محمود ضاحى - الجنس «التابو» المحرم فى الشرق

الجنس فى المجتمعات الشرقية هو أحد الممنوعات التى لا يتكلم أحد فيها أو عنها، وتحمل مشكلة الكبت الجنسى آثارًا سلبية فى المجتمعات العربية، فالجنس أمر يختلف بين المجتمع الشرقى عن المجتمع الغربى، ولكل مجتمع قواعده التى تحكمه.
وفى المجتمعات الشرقية هناك أمور دينية، وتقاليد موروثة على الحياة الاجتماعية ونظامها وأطر علاقاتها، وهذا الأمر يجعل الفرد يشعر بالذنب والندم إذا أقدم على أى ممارسة جنسية خارج إطار الحياة الزوجية، كما يضاعف الخوف من العقاب الدنيوى والدينى فى حال فضح أمره.
كما أن علماء الدين والشريعة بالأزهر الشريف، أكدوا أن الممارسات الجنسية لا تمارس إلا فى إطارها الشرعى بالزواج، ومنع الجنس فى المجتمعات الشرقية والعربية يحكمه الجانب الدينى فى المقام الأول ثم يتبعه الجانب الأخلاقى وعادات وتقاليد مجتمعاتنا، لكن فى اتجاه آخر علماء الاجتماع يرون أن ممارسة الجنس مرفوضة، لأن الإنسان ولد على أن هذا الأمر مرفوض، وبالتالى أصبح عادة لدى الشخص للبعد عن هذا الأمر مشبهين الأمر بالنقاب فى القرن التاسع عشر معتبرين أن السيدات كن يرتدين النقاب كشىء موروث، فأصبح الأمر لديهن عادة وليس عبادة، لكن السؤال هل يمكن الفصل بين الدين والتقاليد والأخلاق أو ما اعتاد عليه الرجل تجاه أمور جنسية فى هذا الزمان، وهل مانع الجنس أساسه أخلاقى أم دينى.
يقول كريم الرفاعى موظف بالتربية والتعليم (24 سنة): إن عاداتنا وتقاليدنا مرتبطة بالدين ارتباطًا قويًا ومن الصعب الفصل بين الدين والعادات والتقاليد، وأحيانًا تطمس بعض العادات بعض التشريعات الدينية، وعلاقة الجنس يجب أن توضع فى موضعها الطبيعى الذى حدده الدين والشريعة، وبالأسلوب الذى حددته العادات والتقاليد فنحن كمجتمع شرقى مسيحى وإسلامى لنا عاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا، وأن الذى يتحكم فى الإنسان ضميره وخلفيته العقائدية فنحن لسنا كالمجتمعات الغربية التى انفصلت بجذورها عن الكنيسة، أو كتركيا التى انفصلت عن المسجد، ولكن فى داخلنا النزعة الأخلاقية، فالأخلاق والدين ليست بينهما علاقة عكسية، ولكن علاقة تكاملية، ونرى أن الجنس أو العلاقات الجنسية يجب أن يكون لها إطار شرعى حتى يكون مقبولاً أخلاقيًا غير ذلك يعتبر انحطاطًا أخلاقيًا يرفضه الدين والعادات والتقاليد والأخلاق.
أما مصطفى خيرى يعمل فى شركة حاسبات ومعلومات (25 سنة) فقال: نحن عند الحديث عن الأمور الجنسية سواء كانت لمرحلة الشباب أو بين الزوجين، فإننا نأخذ الفرع، ولا نهتم بالأصل لأننا نرى أن العلاقة الجنسية هى متعة لا أكثر وعندما نفكر بها تكون كالشهوات الحيوانية.
وأضاف: إذا رجعنا لديننا وعقيدتنا، نرى أن الله عز وجل عظم من الإنسان وكرمه، وجعل كل شيء مسخرًا له وجعل غريزة الحب، والعاطفة فطرية حتى يحب أن يحيا فى سبيل الله ويجعل كل همه رضاء الله، فما المشكلة إذا فكرت فى العلاقة الجنسية، لكن بينى وبين زوجتى ما أحلت لى فلو علم الزوج زوجته أن الله شرع لهما ممارسة الجنس، وأن الجنس عبادة ما رفضت ذلك ولكننا ابتعدنا عن تعاليم ديننا فى الجنس ولجأنا لأفلام البورنو، وحديث الأصدقاء، روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل يجامع أهله فيكتب له بجماعه أجر).
وتابع: ترك الزنى والإباحة الجنسية أمر خطير لأنه يتيح للفرد أن يتمتع بكل شىء وهذا مما يؤدى إلى كثرة الطلاق وعدم الزواج وانتشار الأمراض، كلها أشياء دلنا عليها الدين، فمنعه لجانب دينى، فسر لنا أمورًا كثيرة ومنافع أخرى من وراء ذلك، الكثيرون بوقتنا خرجوا من عباءة القيود الأخلاقية للدين معتبرين إياها حجرًا وكبتًا للحريات الشخصية.
وكانت قد طالبت جهاد التابعى: مؤلفة كتاب «موزة إنبوكس» مؤخرًا «أن التحرش ليس فقط أن يتم لمس جسد الفتاة وإنما هو أى اعتداء على إرادة الفتاة».
وتابعت: «كنا فى الأول نتكلم عن المشكلة وإزاى نعالجها على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، قبل ما نعرف التحرش نفسه، لكن دلوقتى انتشر فى الشوارع الأمر الذى أصبح خطرًا على مجتمعنا.
ويوضح خالد السيد (43 سنة) أنه بكل الأحوال الشعوب العربية أصبحت مكبوتة جنسيًا، وكنا زمان إذا شاهدنا مشهدًا إباحيًا فى فيلم نستهجن بشدة هذه الممارسات الجنسية غير السوية، لكن فى وقتنا هذا أصبحت كل هذه الأمور من المسلمات، والعلاقة الزوجية فى ذاك الوقت أكثر طهرًا وأكثر جدية والتزامًا، دينيًا وأخلاقيًا.
وأضاف: أن القيم الدينية والأخلاقية فى المجتمع الشرقى أصبحت فى أدنى مستوياتها خاصة مع الإثارة من الأفلام على شاشات التليفزيون والفضائيات التى أوصلت الأفلام الإباحية للمنازل، موضحًا أن هذا الأمر أنجب خلال السنوات الماضية فئة من الشباب المرضى نفسيًا.
وهناك أبحاث علمية، أكدت مرارًا أهمية الجنس فى حياة الإنسان، وأهميته فى تحديد مزاجه وتأجيج عاطفته وتحريك طاقاته الشهوانية الداخلية.
كما أشارت دراسات إلى أن الجنس إن ظل حبيسًا لدى الإنسان فسيكون مصدرًا للقلق والتوتر، وهدفًا للحياة بحد ذاته بالمعنى الحرفى للوصف يصرف صاحبه عن التفكير فى مواضيع أخرى.
وأضافت: أن ثقافتنا وعاداتنا وقبل هذا وذاك أدياننا، أبقت الجنس فى إطار المقدسات والمحرمات، ومن بين المواضيع التى لا يتم تناولها فى مجتمعاتنا إلا بالخفاء وبشكل خجول من أجل التحكم بهذه الورقة، كما يحصل اليوم، ومن النادر أن يتم تناوله كموضوع علمى، بشكل علنى بعيدًا عن الضغوطات الاجتماعية وعليه الكبت الجنسى بات المهيمن على الحياة والمحدد لطبيعة تصرفات الكثير من أفراد مجتمعنا.
وعن آراء علماء الدين فى المانع الجنسى داخل المجتمعات الشرقية لجانب أخلاقى أم لجانب دينى، يقول الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو فقهاء الشريعة فى أمريكا: إن من يتمنى فعل الحرام أو يفكر فى ممارسة الجنس بطريقة غير مشروعة حرام شرعًا حتى ولم يفعل ذلك، ويعاقب عليها لكن تخفيف عقوبته على الرغم من عدم فعلها فهذا أمر فى علم الله سبحانه وتعالى.
وأضاف «عثمان»: أنه لا يجوز شرعًا للإنسان أن يتمنى فعل الحرام، لكنه يؤثم بسبب نيته لفعل الحرام.
ويوضح الدكتور حامد أبوطالب عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الشريف، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن الأمور التى تحدث بها النفس ويقصها الإنسان ويفكر فيها ويتأمل هذه الأمور لا يحاسب عليها الإنسان، فالله سبحانه وتعالى لا يحاسب الإنسان إلا على ما اقترفت يداه، أما ما تحدث به النفس فلا عقوبة عليه، ومن ثم فإن من يفكر فى فعل الحرام مجرد تفكير لا يعاقب عليه ما لم يخرج هذا التفكير حيز التنفيذ، لأنه فى هذه الحالة يكون ربنا عز وجل قد حماه وأكرمه من الوقوع فى الخطأ سواء الزنى أو غيره.
وأضاف «أبوطالب»: أن من يدعو للحرية الجنسية أو تفشى الزنى فى المجتمعات الإسلامية فهو يدعو للفساد وعليه وزره، ووزر كل من تبع دعوته سواء خرج من يطالب بالحرية الجنسية أو غيره، مشيرًا إلى أن هناك من ألف كتابًا عن التحرش ثم خرج بعدها يدعو إلى الحرية الجنسية، فسيكون عليه وزره ووزر كل من تبع دعوته وسيحاسب عليها، موضحًا أن مجتمعاتنا الشرقية تختلف عن الغرب نهائيًا فى هذا الأمر.
وطالب بتقوية الوازع الدينى عند المصريين ورفع مستوى التعليم بالحلال حتى لا يلجأوا إلى محرمات ترفضها مجتمعاتنا الشرقية، وتبنى الحلال وعدم التفكير فيما حرمه الله.
ويوضح الداعية الإسلامى الشيخ محمد القطاوى رئيس حركة أئمة بلا حقوق، أن مانع الجنس فى المجتمعات الشرقية لجانب دينى فى المقام الأول، حتى يدعو إلى ترسيخ الأخلاق فى المجتمع.
وأضاف: «القطاوى» أن الإسلام دين الأخلاق فعندما ينهى عن المحظورات فهو بذلك نهى شرعى هدفه أخلاقى، مما يدل على جمال الدين الإسلامى.
وعن آراء علماء الاجتماع فى منع الجنس فى مجتمعاتنا الشرقية عنها فى مجتمعاتنا الغربية، قالت الدكتورة حنان سالم أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس إن القاهرة تعتبر أكثر المدن فى زيارة المواقع الإباحية، والاستخدامات المعلوماتية تصل فيها إلى 2٪ يتخللها بحث أيضًا عن مواقع جنسية، مضيفة أن موضوع الجنس فى وقتنا الحالى أصبح مشكلة كبيرة لا يستطاع السيطرة عليها.
وأضافت أستاذ علم الاجتماع أن المجتمع الشرقى يجتمع على أن منع الجنس عادة وشىء غير أخلاقى عكس المجتمعات الغربية، فالجنس أشبه بالعادة التى ولد عليها الآباء والأبناء مثل ارتداء النقاب فى القرن الماضى.
وأوضحت أن هناك تراجعًا كبيرًا لثقافة القراءة، وأصبح عصر الصورة والإنترنت هما الأقوى التى أصبحت الرقابة عليهما شيئًا صعبًا جدًا خاصة بعد انتشار أجهزة الكمبيوتر داخل المنازل، مضيفة أن الثقافة الجنسية فى مصر مشوهة لذلك تعانى الفتيات من التحرش، مؤكدة أن بعض المتحرشين يدفعهم سلوك زملائهم للتحرش، فالبيئة المجتمعية سبب لذلك.
وأضافت أنه فى أوروبا، الجنس شىء مباح لدى المجتمع فهو أمر طبيعى، وفقًا لمجتمعهم، لكن نحن كمجتمع شرقى الدين مسلك أساسى من مكونات الشخصية.
وأشارت إلى أن فكرة الجنس وتغولها فى المجتمعات أصبحت سهلة بسبب التقنية العالية ليس على الأجهزة فى المنازل ولكن على الهواتف المحمولة أيضًا، مؤكدة أن اختلاف المجتمعات مكون أساسى والدين أيضًا مكون أساسى، لافتة إلى أن المجتمع المصرى عندما يشهد طفرات اقتصادية فى فترات متلاحقة تعقبها هزات اجتماعية من غياب طبقات وتهرب من اللغة العربية واللجوء لمدارس لغات وهو أمر يسمى فى علم الاجتماع بـ«اللامعيارية».
وقالت إن الأسرة المصرية أصبح كل فرد فيها فى عالم مختلف عن الآخر، والإلكترونيات والإنترنت سهلت عمليات الدعارة، مطالبة الأزهر بالتقرب من الشباب، لأن لديهم طموحات غير مستغلة ستخرج بشكل سلبى إن لم تستغل.
كما طالبت الأسرة بالتماسك وعلى الإعلام أن يوفر فرص الرقابة بأساليب مدعمة، خاصة أن الجمهور المخاطب ليس واحدًا، وليس كل من يتحرش سلوكه شاذ، لأن البناء النفسى مؤهل للانحراف نتيجة البيئة التى يعيش فيها، والجنس ليس وليد اللحظة وممارسة الدعارة تعتبر اضطرابات فى الشخصية وأفعالاً تسهلها البيئة.
أما محمود السعدى أستاذ علم النفس بجامعة المنيا فيقول إن اعتبار الجنس عيبًا ورفض التكلم عنه فى المجتمعات الشرقية، وغلق كل باب للنقاش فيه يجبرنا على قاعدة كل ممنوع مرغوب، وهو ما يسلكه الشرقيون، مضيفًا أن هذا الأمر ليس للإشادة بالحرية الجنسية التى يدعو لها المجتمع الغربى لأن تلك الحرية سلبية وروادها لم يهتموا بالجنس ولكن بتعليم الثقافة الجنسية، مشيرًا إلى أن النموذج الغربى نموذج لا يجب اتباعه، لكننا أصبحنا أكثر شعب يفكر فى الجنس.
وأضاف: يجب إعادة النظر فى معارفنا حول الجنس ونظرتنا إليه، فى وقت تخلو فيه الفلسفة الإسلامية من التعريف بتلك الأفكار.

.
 
أعلى