مهيار الديلمي - ما كنتُ لولا طمعي في الخيالْ

ما كنتُ لولا طمعي في الخيالْ = أنشدُ نومي بين طول الليالي
أسأل عيني كيف طعمُ الكرى = علالة ً وهو سؤالٌ محالْ
وكيف بالنوم على الهجر لي = والنومُ من شرط ليالي الوصال
لله أجفانٌ ذرعنَ الدجى = وهي قصارٌ والليالي طوالْ
كأنها من قصرٍ بعضها = يطلب بعضاً بقوى ً لا تنالْ
لكنّ لمياءَ على ضنّها = ترخص في الأحلام لي كلَّ غالْ
تسرى فإما هي أو راقني = شبهٌ لها أو سرَّ عيني مثالْ
وليلة ٍ عطَّر أرواحها = طيفٌ لها لم أك منه ببالْ
بيَّض مسراه سوادَ الدجى = حولى وصحبى شعُثٌ في الرحالْ
بمشرق اللَّباتِ دانت له = شهبُ الدراري قبلَ بيض المحالْ
يجلو العشا مختمرا مسفرا = فتارة ً بدرا وطوراً هلالْ
جاءت تثنَّى بين ريحانة ٍ = تفتقُ مسكا وكثيبٍ يهالْ
فلا وعينيها وأردافها = وشقوة ِ الدِّعصِ بها والغزالْ
ما قدَّها هزّ نسيمُ الصَّبا = وإنما ميَّل غصنا فمالْ
حتى إذا الليل قضى ما قضى = خفّت مع الفجر خطاها الثّقالْ
وابتدرتْ تغنم فضلَ الدجى = سبقَ مغاوير النجوم التوالْ
أبكي وتبكي غير أنّ الأسى = دموعهُ غير دموع الدلالْ
ظلٌّ من العيش نعمنا به = لكنّه ظلٌّ مع الصبح زالْ
وموسمٌ للَّهوِ كاثرته = بفتية ٍ مثل صدور العوالْ
كلّ وجيه الوجه رحبِ الجدا = معذَّل السمع رضيّ الخصالْ
يرعيك من آدابه روضة ً = جرَّ عليها المزنُ ذيلَ الشَّمالْ
يبذلُ في الراح اللُّها عادلا = ما وزن الخمَّارُ منها وكالْ
أشهدُ منه وقعاتِ الصِّبا = بفاتكٍ ساعة َ يدعى نزالْ
وحاجة ٍ بكرٍ تناولتها = وبابها أعسرُ عالى المنالْ
وسعتها حتى تقنّصتها = بدربتي في مثلها واحتيالْ
أيّام أدلو بشبابي فلا = أرجعُ إلا مترعاتٍ سجالْ
حتى تعمّمتُ بمفروعة ٍ= تجمعُ بين الذلِّ واسمِ الجلالْ
تراجعُ الأبصارُ وفضاً لها = عنّى بقاسٍ أن يراني وقالْ
صبيغة سوداء بيّضتها = نصولها في الرأسِ وقعُ النصالْ
واقتصّ حقُّ الشَّيب من باطلي = فتلك حالي وليَ اليومَ حالْ
وماجد الآباء في منصبٍ = تأوي إليه درجاتُ المعالْ
أبلج حرّ العرض إن دوخلت = أحسابهم أو هجِّنتْ بالموالْ
ترى سماتِ الملك أنوارها = شاهدة ٌ في قوله والفعالْ
أعلقته الودّ ومحضَ الهوى = بمحكماتٍ محصداتِ الحبالْ
حبّا وإن لم تدنني زورة ٌ = منه ولم يبردْ غليلي وصالْ
أهجره غيرَ جليدٍ على = هجرٍ وأجفوه لغير الملالْ
وأحسد الشُّرَّاعَ في حوضه = وما لذودي ظامئا من بلالْ
لكنّها من شيمي عادة ٌ = لم أغشَ بابا لم يهبْ بي تعالْ
تبارك الجامعُ آياته = في كاملٍ حتى وفى بالكمالْ
تدرسُ آثار القرون الألى = فاتوا وأخبار السنين الأوالْ
فلا ترى في رجلٍ مثله = تقوم عنه أمّهاتُ الرجالْ
صادفت النعمة ُ منه فتى ً = لاقت بعطفيه الأمورَ العوالْ
جاءته بين الحقّ من إرثه = وبين كسبٍ بالمساعي حلالْ
جاورها بالشكر حفظا لها = والبشرِ والمعروفِ قبل السؤالْ
فهي مذ استذرتْ إلى ظلّه = في وطنٍ لم تنوِ عنه انتقالْ
وغيرهُ تنفرُ نعماؤه = تطلّعا عنه ليوم الزِّيالْ
وزاده الإسعادُ من نفسه = ما لم يكن في ظنّ عمّ وخالْ
إن أظلم الدهر فعزماتهُ = توقُّدٌ في أفقه واشتعالْ
أو خبتْ الآراءُ من حيرة = فرأيه بلجة ُ ليلِ الضلالْ
طلائعُ الإقبال من وجهه = في جدّة ٍ من عمره واقتبالْ
وجهٌ على ماء الحياء التقتْ = غرائبُ البشرِ به والجمالْ
نضارة ُ الدنيا وإشراقها = تجول منه في فسيح المجالْ
بكاملٍلا عدمتْ كاملا = ألقحت الدولة ُ بعد الحيالْ
دارت رحاها في يديه فما = ذمّت مجارى قطبها والثِّفالْ
وجهك في غمّائها فرجة ٌ = تجلو وآراؤك فيها ذبالْ
كم عثرة ٍ للملك أنهضتها = لولاك كانت عثرة ً لا تقالْ
وصرعة ٍ شارف منها الردى = وطال من داء ضناها المطالْ
أوليتَ إقبالك تدبيرها = فطبَّها والداءُ داءٌ عضالْ
نصرته فردا وأنصاره = قد سلّموا للخصم قبل الجدالْ
وجفّت الأقلامُ في صحفه = يأسا وخانته سيوفُ القتالْ
كان جباناً فتقدّمته = وصلتَ بين يديه فصالْ
رحّلته نهضا إلى عزّه = والناس يلحونك في الارتحالْ
فكان بالله ورغم العدا = إلى التي حاولتَ أنت المآلْ
لذاك قد أضحت مقاليده = تجري على أمرك جري المحالْ
علوتَ في الحقّ بكعبيك وال = هاماتُ تهوي كمداً في سفالْ
بلّغ زمانا سامني مطمعا = في الرفد أن تعلى يدي أو تطالْ
كم قد تجاذبنا على مثلها = قدما فهل روّضتني للسؤال
ورمتَ حطّى باستلاب الغنى = منى فهل حطَّت رواسي الجبال
لو ذلّ ظهري للأيادي لقد = حبيت منها بالجسام الثقالْ
أو شئتُ أغناني من أسرتي = مالُ كريمٍ يده بيتُ مالْ
يداه في الجود يمينان وال = أكفّ معْ كلّ يمينٍ شمالْ
لذَّ له الحمدُ فعاف الثرا = وقلّما تنمى مع الحمد حالْ
لو عيب بالجود وإفراطه = معطٍ رأى العائبُ فيه مقالْ
تلامُ في النَّيلِ وهل ينبغي = للمنع كفّ خلقتْ للنوالْ
يزدحم الوفدُ على بابه = تزاحمَ الحجّ بسفحي ألالْ
مباركٌ تجمدُ كفّ الحيا = بخلا إذا واديه بالجود سالْ
كأنما الأرضُ وليست له = له ومن فيها عليه عيالْ
جوهرة ٌ في الدهر شفّافة ٌ = من كرم الأصل وطيبِ الخلالْ
يمزج صرفَ الكأس في كفّه = من خلقه العذبِ بماءٍ زلالْ
أبا الوفاء اسمع لها رقية ً = أفئدة ُ العصمِ بها تستمالْ
أرخصَ منها الودُّ ممنوعة ً = غلتْ فلم يقدر عليها المغالْ
مصونة لولا شفيعُ الهوى = فيك إليها فركت أن تذالْ
أمكنك الإقبالُ من قودها = ورأسها صعبٌ على الانفتالْ
كم من ملوك الأرض من راغبٍ = يخطبها منّى كريمِ البعالْ
رددته عنها بسخطٍ فلم = أبلْ به وهو بمنعى مبالْ
لكن تخيّرتك كفؤالها = لأنها منك على كلّ حالْ
وإن تصارمنا فما بيننا = وشائجٌ ليس لهنّ انفصالْ
تلاحم القربى وإني وإ = ياك لنرمي عن قبيلٍ وآلْ
فانعم بما يعمرُ مجدَ الفتى = ويرفعُ البيتَ وإن كان عالْ
وبعنى الودَّ بها صافيا = فإنه عندي أسنى منالْ
إن بزَّ منها المهرجانُ الذي = ودَّعَ أو عطّلَ فالعيدُ حالْ
زارتك في اليوم الذي خصّني = إذ عاق عما خصّك الإشتغالْ
جاءك شوالٌ بها غرّة ً = فاجتلها مقرونة ً بالهلالْ
لم تغلُ في وصفك معْ طولها = بل وجدَ الشعرُ مقالا فقالْ

.
 
أعلى