مروة محمد - فقه الحب.. هل أتاك حديث العاشقين؟!

- الحبُّ ابتداؤه شغفٌ، وأواسطُه اشتهاءٌ لا ينهيه ارتواءٌ، وغاياته اشتياقٌ إلى رجفاتِ البدايات
- المحبون وحدهم هم الأحياء في زمن الفوات والممات

أراد الروائى الدكتور يوسف زيدان، من خلال كتابه "فقه الحب" أن يتناول الجانب العاطفى من ناحية فقهية، وذلك عبر مقاطع نثرية وشعرية منفصلة مكتوبة تناقش بعض الموضوعات المختلفة.
صدرت الطبعة الأولى من الكتاب في نوفمبر 2015 عن دار الرواق. وكان زيدان نشر أجزاء منه على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" قبل صدوره.
يعد الكتاب محاولة من زيدان للسمو بالروح الإنسانية وعزلها عن حالة الصراع والكراهية التي أغرقت المجتمع، وذلك من خلال عبارات وجمل ساحرة تغذى الروح والعقل معًا.

أهدى زيدان كتابه إلى الخافقة قلوبهم والمحبين، فهم وحدهم بحسبه الأحياء في زمن الفوات والممات، وفى الكتاب دعوة عامة لنشر الحب والغرق في بحوره كونه طوق النجاة الذي ينقذ البشر من المآسى والصعاب التي يمرون بها.
زيدان اختار عنوانًا جاذبًا للقارئ "فقه الحب"، فسمعنا عن الفقه الدينى والفقه القانوني، ولكن لم نسمع عن فقه المشاعر، الذي يهدف إلى المعرفة العميقة للعشق والعاشقين. والكتاب يأتى كنوع لإعادة التوازن للعقل الجمعى عبر التذكير بالمعانى الإنسانية.
الكاتب أبهر القراء بالعبارات والتراكيب الشعرية التي جاءت في فقه الحب، معتمدًا على حسه اللغوى وتعمقه فيها، وتقريبًا استخدم غالبية المحسنات البديعية من تضاد واستعارات وغيرها.
زيدان وفق في اختيار الجمل التي وردت بكتابه وأراد من خلالها توصيل القارئ إلى حالة من العشق السامى إلا أن جملة: "لا يعرف المحب قيمة المحبوب، إلا حين يفقده" تتنافى مع حالة السمو المذكورة، فمن المفترض أن المحب يعرف قيمة محبوبه سواء كان بجواره أو غاب عنه، ومن غير الضرورى أن أفقد من أحب حتى أشعر بقيمته.
وفى فقرة أخرى من فقرات الكتاب يقول زيدان: "قد ينقم المحبُّ على المحبوب، فيؤلمه. فإن لم يتألم معه، فلا هو مُحبٌّ، ولا محبوبه محبوب"ٌ.
لخص الكتاب في إحدى الفقرات حال الإنسان الذي يوجد بداخله صراع بين الخير والشر، فيقول زيدان: "الإنسان جامع للمتعارضات جميعها، وفيه المراتب كلها، كأمنة: السمو والسفالة، الملائكية والشيطنة، النسب والحقارة، الأثرة والإيثار، ولهذا قيل إنه الكون الجامع للأمر كله. ولا ارتقاء له في تلك المراتب، إلا بالحب". ما سبق يسلط الضوء على ما يدور بداخل الإنسان من تناقضات يقضى عليها الحب، وربما يقصد الحب بشتى صوره: حب الناس، حب الخير، حب العاشق لمعشوقه لأن المحب بشكل عام يتميز بالسلام الداخلى الذي يرفع عنده هرمونات السمو والإخلاق الرفيعة.
وفى موضع آخر يقول زيدان: "العشق اكتمال الحب وإتمامه، إن سمح الزمان بالوصال. فكل عاشق محب، وليس العكس.. الحب آمال، والعشق الوصال. الحب هوى العابر، والعشق مداومة المثابر. الحب ابتداء الحال، والعشق حلم الفانى بالدوام.. العشق طلب الخلود، وتوحيد المعبود، والفوز بالكنز الموعود المرصود خلف الباب الموصود".
وفى توضيحه للفرق بين الحب والعشق، يقول أن الحب سماوى بطبعه لأنه يعلو بالمحبوب عن حيزه الأرضى فيصل به إلى أسمى مدى، أما العشق فهو طريق أرضى يوصل بالغوص فيه إلى أعلى عليين، فيقول: «طريقُ الحبِّ السماوى لا يبدأ إلا بالعشق الأرضي، فإن انتقل القلبُ إلى الأفق الأعلى، صفا من مُكدّرات الحال في زمن البدء، وتسامى عن مشوّشات الحب: الغيرة، الأنانية، وَهْم الامتلاك.. ومثل ذلك من أحوال الكائنات الزاحفة، لا الصقور المحلّقة في السماوات العُلى».
وأراد زيدان أن ينبه القارئ إلى أهمية المحبة والعشق في نشر الرحمة والألفة بين البشر من خلال قوله: "لولا المحبة، والعشق، لما عرف البشر رحمة أو ألفة أو شغفًا باللا محدود أو إطلاق الخيال. بلا حدود. ولولا المحبة والعشق، ما كانت المعرفة.
المحبون زائلون، لأنهم مادة فانية. أما الحب ذاته فهو سرمدى الدوام لأنه لا مادي.
وفى كلمات زيدان: "في الحب من الأمومة، المنح بلا حدود. ومن الأبوة، الروح الراعية السارية بلا حدود. ومن الأخوة، الأنس، وطمأنينة صلة بلا انقطاع. ومن الصداقة، الصحبة المبهجة والمشاغبة بلا غلطة.. ومن الإنسانية، معناها التام". يشعر زيدان القارئ بمدى الأمان المطلق الذي يشعر به المحب. ويسترسل زيدان موضحًا مراحل الحب بقوله: "الحبُّ ابتداؤه شغفٌ، وأواسطُه اشتهاءٌ لا يُنهيه ارتواءٌ، وغاياتُه اشتياقٌ إلى رجفاتِ البدايات، قد ينقم المحبُّ على المحبوب فيؤلمه، فإن لم يتألم معه، فلا هو مُحبٌّ ولا محبوبه محبوبٌ".
ويسلط زيدان في كتابه الضوء على مفاهيم اختلطت عند الناس، كمفهوم الحب العذري، وينسبه لقبيلة عذرة في الجزيرة العربية، فمن كان يسأل لأية قبيلة ينتمى كانت إجابته {نحن من الذين إذا عشقوا ماتوا} نسبة لهذه القبيلة التي تميزت برقة المشاعر ورقيها.
أما الحب الأفلاطونى الذي يضرب الناس المثل به في العفة والبراءة فهو مفهوم خاطئ لأن أفلاطون نفسه كان كارها للمرأة، وهو يرى الحب كواحد من اثنين، حب دنيوى حسى احتقره وحب آخر يرتقى بالنفس الإنسانية عن المحسوسات فتتعلق بالقيم الكبرى كالحق والخير والجمال وهو موجود في عالم المثل، وحب أفلاطون لا يتحول إلى عشق لأن الفكرة تتعشق مع ما تنجذب إليها.
وهناك الحب الذي ينسب لإمرؤ القيس وهو حب يتجاوز الحدود البريئة إلى تفاصيل صارخة في الماديات.
وفى ثنايا الكتاب توجد العديد من العبارات التي ترهف الحس مثل: "كل غال يزيف. وكل نادر ينسخ. وكل قديم يقلد.. والحب من أغلى وأندر وأقيم المعاني، إن لم يكن أغلاها وأندرها وأقيمها على الإطلاق. ولهذا وجب الحذر". وكذلك" "الحب قوت الفقير، وفاكهة الغني، وتبصير الغبي، وتليين القاسي.. وهو تذكير الناسى بأنه إنسان"، كما هي عبارات جذابة تظهر تأثير الحب على تليين القلوب القاسية، وتذكير البشر بإنسانيتهم.
 
أعلى