نقوس المهدي
كاتب
حين تحدثت فى مقالين سابقين عن التحرش الجنسى بالأطفال والنساء لم يكن هذا سوى عرض لظاهره تواجه الكثير من المجتمعات.. لكن هدفى الأساسى هو التمهيد وجذب القارىء لما أود أن أعرضه من ربط بين الأدب باختلاف أجناسه من أدب عربى وعالمى وبين طرق معالجته وعرضه للجنس. والجنس هو أحد أضلاع مثلث محرم: جنس, مخدرات, وخمور. وللأدباء وجهات نظر مختلفة تجاه استخدام الجنس والخمر والمخدرات فى الأدب.. فمنهم مؤيد لوجودهم ويرى أنهم لا يؤثرون على العمل الأدبى ولا يحولوه إلى أدب جنسى. ومنهم من يتبنى وجهة نظر أخرى.
الجنسانية مكون اساسي في مكونات الحضارة الثقافية، ومن ثم فان دراستها وتحليلها يقدمان تصورات فكرية تسهم في تفسير كثير من القضايا والظواهر الثقافية التي رافقت مسيرة العرب والمسلمين الحضارية.. كما ان الجنسانية لا تنفصل عن الاشكال والانساق الثقافية الاخرى مثل: الرحلة، والعشق، والحرب، والكرم، والبخل وغيرها من الانساق.. بل ان الجنسانية ابلغها اثرا واعمقها تاثيرا واشدها حساسية من جهة انها نظام لا يمكن للافراد الا الانخراط فيه والتفاعل معه، انها شبكة تحيط بالانسان وتحدد مفاهيمه.
ويقول الناقد الأدبي حسين حمودة: يجب أن نفرق بين الروايات التي تعالج موضوعات مثل الجنس لكي تكشف جانبا مهما في حياة البشر، وأخرى تتناول تجربة الجنس والخمور والمخدرات، بطريقة تبحث عن الرواج أو الانتشار، وأشار إلى أن النقطة الحاسمة في التمييز بين هذه الروايات وتلك ترتبط بجدية الروائيين والروائيات، ونبل مقاصدهم الذي يعد جزءا أساسيا من الإبداع الحقيقي.
وأوضح أن هناك أعمالا إبداعية كبيرة عالجت موضوع الجنس في التراث العربي وأسيء فهمها، بل وحوكم أصحابها أو طردوا من أوطانهم، مشيرا إلى تجربة ديفيد هيربرت لورانس، وهينري ميلرر، فالأول منعت بعض أعماله في بريطانيا، والثاني لم يستطع العيش في الولايات المتحدة الأمريكية.
ونجد الروائي أحمد مراد في روايته ” 1919″يتناول موضوع البغاء المقنن، ويتطرق أيضا لتناول الخمور. فالجنس ليس جديدا على الأدب المصري، فظهر لأول مرة في رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل حيث تحكي عن حامد الذي يبحث عن الحب بعدما تزوجت ابنة عمه من شاب آخر ويحاول أن يجده مع الفلاحة زينب، كما قدم الأديب نجيب محفوظ في رواياته، مفهوما آخر للجنس، والذي ربط الجنس بالحياة المصرية
بينما قال الروائي الشاب هيدرا جرجس: إن الروايات التي تعتمد على أسلوب الإثارة، مستخدمة في مضمونها قصص الجنس والخمور والمخدرات، لا تمثل اتجاها حديثا في الكتابة الروائية؛ لأنها موجودة منذ عهد جلال الدين السيوطي وغيره من الكتاب، وإذا تم توظيفها في إطار فني فلا ضرر منها، على ألا تكون الإثارة الهدف الأساسي منها.
وأضاف جرجس أن الروايات التي تعتمد على أسلوب الإثارة ليست “ظاهرة” في السوق المصري كما أنها لم تحقق صدى أو نجاحا، فقد حققت الروايات ذات الطابع السياسي والتاريخي نجاحا أكبر بكثير من روايات الإثارة.
تضاربت الآراء حول مثلث ” الجنس والإدمان والخمور”، ففي البداية يقول الكاتب إبراهيم عبد المجيد: إن اعتماد الرواية المصرية في مضمونها على الإثارة لا يعد اتجاها حديثا في الكتابة؛ فهي كذلك منذ ظهورها، وأوضح أن وجود جرأة في تناول الرواية للموضوعات المثيرة في الوقت الحالي؛ يرجع إلى وجود عوامل الإثارة عبر شبكة الإنترنت.
وأضاف عبد المجيد: إن اعتماد الروايات على الإثارة يأتي في سياق رسم الشخصيات، مشيرا إلى أن الروايات العالمية يبرز فيها أسلوب الإثارة، مشيرا إلى أنه حتى وإن كانت الإثارة مقصودة فلا ضرر من الإثارة طالما هناك حس فني وإبداعي في الرواية.
وكان الروائي علاء الأسواني، قد تناول في روايته ” شيكاغو” الصادرة في عام 2007، موضوع إدمان المخدرات، في شخصية الفتاة التي عانت من مشكلاتها مع والدها، وتركته لتعيش مع شاب يجعلها تدمن المخدرات، ووجهت للرواية الكثير من الانتقادات بسبب الحديث عن الجنس المبالغ فيه، فالكاتب وصف الحياة الجنسية لأغلب شخصيات الرواية بأدق تفاصيلها إلى درجة كاد أن يتحول فيها الجنس إلى بطل الرواية.
تناولت أيضا رواية ” عمارة يعقوبيان ” للأسواني، الجنس، فقد صور فيها رجلا يعشق الساقطات، ولا يبالي بما يدور حوله، وانصب اهتمامه في إشباع رغباته فقط، وتطرق أيضا إلى الشذوذ الجنسي، الذي جسده في شخص رئيس تحرير الصحيفة الفرنسية.
أزمة المجتمع المصرى تكمن فى عدم وعى القارىء بمعنى أن الأدب العالمي في غالبيته العظمي تناول الجنس بدرجات متفاوتة تصل إلي حد الإباحية كما في كتابات هنري ميللر كما أن الأدب العربي المعاصر بدءا من نجيب محفوظ مرورا بإدوار الخراط ويوسف إدريس ثم جيل الستينيات لا يخلو من مشاهد جنسية صريحة.. فأين هي المشكلة؟ وهل هناك أزمة جنس في الأدب العربي أم أن هناك أزمة جنس في المجتمع؟
الناقد والشاعر د. محمد بدوي في مقال كتبه عن الموضوع في صحيفة أخبار الأدب يري أن البعد الأساسي للأزمة يتمثل في انعدام تقاليد القراءة مما يجعل القاريء غير مدرب علي نحو معقول علي التفريق بين أدب وأدب, كما أن هذا القاريء المثقل بالكبت سوف يرفض علنا هذه الكتب لكنه سيجهد نفسه لاقتنائها والاطلاع عليها.
وتوضح د. فريال غزول أستاذ الأدب في الجامعة الأمريكية في ندوة عن حرية التعبير حيث أن الكتابة البورنوغرافية لا تقتصر علي ما هو جنسي بل تتاجر بالجنس وتجعل منه سلعة للبيع كما يفعل العاهر أو العاهرة, وبالتالي فالبعد التجاري والتكسب أساسيان وهو ما يميز البورنو عن غيره من المجالات (..) ولأن الغاية تجارية في البورنو فالكتابة فيها تبتعد عن التعقيد والتركيب ليسهل استهلاكها, وكتابات البورنو لا تكتفي بتقديم مشهد جنسي تقتضيه ضرورة الحبكة بل يكون العمل كله من الغلاف إلي الغلاف مشغولا بالجنس انشغالا كليا وفي كتابه المهم أزمة الجنس في القصة العربية يتتبع د. غالي شكري تاريخ كتابة الجنس في الأدب ومدي الكشف أو التستر والترميز الذي يستخدم به الجنس وفقا لظروف العصر ووضع المرأة فيه .. فكلما قل وضع المرأة قل التعبير عن الجنس مثلما حدث في القرن الثامن عشر فبهذه النظرة الرومانسية رأي الإنسان الجديد حاجته الملحة تتحول رويدا رويدا إلي حاجة ثانوية, بعد أن أحاط المرأة بهالة نورانية من ضوء سماوي خالد وانزوي الجنس من صفحات الأدب الرومانسي إلي الهوامش لأنه لم يصدق أن المرأة ـ هذه القديسة الملائكية ـ يمكن لجسدها أن يحتوي هذه الحاجة الملحة. حتي ظهر بلزاك وموباسات وفلوبير وما أسهموا فيه من إعادة الربط بين الحب والرغبة والجنس. ثم اختلف الأمر بظهور رواية عشيق الليدي تشاترلي لـ د.هـ. لورانس والتي أثارت ضجة كبيرة لأن لورانس كانت لديه نظرية محورها أن الجنس مظهرا لنشاط الإنسان بل هو أصل هذا النشاط.
وفي هذا الكتاب نالت كتابات نجيب محفوظ القسم الأكبر من الاهتمام بدراسة الجنس فيها ثم يحيي حقي وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وكوليت خوري وليلي بعلبكي.. ويتراوح بالتأكيد تناوله لدي كل منهم بشكل كبير لكنه كان مقبولا لدي القاريء بشكل عام.
ومع ذلك فهناك آراء تري أن الكتابة الإباحية استفزازية وسنجد مثلا أن الشاعر الفلسطيني محمود درويش في حواره مع أخبار الأدب يقول في هذا الموضوع: مبدئيا لا أعترض علي حرية المبدع في كسر أي تابو لكن ضمن مشروع إبداعي حقيقي أما إذا كان هذا الكسر للاستفزاز فقط ولا يفيد العملية الإبداعية وليس جزءا عضويا من النص يصبح أمرا مجانيا صحيح أنا لا أكتب في هذه الموضوعات أنا شاعر محتشم لكن أحبّ الشعر الإيروسي (..) ولكن لا أحب البورنو أو الأدب الإباحي ليس لأن لي موقفا مضادا للجنس ولكن دفاعا عن الإثارة الجنسية .. أفضل الإيروسية علي الإباحية حتي من الناحية الشهوانية.. العمل الإيروسي يخدم أكثر من العمل الإباحي
وعلي النقيض من هذه الآراء يقف د. فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة والذي كتب في الأهرام: إنني لا أتردد بوصفي أستاذا ظل يقوم بتدريس مادة فلسفة الجمال والفن في جامعات مصرية وعربية لمدة لا تقل عن أربعين عاما ـ بالإجابة عن السؤال بالنفي.
أما السؤال فهو: هل يعد التمادي في الحديث عن الجنس والوصف المفصل للتجارب الجنسية نوعا من أنواع الإبداع؟
أما الأسباب التي يبرر بها د. زكريا نفيه فيوضحها بقوله: إن الإبداع بطبيعته وحسب تعريفه يتعلق بتجربة متفردة لا تتكرر والجنس تجربة عادية ذات أصول بيولوجية يشترك فيها الناس جميعا بل يشتركون فيها مع الحيوانات أيضا فأين الإبداع في هذا؟(!!)
أما الدكتورة مني طلبة أستاذ الأدب العربي في جامعة عين شمس فتري أن تناول الجنس من أجل الجنس مرفوض بالنسبة لها وتضيف: أنا ضد أدب التنفيس والذي يركز علي تصوير قبح الواقع لكن علي أي حال فهذه القضية معقدة لأنها ترتبط بمجموعة كبيرة من العوامل: فهناك عوامل متعلقة بالعمل الأدبي الذي يتداخل مع ثقافة الكاتب وقراءاته ومدي إلمامه بالأدب العالمي ومدي الجهد الذي يبذله في الكتابة وتوظيفه للجنس ومدي نجاحه في هذا ومن جهة فالجيل الجديد من الكتاب لا يحظون بالرعاية التي توفرت لجيل الستينيات سواء من مواكبة النقد لأعمالهم وعملية التثقيف.. إلخ بالإضافة إلي أنهم يكتبون في مناخ لا يهتم بالكتابة.. لذلك لا يتجهون للقاريء بقدر ما يكتبون من أجل الكتابة.
وتضيف د. طلبة أن القاريء نفسه الآن لا يجد نوعية تجعله يقرأ عن فهم أو يشاهد فيلما.. ناهيك عن الهجمة الدينية التي لا تهتم سوي بمن خلعت ثيابها والإباحية بينما تتجاهل المشاكل الأساسية في المجتمع.
وأخيرا يقدم د. فتحي أبو العينين أستاذ علم الاجتماع الأدبي في جامعة عين شمس رؤيته لقضية الجنس في الكتابة الأدبية بقوله: الأدب في كل مكان في العالم وفي تاريخ الثقافات علي اختلافها اقتحم مجالات من حياة الإنسان وعالجها أدبيا لأنه في النهاية تعبير عن رؤية للعالم يضطلع بها فنان كاتب أقدر من غيره في التعبير عنها.
وقضايا الثالوث المحرم الجنس والدين والسياسة جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، وبالتالي لا ينبغي أن تكون هناك أي محددات أو عوائق تحول دون الاتخاذ من هذه القضايا خامة أو مادة تعالج أدبياً، لأن الجنس موجود في حياتنا، ونمارسه بأشكال وصيغ تخضع للسياق الثقافي فلا ينبغي حرمان الأدب من التعامل مع أي من هذه القضايا.
ويضيف د. أبو العينين أن الأمر يخضع في النهاية للمعالجة الفنية واستخدام الجماليات للتعبير, ولكل فنان حريته في الانتقاء بين العناصر الجمالية وبناء عمله الفني سواء كان رواية أم لوحة أم قطعة موسيقية.
الأدب يعالج قضايا الإنسان وإحباطاته ووعيه وأفكاره وأحلامه المكبوتة التي يمكن أن تتضمن حتي الحلم أو الرغبة في اختراق المحرمات وهو ما كشفه التحليل النفسي للأحلام بالإضافة للعقد النفسية والجنسية ـ والجنس في النهاية رغبة عادية ومشروعه لدي كل الناس وتتم ممارستها من قبل الجميع وفقا للثقافة السائدة.. فلماذا يتم تحريمها “فقط” في الكتابة؟!
- د. طارق رضوان - الجنس المرفوض والجنس المقبول فى أدبنا العربى والعالمى بين العمل الإيروسى والعمل الإباحى
الجنسانية مكون اساسي في مكونات الحضارة الثقافية، ومن ثم فان دراستها وتحليلها يقدمان تصورات فكرية تسهم في تفسير كثير من القضايا والظواهر الثقافية التي رافقت مسيرة العرب والمسلمين الحضارية.. كما ان الجنسانية لا تنفصل عن الاشكال والانساق الثقافية الاخرى مثل: الرحلة، والعشق، والحرب، والكرم، والبخل وغيرها من الانساق.. بل ان الجنسانية ابلغها اثرا واعمقها تاثيرا واشدها حساسية من جهة انها نظام لا يمكن للافراد الا الانخراط فيه والتفاعل معه، انها شبكة تحيط بالانسان وتحدد مفاهيمه.
ويقول الناقد الأدبي حسين حمودة: يجب أن نفرق بين الروايات التي تعالج موضوعات مثل الجنس لكي تكشف جانبا مهما في حياة البشر، وأخرى تتناول تجربة الجنس والخمور والمخدرات، بطريقة تبحث عن الرواج أو الانتشار، وأشار إلى أن النقطة الحاسمة في التمييز بين هذه الروايات وتلك ترتبط بجدية الروائيين والروائيات، ونبل مقاصدهم الذي يعد جزءا أساسيا من الإبداع الحقيقي.
وأوضح أن هناك أعمالا إبداعية كبيرة عالجت موضوع الجنس في التراث العربي وأسيء فهمها، بل وحوكم أصحابها أو طردوا من أوطانهم، مشيرا إلى تجربة ديفيد هيربرت لورانس، وهينري ميلرر، فالأول منعت بعض أعماله في بريطانيا، والثاني لم يستطع العيش في الولايات المتحدة الأمريكية.
ونجد الروائي أحمد مراد في روايته ” 1919″يتناول موضوع البغاء المقنن، ويتطرق أيضا لتناول الخمور. فالجنس ليس جديدا على الأدب المصري، فظهر لأول مرة في رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل حيث تحكي عن حامد الذي يبحث عن الحب بعدما تزوجت ابنة عمه من شاب آخر ويحاول أن يجده مع الفلاحة زينب، كما قدم الأديب نجيب محفوظ في رواياته، مفهوما آخر للجنس، والذي ربط الجنس بالحياة المصرية
بينما قال الروائي الشاب هيدرا جرجس: إن الروايات التي تعتمد على أسلوب الإثارة، مستخدمة في مضمونها قصص الجنس والخمور والمخدرات، لا تمثل اتجاها حديثا في الكتابة الروائية؛ لأنها موجودة منذ عهد جلال الدين السيوطي وغيره من الكتاب، وإذا تم توظيفها في إطار فني فلا ضرر منها، على ألا تكون الإثارة الهدف الأساسي منها.
وأضاف جرجس أن الروايات التي تعتمد على أسلوب الإثارة ليست “ظاهرة” في السوق المصري كما أنها لم تحقق صدى أو نجاحا، فقد حققت الروايات ذات الطابع السياسي والتاريخي نجاحا أكبر بكثير من روايات الإثارة.
تضاربت الآراء حول مثلث ” الجنس والإدمان والخمور”، ففي البداية يقول الكاتب إبراهيم عبد المجيد: إن اعتماد الرواية المصرية في مضمونها على الإثارة لا يعد اتجاها حديثا في الكتابة؛ فهي كذلك منذ ظهورها، وأوضح أن وجود جرأة في تناول الرواية للموضوعات المثيرة في الوقت الحالي؛ يرجع إلى وجود عوامل الإثارة عبر شبكة الإنترنت.
وأضاف عبد المجيد: إن اعتماد الروايات على الإثارة يأتي في سياق رسم الشخصيات، مشيرا إلى أن الروايات العالمية يبرز فيها أسلوب الإثارة، مشيرا إلى أنه حتى وإن كانت الإثارة مقصودة فلا ضرر من الإثارة طالما هناك حس فني وإبداعي في الرواية.
وكان الروائي علاء الأسواني، قد تناول في روايته ” شيكاغو” الصادرة في عام 2007، موضوع إدمان المخدرات، في شخصية الفتاة التي عانت من مشكلاتها مع والدها، وتركته لتعيش مع شاب يجعلها تدمن المخدرات، ووجهت للرواية الكثير من الانتقادات بسبب الحديث عن الجنس المبالغ فيه، فالكاتب وصف الحياة الجنسية لأغلب شخصيات الرواية بأدق تفاصيلها إلى درجة كاد أن يتحول فيها الجنس إلى بطل الرواية.
تناولت أيضا رواية ” عمارة يعقوبيان ” للأسواني، الجنس، فقد صور فيها رجلا يعشق الساقطات، ولا يبالي بما يدور حوله، وانصب اهتمامه في إشباع رغباته فقط، وتطرق أيضا إلى الشذوذ الجنسي، الذي جسده في شخص رئيس تحرير الصحيفة الفرنسية.
أزمة المجتمع المصرى تكمن فى عدم وعى القارىء بمعنى أن الأدب العالمي في غالبيته العظمي تناول الجنس بدرجات متفاوتة تصل إلي حد الإباحية كما في كتابات هنري ميللر كما أن الأدب العربي المعاصر بدءا من نجيب محفوظ مرورا بإدوار الخراط ويوسف إدريس ثم جيل الستينيات لا يخلو من مشاهد جنسية صريحة.. فأين هي المشكلة؟ وهل هناك أزمة جنس في الأدب العربي أم أن هناك أزمة جنس في المجتمع؟
الناقد والشاعر د. محمد بدوي في مقال كتبه عن الموضوع في صحيفة أخبار الأدب يري أن البعد الأساسي للأزمة يتمثل في انعدام تقاليد القراءة مما يجعل القاريء غير مدرب علي نحو معقول علي التفريق بين أدب وأدب, كما أن هذا القاريء المثقل بالكبت سوف يرفض علنا هذه الكتب لكنه سيجهد نفسه لاقتنائها والاطلاع عليها.
وتوضح د. فريال غزول أستاذ الأدب في الجامعة الأمريكية في ندوة عن حرية التعبير حيث أن الكتابة البورنوغرافية لا تقتصر علي ما هو جنسي بل تتاجر بالجنس وتجعل منه سلعة للبيع كما يفعل العاهر أو العاهرة, وبالتالي فالبعد التجاري والتكسب أساسيان وهو ما يميز البورنو عن غيره من المجالات (..) ولأن الغاية تجارية في البورنو فالكتابة فيها تبتعد عن التعقيد والتركيب ليسهل استهلاكها, وكتابات البورنو لا تكتفي بتقديم مشهد جنسي تقتضيه ضرورة الحبكة بل يكون العمل كله من الغلاف إلي الغلاف مشغولا بالجنس انشغالا كليا وفي كتابه المهم أزمة الجنس في القصة العربية يتتبع د. غالي شكري تاريخ كتابة الجنس في الأدب ومدي الكشف أو التستر والترميز الذي يستخدم به الجنس وفقا لظروف العصر ووضع المرأة فيه .. فكلما قل وضع المرأة قل التعبير عن الجنس مثلما حدث في القرن الثامن عشر فبهذه النظرة الرومانسية رأي الإنسان الجديد حاجته الملحة تتحول رويدا رويدا إلي حاجة ثانوية, بعد أن أحاط المرأة بهالة نورانية من ضوء سماوي خالد وانزوي الجنس من صفحات الأدب الرومانسي إلي الهوامش لأنه لم يصدق أن المرأة ـ هذه القديسة الملائكية ـ يمكن لجسدها أن يحتوي هذه الحاجة الملحة. حتي ظهر بلزاك وموباسات وفلوبير وما أسهموا فيه من إعادة الربط بين الحب والرغبة والجنس. ثم اختلف الأمر بظهور رواية عشيق الليدي تشاترلي لـ د.هـ. لورانس والتي أثارت ضجة كبيرة لأن لورانس كانت لديه نظرية محورها أن الجنس مظهرا لنشاط الإنسان بل هو أصل هذا النشاط.
وفي هذا الكتاب نالت كتابات نجيب محفوظ القسم الأكبر من الاهتمام بدراسة الجنس فيها ثم يحيي حقي وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وكوليت خوري وليلي بعلبكي.. ويتراوح بالتأكيد تناوله لدي كل منهم بشكل كبير لكنه كان مقبولا لدي القاريء بشكل عام.
ومع ذلك فهناك آراء تري أن الكتابة الإباحية استفزازية وسنجد مثلا أن الشاعر الفلسطيني محمود درويش في حواره مع أخبار الأدب يقول في هذا الموضوع: مبدئيا لا أعترض علي حرية المبدع في كسر أي تابو لكن ضمن مشروع إبداعي حقيقي أما إذا كان هذا الكسر للاستفزاز فقط ولا يفيد العملية الإبداعية وليس جزءا عضويا من النص يصبح أمرا مجانيا صحيح أنا لا أكتب في هذه الموضوعات أنا شاعر محتشم لكن أحبّ الشعر الإيروسي (..) ولكن لا أحب البورنو أو الأدب الإباحي ليس لأن لي موقفا مضادا للجنس ولكن دفاعا عن الإثارة الجنسية .. أفضل الإيروسية علي الإباحية حتي من الناحية الشهوانية.. العمل الإيروسي يخدم أكثر من العمل الإباحي
وعلي النقيض من هذه الآراء يقف د. فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة والذي كتب في الأهرام: إنني لا أتردد بوصفي أستاذا ظل يقوم بتدريس مادة فلسفة الجمال والفن في جامعات مصرية وعربية لمدة لا تقل عن أربعين عاما ـ بالإجابة عن السؤال بالنفي.
أما السؤال فهو: هل يعد التمادي في الحديث عن الجنس والوصف المفصل للتجارب الجنسية نوعا من أنواع الإبداع؟
أما الأسباب التي يبرر بها د. زكريا نفيه فيوضحها بقوله: إن الإبداع بطبيعته وحسب تعريفه يتعلق بتجربة متفردة لا تتكرر والجنس تجربة عادية ذات أصول بيولوجية يشترك فيها الناس جميعا بل يشتركون فيها مع الحيوانات أيضا فأين الإبداع في هذا؟(!!)
أما الدكتورة مني طلبة أستاذ الأدب العربي في جامعة عين شمس فتري أن تناول الجنس من أجل الجنس مرفوض بالنسبة لها وتضيف: أنا ضد أدب التنفيس والذي يركز علي تصوير قبح الواقع لكن علي أي حال فهذه القضية معقدة لأنها ترتبط بمجموعة كبيرة من العوامل: فهناك عوامل متعلقة بالعمل الأدبي الذي يتداخل مع ثقافة الكاتب وقراءاته ومدي إلمامه بالأدب العالمي ومدي الجهد الذي يبذله في الكتابة وتوظيفه للجنس ومدي نجاحه في هذا ومن جهة فالجيل الجديد من الكتاب لا يحظون بالرعاية التي توفرت لجيل الستينيات سواء من مواكبة النقد لأعمالهم وعملية التثقيف.. إلخ بالإضافة إلي أنهم يكتبون في مناخ لا يهتم بالكتابة.. لذلك لا يتجهون للقاريء بقدر ما يكتبون من أجل الكتابة.
وتضيف د. طلبة أن القاريء نفسه الآن لا يجد نوعية تجعله يقرأ عن فهم أو يشاهد فيلما.. ناهيك عن الهجمة الدينية التي لا تهتم سوي بمن خلعت ثيابها والإباحية بينما تتجاهل المشاكل الأساسية في المجتمع.
وأخيرا يقدم د. فتحي أبو العينين أستاذ علم الاجتماع الأدبي في جامعة عين شمس رؤيته لقضية الجنس في الكتابة الأدبية بقوله: الأدب في كل مكان في العالم وفي تاريخ الثقافات علي اختلافها اقتحم مجالات من حياة الإنسان وعالجها أدبيا لأنه في النهاية تعبير عن رؤية للعالم يضطلع بها فنان كاتب أقدر من غيره في التعبير عنها.
وقضايا الثالوث المحرم الجنس والدين والسياسة جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، وبالتالي لا ينبغي أن تكون هناك أي محددات أو عوائق تحول دون الاتخاذ من هذه القضايا خامة أو مادة تعالج أدبياً، لأن الجنس موجود في حياتنا، ونمارسه بأشكال وصيغ تخضع للسياق الثقافي فلا ينبغي حرمان الأدب من التعامل مع أي من هذه القضايا.
ويضيف د. أبو العينين أن الأمر يخضع في النهاية للمعالجة الفنية واستخدام الجماليات للتعبير, ولكل فنان حريته في الانتقاء بين العناصر الجمالية وبناء عمله الفني سواء كان رواية أم لوحة أم قطعة موسيقية.
الأدب يعالج قضايا الإنسان وإحباطاته ووعيه وأفكاره وأحلامه المكبوتة التي يمكن أن تتضمن حتي الحلم أو الرغبة في اختراق المحرمات وهو ما كشفه التحليل النفسي للأحلام بالإضافة للعقد النفسية والجنسية ـ والجنس في النهاية رغبة عادية ومشروعه لدي كل الناس وتتم ممارستها من قبل الجميع وفقا للثقافة السائدة.. فلماذا يتم تحريمها “فقط” في الكتابة؟!
- د. طارق رضوان - الجنس المرفوض والجنس المقبول فى أدبنا العربى والعالمى بين العمل الإيروسى والعمل الإباحى