الجيلالي بن عيده - عن تابو الجنس في المتن الروائي

مسألة تناول الجنس فى الأدب ضاربة في القدم، ولم تقتصر على أدبنا العرب فقط بل شغلت أيضاً الأدب والأدباء الغربىين، ولكن الفرق هو أن الأدب الغربى قد حسم هذه القضية تماماً، أما أدبنا العربى فمازال يخشى البوح ويضع من تجرأ وناقش وباح على مذبح الإستنكارالرسمي والجماهيرى والإستهجان الشعبى باسم العرف والمقدس، وهناك فى الغرب قد تم الحسم والقبول بعد معركة طويلة بدأت برواية ديكاميرون" للأديب الإيطالى بوكاشيو سنة1371
و إنتهت بالجدل المحتدم حول روايات "عوليس" لجيمس جويس ومدام بوفارى لفلوبير وعشيق الليدى تشاترلى د.هـ.لورنس ومدار الجدى لميللر وغيرها من الروايات التى صدمت العقل الغربى حين نشرت، ثم وضعها القراء بعد ذلك فى خانة الكلاسيكيات الأدبية الجديرة بالقراءة والإحترام، وأدبنا العربى طوال تاريخه وموضوع الجنس يمثل له مشكلة حادة، والغريب أنه قد تناوله مبكراً وبصورة صريحة بدءا بالشعر الجاهلي وكمثال معلقة امرئ القيس الشهيرة والتى يتناول فيها ممارساته الجنسية مع عشيقته المرضعة داخل هودجها ،مرورا بشعر أبي نواس الذي بلغ حد الشذوذ، إلى الكتاب والشعراء المحدثين ،وصولا إلى القص الحديث وما تتناوله بعض الروايات الجزائرية على وجه الخصوص في محاولة للإجابة على سؤال الخانة الشاغرة، الذي يجعل من الرواية مستقبلا، لتنبعث من خلال اللغات المحنطة، وتشد الروائيين إلى خانة السردي المبتذل،بحجة أنه منشق من صلب الحياة..
وفي خضم التحولات ظلت أعمال الروائيين الجزائريين في توظيفها للجنس تتراوح بين قليل من الجرأة وكثير من الاحتشام مقارنة بمثيلاتها الغربية وفي بعض دول المشرق العربي، وقد يرجع ذلك كون الجنس والسياسة والدين تابوهات كان لا يمكن الخوض فيها في العقدين المواليين للاستقلال، غير أنه يمكن القول وبعد ما سمي بالانفتاح السياسي تم اختراق هذه الحواجز، ولم يعد السبب الرئيس اعتقادا هو تضيق خناق وتسلط، بل ظل الوازع الديني والمحيط الاجتماعي ونوعية الكتاب وثقافتهم الإجتماعية هي الموجه. ومهما يكن لا يمكن تصنيف كل هذه الأعمال في خانة الكتابات الإيروسية البحتة.
فالكاتب والمبدع يجوز له مالا يجوز لغيره، أي أن الكاتب والفنان لديه الحرية في أن يكتب أو يقول،و النص الأدبى دائما ما يكون انعكاسا لحالة المجتمع بجميع مستوياته، ولكن لا حرية مطلقة لأي إنسان. فالكاتب الذي هو ابن بيئته والمعبر عنها ينبغي أن يراعي القيم والأعراف الاجتماعية والدينية الموجودة في ذلك المجتمع. وعلى الرغم من أننا نؤمن بأن شعار التعبير عن الآراء مكفول للجميع، والرواية مساحة مناسبة للإبداع الهادف الذي يقدم عينة من المجتمع نستطيع من خلالها فهم الظواهر المختلفة بطرق فنية ذات قيمة، إلا أن إشكالية الحدود تبقى قائمة. وأحيانا قد تبدو بلورة هذه الحرية الأدبية مرتبطة بفكر وتصور الكاتب نفسه في فهمها،كما ترتبط أيضا بتنشئته وتربيته ودينه وأسرته وإيديولوجيته. فبعض الكتاب لا يرى ضيرا في الخروج عن الأعراف والتقاليد أو المسلمات الأدبية والفكرية وقد يغالي في أفكاره وكتاباته فينقل صورا شديدة الحساسية وبالغة الأثر، دون أن تُكوِّن لديه أي شعور بالمسؤولية أو مجرد التصور بأنه قد خرج على الذائقة العامة لرأي المجتمع ودرجة وعيه وتقبله لمدى الحدود المسموح بها للكاتب والفنان المبدع بتجاوزها. فبعض المجتمعات قد تكون أو تدعي أنها متحررة أكثر من مجتمعات أخرى، إذ لا ترى خدشا للحياء عندما تثار قضايا نحو المثلية أو الشذوذ أو العلاقات بين الرجل والمرأة بشكل تجسيدي يدعو للإثارة بشكل صريح ومباشر.
في حين أن مجتمعات عربية أخرى يعتبرفيها الحديث عن جسد المرأة أو تفاصيل العلاقة الجنسية، أو التحدث عن بعض الأمور الدينية نوع من الخروج على الذائقة العامة وتجاوزا صارخا للحدود، قد يستدعي الاستهجان والتنديد وربما التهديد والوعيد من قبل المستنكرين..و مهما يكن فقد أثارت هذه الكتابات الروائية جدلا كبيرا ارتبط بها منذ ظهورها، وتباينا وصل حد التطرف فى التعامل مع هذه الكتابات احتفاء ورفضا.
وإذ لا اعتراض أن يتناول الأدب عموما والروايات خاصة هذه الموضوعات،لأنها جزء من واقع معيش، بل واقعا بحكم أن بعضا من هذه العلاقات مسموح به شرعا كالعلاقة الزوجية، وإن كان الجدال قائما في نوعية وصفها كتابة وتصويرا لمجرياتها. و لا ننكر تفشي جميع ظواهر الشذوذ والانحراف والاغتصاب والخطف وشتى التصرفات المخلة بالحياء، ولكن التناول يجب أن يعبر عن قيمة أدبية وفنية، وألا يكون بشكل فاحش يصدم ذائقة المجتمع لتجاوز القيم باسم التحرر واللانفتاح ،فلابد أن يكون هناك نوع من الالتزام، وأن إيراد بعض المشاهد والمقاطع لمجرد الإثارة والوصف الدقيق للجرائم الجنسية والإلحاح فيه بإسراف ،و إحاطتها بجو من اللذة المجنونة، والشهوات بشكل لن يُبقي فيها غير الإثارة البشعة التي وإن اشتهر أصحابها وناشروها أو جنوا الأرباح فإن مدة صلاحيتها محدودة جدا.
ويرى البعض أن وصف دقائق النزوة الجنسية، قد يفيد من الوجهة العلمية والدراسات السيكولوجية،و لكنهم يتجاهلون ان كتاباً علميا يختلف تماماً عن قصة أو رواية من حيث الطريقة والتأثير، فشتان بين الأسلوبين العلمي والأدبي وبين المصطلح والإيحاءات والمحسنات ،و بين منهجية التجريب وسلاسة اللفظ وشاعريته. .قد يخرج بها عن دائرة الفن، فالوصف الدقيق للجرائم الجنسية والإلحاح فيه بإسراف ،و إحاطته بجو من اللذة المجنونة، والشهوات العارمة،، قد يخرج بها عن دائرة الفن، ولم ولن يرفع ذلك من مستوى النص، ولا يمكن أن يرتقي بقيمه، بل يعتبر العمل حينها مجرد اتكاء على التابو لاستجداء الدهشة، وافتعال الجرأة والسبق. وأن القارئ لبعض المقاطع الإيروسية لهؤلاء الساعين إلى الشهرة على حساب القيم والإبداع يكتشف أن أصحابها إنما أقحموها إقحاما، في وقت كان يمكن أن تكفي إشارة أو مفردة ما لتؤدي الغرض المطلوب منها، خصوصا إذا كان الكاتب يملك لغة مؤثرة...
صحيح أن اختراق التابوهات جزء من وظيفة الفن، بينما افتعال ذلك ضد الفن ،إذ من المؤكد أن الكتابة التى تفتعل اختراق التابو لن تهدم سوى نفسها ولن تحقق أية نتائج لا الجمالية ولا الموضوعية...، كما أن مصيرها الفشل فى تحقيق الأهداف المرجوة من قِبل للقارئ الذى سرعان ما يكتشف تفاهتها.
 
أعلى