في وقت متأخر من القرن المذكور. وإذ اعتبر لوط نفسه ملزماً بتقديم نوع مماثل من باب "كرم الضيافة"، فمن الطبيعي إذن تقديم ابنتيه للمتعة الجنسية، ولا يستبعد أن يكون هذا الغرض أقل قيمة في نظره".
يتأكد هذا الطرح بالرجوع إلى النص القرآني. قصة النبي لوط في سورة "هود": "وجاءه قوْمُه يُهْرعون إليه ومِن قبلُ كانوا يعملون السيئات قال يا قوْم هؤلاء بناتي هن أطهَر لكُم فاتقوا الله ولا تُخزونِ في ضَيْفي أَليسَ مِنكم رَجُل رشيد (78) قالوا لقد عَلِمت ما لنا في بَنَاتك من حَقٍّ وإِنك لتعْلم ما نرِيد (79) قال لو أَن لي بكُم قوة أَو آَوِي إلى ركن شديد".
أما المفصل الثاني، فيرتبط بتاريخ نشوء المؤابيين، والعمانيون في الحضارات الشرقية، فتروي الحكاية التوراتية أن الفتاتين وجدتا نفسيهما مع والدهن الذكر الوحيد وسط ذاك الخلاء، فقررت أكبرهن أن ذلك يعني أنهن سيمتن من الجوع، ولا يجدن من يعيلهن بعد أن يتوفى الله والدهم الكبير في السن. فقررت أن تنجب ابناً بالنوم مع أبيها، واتفقت مع أختها الصغيرة على ذلك، لتناما الاثنتين معه بعد أن يسكراه بشرب الخمر، حتى يصبح غير واعياً بما يقوم به، وذلك ما كان، فحملت الكبرى بمؤاب، والصغرى بعمون.
يرد ذلك في سفر التكوين بسرد حكاية النبي لوط: (فلما كان الغد قالت الكبرى للصغرى ها أنذا ضاجعت أبي فلنسقيه خمراً الليلة أيضاً وتعالي أنتِ فضاجعيه لنقيم من أبينا نسلاً (35) فسقتا أباهما خمراً تلك أيضاً وقامت الصغرى فضاجعته ولم يعلم بنيامها ولا قيامها) (سفر التكوين 19: 34 و35).
خوف النبي إبراهيم، هل دفعه لتقديم زوجته كجارية للفرعون المصري؟
تظهر حكاية النبي إبراهيم وزوجته سارة أكثر عمقاً في قراءة مفهوم المحارم التاريخي، وسيرة العلاقات الجسدية عبر العصور. إذ تروي الحكاية أنه عندما سافر النبي إبراهيم مع سارة إلى مصر ليهربا من الكنعانيين، أصر إبراهيم على ارتداء قناع يوحي بأنه أخو سارة وليس زوجها خوفاً من أي رجل ينظر إلى سارة بنظرة حب، فيقتل زوجها النبي إبراهيم. وهذا ما جرى، دخل إبراهيم إلى فرعون مصر فضم الملك سارة إلى الخدم في حريم الفرعون، وأغدق على النبي الهدايا. وصدق الملك أن سارة أخت إبراهيم وليست زوجته: "ولم ينقذ سارة من النوم الفعلي مع فرعون غير تدخل الرب نفسه"، بحسب التعبير التوراتي في سفر التكوين (12 : 10 -20).
تظهر الخدعة نفسها في قصة النبي اسحاق بن إبراهيم، حين سافر إلى مملكة أبيملك برفقة زوجته، فيقول في سفر التكوين: "لئلا يقتلني أهل المكان بسبب رفقة لأنها جميلة المنظر".
النوم مع زوجة الأب: كيف تدنس فراش النبي يعقوب
تتواصل الحكايات التاريخية في زواج المحارم والعلاقات غير الشرعية عند الكثير من القديسين والأنبياء في الحقب التاريخية القديمة. فيسرد التوراة حكاية الابن الأكبر للنبي يعقوب رؤوبين، الذي تجرأ على مضاجعة زوجة أبيه بلهة. فترد الحكاية وفق سفر التكوين: "وحدث إذ كان إسرائيل ساكناً في تلك الأرض أن رؤوبين ذهب وضاجع بلهة"، فقال يعقوب لابنه: "رؤوبين أنت بكري.. فرت كالماء لا تفضل ولأنك علوت مضجع أبيك. حينئذ دنسته. على فراشي صعد" (سفر التكوين 49: 3 و4).
تشير كل تلك الحكايات وغيرها، إلى صورة متحولة للتاريخ الإنساني، وتؤكد العلاقة بين الثابت والمتحول في الذهنية البشرية. وتفتح العقل على مزيد من البحث، والمرونة في الامتثال للواقع بكل تحولاته المتسارعة.
.