أشرف مصطفى توفيق - فىِ عصُمة قبلةٍ لم تحٌدث

# لماذا تزوجتيه أصلا ؟!
سألني أستاذي عقب الطلاق
وأجبت: كان أول رجل يوقظ الأنوثة فيّ"
لطيفة الزيات

سمكة مياسة دمياطية، فتاة جميلة زرع بدرى، لم يتذكرالاصدقاء فى الجامعة الشباب والشبات إلا انها جميلة، فى وقت لم يكن فى جامعة القاهرة سوى 19 فتاة. كان لها فى كل نشاط وجدت وسط اليسار الماركس، وفى جماعة الأدب والصحافة كانت تبحث عن ذاتها فى الذوبان فى شيىء ما خارج الذات الضيقة، ولكن الرجل اقترب كمغامر مرتبك بين جمالها، وبين الذوبان الذى تعيشه فى الاشياء؟!


عرفت الفتاة فورة الجنس، وبحكم تربيتها وجديتها صادرتها، وفي ظل شعور حاد بالذنب دفعت في أعماقها الأنثى حتى غابت عن وعيها، أو كادت، لا يتبدى منها إلا هذا الخجل الذي تستشعره من هذا الجسد الممتليء، الغني بالاستدارات. وفي صعوبة كانت الفتاة تقطع الطريق من الجانب المخصص للقراءة إلى الجانب المخصص لأرفف الكتب في حجرة الاطلاع في مكتبة جامعة فؤاد الأول، يخيل إليها وهي تعود بمرجعٍ من المراجع أن كل عيون من في القاعة مركزةٌ عليها وتفضل الهروب من القاعة إذا ما اتضح لها أنها لم تلتقط المرجع المطلوب، وتطلب الأمر معاودة الرحلة في ظل العيون المتربصة "صحيح أنها " من عباءة الوصل الجماهيري ولدت،ومن الدفء والإقرار الجماهيري تحولت من بنت تحمل جسدها الأنثوي وكأنما هو خطيةٌ، إلى هذه الفتاة المنطلقة الصلبة قوية الحجة " وأنه " من منطلق الإنسان لا الأنثى، تعاملت الفتاة في النطاق العام"..

وبدأت تحركات الشاطر حسن الذى سمعت عنه من حكاوى جدتها.تقدم زميلها فى كلية الاداب عبد الحميد عبد الغني" الذي إشتهر بإسم "عبد الحميد الكاتب" ولم يكن ماركسيا تحت أي ظرف من الظروف مثل لطيفة، بل كان يمضي جزءا كبيرا من نهاره وليله في أحد المساجد ، ويحفظ التاريخ الإسلامي بدرجة جيدة. وإرتبط الإثنان بخاتم الخطوبة. ولم يقدر لهذا المشروع أن يتم ،وكيف تتم ؟ وقد سكنتها المرأة المناضلة ..الجادة المتحمسة ، اسطورة التحرر تحت وقع طبول الماركيسية لتكون امرأة سجن الحضرة..بنت الحسب والنسب والأسرة العريقة. رسموها كما يريدون..لاكماتريد هى، فنسيت انها امرأة؟


ولكن "لطيفة" بثقافتها وشخصيتها وجمالها تركت آثارها على نفسية "عبد الحميد الكاتب" وقد سجل هو بنفسه هذه الإنفعالات في مقال باكر له في الصفحة الأخيرة من جريدة (أخباراليوم) تحت عنوان (خاتم الخطوبة). ثم دخلت تجربة ثانية أكثر ملاءمة لفكرها وطبيعتها، فإرتبطت بالزواج بأحمد شكري سالم .. الدكتور في العلوم فيما بعد ، وهو أول شيوعي يحكم عليه بالسجن سبع سنوات، وتم إعتقال أحمد ولطيفة عام 1949 تحت ذمة القضية الشيوعية.وإنفصلا بالطلاق بعد الحكم علي "شكري" وخروجها من القضية. وهنا تأتى التسألات:كيف خرجت فى رحمة حانية.. وحكم على زوجها فى قسوة بالحد الاقصى والقانون هو هو القانون؟!.. هل اخرج السجن والمطاردة ثعبان الماركيسية من جلدها..كانت محاكمتها بين رفاعية افهموها واخرجوا ثعبانها فعادت لطبيعتها امرأة انثى؟! يبدوكل هذا مطروح ويأتي قمة التناقض بين اليسار واليمين عند الدكتورة لطيفة الزيات بزواجها من "الدكتور رشاد رشدي" يميني المنشأ والفكر والسلوك. ولم تترد لطيفة الزيات أن تقول لمعارضي هذا الزواج: "إنه أول رجل يوقظ الأنثى في"، وعندما إشتدوا عليها باللوم قالت: "الجنس أسقط الإمبراطورية الرومانية"، في إشارة إلى أنه قد يسقط الحواجز الإيديولوجية أيضا؟ إنها تفتح نوافذها المغلقة وتكشف عن مدى قوة الرغبة واللذة وتأثيرها على قراراتها كأنثى.. لا يهم هنا المستوى التعليمي أو الثقافي وإنما الأهم هو أنها أنثى، قد تكره الرجل لكنها تتعلق به إن أجاد مخاطبة أنوثتها وفك شفرة الجسد.

إنها حكاية امرأة دخلت السجن مرتين: الأولى وهي عروس في السادسة والعشرين من عمرها عام ألف وتسعمئة وتسعة وأربعين.. والمرة الثانية وهي في الثامنة والخمسين من عمرها عام ألف وتسعمئة وواحد وثمانين إثر حملة الاعتقالات التي ضمت الكتاب والصحفيين المعارضين لحكم السادات.


ينقسم "حملة تفتيش: أوراق شخصية" إلى جزءين.. الأول بداية سيرة ذاتية لم تكتمل تتناول سنوات تشكل الوعي، ثم مرحلة منتصف العمر. والثاني يتكون من أوراق كتبتها وهي في سجن النساء عام ألف وتسعمئة وواحد وثمانين.. وتدور حول تجربة السجن وتتخلق من جديد حول منتصف العمر بمنظور جديد تبلور في ضوء تجربة الاعتقال وهي تروي تفاصيل مهمة عن شكل حياتها مع زوجها الأول أحمد شكري سالم الذي دخل السجن سبع سنوات بسبب مواقفه السياسية..

تقول الكاتبة: "وحين تزوجت زيجتي الأولى بدأت مرحلة جديدة من مراحل الانتقال من مكان إلى مكان، كان محركها هذه المرة المطاردة الدائبة من جانب البوليس السياسي لزوجي، أو لي، أو لكلينا. وقد تنقلت مع زوجي الأول في المدة الزمانية ثمانية وأربعين ـ تسعة وأربعين في خمسة منازل كان آخرها بيتي الذي شمعه البوليس السياسي في صحراء سيدي بشر التي لم تعد بصحراء.

وفيما بين عمليات الانتقال الرئيسية في هذه المرحلة، تعين علي حين عنفت مطاردات البوليس السياسي أن أنتقل ليلاً من مسكن إلى مسكن إلى أن وجدت السجن مسكني في مارس ألف وتسعمئة وتسعة وأربعين. ولم يكن انتقالي إليه هذه المرة اختيارياً..

وفي كتابها "حملة تفتيش: أوراق شخصية" تتحدث لطيفة الزيات عن تجربة زواجها الثانية من شخصية ثقافية مرموقة وذات سطوة هي د. رشاد رشدي، ليتضح أن العلاقة كانت مأزومة. تحدثت عنه أيضاً بالشفرة وهاجمت حياتها معه بشراسة تقول: ولم يكن انتقالي اختياراً أيضاً وأنا أنتقل من مسكن إلى مسكن آخر مع زوجي الثاني ولعلي أضعت القدرة على الاختيار، بل القدرة على الحركة والفعل في فترة طويلة من فترات زيجتي الثانية التي بدأت عام ألف وتسعمئة واثنين وخمسين ودامت ثلاث عشرة سنة..ربما يفسر هذا الاضطراب في الحياة العاطفية ذلك الحلم الغامض الذي ظل يطارد أستاذة الأدب الإنجليزي ويزعج منامها..لأن الحلم ليس في النهاية سوى انعكاس لظروف ضاغطة ورغبات متقدة أو موؤدة. تقول الكاتبة: " لكلٍ منا حلمه الليلي المتكرر، ولا أجد وقد وصلت إلى هذه النقطة من السرد غرابة في حلمي الليلي المتكرر الذي لم ينحسر عني إلا منذ سنين. فأنا أجد نفسي ليلياً في فندق غاية في الفخامة والاتساع والارتفاع، أو في سفينةٍ ينطبق عليها نفس الوصف، حافية أو بملابسي الداخلية، أو على أي وضع استنكره لنفسي، ألف وأدور سعيا للعودة إلى غرفتي، وأطرق متعثرة ومستميتة ممراً مشابهاً بعد ممر من الممرات المتعددة المتشابهة، ولا أجد أبداً غرفتي. وأستيقظ من النوم وأنا على حافة السطح على وشك السقوط في هاوية أو في البحر.

"أتاح لها رشاد رشدي مستوى مادياً مريحاً..لكنها عاشت تعاسةً نفسية اعترفت بها في كتاباتها هذه المعاناة وصلت إلى حد أنها أهدته روايتها "الباب المفتوح" تحت الضغط.؟. كان دائماً يؤكد لها أنها بدونه بلا قيمة وأنه صاحب أفضال عليها. وفي المقابل فقد أهدى الكاتب المسرحي كتاب "ما الأدب" الصادر عام ألف وتسعمئة وستين إلى زوجته التي لمحت في قصة "الرحلة" إليه وكيف أنه كان يعود ليحكي لها فتوحاته مع أخريات..كما أشارت إليه في قصة "الشيخوخة" عندما تحدثت عن علاقتها بزوج تشعر أنه مات اللحظة الفارقة تدمي القلب.. لأنها ببساطة اختيار ما بين القلب والعقل.. الاستسلام والإرادة.. الانصهار أو الاستقلال.

تقول " في يوم من أيام يونية 1965، وأخي والمأذون يجلسان في الغرفة المجاورة، قال لي زوجي في محاولة أخيرة لإثنائي عن إتمام إجراءات الطلاق، وهو يستدير يواجهني على مقعدٍ متحرك: ولكني صنعتكِ".

وانطوى من عمري عمر قدره ثلاثة عشر عاماً بوهم التوحد مع المحبوب لفترة، وبإصابتي بالشلل المعنوي والعجز عن الفعل في الفترة الأخيرة. ولم أشأ أن أصعد النغمة حتى لا تفشل مهمتي، وتساءلت وأنا أرقبه: أي مرحلة من مراحل عمري المنقضي صنع؟ أكل المراحل أو لم يصنع هو شيئاً؟ .

انقضى الزمن الذي كنت أعلق فيه على مشجبه سعاداتي وتعاساتي، انقضى يوم برئت من الشلل"وحين يكرر عليها الزوج على مسامعها كلمة الاستعطاف لا المن "لقد صنعتك" يكون ردها: "حتى لو كنت صنعتني فعلا كما تقول، فهذا لا يعطيك الحق في قتلي"
يقرر البعض أن د. لطيفة الزيات بلغت قمة التناقض بزواجها من د. رشاد رشدي: ارتباطٌ مقدس بين أقصى اليسار وأقصى اليمين، فكراً وسلوكاً

وعندما سئلت ذات مرةٍ عن أسباب ارتباطها بهذا الرجل تحديداً بالرغم من الخلاف الفكري الحاد بينهما، أشارت إلى أن الجنس هو السبب مرة أخرى تؤكد د. لطيفة الزيات المعنى نفسه وربما بوضوح أكبر هذه المرة حين يرد في كتابها الحوار التالي: "الناس تفهم لم طلقتيه، غيرُ المفهوم أصلاً لم تزوجتيه؟ قالت مذيعة ناصرية ونحن في انتظار إعداد الكاميرا للتسجيل في استوديو في التليفزيون بعد طلاقي بفترة طويلة. وبغتني السؤال وبغتتني أكثر الإجابة التي صدرت عني بلا تفكير سابق: الجنسُ سبب سقوط الإمبراطورية الرومانية" .

إجابتها تكشف عن الكثير، ولذا لم يكن مستغرباً أن تقول: "في أعماقي دار سؤال بقي على البعد معلقاً: هل استطعت حقاً أن أقتلعه تماما من جلدي حيث سرى في أعمق أعماق مسام جلدي؟".

من الإنصاف القول إن الفتاة والمرأة عاشت قبل زيجتها الثانية، وأثناءها، على إشباع نصف ملكاتها الإنسانية على حساب النصف الآخر، وإن هذه الحقيقة شكلت سبباً من الأسباب التي أدت إلى اختلال سير حياتها في مراهقتها غير أن الوضع تغير بعد الزيجة الثانية..فقد "كانت المرأة في بدايات زيجتها الثانية الأنثى وقد بعثت كالمارد من خمود تمسح على ما انقضى وكأن لم يكن،" .

يقول عنها الكاتب الصحفي كامل زهيري: " تزوجت فتاة الأربعينيات الجسورة، ثم سجن زوجها سبع سنوات ومات. وحصلت بعدها على الدكتوراه ثم طلقت من زوجها الثاني، ونجحت في الدكتوراه، ولم تحصل على الابتدائية في الزواج كما قال البعض وكان الطلاق إعلانا بالإفراج.
 
أعلى