نقوس المهدي
كاتب
"لا يهمني المال، ما يهمني هو أن أبدو رائعة" .. مارلين مونرو
اللوقيوسية مصطلح اشتققناه من اسم لوقيوس بطل رواية الحمار الذهبي لأبوليوس، فلوقيوس بسعيه لتعلّم السحر سيتحوّل لحمار بسبب خطأ صديقته فوتيس، شاقاً بذلك أحداث الرواية. ومُذّاك سار لوقيوس يرى نفسه كما يقول "أنا الإنسان الطُلَّعة المتشكل في صورة الحيوان"(1) كارهاً بذلك مظهره ومُنطلقاً في البحث عن وردة يلتهمها في سبيل استرجاع طبيعته الأصلية الجميلة. نجد اختيار الكاتب للوردة نظرا لما تمثله كرمز للجمال في التراث الشعبي، وبالحديث عن الوردة وعلاقتها بالجمال نلاحظ كذلك في قصة التاجر الذي دخل قصر الوحش فأكل من طعامه واخد من ماله لكن ما إن قام باقتطاف وردة من حديقته حتى انقض عليه الوحش محاولا قتله، فالورود هنا تعويض عن جماله المفتقد الذي أحس بأن التاجر سيسلبه له بأخده واحدة.
رغم أننا نتحدث هنا عن قصص خيالية إلاّ أننا نرى كثيرا من البشر مُشابهين لهاته الشخصيات الفنتازية، دون أن نشير بذلك لمن يعانون من تشوهات أو أمراض جلدية، إنما لأشخاص عاديين غير راضين عن مظهرهم الخارجي، مهوسيين بالجمال والتجميل لأقصى حد، الأمر الذي يكشف لنا عن عقدة نفسية. فبماذا نفسر شعور "البنت أن مستقبلها في الحياة يتحدد حسب طول أنفها واتساع عينيها وامتلاء شفتيها. وحينما تجد أن أنفها أطول أو أقصر من اللازم" ف"تشعر بالخجل من أنفها وتحاول أن تخفيه من حين لآخر بحركة لا إرادية"، زيادة عن تبليل "نفسها بالعطر عدة مرات كل يوم" حتى ليمكنك أن تشمه على بعد 10 أمتار. وأيضا من "ترى اسنانها بارزة أكبر مما يجب فتمنع نفسها من الابتسام والضحك، وإذا حدث وضحكت فهي تزم شفتيها أو تضع يدها على فمها"(2)؟؟. وهي أمور مشابهة لما كان يحدث مع لوقيوس باشمئزازه من أذنيه الطويلتين وأنفه الكبير وأسنانه المخيفة. فإن كنا كشفنا بهذا التساؤل عن بعض أعراض هذه العقدة عند النساء، فبالنسبة للرجال فإننا نترك إحدى المشتغلات بصالون للتجميل تصف الأمر كالآتي : "هناك من يقوم بإزالة الشعر الزائد في الحاجبين، ويخصص ميزانية مهمة لاقتناء مسحوق البودرة والكريم الخاص بمحاربة التجاعيد والهالات الداكنة والبقع الغامقة وعلامات الانتفاخ تحت العيون. ثم قلم العيون وماسكارا الحواجب والرموش والشوارب، كما بدأ بعضهم يستعمل نوعا من السيروم بغية تكبير الشفتين"، علما بأنها تتحدث عن "نخبة من رجال المجتمع الاقتصادي والسياسي بمختلف أعمارهم". وبحكم تجربتها العملية وخبرتها في هذا المجال فقد استطاعت أن تكشف عن الأسباب الدافعة لذلك بقولها : "بعض هؤلاء الرجال يعتقد أن المجتمع لن يتقبله ولن ينظر إليه بالشكل المطلوب طالما ظل على حاله"، كما ظل لوقيوس يحاول التخلص من مظهر الحمار حتى يتقبله المجتمع كإنسان، فتضيف "نراه يلجأ لتغيير مظهره من أجل الحصول على ثقة الآخرين وكسب احترامهم وإقامة علاقات معهم"(3)، وهو ما يتجلى بوضوح في صراحة النموذج التالي : " أفعل ذلك لأكون أكثر إشراقا وأكثر جاذبية للفتيات، وأعتقد أن السبب الرئيسي لتأنق الرجل وإقباله على الظهور بصورة لائقة ومتميزة هو لفت نظر المرأة، أو البحث عن حبيبة"(4). وبالعودة للوحش في القصة نراه قد عفى عن التاجر ونسي أمر الأزهار لدى معرفته أن له فتاة حسناء، بل وصل به الأمر حد وضع قصره وكافة ممتلكاته تحت تصرف هذه الحسناء بما فيها أزهاره التي يقيم عليها الدنيا.
من هذا المنطلق، نرى هوس الإنسان الزائد عن الحد بمظهره، إنما الغرض منه كسب اهتمام وقبول الآخرين، فلا يتسنى له تحقيق ذلك إلا بوجود من يؤكد له ذلك وهو ما نلحظهه في سؤال الوحش للحسناء : " قولي لي، ألا تجدينني قبيحا ؟" رغم تصريحه : "أنا أعلم جيدا أنني لست سوى وحش"، "أنا مجرد أبله، وكل ما أستطيع أن أقوله هو أنني مُجبر"(5)، مع ذلك ففي كل يوم "قبل أن يذهب للنوم، يأتي ويطلب من الحسناء أن تصير زوجة له، فيعتصره الألم عند رفضها للطلب"(6)، وهو نفس الألم الذي يعتصر البعض عندما تُرفض طلباتهم للزواج أو إقامة علاقات عاطفية، بل يمكن أن يقعوا في إكتئاب. يلجأ الشخص هنا لحيلة دفاعية بادِّعاء أن الجمال هو جمال روح، كما فعل الوحش بقوله للحسناء : "لدي قلب جميل، لكنني وحش"(7) أو رغم أنني وحش. لكن مايفوتنا هو أن عقل الإنسان يصعب عليه تقبّل موضوع مُحمّل بالتناقض، لذلك فإنه يُعمِّم إما بتغليب الأمور الجيدة فيرى الموضوع جميل، أو بتغليب الأمور السيئة فيراه قبيحا. نوضح ذلك بمثال نراه في الشخص الذي يجد شريكه من أجمل الكائنات فما إن يحدث خصام حتى تنعكس الرؤية بل ويستغرب كيف كان يعشقه، وهو مايحدث كثيرا في أمور الطلاق وانفصال الأحبة. وهذا ماحصل مع عطيل/أوتلو الذي كان يعترف بجمال زوجته : "أواه، ليس في العالم امرأة أعذب منها"(8)، فما إن شك في خيانتها حتى صار يراها ك"بغي منحرفة بل غُرفة سوء مقفلة على أسرار نجسة"(9). وما شكُّهُ إلا بسبب عقدته اللوقيوسية التي تظهر لنا وهو يناجي نفسه : "لعلها مِلك إلى غيري لأنني أسود وليس في كلامي من الرقة والتزويق ما في أولئك المتحذلقين.. أو لأنني في أول مهبط السنين"(10).
نجد لدى ثيودور رايك أن "الحب لا يكون ممكنا إلا حين تعزو إلى شخص آخر قيمة أسمى من القيمة التي تعزوها إلى ذاتك، وحين تراه أو تراها، من نواح متعددة على الأقل، شخصية متفوقة عليك"(11)، وبذلك يمكننا القول أنه "عندما نحب امرأة جميلة ونشتهي أن نتزوجها إنما نفعل ذلك بفعل هذه النزعة التي تحملنا على أن نقرن ذاتنا بذات جميلة فنرتفع في ذريتنا بارتفاعها"(12)، لكن التباسا يظهر هنا إذا نظرنا كيف "يحكم المجتمع على جمال المرأة بمقاييس جسمية فحسب"، ما يجعل جمالها "مرهونا بحجم أنفها وحجم شفتيها ونهديها وردفيها"(13)، ف"تصبح بعض ملليمترات تنقصها الرموش عن طولها المعتاد مشكلة حادة"، ف"كم من فتاة ترعبها بضع قطرات مطر لأنها تفسد تسريحة شعرها"، و"كم من امرأة لا تستطيع أن تواجه الناس بغير أن تضع على وجهها المساحيق والظلال والخطوط"(14). وما ذالك سوى لكي تكون تلك المرأة الجميلة والمرغوبة، وهذا ماأكدته المغنية بريتني سبيرز في حديث لها مع مجلة أوكيه الأمريكية لدى قولها : { تكذب المرأة إذا قالت إنها لا تحب أن تشعر بأنها جذابة ومثيرة، نحن النساء جميعا نحب أن نشعر بأننا جذابات و مثيرات}. لكن السؤال الذي ينبثق هنا هو : كيف يُعقل أن يحبك الآخر وأنت تكره نفسك ؟ كيف سيجدك مثيرا وأنت ترى نفسك قبيحا؟
"إنكم لا تطيقون أنفسكم، ولا تحبون أنفسكم بما فيه الكفاية" لذالك "تَدْعون إليكم شاهدا عندما تريدون الكلام بالخير عن أنفسكم؛ وعندما تُفلحون في استدراجه لكي يُحسِن الظن بكم، يَحْسُن ظنكُم بأنفسكم أيضا"(15).
_ فينكشف لنا الرجل(اللوقيوسي) وهو يُلح :
قولي "أحُبكَ" كي تزيدَ وسامتي فبغيرِ حبّكِ لا أكـونُ جميـلا
قولي "أحبكَ" كي تصيرَ أصابعي ذهباً وتصبحَ جبهتي قنـديلا
قـولي "أحبكَ" كي يتمَّ تحـولي.. الآنَ قوليهـا، ولا تتـردّدي يبعضُ الهوى لا يقبلُ التأجيـلا(16)
_ وتنكشف المرأة (اللوقيوسية) وهي تعترف:
ولأنّكَ تُحبُّني، فإنَّ العالمَ صارَ أكبرْ والسّماءَ أوسعْ والبحرَ أكثرَ زُرقةْ والعصافيرَ أكثرَ حريّة وأنا ألفَ.. ألفَ مرّةٍ أجمل(17)
لكن ما إن يرحل الشاهد (الحبيب) حتى يقع كلاهما منهارَين كما وقع الوحش مغمياً عليه لدى ظنه أن الحسناء هربت !!. حتى أريتا فرانكلين تُغني متساءلة حول الأمر : "اه ياحبيبي، ما الذي فعلته بي/ أنت تجعلني أشعر بشعور جيد/ أريد فقط أن أبقى بقربك/ أنت تجعلني أشعر أنني حية.. تجعلني أشعر كأنني امرأة طبيعية"(18)، فيرُد نيتشه : "إن قلة حبكم لأنفسكم تجعل لكم من الوحدة سجنا"(19) فالسجين هنا يرى نفسه منبوذا ولن يتحرر إلا إذا أحبه شخصا ما، ورحيل هذا الشخص يعني العودة للسجن. ولا يتوقف نيتشه عند هذا الحد بل يرد كذلك على جميع الأمثلة التي تفيد "أحب الآخر كما تحب نفسك"، بقوله : "لتحبوا بالنهاية قريبكم محبتكم لأنفسكم، لكن لتكونوا لي أولا أولئك الذين يحبون أنفسهم - محبة كبرى يحبون"(20). فإن أردت أن يحبك الآخرون يلزمك أن تحب نفسك أولا، أن تحبك نفسك بطريقة طبيعية حتى ترى نفسك شخصا طبيعياً.
حمودة إسماعيلي
.................
هوامش:
1 : لوكيوس أبوليوس - الحمار الذهبي، ترجمة عمار الجلاصي، نشر موحمد ؤمادي 2000م ـ ص233
2 : نوال السعداوي - المرأة والجنس، دار ومطابع المستقبل الاسكندرية ط4 1990م ـ ص55
3 : أمينة كميلي - تحقيق بمجلة نجمة المغربية العدد16/ أكتوبر 2008م ـ ص31
4 : أمينة كميلي - المصدر السابق
5 : Jeanne-Marie Leprince de Beaumont - La Belle et la Bête _ p5/8
6 : Jeanne-Marie - Source précédente _ p6/8
7 : Jeanne-Marie - Source précédente _ p5/8
8 : شكسبير - عطيل، ترجمة خليل مطران، دار مارون عبود بيروت ط8 1974م ـ ص50
9 : شكسبير - المصدر السابق ـ ص50
10 : شكسبير - المصدر السابق ـ ص39
11 : ثيودور رايك - سيكولوجيا العلاقات الجنسية، ترجمة ثائر ديب، دار المدى ط1 2005م ـ ص112
12 : سلامة موسى - العقل الباطن، أوارة الهلال بصر 1928م ـ ص12
13 : نوال السعداوي - المصدر السابق ـ ص134
14 : نوال السعداوي - المصدر السابق ـ ص55
15 : نيتشه - هكذا تكلم زرادشت، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل ط1 2007م ـ ص124
16 : نزار قباني - قصيدة قولي أحبك
17 : سعاد الصباح - قصيدة أنا ألف مرة أجمل
18 : Aretha Franklin - You Make Me Feel Like A Natural Woman /1967
19 : نيتشه - المصدر السابق ـ ص125
20 : نيتشه - المصدر السابق ـ ص328
اللوقيوسية مصطلح اشتققناه من اسم لوقيوس بطل رواية الحمار الذهبي لأبوليوس، فلوقيوس بسعيه لتعلّم السحر سيتحوّل لحمار بسبب خطأ صديقته فوتيس، شاقاً بذلك أحداث الرواية. ومُذّاك سار لوقيوس يرى نفسه كما يقول "أنا الإنسان الطُلَّعة المتشكل في صورة الحيوان"(1) كارهاً بذلك مظهره ومُنطلقاً في البحث عن وردة يلتهمها في سبيل استرجاع طبيعته الأصلية الجميلة. نجد اختيار الكاتب للوردة نظرا لما تمثله كرمز للجمال في التراث الشعبي، وبالحديث عن الوردة وعلاقتها بالجمال نلاحظ كذلك في قصة التاجر الذي دخل قصر الوحش فأكل من طعامه واخد من ماله لكن ما إن قام باقتطاف وردة من حديقته حتى انقض عليه الوحش محاولا قتله، فالورود هنا تعويض عن جماله المفتقد الذي أحس بأن التاجر سيسلبه له بأخده واحدة.
رغم أننا نتحدث هنا عن قصص خيالية إلاّ أننا نرى كثيرا من البشر مُشابهين لهاته الشخصيات الفنتازية، دون أن نشير بذلك لمن يعانون من تشوهات أو أمراض جلدية، إنما لأشخاص عاديين غير راضين عن مظهرهم الخارجي، مهوسيين بالجمال والتجميل لأقصى حد، الأمر الذي يكشف لنا عن عقدة نفسية. فبماذا نفسر شعور "البنت أن مستقبلها في الحياة يتحدد حسب طول أنفها واتساع عينيها وامتلاء شفتيها. وحينما تجد أن أنفها أطول أو أقصر من اللازم" ف"تشعر بالخجل من أنفها وتحاول أن تخفيه من حين لآخر بحركة لا إرادية"، زيادة عن تبليل "نفسها بالعطر عدة مرات كل يوم" حتى ليمكنك أن تشمه على بعد 10 أمتار. وأيضا من "ترى اسنانها بارزة أكبر مما يجب فتمنع نفسها من الابتسام والضحك، وإذا حدث وضحكت فهي تزم شفتيها أو تضع يدها على فمها"(2)؟؟. وهي أمور مشابهة لما كان يحدث مع لوقيوس باشمئزازه من أذنيه الطويلتين وأنفه الكبير وأسنانه المخيفة. فإن كنا كشفنا بهذا التساؤل عن بعض أعراض هذه العقدة عند النساء، فبالنسبة للرجال فإننا نترك إحدى المشتغلات بصالون للتجميل تصف الأمر كالآتي : "هناك من يقوم بإزالة الشعر الزائد في الحاجبين، ويخصص ميزانية مهمة لاقتناء مسحوق البودرة والكريم الخاص بمحاربة التجاعيد والهالات الداكنة والبقع الغامقة وعلامات الانتفاخ تحت العيون. ثم قلم العيون وماسكارا الحواجب والرموش والشوارب، كما بدأ بعضهم يستعمل نوعا من السيروم بغية تكبير الشفتين"، علما بأنها تتحدث عن "نخبة من رجال المجتمع الاقتصادي والسياسي بمختلف أعمارهم". وبحكم تجربتها العملية وخبرتها في هذا المجال فقد استطاعت أن تكشف عن الأسباب الدافعة لذلك بقولها : "بعض هؤلاء الرجال يعتقد أن المجتمع لن يتقبله ولن ينظر إليه بالشكل المطلوب طالما ظل على حاله"، كما ظل لوقيوس يحاول التخلص من مظهر الحمار حتى يتقبله المجتمع كإنسان، فتضيف "نراه يلجأ لتغيير مظهره من أجل الحصول على ثقة الآخرين وكسب احترامهم وإقامة علاقات معهم"(3)، وهو ما يتجلى بوضوح في صراحة النموذج التالي : " أفعل ذلك لأكون أكثر إشراقا وأكثر جاذبية للفتيات، وأعتقد أن السبب الرئيسي لتأنق الرجل وإقباله على الظهور بصورة لائقة ومتميزة هو لفت نظر المرأة، أو البحث عن حبيبة"(4). وبالعودة للوحش في القصة نراه قد عفى عن التاجر ونسي أمر الأزهار لدى معرفته أن له فتاة حسناء، بل وصل به الأمر حد وضع قصره وكافة ممتلكاته تحت تصرف هذه الحسناء بما فيها أزهاره التي يقيم عليها الدنيا.
من هذا المنطلق، نرى هوس الإنسان الزائد عن الحد بمظهره، إنما الغرض منه كسب اهتمام وقبول الآخرين، فلا يتسنى له تحقيق ذلك إلا بوجود من يؤكد له ذلك وهو ما نلحظهه في سؤال الوحش للحسناء : " قولي لي، ألا تجدينني قبيحا ؟" رغم تصريحه : "أنا أعلم جيدا أنني لست سوى وحش"، "أنا مجرد أبله، وكل ما أستطيع أن أقوله هو أنني مُجبر"(5)، مع ذلك ففي كل يوم "قبل أن يذهب للنوم، يأتي ويطلب من الحسناء أن تصير زوجة له، فيعتصره الألم عند رفضها للطلب"(6)، وهو نفس الألم الذي يعتصر البعض عندما تُرفض طلباتهم للزواج أو إقامة علاقات عاطفية، بل يمكن أن يقعوا في إكتئاب. يلجأ الشخص هنا لحيلة دفاعية بادِّعاء أن الجمال هو جمال روح، كما فعل الوحش بقوله للحسناء : "لدي قلب جميل، لكنني وحش"(7) أو رغم أنني وحش. لكن مايفوتنا هو أن عقل الإنسان يصعب عليه تقبّل موضوع مُحمّل بالتناقض، لذلك فإنه يُعمِّم إما بتغليب الأمور الجيدة فيرى الموضوع جميل، أو بتغليب الأمور السيئة فيراه قبيحا. نوضح ذلك بمثال نراه في الشخص الذي يجد شريكه من أجمل الكائنات فما إن يحدث خصام حتى تنعكس الرؤية بل ويستغرب كيف كان يعشقه، وهو مايحدث كثيرا في أمور الطلاق وانفصال الأحبة. وهذا ماحصل مع عطيل/أوتلو الذي كان يعترف بجمال زوجته : "أواه، ليس في العالم امرأة أعذب منها"(8)، فما إن شك في خيانتها حتى صار يراها ك"بغي منحرفة بل غُرفة سوء مقفلة على أسرار نجسة"(9). وما شكُّهُ إلا بسبب عقدته اللوقيوسية التي تظهر لنا وهو يناجي نفسه : "لعلها مِلك إلى غيري لأنني أسود وليس في كلامي من الرقة والتزويق ما في أولئك المتحذلقين.. أو لأنني في أول مهبط السنين"(10).
نجد لدى ثيودور رايك أن "الحب لا يكون ممكنا إلا حين تعزو إلى شخص آخر قيمة أسمى من القيمة التي تعزوها إلى ذاتك، وحين تراه أو تراها، من نواح متعددة على الأقل، شخصية متفوقة عليك"(11)، وبذلك يمكننا القول أنه "عندما نحب امرأة جميلة ونشتهي أن نتزوجها إنما نفعل ذلك بفعل هذه النزعة التي تحملنا على أن نقرن ذاتنا بذات جميلة فنرتفع في ذريتنا بارتفاعها"(12)، لكن التباسا يظهر هنا إذا نظرنا كيف "يحكم المجتمع على جمال المرأة بمقاييس جسمية فحسب"، ما يجعل جمالها "مرهونا بحجم أنفها وحجم شفتيها ونهديها وردفيها"(13)، ف"تصبح بعض ملليمترات تنقصها الرموش عن طولها المعتاد مشكلة حادة"، ف"كم من فتاة ترعبها بضع قطرات مطر لأنها تفسد تسريحة شعرها"، و"كم من امرأة لا تستطيع أن تواجه الناس بغير أن تضع على وجهها المساحيق والظلال والخطوط"(14). وما ذالك سوى لكي تكون تلك المرأة الجميلة والمرغوبة، وهذا ماأكدته المغنية بريتني سبيرز في حديث لها مع مجلة أوكيه الأمريكية لدى قولها : { تكذب المرأة إذا قالت إنها لا تحب أن تشعر بأنها جذابة ومثيرة، نحن النساء جميعا نحب أن نشعر بأننا جذابات و مثيرات}. لكن السؤال الذي ينبثق هنا هو : كيف يُعقل أن يحبك الآخر وأنت تكره نفسك ؟ كيف سيجدك مثيرا وأنت ترى نفسك قبيحا؟
"إنكم لا تطيقون أنفسكم، ولا تحبون أنفسكم بما فيه الكفاية" لذالك "تَدْعون إليكم شاهدا عندما تريدون الكلام بالخير عن أنفسكم؛ وعندما تُفلحون في استدراجه لكي يُحسِن الظن بكم، يَحْسُن ظنكُم بأنفسكم أيضا"(15).
_ فينكشف لنا الرجل(اللوقيوسي) وهو يُلح :
قولي "أحُبكَ" كي تزيدَ وسامتي فبغيرِ حبّكِ لا أكـونُ جميـلا
قولي "أحبكَ" كي تصيرَ أصابعي ذهباً وتصبحَ جبهتي قنـديلا
قـولي "أحبكَ" كي يتمَّ تحـولي.. الآنَ قوليهـا، ولا تتـردّدي يبعضُ الهوى لا يقبلُ التأجيـلا(16)
_ وتنكشف المرأة (اللوقيوسية) وهي تعترف:
ولأنّكَ تُحبُّني، فإنَّ العالمَ صارَ أكبرْ والسّماءَ أوسعْ والبحرَ أكثرَ زُرقةْ والعصافيرَ أكثرَ حريّة وأنا ألفَ.. ألفَ مرّةٍ أجمل(17)
لكن ما إن يرحل الشاهد (الحبيب) حتى يقع كلاهما منهارَين كما وقع الوحش مغمياً عليه لدى ظنه أن الحسناء هربت !!. حتى أريتا فرانكلين تُغني متساءلة حول الأمر : "اه ياحبيبي، ما الذي فعلته بي/ أنت تجعلني أشعر بشعور جيد/ أريد فقط أن أبقى بقربك/ أنت تجعلني أشعر أنني حية.. تجعلني أشعر كأنني امرأة طبيعية"(18)، فيرُد نيتشه : "إن قلة حبكم لأنفسكم تجعل لكم من الوحدة سجنا"(19) فالسجين هنا يرى نفسه منبوذا ولن يتحرر إلا إذا أحبه شخصا ما، ورحيل هذا الشخص يعني العودة للسجن. ولا يتوقف نيتشه عند هذا الحد بل يرد كذلك على جميع الأمثلة التي تفيد "أحب الآخر كما تحب نفسك"، بقوله : "لتحبوا بالنهاية قريبكم محبتكم لأنفسكم، لكن لتكونوا لي أولا أولئك الذين يحبون أنفسهم - محبة كبرى يحبون"(20). فإن أردت أن يحبك الآخرون يلزمك أن تحب نفسك أولا، أن تحبك نفسك بطريقة طبيعية حتى ترى نفسك شخصا طبيعياً.
حمودة إسماعيلي
.................
هوامش:
1 : لوكيوس أبوليوس - الحمار الذهبي، ترجمة عمار الجلاصي، نشر موحمد ؤمادي 2000م ـ ص233
2 : نوال السعداوي - المرأة والجنس، دار ومطابع المستقبل الاسكندرية ط4 1990م ـ ص55
3 : أمينة كميلي - تحقيق بمجلة نجمة المغربية العدد16/ أكتوبر 2008م ـ ص31
4 : أمينة كميلي - المصدر السابق
5 : Jeanne-Marie Leprince de Beaumont - La Belle et la Bête _ p5/8
6 : Jeanne-Marie - Source précédente _ p6/8
7 : Jeanne-Marie - Source précédente _ p5/8
8 : شكسبير - عطيل، ترجمة خليل مطران، دار مارون عبود بيروت ط8 1974م ـ ص50
9 : شكسبير - المصدر السابق ـ ص50
10 : شكسبير - المصدر السابق ـ ص39
11 : ثيودور رايك - سيكولوجيا العلاقات الجنسية، ترجمة ثائر ديب، دار المدى ط1 2005م ـ ص112
12 : سلامة موسى - العقل الباطن، أوارة الهلال بصر 1928م ـ ص12
13 : نوال السعداوي - المصدر السابق ـ ص134
14 : نوال السعداوي - المصدر السابق ـ ص55
15 : نيتشه - هكذا تكلم زرادشت، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل ط1 2007م ـ ص124
16 : نزار قباني - قصيدة قولي أحبك
17 : سعاد الصباح - قصيدة أنا ألف مرة أجمل
18 : Aretha Franklin - You Make Me Feel Like A Natural Woman /1967
19 : نيتشه - المصدر السابق ـ ص125
20 : نيتشه - المصدر السابق ـ ص328