نقوس المهدي
كاتب
مدخل:
الأدب المكشوف ليس أدباً، إنَّما هو انعدام الأدب؛ لأنَّ الأدب يهدف إلى تهذيب النفس الإنسانية، والسمو بها إلى مراتب عليا من الطهر والعفاف، أمَّا الأدب المكشوف فهو يهدف إلى الانحطاط بالنفس الإنسانية إلى مراتب دنيا من الهمجية الحيوانية لتدنيس كلّ عفيف طاهر، ويكفي أن أقول: إنَّ هذا الأدب تروِّج له الصهيونية العالمية، وتسعى إلى نشره في العالم ليعمّ الفساد، وهو ما يسهل عليها تقويض الأديان للسيطرة على العالم، وقد جاء النصّ على ذلك في أحد بروتوكولاتهم: «يجب علينا أن نعمل على انهيار الأخلاق في كلّ مكان فتسهل سيطرتنا على العالم، إنَّ (فرويد) منَّا، وسيظل يعرِّي الإنسان ويعرِّض علاقته الجنسية في ضوء الشمس حتى لا يبقى في نظر الشباب شـــيء مقـــدَّس، ولا يبقى لدى الشابات أمر يستحيين من إتيانه، ويصبح همُّ النساء والرجال آنذاك إرواء الغريزة الجنسية، وحينئذٍ تنهار الأخلاق».
والمتأمل في أحوال المجتمعات الآن، يجد أنَّ اليـهود قد حقـقوا مـا يهدفون إليه، بل يرى أنَّهم قد دخلوا بيـوتنا، وأصبح من نسائنا من تطالب المرأة بالكتابة في هذا الأدب، بل أكثر من هذا؛ فلقد طالبن بالإباحية الجنـسية وممارسة المرأة للجنس قبل الزواج. كلّ هذا ناتج عن الحداثة والترويج للماركسية والوجودية والفرويدية والعلمانية وغيرها من المذاهب والفلسفات والنـظريات التي كـان اليـهود وراء وجودها لإشاعة الفساد وهدم الأخلاق.
• المرأة في شعر صلاح عبد الصبور:
المرأة في نظر صلاح عبد الصبور، وهو كمعظم شعراء جيله، أنها مترفة تعيش كأميرة غارقة في نعيم القصور العالية الأسوار فيقول لها:
جارتي لست أميرا
لا ولست المضحك الممراح في قصر الأمير
أنا لا أملك ما يملأ كفيَّ طعاما
ثم يتعرض إلى وصف المرأة فيقول:
وجهها خيمة من نور
شعرها حقل حنطة
خداها فلقتا رمان
جيدها مقلع من الرخام
ووصف المرأة بهذه الطريقة يتناقض مع روح الإسلام الذي حرص كل الحرص على صيانتها وحماية جمالها من أن يكون حديث مجالس الرجال.
• المرأة في شعر نزار قباني:
ثم نأتي إلى نزار قباني؛ إذ نجده قد نفى عن عالمه الشعري كل امـرأة تجـاوزت الأربعين عاماً كما قال ذلك الدكتور عبد المحسن بدر.
فهذا الشاعر من أكثر الشعراء الذين أساؤوا إلى المرأة وامتهنوها وعرَّوْا جسدها تعرية كاملة، بل نجده حتى في رثائه لـ (بلقيس) زوجته وأم أولاده صورها لنا أنها امرأة تافهة لا هم لها سوى شعرها وعطرها وملابسها وتدخين السجائر واحتساء الخمر رغم وصفه لها بالمعبودة والرسولة؛ أي أنه كفر بالله ورسوله؛ فهو لا يجد ما يذكِّره بها إلاَّ مشطها وأعقاب سجائرها والكوب الذي تشرب فيه الخمر... إلخ. وقال: إنَّ الأنوثة ماتت بموتها، أي أنَّ الأنــثى في نظره هي كما وصف لنا بلقيسه. وبلقيس كما نعلم أديبة، فكـــان عليـــه ـ على الأقل ـ أن يعطي لفتة لفكرها أياً كان شخصها وسلوكها، ولكن كما يتضح لنا أن المرأة في نظره جسد فقط، وما يربطه بها هي أمور عادية بحتة، تلك الأمور التي تشبع غرائزه وشهواته.
ورغم إساءته للمرأة كل هذه الإساءة وامتهانه لها نجد للأسف الشديد أن معظم عُشاق شعره من النساء ومن الفتيات المراهقات اللاتي تبهرهن تلك الألفاظ ولا يدركن أبعاد وخطورة معانيها على تفكيرهن وسلوكهن؛ فهن مثل شاعرهن يبهرهن المظهر ويغفلن عن المضمون والجوهر، ونجدهن يتغنين بشعره الماجن ويتلهفن على قراءته ويعتبرنه الشعر المعبر الراقي. وهنا تكمن الخطورة؛ لأن ملهمات نزار قباني وأمثاله قد غدون المثال الذي يحتذى لدى الكثير من فتياتنا ولا سيما المراهقات حديثات السن، ولهذا أردت أن أركز على موضوع المرأة في الشعر لما للشعر من دور خطير في تسيير المرأة وتحديد سلوكها ووجهتها. ومما لا شك فـيه ولا جدال أن للشعر أثراً كبيراً في ما وصلت إليه المرأة من انحطاط خلقي وهبوط مسلكي.
• المرأة في شعر أدونيس:
لقد امتهن أدونيس المرأة أيما امتهان، وجعلها محطاً للجنس والشهوة، وجعل من أعضاء جسدها مفردات للغته الشعرية. فشعر أدونيس جميعه لا يخلو من هذه العبارات: «النهود والأثداء والأفخاذ» وهذه أمثلة لبعض شعره:
جاء في قصيدة «قبر من أجل نيويورك» قوله:
«نيويورك! أيتها المرأة الجالسة في قوس الريح، شكلاً أبعد من الذرة، نقطة تهرول في فضاء الأرقام فخذاً في السماء، فخذاً في الماء».
وقوله في «هذا هو اسمي»:
«عندي لثدييك هالات ولوع».
وقوله في القصيدة ذاتها:
«سنقول الحقيقة: هذي بلاد رفعت فخذها راية».
وقوله في «وطني في لاجي».
«أيامي نار إنني دم تحت نهديها صليل، والإبط آبار دمع».
ويقول:
«ذبت في جنسي، جنسي بلا حدود».
• أدونيس وأبو نواس:
يقول أدونيس عن أبي نواس في كتابه «مقدمة للشعر العربي»:
«أبو نواس شاعر الخطيئة؛ لأنه شاعر الحرية؛ فحيث تنغلق أبواب الحرية تصبح الخطيئة مقدسة؛ بل إن النواسي يأنف أن يقنع إلا بالحرام ولذيذه؛ وإذ تمنحه الخطيئة الراحة يغالي في تمجيدها، فلا يعود يرضى بالخطيئات العادية، وإنما يطلب الخطيئات الرائعة التي يستطيع أن يتباهى بها ويتيه على الخطيئات الأخرى. فالخطيئة بالنسبة إليه في إطار الحياة التي كان يحياها، ضرورة كيانية؛ لأنها رمز الحرية؛ رمز التمرد والخلاص».
ثم يقول:
«هكذا يؤكد أبو نواس فصل الشعر عن الأخلاق والدين رافضاً حلول عصره، معلناً أخلاقاً جديدة هي أخلاق الفعل الحر والنظر الحر: أخلاق الخطيئة. فالنواسية استقلال يثير ويحرك، وقوف على حدة، يغري ويشجع، مقابل المجتمع وأخلاقه، ضمن المجتمع وخارجه في آن. والإنسان النواسي هو الإنسان العائش مع ذاته، المتخذ من العالم كله مجالاً لتوكيد ذاته، الساخر من القيم العامة النهائية، ومن القائلين بها والقيمين عليها، إنه الإنسان الذي لا يواجه الله بدين الجماعة، وإنما يواجهه بدينه هو، ببراءته هو، وخطيئته هو، ولعله من هذه الناحية أكمل نموذج للحداثة في موروثنا الشعري».
ويصف أدونيس الشعر الماجن لأبي نواس بأنه:
«مصابيح تضيء الزمن، الزمن حاضراً، الحاضر هو وحده الغني، المليء، اليقيني، فيه يمتلك الإنسان نفسه ويسيطر؛ لأنه يريد ويختار ما يريده ويختاره يعوض عن السـقوط في المستـقبل؛ لذلك لا يخـاف العقـاب، بل يقبل ما يؤدي فعله إلى العقاب».
من هنا كان أبو نواس في نظر أدونيس (بودلير) العرب.
• مهاجمة أدونيس للمرأة في الإسلام:
مما سبق اتضحت لنا نظرة أدونيس للمرأة؛ وهي نظرة تخالف التصور الإسلامي؛ إذ لم يكتف بامتهان المرأة وابتذالها واعتبارها محطاً للجنس والشهوة، بل ادعى أن هذه نظرة الإسلام أيضاً؛ مستنداً في ذلك على النصوص الإسرائيلية الأولى المحرفة، فنسب ما جاء فيها إلى الإسلام، كما نجده نسب إلى الإسلام نظرة المعتزلة والصوفية للإنسان؛ إذ نجده يقول: «ورغم أن الإسلام حرر المرأة من قيود كثيرة، اجتماعية وإنسانية، في الجاهلية، فإن ثمة تقليداً إسلامياً يُجْمِع على أن الله عاقب المرأة بعشر خصال: بشدة النفاس، والحيض، والنجاسة في بطنها وفرجها، وجعل ميراث امرأتين ميراث رجل واحد، وشهادة امرأتين كشهادة رجل، وجعلها ناقصة العقل والدين لا تصلي أيام حيضها، ولا يسلَّم على النساء، وليس عليهن جمعة ولا جماعة، ولا يكون منهن نبي، ولا تسافر إلا بولي، وهذا عدا تفضيل الإسلام الرجل على المرأة، من حيث أنه «قَوَّام عليها». ثم يواصل هجومه وافتراءاته على الإسلام، فيدعي أن الحب في الإسلام جنس. يقول أدونيس:
«لم يغير الإسلام طبيعة النظرة إلى المرأة، كما كانت في الجاهلية، أو طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، واكتفى بأن نظم هذه العلاقة فوضع لها قانوناً، وجعلها تتم وفقاً لطقوس معينة».
• الحب في القرآن الكريم كما يراه أدونيس:
يرى أدونيس أن الحب في الإسلام بقي كما كان في الجاهلية حسياً، ولذلك من الأفضل الاقتصار على استخدام لفظة الجنس، دون الحب؛ فالحب في الإسلام جنس في الدرجة الأولى.ويمكن أن نوجز خصائص الحب كما تظهر لأدونيس في القرآن، بما يلي:
1 ـ (ليس في العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة حب، بالمعنى الذي نقصده الآن بهذه الكلمة. والآية الوحيدة التي تشير إلى شيء من الحب هي التي وردت في سورة الروم آية 21 وهي القائلة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: ١٢].
2 ـ (الإنسان مجزأ في الإسلام إلى جسد وروح وعقل. ومن هنا يصعب فهم وحدته وفهم الوحدة بعامة).
3 ـ (الحـب فـي القرآن نقيـض الحـب الأفـلاطــــوني، لا حنين ولا بحث، لا وعد بالمستقبل، لا تطلُّع، لا هاجس علو ولا هاجس اتحاد).
4 ـ (الحب في القرآن قرار أو علاقة يقررها الرجل، وعلى المرأة أن تخضع؛ فليست الغاية الحب، بل التيه الجنسي. وهذا ما فصل الحب عن العمل واللغة).
ثم يستطرد أدونيس مفسراً نظرة الإسلام للمرأة والنفس الإنسانية بصورة خاطئة فيقول: «الحب هنا مجرد حب طبيعي بيولوجي، المرأة فيه لا تعرف الرجل، وهي لا تأمل بأن تصـير الآخـر أو تتـخطاه. والواقـع ليس هـنا امرأة بل نساء. النساء بالنسبة إلى العربي تجسيدات مختلفة للمرأة: عذراء ـ زوجة ـ أماً. لا مجال للصديقة أو الغانية (الزانية). العربي المسلم لا تهمه المرأة، بل تهمه النساء وهـو لا يـهمه أن يحبهن، بل يهمه أن يمتلكهن» ثم يستطرد قائلاً:
»يتضح من ذلك أن القرآن، في هذه المسألة، يسوي النفس كتلة من الغرائز والأهواء وهو يضع لها قانوناً يسمو بها ويصعِّدها. وهكذا أبقى عليها كما كانت في الجاهلية، لم يحاربها ولم يقتلها. وليس فيه حب، بل جنس. وصورة المرأة فيه هي صورة الزوجة. والزواج متعة جسدية من جهة، وإنجاب من جهة ثانية. ومن هنا تقترن صورة الزوجة بصورة الأم».
ويستمر أدونيس في توجيه طعناته للإسلام، فيقول:
«ومن هذه الناحية ينسجم الحب القرآني مع الحب اليوناني الوثني الذي كان يرى في عهوده المتأخرة، خصوصاً، أن تعاليم القديس بولس نوع من الجنون، والأحاديث النبوية ترى في الرهبنة كذلك نوعاً من الجنون. ولهذا يمكن أن نصف الحب القرآني بأنه امتلاك جسدي من أجل القضاء على الشهوة التي هي رمز الشيطان؛ فالمهم هو إشباع الشهوة، وتسهيل هذا الإشباع. هذه النظرة إلى المرأة، إلى العلاقة معها، تجعلها وسيلة وآلة. والواقع أن الرجل المسلم حين كان يتزوج امرأة ثانية، لم يكن يشعر أنه تخلى عن زوجته الأولى؛ ذلك أنه كان يراها وسيلة، وكان ينظر إليها كشيء مما يملكه. فصورة العلاقة بين الرجل والمرأة في القرآن هي علاقة زواج، أي علاقة ارتباط تعاقدي، ديني، وليست علاقة حب يرى أن الزوجين شخص واحد، وأن الرجل حين يتخلى عن زوجته يتخلى عن جزء من كيانه».
وهكذا نجد أن (أدونيس) قد افترى على الإسلام باسم الإسلام؛ إذ قرر أموراً وفق هواه ونسبها إلى الإسلام، ونحن لو قرأنا الصفحات التي قبل هذه الافتراءات نجده تحدث عن آراء الصوفية والمعتزلة، ثم نسب آراءهم إلى الإسلام، وقرر أن هذه هي نظرة الإسلام. كما نجده نسب النصوص الإسرائيلية الأولى حول الخطيئة الأزلية إلى الإسلام.
• المرأة في نظر إحسان عبد القدوس من خلال قصصه:
«المرأةُ في نظرِ إحسان عبد القدوس عبدةٌ لغريزتها الجنسيةِ التي تُسَيِّرُها وَفْقَ ما تشــاء لا كـــابح يكبَحُها، ولا ضابطَ يضبطُها، فَتُسلِّمُ نفسَها لكلِّ الرِّجالِ، وَتجمعُ بين أكثرِ من رجلٍ في آنٍ واحد، عرَّى جسَدها، وجعلَه حقاً مباحاً لكلِّ الرِّجال، لا قيمةَ البتة في نظره لعذريتها وشرفها، لقد جرَّدها من زوجيتها وأمومتها وبنوتها وأخوتها، كما جرَّدها من شرفِها وملابسِها، دعاها إلى الحريةِ الوجوديةِ المطلقة، وجعلها تتحررُ من كل القيم والتعاليم السماوية، بل سد أمامها كلَّ أبوابِ الفضائل، وفتح لها كلَّ أبوابِ الخطايا والرذائل، وجعل المجتمعَ مسؤولاً عن خطاياها. دعاها إلى التمردِ على كلِّ القيمِ والفضائل باسم الحريةِ والمساواة ومتعةِ الحياة ولذتها»[1].
حلَّل المحرمات: الخمـرَ والمخدراتِ والسفورَ والتبرجَ والاختلاطَ ومراقصةَ المرأةِ للرجل وتعريها أمامه، وحلَّل القبلاتِ والخلواتِ «خلو المرأة بالرجل»، ودعا إلى زواجِ المتعة، وهاجم وعارض بشدة تعاليم الإسلام التي تدعو المرأة إلى الفضيلة والاحتشام، وهاجم المجتمعات التي تلتزم بحجاب المرأة وتمنع الاختلاط[2].
والنساءُ في نظره كلهن سواء لا فرق بين متدينةٍ متحجبة وبين سافرةٍ متبرجة، أستاذةٍ جامعية وخادمة، وامرأةٍ مومس ساقطة، راقصة أو معلمة، فتاةٍ عذراء أو زوجة، أرملةٍ أو مطلقة أُمّاً أو ابنة، بل نجده أساء كثيراً إلى الأرامل والمطلقات، واتهمهن أنَّهن أكثر النساء يرتكبن الفواحش. فالنِّساءُ عنده جميعاً يسيطر عليهن «حيوان الجنس»، بل المتحجباتُ المتديناتُ في قصصِه أكثر نهماً، ويُسلِّمنَ أنفُسَهنَّ لأيٍ كان لأنهن ـ كما يدعي يعانين من الكبت والحرمان[3].
نلمس هذا من خلال قصصه، فنجده في قصة (كل النساء) وهي قصة رمزية جريئة، وهذه القصة تبين بوضوح نظرة إحسان إلى المرأة، ودعوتها إلى التمرد على كل الفضائل والتقاليد.
كما نجــد إحسان قــرَّر في قصــة «كــل النــساء» أنَّ قبلة الرجل لمرأة غير زوجته ليست حراماً، وجعل المرأة ضعيفة تستسلم لما يقول لها الرجل، فيحلل الحرام، وتقول له: هذا صحيح، وجعلته يقبلها!!! بل جعلها تسلم له نفسها، وأقنعها أنه لا يوجد شيء اسمه الشرف، وأنَّ المحافظة على الشرف تقليد من التقاليد، ويدعوها إلى التفريط في شرفها في سبيل اللذة والمتعة، ولنقرأ هذا الحوار في القصة ذاتها:
قال: ولكن لا تؤمنين بالتقاليد.
قالت ـ وكأنَّها تحاول أن تنكر ـ: أنا؟
قال: نعم! ألا تذكرين أول مرة خرجت فيها إلى... لقد قطعت يومها أول خيوط التقاليد..
قالت: هذا صحيح.. لقد مزَّقت التقاليد..
قال: ورضيتِ أن تتبعيني..
قالت: هذا صحيح.. لقد تبعتك.
قال: ليس هناك شيء اسمه الشرف، لأنَّك لا تؤمنين بأنَّ هناك شيئاً اسمه التقاليد.
قالت: ولكني أحس أني وهبتك شيئاً.. شيئاً عزيزاً.
قال: إنَّك لم تهبيني شيئاً، ولكنك وهبتِ نفسك للحياة.
قالت: تقصد هذه اللحظات الجميلة؟
قال: نعم!
قالت: ولكنها مرَّت سريعاً.
قال: هكذا شأن الحياة مهما طالت فهي دائماً تمر سريعاً.
قالت: ولكني ضحيت بالكثير في سبيل هذه اللحظات.
قال: إنَّما تشعرين به ليس الإحساس بالتضحية، ولكنه الإحساس بالندم.
قالت: الندم على الشرف الذي فقدته..
قال: لقد اتفقنا على أن ليس هناك ما يسمى الشرف!
قالت: إذن لماذا أحس بالندم؟
قال: إنَّك تندمين على هذه اللحظات الجميلة التي مرَّت سريعاً.. لأنَّها مرَّت سريعاً..
قالت: أريد أن أسترد الـ..
وقاطعها: لا تقولي إنك تريدين استرداد شرفك؛ لأنَّك لا تندمين عليه.. ولكنك تريدين استرداد هذه اللحظات التي تندمين عليها؛ لأنَّها مرَّت سريعاً.
قالت في ضعف وذل: كيف استردها؟
قال ـ في حزم ـ: لقد مرَّت ولن تعود..[4].
وهكذا نجد إحسان جعــل الفتاة تفرط في شرفها، ولا تندم على ذلك، وإنَّما تندم على مرور لحظات الفاحشة سريعاً...
هذا الكاتب لم يتجاوز فقط أخلاقياتِ الكتابةِ الأدبية، وإنَّما قد تجاوز كل القيم والفضائل، ودعا إلى ارتكاب الفواحش؛ فماذا يكون وقع هذه القصة على المراهقات عندما يقرأنها؛ وخاصة أنَّه يقال في أجهزة الإعلام: إنَّ الأستاذ إحسان عبد القدوس خيرُ من كتبَ عن المرأة، وعبَّر عنها؟!
وهنا أسأل الذين ينادون بحرية الرأي والتعبير: هل من حق المبدعِ باسم هذه الحرية الدعوة إلى ارتكاب الفواحش، وإشاعة الفوضى الجنسية، والتعدي على كل القيم والأخلاق، وتحليل ما حرمته جميع الديانات السماوية؟
إنَّ الأمثلةَ كثيرةٌ لا حصـــرَ لها من قصـــصِ إحسان عبد القدوس التي تدعو إلى التحلل والانحلال بإباحتهما؛ فكما رأينا، أنَّه صوَّر الفتاةَ تعرفُ أنَّ القبلةَ حــرامٌ، ولكنَّهـــا لا تعرفُ لماذا، ليوهم القارئ أنَّ تحريمَ القبلةِ نوعٌ من التقاليد، كما صوَّر المحافظةَ على الشَّرفِ نوعاً من التقاليد، لا علاقة لتحريمِ الأديانِ السماوية لها، حفاظاً على الأعراضِ التي شُرِّعَ القتالُ في سبيل الحفاظِ عليها، بل هو يلغي هنا الأديان السماوية؛ وهنا تكمن خطورة قصص إحسان، فهو يتطرق إلى طرح هذه القضايا ومناقشتها ليقنع بعدم حرمتها؛ فهو في قصة «فوق الحلال والحرام» أباح مراقصة المرأة للرجال، وشبّه الرقص بالصلاة، وأباح لبس المرأة للمايوه أمام الرجال، وجعله أساساً مبيحاً للعري مدَّعياً أنَّ أمَّنا حواء خُلقت عارية، فيقول على لسان هانئ: (إنَّ أي شيء مخبأ أو مغطى هو أكثر إثارة للإغراء من أي شيء مكشوف.. أحسـت كأنَّ سـيدنا آدم يعتـبرها مألوفاً سـهلاً رخـيصاً لا تحمل في كيانها أي ما تضن به على عينيه.. فبدأت بوحي من الله تغطي نواحي من جسدها حتى تثير في آدم غريزة اكتشاف كل ما لا تصل إليه عيناه. أي غريزة ضعفه أمام المجهول.. الضعف الذي يدفعه إلى التعلق بهذا المجهول واحترامه، بل وعبادته إلى أن يصل إلى اكتشافه ليتخلص من ضعفه أمامه..). وهذا القول يدل على جهل إحسان بما جاء في القرآن الكريم بهذا الصدد الذي يتحدث باسمه؛ فالقرآن الكريم بيَّن عكس ما ذكره الأستاذ إحسان بأنَّه جعل العري عقوبة لكلٍّ من سيدنا آدم ـ عليه السلام ـ وأمنا حواء لما عصيا أمر ربهما، وأنَّهـما قـبل حدوث المعصية منها لم يكونا عاريين، وأنهما لما عصيا أمر ربهما عاقبهما بالعري، وأخـذا يخـصفان على نفسيهما من ورق الشجر ليداريا ما بدا من سوءاتهما، أي أنَّ العري كان عقوبة لهما، يوضح هذا قوله ـ تعالى ـ: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْـجَنَّةِ فَتَشْقَى #٧١١#) إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى #٨١١#) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى #٩١١#) فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْـخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى #٠٢١#) فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْـجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى #١٢١#) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:٢١١ -٧٢١].
ولنتأمل قوله ـ تعالى ـ: {إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى}، {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْـجَنَّةِ}، فهاتان الآيتان توضحان خطأ الأستاذ إحسان ومدى جهله بما جاء في القرآن، وهو كما يبدو لم يقرأ الآيات القرآنية ذات العلاقة بهذا الموضوع، وإن كان قد قرأها فقد أوَّل القرآن وفق هواه.
هنا أتساءل أيضاً: هل حرية الإبداع، وحرية الرأي تدعو إلى تأويل القرآن وفق الأهواء للدعوة إلى العري وعدم الاحتشام لجعل المرأة ترتدي المايوه أمام الرجال، وجعل ذلك حلالاً؟
• صورة المرأة في أدب الدكتورة نوال السعداوي:
الدكتورة نوال السعداوي تلميذة نجيبة لفرويد؛ فكتابها «المرأة والصراع النفسي» لا يختلف كثيراً عن كتاب فرويد «التحليل النفسي للهستيريا»، فتحليلها لأسباب مرض العُصاب لا يختلف عن تحليل فرويد للهستيريا؛ ففي كتابها الذي سبق ذكره أرجعت أسباب مرض العصاب (وهو مرض نفسي يؤدي أحياناً إلى صداع نفسي، أو اكتئاب، أو فقدان الشهية للطعام، أو الإقبال المتزايد عليه، أو قلق، أو أحلام مزعجة... إلخ) ترجعها إلى أسباب جنسية في المقام الأول، وجعلت نِسَباً كبيرة من سيدات مجتمعها تمارس الجنس قبل الزواج، ومع رجال آخرين بعد الزواج، كما جعلت نسباً كبيرة من الآباء والإخوة في مجتمعها يمارسون الجنس مع بناتهم وأخواتهم، واعتبرت العلاج من هذا المرض يكون في إزالة التفرقة بين الجنسين، وإزالة الكبت في حياة البنات والنساء، وإزالة القيود التي تمنع المرأة والنساء، وإزالة الخوف الذي يجعل البنت تكذب على نفسها والآخرين، وتصبح عاجزة عن ممارسة الحب الصادق، وتهيئة الظروف والإمكانات التي تساعد المرأة على العمل المنتج الخلاَّق، وتحقيق ذاتها كإنسانة لها عقل أو ليست مجرد جهاز تناسلي لولادة الأطفال وإشباع الزوج، ومن هنا نرى أنَّ علاج النساء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية تحرير المرأة»[5].
فهي تريد المرأة أن تتحرر من الدين والقيم والأخلاق، وأن تمارس الجنس بحرية؛ فالمرأة «العقل» في نظرها هي التي تتمتع بالحرية الجنسية، ولذا ركَّزت في كتابيها «الأنثى هي الأصل» و «المرأة والصراع النفسي» على هذه الناحية، وتحدثت باستفاضة عن ممارسة المرأة للجنس قبل الزواج وبعد الزواج مع عدة رجال في سبيل إشباع رغبتها الجنسية، لذا طالبت بتعدد الأزواج، ومجَّدت المومس «فردوس» بطلة قصتها «امرأة عند نقطة الصفر» إذ اعتبرتها بطلة شجاعة؛ فهي تنادي بالإباحية والشيوعية الجنسية، بل سخرت في كتابها «المرأة والصراع النفسي» من الشرف والعرض والعذرية، وقالت: «إنَّ مفهوم الشرف مرتبط في المجتمع المصري بما يسمى (العرض) أو عذرية الفتاة قبل أن تتزوج، وإخلاصها لزوجها وطاعته بعد الزواج» ثُمَّ تقول: «لكن الزواج من فتاة غير عذراء يعتبر حتى اليوم في مجتمعنا المصري أمراً مكروهاً لا يقبله أي رجل»[6].
واعتبرت المرأة َفي المجتمعات البدائية تتمتع بمكانة اجتماعية عالية؛ لأنَّها تتمتع بالحرية الجنسية، فتقول: (إنَّ البغاء لم يظهر في المجتمعات البدائية؛ لأنَّ الحرية الجنسية كانت ممنوحة للشباب من الجنسين، ولم تعرف المجتمعات الأموية ـ تقصد نسبة الأولاد إلى الأم ـ البغاء؛ لأنَّ مكـانة المرأة الاجتماعية كانــت عالية، وكانت لها الحرية الكامـلة كالرجـل، وهـذا شـيء منطـقــي، كمــا أنَّ البـغـــاء لا يمكن أن يحدث في مجتمع يساوي بين الجنسين في القيود الجنسية»[7]. بل نجدها تستنكر عدم السماح للمرأة بممارسة الجنس إلاَّ مع زوجها[8].
وهي ترفض الحجاب، لأنَّه وَفْقَ مفهومها الضيق ينظر إلى المرأة أنَّها جسد. والواقع أنَّ نظرتها هي للمرأة قائمة على أنَّها جسد، ومحط متعة وشهوة، وأنَّ لديها غريزة تفوق الرجل، وعليها أن تمارس الجنس بحرية لتشبع غريزتها، وترفض عقد الزواج، وتنادي بإبطاله؛ لأنَّه يحترم المرأة ويصونها ويحافظ على عفتها وطهرها[9].
وبعدُ: فهذه نماذج لبعض الأدباء والشعراء الذين يعد معظمهم من الرواد، توضح لنا مدى خروجهم عن أخلاقيات الكتابة الأدبية، وتجاوزهم كل الحدود؛ فقد دعوا إلى التحلل والانحلال، وانحطاط النفس الإنسانية إلى أحط مراتب الحيوانية والإباحية الجنسية، وتجاوزوا الخطوط الحمراء تحت شعار حرية الرأي، وحرية الإبداع!
وهكذا كما تلاحظون كيف ذُبنا في الآخر، وأصبح أدبنا مزيجاً من المذاهب الأدبية والفلسفية والنفسية والسياسية والاقتصادية الغربية رغم مخالفتها لديننا ولقيمنا، فخرج أدبنا المعاصر في معظمه عن حدود أخلاقيات الكتابة الأدبية، ولم يعد يمثل هويتنا الإسلامية؛ إذ أخذ معظم الأدباء بنظرية «الفن للفن» التي ترجع في أصولها البعيدة إلى ما دعا إليه (أرسطو) من وجوب استبعاد الأخلاق عن الشعر[10].
• مواجهة العولمة الفكرية:
ولكــي نواجـه هذه العولمة الفكرية والثقافية والأدبية، لا بد من الالتزام بأخلاقيات الكتابة الأدبية المتمثلة بالتزامنا بالتصور الإسلامي للخالق جلَّ شأنه والإنسان والكون والحياة.
قد يقول قائل: لقد ذبنا في الآخر؛ لأنَّنا عاجزون عن إيجاد منهج أدبي يعبِّر عن هويتنا واستقلاليتنا.
وأقول هنا: علينا أن نثق بالعقلية الإسلامية، وقدرتها على التنظير والابتكار، ولقد حاول الآخر إفقادنا الثقة في نفوسنا، وفي قدرتنا على الإبداع والابتكار، وما قالوه عن العقلية العربية بالذات، إنَّها عقلية ذرية مفككة، أي غير قادرة على التجميع، وأنَّها غير قادرة على القيادة واتخاذ القرار؛ وذلك ليبرروا استعمارهم لعالمنا العربي، وللأسف نجد من يصر على التأكيد على هذه الادعاءات بالسخرية من كل ما هو إسلامي ومحاربته، وهذا ما يريدونه الآن ليفرضوا علينا العولمة، ولكن أقول: إنَّ الله قد حبا الأمة الإسلامية منهجاً ربانياً تستقي منه أدبها، والأدب الإسلامي هو هذا المنهج الذي يمثل الالتزام بأخلاقيات الكتابة الأدبية.
الأدب المكشوف ليس أدباً، إنَّما هو انعدام الأدب؛ لأنَّ الأدب يهدف إلى تهذيب النفس الإنسانية، والسمو بها إلى مراتب عليا من الطهر والعفاف، أمَّا الأدب المكشوف فهو يهدف إلى الانحطاط بالنفس الإنسانية إلى مراتب دنيا من الهمجية الحيوانية لتدنيس كلّ عفيف طاهر، ويكفي أن أقول: إنَّ هذا الأدب تروِّج له الصهيونية العالمية، وتسعى إلى نشره في العالم ليعمّ الفساد، وهو ما يسهل عليها تقويض الأديان للسيطرة على العالم، وقد جاء النصّ على ذلك في أحد بروتوكولاتهم: «يجب علينا أن نعمل على انهيار الأخلاق في كلّ مكان فتسهل سيطرتنا على العالم، إنَّ (فرويد) منَّا، وسيظل يعرِّي الإنسان ويعرِّض علاقته الجنسية في ضوء الشمس حتى لا يبقى في نظر الشباب شـــيء مقـــدَّس، ولا يبقى لدى الشابات أمر يستحيين من إتيانه، ويصبح همُّ النساء والرجال آنذاك إرواء الغريزة الجنسية، وحينئذٍ تنهار الأخلاق».
والمتأمل في أحوال المجتمعات الآن، يجد أنَّ اليـهود قد حقـقوا مـا يهدفون إليه، بل يرى أنَّهم قد دخلوا بيـوتنا، وأصبح من نسائنا من تطالب المرأة بالكتابة في هذا الأدب، بل أكثر من هذا؛ فلقد طالبن بالإباحية الجنـسية وممارسة المرأة للجنس قبل الزواج. كلّ هذا ناتج عن الحداثة والترويج للماركسية والوجودية والفرويدية والعلمانية وغيرها من المذاهب والفلسفات والنـظريات التي كـان اليـهود وراء وجودها لإشاعة الفساد وهدم الأخلاق.
• المرأة في شعر صلاح عبد الصبور:
المرأة في نظر صلاح عبد الصبور، وهو كمعظم شعراء جيله، أنها مترفة تعيش كأميرة غارقة في نعيم القصور العالية الأسوار فيقول لها:
جارتي لست أميرا
لا ولست المضحك الممراح في قصر الأمير
أنا لا أملك ما يملأ كفيَّ طعاما
ثم يتعرض إلى وصف المرأة فيقول:
وجهها خيمة من نور
شعرها حقل حنطة
خداها فلقتا رمان
جيدها مقلع من الرخام
ووصف المرأة بهذه الطريقة يتناقض مع روح الإسلام الذي حرص كل الحرص على صيانتها وحماية جمالها من أن يكون حديث مجالس الرجال.
• المرأة في شعر نزار قباني:
ثم نأتي إلى نزار قباني؛ إذ نجده قد نفى عن عالمه الشعري كل امـرأة تجـاوزت الأربعين عاماً كما قال ذلك الدكتور عبد المحسن بدر.
فهذا الشاعر من أكثر الشعراء الذين أساؤوا إلى المرأة وامتهنوها وعرَّوْا جسدها تعرية كاملة، بل نجده حتى في رثائه لـ (بلقيس) زوجته وأم أولاده صورها لنا أنها امرأة تافهة لا هم لها سوى شعرها وعطرها وملابسها وتدخين السجائر واحتساء الخمر رغم وصفه لها بالمعبودة والرسولة؛ أي أنه كفر بالله ورسوله؛ فهو لا يجد ما يذكِّره بها إلاَّ مشطها وأعقاب سجائرها والكوب الذي تشرب فيه الخمر... إلخ. وقال: إنَّ الأنوثة ماتت بموتها، أي أنَّ الأنــثى في نظره هي كما وصف لنا بلقيسه. وبلقيس كما نعلم أديبة، فكـــان عليـــه ـ على الأقل ـ أن يعطي لفتة لفكرها أياً كان شخصها وسلوكها، ولكن كما يتضح لنا أن المرأة في نظره جسد فقط، وما يربطه بها هي أمور عادية بحتة، تلك الأمور التي تشبع غرائزه وشهواته.
ورغم إساءته للمرأة كل هذه الإساءة وامتهانه لها نجد للأسف الشديد أن معظم عُشاق شعره من النساء ومن الفتيات المراهقات اللاتي تبهرهن تلك الألفاظ ولا يدركن أبعاد وخطورة معانيها على تفكيرهن وسلوكهن؛ فهن مثل شاعرهن يبهرهن المظهر ويغفلن عن المضمون والجوهر، ونجدهن يتغنين بشعره الماجن ويتلهفن على قراءته ويعتبرنه الشعر المعبر الراقي. وهنا تكمن الخطورة؛ لأن ملهمات نزار قباني وأمثاله قد غدون المثال الذي يحتذى لدى الكثير من فتياتنا ولا سيما المراهقات حديثات السن، ولهذا أردت أن أركز على موضوع المرأة في الشعر لما للشعر من دور خطير في تسيير المرأة وتحديد سلوكها ووجهتها. ومما لا شك فـيه ولا جدال أن للشعر أثراً كبيراً في ما وصلت إليه المرأة من انحطاط خلقي وهبوط مسلكي.
• المرأة في شعر أدونيس:
لقد امتهن أدونيس المرأة أيما امتهان، وجعلها محطاً للجنس والشهوة، وجعل من أعضاء جسدها مفردات للغته الشعرية. فشعر أدونيس جميعه لا يخلو من هذه العبارات: «النهود والأثداء والأفخاذ» وهذه أمثلة لبعض شعره:
جاء في قصيدة «قبر من أجل نيويورك» قوله:
«نيويورك! أيتها المرأة الجالسة في قوس الريح، شكلاً أبعد من الذرة، نقطة تهرول في فضاء الأرقام فخذاً في السماء، فخذاً في الماء».
وقوله في «هذا هو اسمي»:
«عندي لثدييك هالات ولوع».
وقوله في القصيدة ذاتها:
«سنقول الحقيقة: هذي بلاد رفعت فخذها راية».
وقوله في «وطني في لاجي».
«أيامي نار إنني دم تحت نهديها صليل، والإبط آبار دمع».
ويقول:
«ذبت في جنسي، جنسي بلا حدود».
• أدونيس وأبو نواس:
يقول أدونيس عن أبي نواس في كتابه «مقدمة للشعر العربي»:
«أبو نواس شاعر الخطيئة؛ لأنه شاعر الحرية؛ فحيث تنغلق أبواب الحرية تصبح الخطيئة مقدسة؛ بل إن النواسي يأنف أن يقنع إلا بالحرام ولذيذه؛ وإذ تمنحه الخطيئة الراحة يغالي في تمجيدها، فلا يعود يرضى بالخطيئات العادية، وإنما يطلب الخطيئات الرائعة التي يستطيع أن يتباهى بها ويتيه على الخطيئات الأخرى. فالخطيئة بالنسبة إليه في إطار الحياة التي كان يحياها، ضرورة كيانية؛ لأنها رمز الحرية؛ رمز التمرد والخلاص».
ثم يقول:
«هكذا يؤكد أبو نواس فصل الشعر عن الأخلاق والدين رافضاً حلول عصره، معلناً أخلاقاً جديدة هي أخلاق الفعل الحر والنظر الحر: أخلاق الخطيئة. فالنواسية استقلال يثير ويحرك، وقوف على حدة، يغري ويشجع، مقابل المجتمع وأخلاقه، ضمن المجتمع وخارجه في آن. والإنسان النواسي هو الإنسان العائش مع ذاته، المتخذ من العالم كله مجالاً لتوكيد ذاته، الساخر من القيم العامة النهائية، ومن القائلين بها والقيمين عليها، إنه الإنسان الذي لا يواجه الله بدين الجماعة، وإنما يواجهه بدينه هو، ببراءته هو، وخطيئته هو، ولعله من هذه الناحية أكمل نموذج للحداثة في موروثنا الشعري».
ويصف أدونيس الشعر الماجن لأبي نواس بأنه:
«مصابيح تضيء الزمن، الزمن حاضراً، الحاضر هو وحده الغني، المليء، اليقيني، فيه يمتلك الإنسان نفسه ويسيطر؛ لأنه يريد ويختار ما يريده ويختاره يعوض عن السـقوط في المستـقبل؛ لذلك لا يخـاف العقـاب، بل يقبل ما يؤدي فعله إلى العقاب».
من هنا كان أبو نواس في نظر أدونيس (بودلير) العرب.
• مهاجمة أدونيس للمرأة في الإسلام:
مما سبق اتضحت لنا نظرة أدونيس للمرأة؛ وهي نظرة تخالف التصور الإسلامي؛ إذ لم يكتف بامتهان المرأة وابتذالها واعتبارها محطاً للجنس والشهوة، بل ادعى أن هذه نظرة الإسلام أيضاً؛ مستنداً في ذلك على النصوص الإسرائيلية الأولى المحرفة، فنسب ما جاء فيها إلى الإسلام، كما نجده نسب إلى الإسلام نظرة المعتزلة والصوفية للإنسان؛ إذ نجده يقول: «ورغم أن الإسلام حرر المرأة من قيود كثيرة، اجتماعية وإنسانية، في الجاهلية، فإن ثمة تقليداً إسلامياً يُجْمِع على أن الله عاقب المرأة بعشر خصال: بشدة النفاس، والحيض، والنجاسة في بطنها وفرجها، وجعل ميراث امرأتين ميراث رجل واحد، وشهادة امرأتين كشهادة رجل، وجعلها ناقصة العقل والدين لا تصلي أيام حيضها، ولا يسلَّم على النساء، وليس عليهن جمعة ولا جماعة، ولا يكون منهن نبي، ولا تسافر إلا بولي، وهذا عدا تفضيل الإسلام الرجل على المرأة، من حيث أنه «قَوَّام عليها». ثم يواصل هجومه وافتراءاته على الإسلام، فيدعي أن الحب في الإسلام جنس. يقول أدونيس:
«لم يغير الإسلام طبيعة النظرة إلى المرأة، كما كانت في الجاهلية، أو طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، واكتفى بأن نظم هذه العلاقة فوضع لها قانوناً، وجعلها تتم وفقاً لطقوس معينة».
• الحب في القرآن الكريم كما يراه أدونيس:
يرى أدونيس أن الحب في الإسلام بقي كما كان في الجاهلية حسياً، ولذلك من الأفضل الاقتصار على استخدام لفظة الجنس، دون الحب؛ فالحب في الإسلام جنس في الدرجة الأولى.ويمكن أن نوجز خصائص الحب كما تظهر لأدونيس في القرآن، بما يلي:
1 ـ (ليس في العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة حب، بالمعنى الذي نقصده الآن بهذه الكلمة. والآية الوحيدة التي تشير إلى شيء من الحب هي التي وردت في سورة الروم آية 21 وهي القائلة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: ١٢].
2 ـ (الإنسان مجزأ في الإسلام إلى جسد وروح وعقل. ومن هنا يصعب فهم وحدته وفهم الوحدة بعامة).
3 ـ (الحـب فـي القرآن نقيـض الحـب الأفـلاطــــوني، لا حنين ولا بحث، لا وعد بالمستقبل، لا تطلُّع، لا هاجس علو ولا هاجس اتحاد).
4 ـ (الحب في القرآن قرار أو علاقة يقررها الرجل، وعلى المرأة أن تخضع؛ فليست الغاية الحب، بل التيه الجنسي. وهذا ما فصل الحب عن العمل واللغة).
ثم يستطرد أدونيس مفسراً نظرة الإسلام للمرأة والنفس الإنسانية بصورة خاطئة فيقول: «الحب هنا مجرد حب طبيعي بيولوجي، المرأة فيه لا تعرف الرجل، وهي لا تأمل بأن تصـير الآخـر أو تتـخطاه. والواقـع ليس هـنا امرأة بل نساء. النساء بالنسبة إلى العربي تجسيدات مختلفة للمرأة: عذراء ـ زوجة ـ أماً. لا مجال للصديقة أو الغانية (الزانية). العربي المسلم لا تهمه المرأة، بل تهمه النساء وهـو لا يـهمه أن يحبهن، بل يهمه أن يمتلكهن» ثم يستطرد قائلاً:
»يتضح من ذلك أن القرآن، في هذه المسألة، يسوي النفس كتلة من الغرائز والأهواء وهو يضع لها قانوناً يسمو بها ويصعِّدها. وهكذا أبقى عليها كما كانت في الجاهلية، لم يحاربها ولم يقتلها. وليس فيه حب، بل جنس. وصورة المرأة فيه هي صورة الزوجة. والزواج متعة جسدية من جهة، وإنجاب من جهة ثانية. ومن هنا تقترن صورة الزوجة بصورة الأم».
ويستمر أدونيس في توجيه طعناته للإسلام، فيقول:
«ومن هذه الناحية ينسجم الحب القرآني مع الحب اليوناني الوثني الذي كان يرى في عهوده المتأخرة، خصوصاً، أن تعاليم القديس بولس نوع من الجنون، والأحاديث النبوية ترى في الرهبنة كذلك نوعاً من الجنون. ولهذا يمكن أن نصف الحب القرآني بأنه امتلاك جسدي من أجل القضاء على الشهوة التي هي رمز الشيطان؛ فالمهم هو إشباع الشهوة، وتسهيل هذا الإشباع. هذه النظرة إلى المرأة، إلى العلاقة معها، تجعلها وسيلة وآلة. والواقع أن الرجل المسلم حين كان يتزوج امرأة ثانية، لم يكن يشعر أنه تخلى عن زوجته الأولى؛ ذلك أنه كان يراها وسيلة، وكان ينظر إليها كشيء مما يملكه. فصورة العلاقة بين الرجل والمرأة في القرآن هي علاقة زواج، أي علاقة ارتباط تعاقدي، ديني، وليست علاقة حب يرى أن الزوجين شخص واحد، وأن الرجل حين يتخلى عن زوجته يتخلى عن جزء من كيانه».
وهكذا نجد أن (أدونيس) قد افترى على الإسلام باسم الإسلام؛ إذ قرر أموراً وفق هواه ونسبها إلى الإسلام، ونحن لو قرأنا الصفحات التي قبل هذه الافتراءات نجده تحدث عن آراء الصوفية والمعتزلة، ثم نسب آراءهم إلى الإسلام، وقرر أن هذه هي نظرة الإسلام. كما نجده نسب النصوص الإسرائيلية الأولى حول الخطيئة الأزلية إلى الإسلام.
• المرأة في نظر إحسان عبد القدوس من خلال قصصه:
«المرأةُ في نظرِ إحسان عبد القدوس عبدةٌ لغريزتها الجنسيةِ التي تُسَيِّرُها وَفْقَ ما تشــاء لا كـــابح يكبَحُها، ولا ضابطَ يضبطُها، فَتُسلِّمُ نفسَها لكلِّ الرِّجالِ، وَتجمعُ بين أكثرِ من رجلٍ في آنٍ واحد، عرَّى جسَدها، وجعلَه حقاً مباحاً لكلِّ الرِّجال، لا قيمةَ البتة في نظره لعذريتها وشرفها، لقد جرَّدها من زوجيتها وأمومتها وبنوتها وأخوتها، كما جرَّدها من شرفِها وملابسِها، دعاها إلى الحريةِ الوجوديةِ المطلقة، وجعلها تتحررُ من كل القيم والتعاليم السماوية، بل سد أمامها كلَّ أبوابِ الفضائل، وفتح لها كلَّ أبوابِ الخطايا والرذائل، وجعل المجتمعَ مسؤولاً عن خطاياها. دعاها إلى التمردِ على كلِّ القيمِ والفضائل باسم الحريةِ والمساواة ومتعةِ الحياة ولذتها»[1].
حلَّل المحرمات: الخمـرَ والمخدراتِ والسفورَ والتبرجَ والاختلاطَ ومراقصةَ المرأةِ للرجل وتعريها أمامه، وحلَّل القبلاتِ والخلواتِ «خلو المرأة بالرجل»، ودعا إلى زواجِ المتعة، وهاجم وعارض بشدة تعاليم الإسلام التي تدعو المرأة إلى الفضيلة والاحتشام، وهاجم المجتمعات التي تلتزم بحجاب المرأة وتمنع الاختلاط[2].
والنساءُ في نظره كلهن سواء لا فرق بين متدينةٍ متحجبة وبين سافرةٍ متبرجة، أستاذةٍ جامعية وخادمة، وامرأةٍ مومس ساقطة، راقصة أو معلمة، فتاةٍ عذراء أو زوجة، أرملةٍ أو مطلقة أُمّاً أو ابنة، بل نجده أساء كثيراً إلى الأرامل والمطلقات، واتهمهن أنَّهن أكثر النساء يرتكبن الفواحش. فالنِّساءُ عنده جميعاً يسيطر عليهن «حيوان الجنس»، بل المتحجباتُ المتديناتُ في قصصِه أكثر نهماً، ويُسلِّمنَ أنفُسَهنَّ لأيٍ كان لأنهن ـ كما يدعي يعانين من الكبت والحرمان[3].
نلمس هذا من خلال قصصه، فنجده في قصة (كل النساء) وهي قصة رمزية جريئة، وهذه القصة تبين بوضوح نظرة إحسان إلى المرأة، ودعوتها إلى التمرد على كل الفضائل والتقاليد.
كما نجــد إحسان قــرَّر في قصــة «كــل النــساء» أنَّ قبلة الرجل لمرأة غير زوجته ليست حراماً، وجعل المرأة ضعيفة تستسلم لما يقول لها الرجل، فيحلل الحرام، وتقول له: هذا صحيح، وجعلته يقبلها!!! بل جعلها تسلم له نفسها، وأقنعها أنه لا يوجد شيء اسمه الشرف، وأنَّ المحافظة على الشرف تقليد من التقاليد، ويدعوها إلى التفريط في شرفها في سبيل اللذة والمتعة، ولنقرأ هذا الحوار في القصة ذاتها:
قال: ولكن لا تؤمنين بالتقاليد.
قالت ـ وكأنَّها تحاول أن تنكر ـ: أنا؟
قال: نعم! ألا تذكرين أول مرة خرجت فيها إلى... لقد قطعت يومها أول خيوط التقاليد..
قالت: هذا صحيح.. لقد مزَّقت التقاليد..
قال: ورضيتِ أن تتبعيني..
قالت: هذا صحيح.. لقد تبعتك.
قال: ليس هناك شيء اسمه الشرف، لأنَّك لا تؤمنين بأنَّ هناك شيئاً اسمه التقاليد.
قالت: ولكني أحس أني وهبتك شيئاً.. شيئاً عزيزاً.
قال: إنَّك لم تهبيني شيئاً، ولكنك وهبتِ نفسك للحياة.
قالت: تقصد هذه اللحظات الجميلة؟
قال: نعم!
قالت: ولكنها مرَّت سريعاً.
قال: هكذا شأن الحياة مهما طالت فهي دائماً تمر سريعاً.
قالت: ولكني ضحيت بالكثير في سبيل هذه اللحظات.
قال: إنَّما تشعرين به ليس الإحساس بالتضحية، ولكنه الإحساس بالندم.
قالت: الندم على الشرف الذي فقدته..
قال: لقد اتفقنا على أن ليس هناك ما يسمى الشرف!
قالت: إذن لماذا أحس بالندم؟
قال: إنَّك تندمين على هذه اللحظات الجميلة التي مرَّت سريعاً.. لأنَّها مرَّت سريعاً..
قالت: أريد أن أسترد الـ..
وقاطعها: لا تقولي إنك تريدين استرداد شرفك؛ لأنَّك لا تندمين عليه.. ولكنك تريدين استرداد هذه اللحظات التي تندمين عليها؛ لأنَّها مرَّت سريعاً.
قالت في ضعف وذل: كيف استردها؟
قال ـ في حزم ـ: لقد مرَّت ولن تعود..[4].
وهكذا نجد إحسان جعــل الفتاة تفرط في شرفها، ولا تندم على ذلك، وإنَّما تندم على مرور لحظات الفاحشة سريعاً...
هذا الكاتب لم يتجاوز فقط أخلاقياتِ الكتابةِ الأدبية، وإنَّما قد تجاوز كل القيم والفضائل، ودعا إلى ارتكاب الفواحش؛ فماذا يكون وقع هذه القصة على المراهقات عندما يقرأنها؛ وخاصة أنَّه يقال في أجهزة الإعلام: إنَّ الأستاذ إحسان عبد القدوس خيرُ من كتبَ عن المرأة، وعبَّر عنها؟!
وهنا أسأل الذين ينادون بحرية الرأي والتعبير: هل من حق المبدعِ باسم هذه الحرية الدعوة إلى ارتكاب الفواحش، وإشاعة الفوضى الجنسية، والتعدي على كل القيم والأخلاق، وتحليل ما حرمته جميع الديانات السماوية؟
إنَّ الأمثلةَ كثيرةٌ لا حصـــرَ لها من قصـــصِ إحسان عبد القدوس التي تدعو إلى التحلل والانحلال بإباحتهما؛ فكما رأينا، أنَّه صوَّر الفتاةَ تعرفُ أنَّ القبلةَ حــرامٌ، ولكنَّهـــا لا تعرفُ لماذا، ليوهم القارئ أنَّ تحريمَ القبلةِ نوعٌ من التقاليد، كما صوَّر المحافظةَ على الشَّرفِ نوعاً من التقاليد، لا علاقة لتحريمِ الأديانِ السماوية لها، حفاظاً على الأعراضِ التي شُرِّعَ القتالُ في سبيل الحفاظِ عليها، بل هو يلغي هنا الأديان السماوية؛ وهنا تكمن خطورة قصص إحسان، فهو يتطرق إلى طرح هذه القضايا ومناقشتها ليقنع بعدم حرمتها؛ فهو في قصة «فوق الحلال والحرام» أباح مراقصة المرأة للرجال، وشبّه الرقص بالصلاة، وأباح لبس المرأة للمايوه أمام الرجال، وجعله أساساً مبيحاً للعري مدَّعياً أنَّ أمَّنا حواء خُلقت عارية، فيقول على لسان هانئ: (إنَّ أي شيء مخبأ أو مغطى هو أكثر إثارة للإغراء من أي شيء مكشوف.. أحسـت كأنَّ سـيدنا آدم يعتـبرها مألوفاً سـهلاً رخـيصاً لا تحمل في كيانها أي ما تضن به على عينيه.. فبدأت بوحي من الله تغطي نواحي من جسدها حتى تثير في آدم غريزة اكتشاف كل ما لا تصل إليه عيناه. أي غريزة ضعفه أمام المجهول.. الضعف الذي يدفعه إلى التعلق بهذا المجهول واحترامه، بل وعبادته إلى أن يصل إلى اكتشافه ليتخلص من ضعفه أمامه..). وهذا القول يدل على جهل إحسان بما جاء في القرآن الكريم بهذا الصدد الذي يتحدث باسمه؛ فالقرآن الكريم بيَّن عكس ما ذكره الأستاذ إحسان بأنَّه جعل العري عقوبة لكلٍّ من سيدنا آدم ـ عليه السلام ـ وأمنا حواء لما عصيا أمر ربهما، وأنَّهـما قـبل حدوث المعصية منها لم يكونا عاريين، وأنهما لما عصيا أمر ربهما عاقبهما بالعري، وأخـذا يخـصفان على نفسيهما من ورق الشجر ليداريا ما بدا من سوءاتهما، أي أنَّ العري كان عقوبة لهما، يوضح هذا قوله ـ تعالى ـ: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْـجَنَّةِ فَتَشْقَى #٧١١#) إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى #٨١١#) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى #٩١١#) فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْـخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى #٠٢١#) فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْـجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى #١٢١#) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:٢١١ -٧٢١].
ولنتأمل قوله ـ تعالى ـ: {إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى}، {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْـجَنَّةِ}، فهاتان الآيتان توضحان خطأ الأستاذ إحسان ومدى جهله بما جاء في القرآن، وهو كما يبدو لم يقرأ الآيات القرآنية ذات العلاقة بهذا الموضوع، وإن كان قد قرأها فقد أوَّل القرآن وفق هواه.
هنا أتساءل أيضاً: هل حرية الإبداع، وحرية الرأي تدعو إلى تأويل القرآن وفق الأهواء للدعوة إلى العري وعدم الاحتشام لجعل المرأة ترتدي المايوه أمام الرجال، وجعل ذلك حلالاً؟
• صورة المرأة في أدب الدكتورة نوال السعداوي:
الدكتورة نوال السعداوي تلميذة نجيبة لفرويد؛ فكتابها «المرأة والصراع النفسي» لا يختلف كثيراً عن كتاب فرويد «التحليل النفسي للهستيريا»، فتحليلها لأسباب مرض العُصاب لا يختلف عن تحليل فرويد للهستيريا؛ ففي كتابها الذي سبق ذكره أرجعت أسباب مرض العصاب (وهو مرض نفسي يؤدي أحياناً إلى صداع نفسي، أو اكتئاب، أو فقدان الشهية للطعام، أو الإقبال المتزايد عليه، أو قلق، أو أحلام مزعجة... إلخ) ترجعها إلى أسباب جنسية في المقام الأول، وجعلت نِسَباً كبيرة من سيدات مجتمعها تمارس الجنس قبل الزواج، ومع رجال آخرين بعد الزواج، كما جعلت نسباً كبيرة من الآباء والإخوة في مجتمعها يمارسون الجنس مع بناتهم وأخواتهم، واعتبرت العلاج من هذا المرض يكون في إزالة التفرقة بين الجنسين، وإزالة الكبت في حياة البنات والنساء، وإزالة القيود التي تمنع المرأة والنساء، وإزالة الخوف الذي يجعل البنت تكذب على نفسها والآخرين، وتصبح عاجزة عن ممارسة الحب الصادق، وتهيئة الظروف والإمكانات التي تساعد المرأة على العمل المنتج الخلاَّق، وتحقيق ذاتها كإنسانة لها عقل أو ليست مجرد جهاز تناسلي لولادة الأطفال وإشباع الزوج، ومن هنا نرى أنَّ علاج النساء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية تحرير المرأة»[5].
فهي تريد المرأة أن تتحرر من الدين والقيم والأخلاق، وأن تمارس الجنس بحرية؛ فالمرأة «العقل» في نظرها هي التي تتمتع بالحرية الجنسية، ولذا ركَّزت في كتابيها «الأنثى هي الأصل» و «المرأة والصراع النفسي» على هذه الناحية، وتحدثت باستفاضة عن ممارسة المرأة للجنس قبل الزواج وبعد الزواج مع عدة رجال في سبيل إشباع رغبتها الجنسية، لذا طالبت بتعدد الأزواج، ومجَّدت المومس «فردوس» بطلة قصتها «امرأة عند نقطة الصفر» إذ اعتبرتها بطلة شجاعة؛ فهي تنادي بالإباحية والشيوعية الجنسية، بل سخرت في كتابها «المرأة والصراع النفسي» من الشرف والعرض والعذرية، وقالت: «إنَّ مفهوم الشرف مرتبط في المجتمع المصري بما يسمى (العرض) أو عذرية الفتاة قبل أن تتزوج، وإخلاصها لزوجها وطاعته بعد الزواج» ثُمَّ تقول: «لكن الزواج من فتاة غير عذراء يعتبر حتى اليوم في مجتمعنا المصري أمراً مكروهاً لا يقبله أي رجل»[6].
واعتبرت المرأة َفي المجتمعات البدائية تتمتع بمكانة اجتماعية عالية؛ لأنَّها تتمتع بالحرية الجنسية، فتقول: (إنَّ البغاء لم يظهر في المجتمعات البدائية؛ لأنَّ الحرية الجنسية كانت ممنوحة للشباب من الجنسين، ولم تعرف المجتمعات الأموية ـ تقصد نسبة الأولاد إلى الأم ـ البغاء؛ لأنَّ مكـانة المرأة الاجتماعية كانــت عالية، وكانت لها الحرية الكامـلة كالرجـل، وهـذا شـيء منطـقــي، كمــا أنَّ البـغـــاء لا يمكن أن يحدث في مجتمع يساوي بين الجنسين في القيود الجنسية»[7]. بل نجدها تستنكر عدم السماح للمرأة بممارسة الجنس إلاَّ مع زوجها[8].
وهي ترفض الحجاب، لأنَّه وَفْقَ مفهومها الضيق ينظر إلى المرأة أنَّها جسد. والواقع أنَّ نظرتها هي للمرأة قائمة على أنَّها جسد، ومحط متعة وشهوة، وأنَّ لديها غريزة تفوق الرجل، وعليها أن تمارس الجنس بحرية لتشبع غريزتها، وترفض عقد الزواج، وتنادي بإبطاله؛ لأنَّه يحترم المرأة ويصونها ويحافظ على عفتها وطهرها[9].
وبعدُ: فهذه نماذج لبعض الأدباء والشعراء الذين يعد معظمهم من الرواد، توضح لنا مدى خروجهم عن أخلاقيات الكتابة الأدبية، وتجاوزهم كل الحدود؛ فقد دعوا إلى التحلل والانحلال، وانحطاط النفس الإنسانية إلى أحط مراتب الحيوانية والإباحية الجنسية، وتجاوزوا الخطوط الحمراء تحت شعار حرية الرأي، وحرية الإبداع!
وهكذا كما تلاحظون كيف ذُبنا في الآخر، وأصبح أدبنا مزيجاً من المذاهب الأدبية والفلسفية والنفسية والسياسية والاقتصادية الغربية رغم مخالفتها لديننا ولقيمنا، فخرج أدبنا المعاصر في معظمه عن حدود أخلاقيات الكتابة الأدبية، ولم يعد يمثل هويتنا الإسلامية؛ إذ أخذ معظم الأدباء بنظرية «الفن للفن» التي ترجع في أصولها البعيدة إلى ما دعا إليه (أرسطو) من وجوب استبعاد الأخلاق عن الشعر[10].
• مواجهة العولمة الفكرية:
ولكــي نواجـه هذه العولمة الفكرية والثقافية والأدبية، لا بد من الالتزام بأخلاقيات الكتابة الأدبية المتمثلة بالتزامنا بالتصور الإسلامي للخالق جلَّ شأنه والإنسان والكون والحياة.
قد يقول قائل: لقد ذبنا في الآخر؛ لأنَّنا عاجزون عن إيجاد منهج أدبي يعبِّر عن هويتنا واستقلاليتنا.
وأقول هنا: علينا أن نثق بالعقلية الإسلامية، وقدرتها على التنظير والابتكار، ولقد حاول الآخر إفقادنا الثقة في نفوسنا، وفي قدرتنا على الإبداع والابتكار، وما قالوه عن العقلية العربية بالذات، إنَّها عقلية ذرية مفككة، أي غير قادرة على التجميع، وأنَّها غير قادرة على القيادة واتخاذ القرار؛ وذلك ليبرروا استعمارهم لعالمنا العربي، وللأسف نجد من يصر على التأكيد على هذه الادعاءات بالسخرية من كل ما هو إسلامي ومحاربته، وهذا ما يريدونه الآن ليفرضوا علينا العولمة، ولكن أقول: إنَّ الله قد حبا الأمة الإسلامية منهجاً ربانياً تستقي منه أدبها، والأدب الإسلامي هو هذا المنهج الذي يمثل الالتزام بأخلاقيات الكتابة الأدبية.