نقوس المهدي
كاتب
ليصحح كلامي المتبحرون في اللغة العربية إن كنت مخطئا في قولي إن كلمة "مومِس" عادةً لا تؤنث، أسوة بكلمات من قبيل "حامل" و"باكر" لأن التأنيث لا ضروروة له طالما أن العبارة مقتصرة بالبداهة على الأنثى، فالأنثى وحدها تكون باكرا، وحاملا، وكذلك مومسا. وهذه واحدة من المظالم التي تتعرض لها الأنثى بمساعدة اللغة. وربما لا تلام العربية وحدها على مجافاة حقائق المجتمعات البشرية، فلغات العالم الأخرى، حتى تلك التي لا تميز بين المذكر والمؤنث، تمارس الشيء نفسه، فهو أمر مسلّم به في كل اللغات (على الأقل التي أعرفها) أن صفة "مومِس" حكر على الأنثى، وتعني بيع الجسد وليس غيره
ربما ستأتي بعدنا أجيال من البشر تكون أكثر استعدادا منا للتوقف عند "المسلّمات" في ثقافاتنا الإنسانية، وتعيد النظر في كثير من تلك المسلّمات، ومنها هذا الكم الهائل من الاحتقار الذي نضعه في كلمة "مومس"، باعتبار أن مهنة المومس أكثر مهن البشر تمرغا في الرذيلة، وفقدان الشرف والكرامة الإنسانية، وتقر بأن المومس نفسها لا تستحق كل هذا الاحتقار إذا قيست ببعض الرجال، وأن مهنتها لا تستحق أن تكون محل هذا الغضب من الرجال طالما أن هناك مهنا تقتصر على الرجال وحدهم، فيها من الرذيلة والخسة والدناءة ما يجعل مهنة المومس غير قادرة على منافستها على محل الصدارة
ولكن بانتظار أجيالنا التي ستنصف المومس دعونا ننظر في بعض الأسباب التي تجعل الإنسان يتوقف قليلا، وينظر في ظروفها لينصفها. السبب الأول هو أن "سقوط" الأنثى الإنسانية في جل الحالات (ربما 95%) سببه الرجل، فالرجل هو صانع المومسات، وهل يصنع أحد شيئا إلا على شاكلته؟ وهنا يمكن قول الكثير والكثير، فالرجل، خاصة إذا كان عربيا ومسلما، تكون عنده رغبة واستعداد ليحول كل نساء العالم، عدا نساء أهل بيته، إلى مومسات، وهو، إذ يجد نفسه عاجزا عن ذلك، يحولهن لفظيا وافتراضيا إلى مومسات، فمثلا كل من يخالفه في الرأي فهو ابن مومس، أو أخ مومس. وفي هذا لا فرق بين اليمين واليسار، والمتدين والعلماني، والمستبد والديمقراطي
على أية حال، فإن الغالبية الساحقة من تلك الـ (95%)، اللواتي يسقطهن الرجل، تجد لديهن حسرة على العيش بنظافة مثل النساء العاديات، وبالتالي استعدادا لمغادرة المهنة إن مد رجل يده إليها لينتشلها مما هي فيه. مخطئ من يظن أن المومس تحب مهنتها. أقلية ضئيلة من المومسات كن سيصبحن مومسات مهما توفرت لهن من ظروف العيش الكريم. هكذا خلقن، فيهن رغبة لمعاشرة من هب ودب، وكأن فيهن شيئا من القرضاوي. ثم إنه لا تعدم بينهن من يرين أنهن بعملهن يخدمن أنفسهن، ويكسبن رزقهن دون إلحاق أذى بأحد، إنهن يتجاوزن على أجسادهن وحسب، بل ويقدمن خدمة جليلة للمجتمع، فهن يمتصن قسطا كبيرا من عدوانية الرجال، ولولاهن لكانت نسبة العنف في المجتمعات أضعافا مضاعفة
الحديث ذو شجون، واتخاذ موقف إنساني من المومس صعب إلى حد كبير. غريب أن قائدا مثل لينين سمح بانتماء المومسات إلى الحزب البلشفي، لكنه رفض رفضا قاطعا أن يسمح لهن بتكوين نقابة أسوة ببقية قطاعات البروليتاريا! الرجل يمكنه أن يفلسف في كل شيء إلا في سوءته، وقد يكون واثقا من كل شيء إلا من الأمور التي يكون فيها الجنس ذا صلة. فبالنسبة للينين كان دخول المومس في الحزب والنضال تحت رايته أمرا لا بأس به، أما أن تكون لها نقابة فربما اعتبر ذلك تكريسا لما جاءت الشيوعية لتحاربه، استعباد الإنسان
على أية حال مرة أخرى، فهناك من هو أكثر تقدمية من لينين، ففي الدنمارك مثلا للمومسات نقابة على قدم المساواة مع كل من يعمل في المجتمع، العامل، واستاذ الجامعة، والوزير، ورؤساء الأحزاب. فهذه المومس لها، مثلا، حق الإجازة المرضية التي تستلم أثناءها مستحقات من النقابة، وهي مشمولة بقوانين التوفير التقاعدي، وهي أسوة بالآخرين تدفع ضريبة عن دخلها، وهذه الضريبة تدفعها بكل أمانة إلى حد المليم، بينما يتملص الكثيرون من مدراء الشركات من دفعها ويتحايلون على المجتمع وعلى السلطات الضريبية، فتجد بينهم من يكسب سنويا مئة ضعف بقدر ما تكسبه المومس ولكنه لا يدفع مليما واحدا لدائرة الضرائب، ومع هذا يسمونها هي "مومس"، ويسمونه هو رجل أعمال
وتعرفون أن أحد الأسباب التي كان الاتحاد الأوروبي يتذرع بها لعدم منح تركيا عضويته هو أن تركيا فيها قوانين تجرم عمل المومسات، وتركيا غيرت الآن القوانين وأصبح عمل المومسات فيها قانونيا رسميا (أم أني متوهم؟). المضحك أن النرويج، وهو بلد اسكندنافي مغرق في ممارسة الحريات الشخصية وعضو في الاتحاد الأوروبي صار بعد تغيير القوانين في تركيا يناقش تغيير قوانينه بهدف منع وتجريم عمل المومسات. عالم غريب هو عالم الرجل
وما دمنا في الدنمارك فهناك قصة ظريفة، فقد كانت هناك في البرلمان إمرأة، نائب من حزب من الأحزاب اليمينية، تعمل بطريقة عادية أسوة بغيرها، لكنها وعلى حين غرة فجرت قنبلة صوتية مدوية. ماذا قالت؟ قالت إن الأجانب (تقصدنا نحن) الذين يرتكبون مخالفات ويحكم عليهم بالسجن يجب إرسالهم ليقضوا فترة أحكامهم في سجون روسية. لماذا؟ لأن السجون الدنماركية مكلفة (يقال إنها فنادق أربعة نجوم)، والسجين الواحد يكلف الدولة يوميا مئات الدولارات بين طعام، وحراسة، وتسلية، ورعاية طبية، وغير ذلك، بينما في السجون الروسية لا يكلف السجين الدولة أكثر من دولارين يوميا. عند هذا ثارت ثائرة الغيارى في البرلمان، وتعرضت المسكينة إلى الهجوم من كل صوب وحدب، لأنها صرحت تصريحات عنصرية، واضطرت أخيرا إلى الانسحاب. وبعد خروجها من البرلمان فقط عرفنا أن المرأة كانت سابقا مومسا، بل وكانت بطلة أفلام إباحية
كان خروجها من البرلمان مؤسفا. لقد فقدنا بذلك إنسانة صادقة على الأقل، وضعت ما في قلبها على لسانها، فنحن نعرف أن البرلمان الذي اضطرها إلى الهرب يجلس فيه العشرات ممن لوأتيحت لهم الفرصة فسوف يقيمون هولوكوستا حقيقيا للمسلمين، وهم أقدر منها على صياغة سمومهم العنصرية بأساليب بليغة، وعبارات منمقة، تزرع الكراهية بين الناس دون أن يقولوا مباشرة إن مخالفي القانون من بيننا يجب إرسالهم إلى سجون روسية. وكان هروبها خسارة لمنظمات حقوق الإنسان ولقضية السلام في العالم، فلو أن تلك "المومس" بقيت في البرلمان حتى يوم التصويت على منح الحكومة صلاحية المشاركة في الحرب على ليبيا لكان هناك على الأقل صوت واحد معارض، صوتها هي، فالمومس ربما تقسو على من يخالف القانون، لكنها تعارض العنف والجريمة حتما، ولا يمكن أن توافق على المشاركة في قتل عشرات الآلاف من الليبيين
هل قتل الليبيين وتمزيق بلدهم من أجل نهب نفطهم عمل أنظف من عمل المومس؟ مجرد سؤال
أما السبب الثاني الذي يوجب إنصاف المومس فيتطلب العودة إلى العربية مجددا لنفهمه، فهذه اللغة لم تعف الرجل من خزي أعماله، إذ ضمت صفات لا تستثني الرجل منها، ويمكن تذكيرها، فالرجل يمكن أن يكون فاجرا، وعاهرا، وداعرا . ومع أن هذه الكلمات تحمل معان مقاربة لكلمة مومس، فكلمة "مومس" تنطوي على وضع الجسد تحت تصرف الآخرين، بينما الكلمات الأخرى تعني الشريك في ذلك، إلا إنها لا تحمل نفس القدر من الإهانة للرجل، مع الأسف، بل قد يفتخر بعض الرجال بكونهم فاجرين، وعاهرين، وداعرين. فشخص مثل القرضاوي، مثلا، لا نطلق عليه عبارة "مومس"، بل نقول عنه إنه فاجر، وداعر، وعاهر. لماذا؟ لأنه لا يضع جسده النتن تحت تصرف من يدفع له، بل يضع عمامته، ومكانته الدينية تحت تصرف من يدفع له. وعند هذا فإن مقارنة بسيطة بين الفاجر الداعر العاهر القرضاوي وبين أية مومس في العالم تبين لنا أن المومس أكثر شرفا من القرضاوي. هل رأيتم أو سمعتم بمومس تصدر فتوى بقتل الناس الذين لا ينتمون إلى مذهبها؟ على العكس، فالمومس لا تميز حتى بين من يدفع لها، لا على أساس الدين، ولا على أساس اللون، أو اللغة. وهي بهذا ليست أشرف من القرضاوي، الذي يحرض على القتل بين المنتمين إلى دين واحد، وحسب، بل هي أكثر أممية من داعر فاجر مثل جورج صبرا الذي باع الماركسية لعقود من الزمن، وانتهى عاهرا في ماخور قطر
بالأمس رأيت الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي وهو يرغي، ويزبد، ويقول إن تصرفات روسيا في القرم انتهاك لسيادة دولة أوكرانيا المستقلة! أنا لا رأي لي في موضوع أوكرانيا، ولكن أليس الأمر متعلقا برئيس منتخب بشكل ديمقراطي أطاح به بضع مئات من النازيين؟ لماذا يدافع الأمين العام عن الديمقراطية في مكان، وعن الانقلاب، والإرهاب في مكان آخر؟ الأمين العام بتصريحاته حول أوكرانيا يشكل عندي العروة الوثقى التي أتشبث بها لأثبت أني على حق في دعوتي إلى إنصاف المومسات. هذا الأمين العام هو نفسه الذي قام قبل إحدى عشرة سنة من اليوم بجر بلده إلى المشاركة في احتلال العراق، وتدميره، وتقتيل مئات الآلاف من أبنائه، ونهب خيراته، وكانت مكافأته على تلك الجريمة تعيينه في وظيفته هذه. تُرى ألم تكن الحرب على العراق واحتلاله بذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، والتي ثبت أنها كانت أكذوبة شارك هذا الأمين العام بنفسه في فبركتها، انتهاكا لسيادة دولة مستقلة؟ لماذا لم يكن احتلال العراق انتهاكا لسيادة دولة مستقلة بينما تحرك أربع سيارات روسية في أقليم القرم الروسي أصلا، وذي الأغلبية الروسية، انتهاك لاستقلال دولة اغتصبت الحكم فيها عصابات نازية؟ إن كان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي يريد محاسبة بوتين لانتهاكه استقلال أوكرانيا، فلماذا لا يحاسب نفسه على احتلال العراق؟ هل رأيتم مومسا يداها ملطختان بدماء أطفال شعوب بأكملها من أفغانستان إلى العراق؟
أنا أعتقد جازما أن العالم سيصبح مكانا أفضل لو انتخب الأمريكيون، والفرنسيون، والبريطانيون مومسات ليحكمنهم، فيخترن من بينهن مومسا لمنصب الأمين العالم لحلف شمالي الأطلسي. عندذاك سيعم الخير في العالم، وستنعم شعوب الأرض بالسلام وينتهي العنف من على وجه الأرض إلى الأبد
درست أحوال المومسات من بانكوك إلى باريس، فلم أجد على جبين واحدة منهن غير عار الرجل، ولم أر عليهن علائم النذالة والخسة. لكنْ مجرد نظرة على وجه ساركوزي كانت تجعلني أشعر أني قرأت كلمة "نذل" مليون مرة. إنها مختومة على جبينه بعمق حتى أن المرء لا يميز بين كلمة ساركوزي وبين النذالة. هل هناك مفخرة في أن يكون الفرنسي ساركوزي وليس مومسا باريسية؟ هل هناك مومس باريسية واحدة تحمل على ضميرها دم طفل ليبي واحد؟
ما أروع السيد المسيح. قال: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". ولو عاد اليوم لقال حتما: من كان منكم لا يعرف ساركوزي، أو خادم الحرمين، أو شيخ قطر، أو القرضاوي، أو الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي، فليرمها بحجر
ولي سبب ثالث يجعلني أدعو الناس عندما يغضبون على أحد أن لا يدعوه بـ "ابن المومس"، بل أن يقولوا له "أيها القرضاوي"، أو "يا ساركوزي"، أو "يا مردوخ" ملك الصحافة والإعلام. المومس مظلومة في هذا العالم، فهناك مهن يمتهنها الرجال تخجل منها المومس. أنا لا أعني فقط مهنة شيخ في قطر، أو ملك في الحجاز، أو مهنة أحمد جربا وأحمد الشلبي، أو فيصل القاسم، ففيصل القاسم هذا مجرد مهرج في عالم الصحافة، ولا معنى حتى لمقارنته بمومس، فالمومس تبيع جسدها، ولا تبيع وطنها
رأيت في هذه الأحداث في القرم كيف أن العالم صار بحاجة ماسة إلى صدق المومسات. الإعلام بشكل خاص صار بحاجة إلى شيء من أخلاق المومسات حتى يستطيع تأدية مهمة شريفة. إنهم يبحثون عن مشهد مثير من القرم ليثيروا الرأي العام على روسيا. يا للخيبة! ليس هناك قبور جماعية! ليس هناك أي أثر للعنف في شوارع القرم. فكيف يمكن أن يشيطنوا بوتين؟ لقطة تتكرر، وتتكرر. فتاة جميلة من القرم تسيل دموعها، وتقول أمام الكاميرا بحسرة "أنا أوكرانية ولا أريد أن نصبح تابعين لروسيا". يا لحرمة الدموع الأوكرانية! هل يستحق هؤلاء الإعلاميون أن نسميهم "أولاد مومسات"؟ حاشا، وألف معذرة صادقة من المومسات. إنهم أولاد مردوخ. إنما أسأل؟ لماذا ليس لدموع أطفال فلسطين من حرمة، وقد أخذت أرضهم منهم وأعطيت لشذاذ الآفاق من كل بقاع الدنيا، وهم يبكون دما من ستة عقود من الزمن؟ أليس لدموع مئات الآلاف من نساء العراق التي تسبب بها الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي من حرمة تستعطف قلوب الناس؟ أليس لهذه الدموع التي تسيل من عيون أطفال سورية من ثلاث سنوات حرمة حتى يظهروها على الشاشة، ويقولوا لأولاد مردوخ في الحجاز أن يكفوا أذاهم عن الناس؟
هل تتذكرون تلك الفتاة (المستورة) التي ظهرت على قناة السي إن إن أيام وجود الجيش العراقي في الكويت عام 1990 وادّعت أنها ممرضة، وروت ودموع غزيرة تسيل من عينيها كيف أن الجنود العراقيين انتزعوا أجهزة التنفس من حواضن الأطفال الخدج؟ وتبين بعدها أنها لم تكن ممرضة، بل ابنة مردوخ كويتي في واشنطن! أليس في ذلك عبرة لأولي الألباب؟
د. عمر ظاهر
ربما ستأتي بعدنا أجيال من البشر تكون أكثر استعدادا منا للتوقف عند "المسلّمات" في ثقافاتنا الإنسانية، وتعيد النظر في كثير من تلك المسلّمات، ومنها هذا الكم الهائل من الاحتقار الذي نضعه في كلمة "مومس"، باعتبار أن مهنة المومس أكثر مهن البشر تمرغا في الرذيلة، وفقدان الشرف والكرامة الإنسانية، وتقر بأن المومس نفسها لا تستحق كل هذا الاحتقار إذا قيست ببعض الرجال، وأن مهنتها لا تستحق أن تكون محل هذا الغضب من الرجال طالما أن هناك مهنا تقتصر على الرجال وحدهم، فيها من الرذيلة والخسة والدناءة ما يجعل مهنة المومس غير قادرة على منافستها على محل الصدارة
ولكن بانتظار أجيالنا التي ستنصف المومس دعونا ننظر في بعض الأسباب التي تجعل الإنسان يتوقف قليلا، وينظر في ظروفها لينصفها. السبب الأول هو أن "سقوط" الأنثى الإنسانية في جل الحالات (ربما 95%) سببه الرجل، فالرجل هو صانع المومسات، وهل يصنع أحد شيئا إلا على شاكلته؟ وهنا يمكن قول الكثير والكثير، فالرجل، خاصة إذا كان عربيا ومسلما، تكون عنده رغبة واستعداد ليحول كل نساء العالم، عدا نساء أهل بيته، إلى مومسات، وهو، إذ يجد نفسه عاجزا عن ذلك، يحولهن لفظيا وافتراضيا إلى مومسات، فمثلا كل من يخالفه في الرأي فهو ابن مومس، أو أخ مومس. وفي هذا لا فرق بين اليمين واليسار، والمتدين والعلماني، والمستبد والديمقراطي
على أية حال، فإن الغالبية الساحقة من تلك الـ (95%)، اللواتي يسقطهن الرجل، تجد لديهن حسرة على العيش بنظافة مثل النساء العاديات، وبالتالي استعدادا لمغادرة المهنة إن مد رجل يده إليها لينتشلها مما هي فيه. مخطئ من يظن أن المومس تحب مهنتها. أقلية ضئيلة من المومسات كن سيصبحن مومسات مهما توفرت لهن من ظروف العيش الكريم. هكذا خلقن، فيهن رغبة لمعاشرة من هب ودب، وكأن فيهن شيئا من القرضاوي. ثم إنه لا تعدم بينهن من يرين أنهن بعملهن يخدمن أنفسهن، ويكسبن رزقهن دون إلحاق أذى بأحد، إنهن يتجاوزن على أجسادهن وحسب، بل ويقدمن خدمة جليلة للمجتمع، فهن يمتصن قسطا كبيرا من عدوانية الرجال، ولولاهن لكانت نسبة العنف في المجتمعات أضعافا مضاعفة
الحديث ذو شجون، واتخاذ موقف إنساني من المومس صعب إلى حد كبير. غريب أن قائدا مثل لينين سمح بانتماء المومسات إلى الحزب البلشفي، لكنه رفض رفضا قاطعا أن يسمح لهن بتكوين نقابة أسوة ببقية قطاعات البروليتاريا! الرجل يمكنه أن يفلسف في كل شيء إلا في سوءته، وقد يكون واثقا من كل شيء إلا من الأمور التي يكون فيها الجنس ذا صلة. فبالنسبة للينين كان دخول المومس في الحزب والنضال تحت رايته أمرا لا بأس به، أما أن تكون لها نقابة فربما اعتبر ذلك تكريسا لما جاءت الشيوعية لتحاربه، استعباد الإنسان
على أية حال مرة أخرى، فهناك من هو أكثر تقدمية من لينين، ففي الدنمارك مثلا للمومسات نقابة على قدم المساواة مع كل من يعمل في المجتمع، العامل، واستاذ الجامعة، والوزير، ورؤساء الأحزاب. فهذه المومس لها، مثلا، حق الإجازة المرضية التي تستلم أثناءها مستحقات من النقابة، وهي مشمولة بقوانين التوفير التقاعدي، وهي أسوة بالآخرين تدفع ضريبة عن دخلها، وهذه الضريبة تدفعها بكل أمانة إلى حد المليم، بينما يتملص الكثيرون من مدراء الشركات من دفعها ويتحايلون على المجتمع وعلى السلطات الضريبية، فتجد بينهم من يكسب سنويا مئة ضعف بقدر ما تكسبه المومس ولكنه لا يدفع مليما واحدا لدائرة الضرائب، ومع هذا يسمونها هي "مومس"، ويسمونه هو رجل أعمال
وتعرفون أن أحد الأسباب التي كان الاتحاد الأوروبي يتذرع بها لعدم منح تركيا عضويته هو أن تركيا فيها قوانين تجرم عمل المومسات، وتركيا غيرت الآن القوانين وأصبح عمل المومسات فيها قانونيا رسميا (أم أني متوهم؟). المضحك أن النرويج، وهو بلد اسكندنافي مغرق في ممارسة الحريات الشخصية وعضو في الاتحاد الأوروبي صار بعد تغيير القوانين في تركيا يناقش تغيير قوانينه بهدف منع وتجريم عمل المومسات. عالم غريب هو عالم الرجل
وما دمنا في الدنمارك فهناك قصة ظريفة، فقد كانت هناك في البرلمان إمرأة، نائب من حزب من الأحزاب اليمينية، تعمل بطريقة عادية أسوة بغيرها، لكنها وعلى حين غرة فجرت قنبلة صوتية مدوية. ماذا قالت؟ قالت إن الأجانب (تقصدنا نحن) الذين يرتكبون مخالفات ويحكم عليهم بالسجن يجب إرسالهم ليقضوا فترة أحكامهم في سجون روسية. لماذا؟ لأن السجون الدنماركية مكلفة (يقال إنها فنادق أربعة نجوم)، والسجين الواحد يكلف الدولة يوميا مئات الدولارات بين طعام، وحراسة، وتسلية، ورعاية طبية، وغير ذلك، بينما في السجون الروسية لا يكلف السجين الدولة أكثر من دولارين يوميا. عند هذا ثارت ثائرة الغيارى في البرلمان، وتعرضت المسكينة إلى الهجوم من كل صوب وحدب، لأنها صرحت تصريحات عنصرية، واضطرت أخيرا إلى الانسحاب. وبعد خروجها من البرلمان فقط عرفنا أن المرأة كانت سابقا مومسا، بل وكانت بطلة أفلام إباحية
كان خروجها من البرلمان مؤسفا. لقد فقدنا بذلك إنسانة صادقة على الأقل، وضعت ما في قلبها على لسانها، فنحن نعرف أن البرلمان الذي اضطرها إلى الهرب يجلس فيه العشرات ممن لوأتيحت لهم الفرصة فسوف يقيمون هولوكوستا حقيقيا للمسلمين، وهم أقدر منها على صياغة سمومهم العنصرية بأساليب بليغة، وعبارات منمقة، تزرع الكراهية بين الناس دون أن يقولوا مباشرة إن مخالفي القانون من بيننا يجب إرسالهم إلى سجون روسية. وكان هروبها خسارة لمنظمات حقوق الإنسان ولقضية السلام في العالم، فلو أن تلك "المومس" بقيت في البرلمان حتى يوم التصويت على منح الحكومة صلاحية المشاركة في الحرب على ليبيا لكان هناك على الأقل صوت واحد معارض، صوتها هي، فالمومس ربما تقسو على من يخالف القانون، لكنها تعارض العنف والجريمة حتما، ولا يمكن أن توافق على المشاركة في قتل عشرات الآلاف من الليبيين
هل قتل الليبيين وتمزيق بلدهم من أجل نهب نفطهم عمل أنظف من عمل المومس؟ مجرد سؤال
أما السبب الثاني الذي يوجب إنصاف المومس فيتطلب العودة إلى العربية مجددا لنفهمه، فهذه اللغة لم تعف الرجل من خزي أعماله، إذ ضمت صفات لا تستثني الرجل منها، ويمكن تذكيرها، فالرجل يمكن أن يكون فاجرا، وعاهرا، وداعرا . ومع أن هذه الكلمات تحمل معان مقاربة لكلمة مومس، فكلمة "مومس" تنطوي على وضع الجسد تحت تصرف الآخرين، بينما الكلمات الأخرى تعني الشريك في ذلك، إلا إنها لا تحمل نفس القدر من الإهانة للرجل، مع الأسف، بل قد يفتخر بعض الرجال بكونهم فاجرين، وعاهرين، وداعرين. فشخص مثل القرضاوي، مثلا، لا نطلق عليه عبارة "مومس"، بل نقول عنه إنه فاجر، وداعر، وعاهر. لماذا؟ لأنه لا يضع جسده النتن تحت تصرف من يدفع له، بل يضع عمامته، ومكانته الدينية تحت تصرف من يدفع له. وعند هذا فإن مقارنة بسيطة بين الفاجر الداعر العاهر القرضاوي وبين أية مومس في العالم تبين لنا أن المومس أكثر شرفا من القرضاوي. هل رأيتم أو سمعتم بمومس تصدر فتوى بقتل الناس الذين لا ينتمون إلى مذهبها؟ على العكس، فالمومس لا تميز حتى بين من يدفع لها، لا على أساس الدين، ولا على أساس اللون، أو اللغة. وهي بهذا ليست أشرف من القرضاوي، الذي يحرض على القتل بين المنتمين إلى دين واحد، وحسب، بل هي أكثر أممية من داعر فاجر مثل جورج صبرا الذي باع الماركسية لعقود من الزمن، وانتهى عاهرا في ماخور قطر
بالأمس رأيت الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي وهو يرغي، ويزبد، ويقول إن تصرفات روسيا في القرم انتهاك لسيادة دولة أوكرانيا المستقلة! أنا لا رأي لي في موضوع أوكرانيا، ولكن أليس الأمر متعلقا برئيس منتخب بشكل ديمقراطي أطاح به بضع مئات من النازيين؟ لماذا يدافع الأمين العام عن الديمقراطية في مكان، وعن الانقلاب، والإرهاب في مكان آخر؟ الأمين العام بتصريحاته حول أوكرانيا يشكل عندي العروة الوثقى التي أتشبث بها لأثبت أني على حق في دعوتي إلى إنصاف المومسات. هذا الأمين العام هو نفسه الذي قام قبل إحدى عشرة سنة من اليوم بجر بلده إلى المشاركة في احتلال العراق، وتدميره، وتقتيل مئات الآلاف من أبنائه، ونهب خيراته، وكانت مكافأته على تلك الجريمة تعيينه في وظيفته هذه. تُرى ألم تكن الحرب على العراق واحتلاله بذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، والتي ثبت أنها كانت أكذوبة شارك هذا الأمين العام بنفسه في فبركتها، انتهاكا لسيادة دولة مستقلة؟ لماذا لم يكن احتلال العراق انتهاكا لسيادة دولة مستقلة بينما تحرك أربع سيارات روسية في أقليم القرم الروسي أصلا، وذي الأغلبية الروسية، انتهاك لاستقلال دولة اغتصبت الحكم فيها عصابات نازية؟ إن كان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي يريد محاسبة بوتين لانتهاكه استقلال أوكرانيا، فلماذا لا يحاسب نفسه على احتلال العراق؟ هل رأيتم مومسا يداها ملطختان بدماء أطفال شعوب بأكملها من أفغانستان إلى العراق؟
أنا أعتقد جازما أن العالم سيصبح مكانا أفضل لو انتخب الأمريكيون، والفرنسيون، والبريطانيون مومسات ليحكمنهم، فيخترن من بينهن مومسا لمنصب الأمين العالم لحلف شمالي الأطلسي. عندذاك سيعم الخير في العالم، وستنعم شعوب الأرض بالسلام وينتهي العنف من على وجه الأرض إلى الأبد
درست أحوال المومسات من بانكوك إلى باريس، فلم أجد على جبين واحدة منهن غير عار الرجل، ولم أر عليهن علائم النذالة والخسة. لكنْ مجرد نظرة على وجه ساركوزي كانت تجعلني أشعر أني قرأت كلمة "نذل" مليون مرة. إنها مختومة على جبينه بعمق حتى أن المرء لا يميز بين كلمة ساركوزي وبين النذالة. هل هناك مفخرة في أن يكون الفرنسي ساركوزي وليس مومسا باريسية؟ هل هناك مومس باريسية واحدة تحمل على ضميرها دم طفل ليبي واحد؟
ما أروع السيد المسيح. قال: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". ولو عاد اليوم لقال حتما: من كان منكم لا يعرف ساركوزي، أو خادم الحرمين، أو شيخ قطر، أو القرضاوي، أو الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي، فليرمها بحجر
ولي سبب ثالث يجعلني أدعو الناس عندما يغضبون على أحد أن لا يدعوه بـ "ابن المومس"، بل أن يقولوا له "أيها القرضاوي"، أو "يا ساركوزي"، أو "يا مردوخ" ملك الصحافة والإعلام. المومس مظلومة في هذا العالم، فهناك مهن يمتهنها الرجال تخجل منها المومس. أنا لا أعني فقط مهنة شيخ في قطر، أو ملك في الحجاز، أو مهنة أحمد جربا وأحمد الشلبي، أو فيصل القاسم، ففيصل القاسم هذا مجرد مهرج في عالم الصحافة، ولا معنى حتى لمقارنته بمومس، فالمومس تبيع جسدها، ولا تبيع وطنها
رأيت في هذه الأحداث في القرم كيف أن العالم صار بحاجة ماسة إلى صدق المومسات. الإعلام بشكل خاص صار بحاجة إلى شيء من أخلاق المومسات حتى يستطيع تأدية مهمة شريفة. إنهم يبحثون عن مشهد مثير من القرم ليثيروا الرأي العام على روسيا. يا للخيبة! ليس هناك قبور جماعية! ليس هناك أي أثر للعنف في شوارع القرم. فكيف يمكن أن يشيطنوا بوتين؟ لقطة تتكرر، وتتكرر. فتاة جميلة من القرم تسيل دموعها، وتقول أمام الكاميرا بحسرة "أنا أوكرانية ولا أريد أن نصبح تابعين لروسيا". يا لحرمة الدموع الأوكرانية! هل يستحق هؤلاء الإعلاميون أن نسميهم "أولاد مومسات"؟ حاشا، وألف معذرة صادقة من المومسات. إنهم أولاد مردوخ. إنما أسأل؟ لماذا ليس لدموع أطفال فلسطين من حرمة، وقد أخذت أرضهم منهم وأعطيت لشذاذ الآفاق من كل بقاع الدنيا، وهم يبكون دما من ستة عقود من الزمن؟ أليس لدموع مئات الآلاف من نساء العراق التي تسبب بها الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي من حرمة تستعطف قلوب الناس؟ أليس لهذه الدموع التي تسيل من عيون أطفال سورية من ثلاث سنوات حرمة حتى يظهروها على الشاشة، ويقولوا لأولاد مردوخ في الحجاز أن يكفوا أذاهم عن الناس؟
هل تتذكرون تلك الفتاة (المستورة) التي ظهرت على قناة السي إن إن أيام وجود الجيش العراقي في الكويت عام 1990 وادّعت أنها ممرضة، وروت ودموع غزيرة تسيل من عينيها كيف أن الجنود العراقيين انتزعوا أجهزة التنفس من حواضن الأطفال الخدج؟ وتبين بعدها أنها لم تكن ممرضة، بل ابنة مردوخ كويتي في واشنطن! أليس في ذلك عبرة لأولي الألباب؟
د. عمر ظاهر