نقوس المهدي
كاتب
ينوء حمل الأشعار والأغاني الشعبية في الثقافة العربية بمفردة الحب ومشتقاتها، رغم أن الواقع المعاش لا يعبر عن ذلك إلا في أشكال بسيطة وفردية، فمن أين لهذه الثقافة بكل هذه الطاقة الثرثارة حول الحب؟!
ربما لا يمكن تفسير ظاهرة كهذه إلا بأحد أمرين: فإما أن العرب يعيشوا في الحب حقا، وإما أن الأمر ببساطة شديدة، تعبير عن فقدان الحب، وهذا هو الأقرب ـ من وجهة نظري ـ إلى تفسير هذا الحضور الطاغي لكلمة الحب ومفرداتها في هذه الأشعار والأغاني.
بدءا، لا أحد يستطيع أن يُعرّف الحب، ومن يدّعي ذلك فهو لا يعرفه أبدا، فالحب وما شابه كالشعر والموت، حالات تبدو واضحة بقدر ما هي غامضة، وغامضة بقدر ما هي واضحة ـ ألا ترون أنني لم أقل شيئا عنها ـ رغم أن الناس تفهم أن الحب علاقة جميلة بين شخصين أو أكثر، ويتجلى أكثر ما يتجلى في الشكل الأكثر حضورا، وهي الحب بين الرجل والمرأة، إلا انه بالتأكيد يتسع لأشكال لا حصر لها، في الكائنات التي يتجسد فيها هذا الجمال النوراني ـ أي الحب ـ كجمال "وردة كالدُهان".
إذا أخذنا بالأمر الأول، الذي يرى أن العرب يعيشون واقع حياتهم حبا في مختلف أشكاله، فهذا أمر لا يعززه الواقع المعاش، وإلا كيف نستطيع تفسير ندرة وجود علاقة طبيعية وصحية بين الرجل والمرأة في ثقافتنا العربية، فالحب الجميل ذي العاطفة الصادقة التي ينعكس على سلوك الإنسان، قد ولى زمنه، وإن وجد أصلا فلم يوجد إلا في الأساطير وأحلام الشعراء، إذ لم يعد هناك عاشق كمجنون ليلى يموت مجندلا من الهوى بين الصخور!؟
أما عن حضور الحب في الأشعار والأغاني العربية باعتباره تعبيرا عن غياب هذا الحب، وشكلا من أشكال التعويض، فالدليل عليه هذا الكم الهائل من الأشعار، وخاصة فيما يعرف بالشعر الشعبي، وفي أغاني الحب، وخاصة فيما يعرف بأغاني الفيديو كليب، التي تحول فيها الحب إلى قناع نرتديه، فيما لا يُنبئ سلوكنا وتصرفاتنا عنه، ولا نراه إلا في أحلامنا؟!
خذ مثلا قصائد الشعر الشعبي، فما من مفردة تحضر بقوة في هذه النوعية من الكتابة أكثر من مفردة الحب ومشتقاتها، ويكفيك هذا الحب الذي يملأ الصحف والمجلات وبرامج "القصيد"، التي لا يخرج معظمها عن ذلك الشكل الرتيب للنظم، رغم أن قليلها يحفل بالصور الشعرية الجميلة النادرة، ندرة الإبرة في كومة القش.
يصوّر كُتّاب هذا النوع من "الحب الممل" أنفسهم ـ مع احترامي للجميع ـ وكأنهم مهجوسون بالحب والحبيبة والحبيب، وأنه ليس ثمة ما يشغلهم في هذه الحياة عن إتحافنا بهذا الرغد والعز في العيش في حياة الحب، وكذا حال الأغاني ـ سمعا ومشاهدة ـ وخاصة أغاني الفيديو كليب التي تصور الحياة العربية، إذا ما شاهدها مشاهد من ثقافة تعيش في الحب واقعا وشعرا وأغاني، كما نحلم نحن في واقعنا وأشعارنا وأغانينا، ثم عايشنا لارتج عليه، واستطاع أن يفهم ببساطة شديد عقدة نقصنا، وتركيبة الشخصية العربية المزدوجة التي تعيش حياتين ومسارين لا يلتقيان إلا في الأحلام، وكثيرا ما نراهما في الكوابيس ـ لا فرق ـ؟!
ولكن، وهذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا، ونحاول بكل جرأة المريض بالسرطان أن نجيب عليه وهو:
كيف يمكن لثقافة تدّعي كل هذا "الهذر والمذر" من الحب، أن تحبس المثال الرائع الذي يجسد فكرة الجمال على الأرض، أعني المرأة ـ هذه الكائنة التي عناها الفلاسفة والمتصوفة والعشاق والشعراء الكبار بأنها مركز الكون ـ في"عباءة سوداء"ّ؟
انه ببساطة شديدة، تعبير عن ثقافة الحب الذي نمارسه في الظلام؟!
أيها العشاق المُلثمون المُمثلون، الحب نعمة إلهية وغريزة بشرية، يفترض أن يُرى أثره على الإنسان في سلوكه اليومي المعتاد، وهذا ما تعيشه البشر في أصقاع الأرض، هؤلاء "العشاق الصغار" الذين عبّروا عن حبهم تحت الشمس لا في الكواليس، وخرجوا به إلى النور والحرية والحدائق وأفراح الربيع والألوان الزاهية !؟
هذه هي الحقيقة المُرّة، التي بح صوت المغنية الشعبية الأكثر شهرة في الثقافة العربية، من تكرارها بالشكوى الأمرّـ أعني أم كلثوم وأضيف إليها ناي المحبة: فيروز، لكن لا حُب لمن تنادي؟!
عبديغوث
ربما لا يمكن تفسير ظاهرة كهذه إلا بأحد أمرين: فإما أن العرب يعيشوا في الحب حقا، وإما أن الأمر ببساطة شديدة، تعبير عن فقدان الحب، وهذا هو الأقرب ـ من وجهة نظري ـ إلى تفسير هذا الحضور الطاغي لكلمة الحب ومفرداتها في هذه الأشعار والأغاني.
بدءا، لا أحد يستطيع أن يُعرّف الحب، ومن يدّعي ذلك فهو لا يعرفه أبدا، فالحب وما شابه كالشعر والموت، حالات تبدو واضحة بقدر ما هي غامضة، وغامضة بقدر ما هي واضحة ـ ألا ترون أنني لم أقل شيئا عنها ـ رغم أن الناس تفهم أن الحب علاقة جميلة بين شخصين أو أكثر، ويتجلى أكثر ما يتجلى في الشكل الأكثر حضورا، وهي الحب بين الرجل والمرأة، إلا انه بالتأكيد يتسع لأشكال لا حصر لها، في الكائنات التي يتجسد فيها هذا الجمال النوراني ـ أي الحب ـ كجمال "وردة كالدُهان".
إذا أخذنا بالأمر الأول، الذي يرى أن العرب يعيشون واقع حياتهم حبا في مختلف أشكاله، فهذا أمر لا يعززه الواقع المعاش، وإلا كيف نستطيع تفسير ندرة وجود علاقة طبيعية وصحية بين الرجل والمرأة في ثقافتنا العربية، فالحب الجميل ذي العاطفة الصادقة التي ينعكس على سلوك الإنسان، قد ولى زمنه، وإن وجد أصلا فلم يوجد إلا في الأساطير وأحلام الشعراء، إذ لم يعد هناك عاشق كمجنون ليلى يموت مجندلا من الهوى بين الصخور!؟
أما عن حضور الحب في الأشعار والأغاني العربية باعتباره تعبيرا عن غياب هذا الحب، وشكلا من أشكال التعويض، فالدليل عليه هذا الكم الهائل من الأشعار، وخاصة فيما يعرف بالشعر الشعبي، وفي أغاني الحب، وخاصة فيما يعرف بأغاني الفيديو كليب، التي تحول فيها الحب إلى قناع نرتديه، فيما لا يُنبئ سلوكنا وتصرفاتنا عنه، ولا نراه إلا في أحلامنا؟!
خذ مثلا قصائد الشعر الشعبي، فما من مفردة تحضر بقوة في هذه النوعية من الكتابة أكثر من مفردة الحب ومشتقاتها، ويكفيك هذا الحب الذي يملأ الصحف والمجلات وبرامج "القصيد"، التي لا يخرج معظمها عن ذلك الشكل الرتيب للنظم، رغم أن قليلها يحفل بالصور الشعرية الجميلة النادرة، ندرة الإبرة في كومة القش.
يصوّر كُتّاب هذا النوع من "الحب الممل" أنفسهم ـ مع احترامي للجميع ـ وكأنهم مهجوسون بالحب والحبيبة والحبيب، وأنه ليس ثمة ما يشغلهم في هذه الحياة عن إتحافنا بهذا الرغد والعز في العيش في حياة الحب، وكذا حال الأغاني ـ سمعا ومشاهدة ـ وخاصة أغاني الفيديو كليب التي تصور الحياة العربية، إذا ما شاهدها مشاهد من ثقافة تعيش في الحب واقعا وشعرا وأغاني، كما نحلم نحن في واقعنا وأشعارنا وأغانينا، ثم عايشنا لارتج عليه، واستطاع أن يفهم ببساطة شديد عقدة نقصنا، وتركيبة الشخصية العربية المزدوجة التي تعيش حياتين ومسارين لا يلتقيان إلا في الأحلام، وكثيرا ما نراهما في الكوابيس ـ لا فرق ـ؟!
ولكن، وهذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا، ونحاول بكل جرأة المريض بالسرطان أن نجيب عليه وهو:
كيف يمكن لثقافة تدّعي كل هذا "الهذر والمذر" من الحب، أن تحبس المثال الرائع الذي يجسد فكرة الجمال على الأرض، أعني المرأة ـ هذه الكائنة التي عناها الفلاسفة والمتصوفة والعشاق والشعراء الكبار بأنها مركز الكون ـ في"عباءة سوداء"ّ؟
انه ببساطة شديدة، تعبير عن ثقافة الحب الذي نمارسه في الظلام؟!
أيها العشاق المُلثمون المُمثلون، الحب نعمة إلهية وغريزة بشرية، يفترض أن يُرى أثره على الإنسان في سلوكه اليومي المعتاد، وهذا ما تعيشه البشر في أصقاع الأرض، هؤلاء "العشاق الصغار" الذين عبّروا عن حبهم تحت الشمس لا في الكواليس، وخرجوا به إلى النور والحرية والحدائق وأفراح الربيع والألوان الزاهية !؟
هذه هي الحقيقة المُرّة، التي بح صوت المغنية الشعبية الأكثر شهرة في الثقافة العربية، من تكرارها بالشكوى الأمرّـ أعني أم كلثوم وأضيف إليها ناي المحبة: فيروز، لكن لا حُب لمن تنادي؟!
عبديغوث