نصيف الناصري - صلوات الكاهن الغجري الى السيدة الشفيعة المعشوقة والفانية

* الى Anna Eriksson

1
لَكِ السَّلامُ يا شَفيعةُ .
يا صَيفَ اللهِ المتوسّدَ شَفاعتَهُ مابَينَ النارنجاتِ الأثيرةِ لعصياناتِ جروحِنا .
لَكِ الثَمراتُ المنخفضةُ التي تفصلُ النجومَ عَن النجوم .
تَنامينَ تَحتَ شَجرةِ التنهّداتِ وتتدلّى فوقَكِ شعائرُ الدَفنِ المتواطئةِ مَعَ خياناتكِ
المنزلقةِ صَوبَ فجرِ الشّواهدِ العَتيقةِ لأسلافِنا العشّاق .
لماذا تَترنّحُ بكِ الهاويةُ في السّنواتِ المزدحمةِ بالصّرخاتِ ؟
هَل استراحَتْ ، اطمأنت مَعصيّتُكِ ؟
الآنَ خَمدتْ ظَهيرةُ تَنفساتكِ واستراحَت الأرياف .
في نومكِ تَحتَ الشّجرة التي لا تَثمرُ إلاّ أكماتٍ وهدايا .
تَتسلقينَ البَراكينَ المنتصبة تَحتَ أهدابِ أشواقنا وتَقودكِ الظّلالُ
البَنفسجيةُ لأسرار العَرّافات . يا شَمسَ موتِنا المتلعثمة فوق وديانِ الليالي ،
ويا ميراثَ القرونِ المنحنيةِ والمتعاقبةِ في ليَلِ مرايا الساعاتِ العشقيّة .
وَميضُ وَجهكِ الإلهيُّ يَخترقُ هاويةَ عطشِنا ، وأصواتُ عطوركِ المحمّلة
بالهذيانِ . تَتخطّى وتَتجاوزُ بانفتاحاتِها وتعرجاتِها بَين الأيّام ، المصيرَ الانسانيّ .
يا أملُ ، شَفيعتَنا الأخيرةَ في صحراءِ العالم .
هَل يَمحو الموتُ الحبَّ ويصهرُهُ في التماثلات المنسجمةِ والمتحالفةِ
مَع عَوسج الأيام ؟ لماذا مصابيحُ عشقِنا معلقة دائماً بَين غيابِكِ وَغيمةِ الزمان ؟

2
تُوغِلُ قيثاراتِ العَقيقِ بَعيداً في عَتباتِ الهاويةِ ،
وضوءُ صَمتِكِ الفردوسيُّ يُنوِّرُ الزَّمان .
أنتِ امتدادُ الدَيمومةِ ونارُ فصولِ فضّتِنا المتململةِ في الأنهار .
لصَلاتِكِ المتضوّعةِ بَين
عرصاتِنا مذاقُ العِصْمةِ وَجلالُ الشَجرةِ المنفرجةِ والمطمئنّة .
تكسَّرَتْ قَناديلنا في غيابِكِ
وأضاعَ مَقاليدَ نَجمةِ صبحِنا الأدلاّءُ .
تعثَّرَتْ خطانا وغَمَرتْ تعرّجاتُ نَومِنا الداكنةُ
رياحُ النَفيِ والعَويل .
لا تحالفاتٌ الآنَ بَينَ الصَّلاةِ وَبينَ عَطاءِ الملائكةِ للموتى .
زَحَفتْ على الياقوتِ الظلماتُ .
زَحفَ الحمادُ على وَردةِ الشَّمسِ الحائرةِ في الظَّهيرة .
ثَمَرةُ عشقِكِ النّاضجةِ تَحتَ تنفساتِ دموعِنا ،
سَقطتْ في تثاؤب لَيلِنا الوسْنان .
الذَهبُ المتحفّزُ واللمَعاناتُ هُما إرثُكِ الباقي في تَفجعاتِنا العَظيمة .

3
قنديل وَجهها النعناع وَنهدها المسترخي فوق رموشنا العَليلة ، هُما سَرير شَجرة إيزيس
المحَّملة بأعشاش اليَمام . وَعدها الذي مِن زئبق ، وأغنيتها التي مِن ملح وَتنهدات .
ما أجملهُما وهُما يُجفَّفان ويرِّويان فَراديس وَبراكين العالم . قُلتُ لَها منذ سَنوات :
{ سأنسى حُبكِ هنا في أوروبا } ، لكني نَسيتُ انها كل النساء . الآن اعتَصمتُ بنارها
واعتَصَمت مَعي الكلمة ومياهها المتدثرة بالأسرار الكَبيرة .
نَسيم قبلتها المَليئة بالصَلوات
المنحرفة مَع الغفران المتجبّر لشواطىء أنفاسنا .
يُغطي عري السَنوات المرتجفة في قَيلولة القرون .
في فَجر ألمي الوَثَّاب الى مراكب جرحها ، وفي قيثارات دَمعَتي
المتنهدة في يَدها المسّيجة بالأقمار . تَحيا الطَبيعة وتشرقُ في كل حين عبر حرارات
عشقها المَحروسة حراسة السنبلة في لَيل الدَيمومة . البَريق الفضي لأصوات عضوها
الجنسي الذي تُنيمهُ وتنعشهُ أشجار الغابات . يُنادينا ليَل نهار ، وتنادينا أوزة سرتها النَحيلة ، وكوكَب الشفة وَرعشتها . شَذرات عشقها الإلهية وَقناديلها المهفهفة في سواقي حَياتي ، وأنهار صمتها الذي مِن جَحيم ، سَيقربان حلم الامساك بظلالها المزدوجة الأفياء .
لأن في الذَهب علاءها .

4
يَتَكىءُ صيف انخيدوانا على مرايا ثمار ليلي
ومرآته الرشيقة المذهبة بالبروق
نشيد نعاسي اللامع مثل منقار طائر البرهان .
غبار غيابها المترنح على الأثداء
البنفسجية الصبورة لقناديل لعثمتي
يَمتدُ ويَتعددُ على الحافات المتكسرة لضفاف
الأبدية . مياه البحيرات التي تتململُ في يدي الآنَ
هي الخامات المعدنية لوعودها
التي أضاعها شدوّ الطيور في المنفى .
هل تَتلعثمُ الكلمة بَين الذات وبَين الوجود ؟
صوت الوقواق في أصيل الحديقة العظيمة للقلق الانساني
يوقرُ الأوراد العالية للحظات موتنا المجيدة .
انخيدوانا ، يا عظام الصفصاف المُنيرة ويا براكين اللبلاب
في الهاوية . يا نمور الرَغبة ويا ملح الدهر المتلفع بالقسوة .
تَشققات ميراثنا
المتعاقبة في لوائح ووقائع التحريمات ،
وعناد الأسلحة المصقولة التي تتسلقُ
الأنوار الغرناطية لحجارة هجركِ ، وضَراوة متاهات مجاهيلكِ .
لن يباركها الملاك
المحتضر الذي يزيحُ الينبوع عن حشرجته بين الأغصان وبين وريقات موسيقى
الرمّان المتراصة . انخيدوانا يا محطمتي .
أيتها الثاوية في زهرة لوتس أيامي .
يا من يستظلٌ تحت أشجار يواقيت سهرها المرجان .
طائر الوقواق الإلهي رفيقي من الصبا
هو الرائد الطليعي الذي يوصل صرختي صوب ضوء رحمتكِ الطوفانية .

5
الظلال القزحية الشفيفة المكتسحة ضجّاتها رحلاتنا الى الذرّات
المدوّمة والملمومة في الأروقة المظلمة لثلج الصيف وفوراناته
في أرض النوم . متاهات منزلقة يغطي سديمها عبر البلاطات
المحجوبة للزمان . ترهلات احتكاماتنا اللامجدية للعصف العظيم
للفناء وللعشق . وحدها التشنجات الثابتة لضغائننا التي تكشفها التغريدات
بين الأشجار ونحن نقرن النظير بالمختلف . تظهر وتختفي في انخطافاتنا
ونزفاتنا عبر التعاقبات الموصولة تحت صقيع الكواكب والسيرورة
المحتدمة للعصور ، ونحن نبحث عن الأفياء العالية لشجرة صلاة
الشفيعة ما بين أسرار الحياة والموت .
قناديلنا المنقطعة عن الاحسان الإلهي ويقينها اللاعتقادي .
تتجاهل في محناتنا وتفككاتنا كل الانطباعات التي خلّفناها
في الظهيرة المظلمة للأحلام الانسانية . الندامات التي نتركها
في أعالي الحيرة بعد كل إذلالات تصيبنا في محاولاتنا من أجل
الاقتحامات العنيدة لقلاع القنديل الإلهي في برق شوفان لطافاتها ،
وطموحاتنا المهدمة الدفينة تحت الأسلحة المدوّخة لحروب أسلافنا
العشاق وفظاظاتها . لا يمكن اخمادها في ليل الرغبات العظيمة للانسان .
هل كانت الضجّات الفريدة لسهادنا المتحرك في غابات القرون ،
أشبه بنشيج مضاعف تصعّده الانقطاعات الجحيمية لغفران انخيدوانا ؟
وجهها الذي من صواعق وهواءات لؤلؤية .
يدنينا من الترقبات القتّالة للاشراقة الملائكية عبر تشققات الأرض
ونبيذها الأسيان في التحليقات اللايقينية لومضات وعود نحلتها .
الدوّامات الصادحة لنسيم صمتها وحممه البركانية ،
والفراديس الكوبلتية للنجوم في أنهار جدائلها المهفهفة والممتدة
كما الغصن النحيل للأبدية . هي المقوسة للخطوط المستقيمة التي يتوجب
علينا قطعها في تقدمنا صوب الهاوية الكبيرة لما قبل الكينونة .
طقطاقات شرارة السنبلة المرقصة
والبروق الصديقة القهّارة
علامات
للتعاقبات المستمرة لرحمتها الدائمة في شواطىء الزمان .


االشفيعة / الغجري

العاشقُ الغجريُّ مريض
يقف حزيناً في بوابةِ الافلاس وفي يده زهرة قرنفل .
الشمسٌ لم تشرقْ في يوم ما بالعراق .

في الحديقة ، اللصُّ يدفن كنزاً
محصلُ الضرائب
جاء ليقطفَ وردة .

أين ذهبَ عشاقكِ الكهول
هل احتفظتِ بأسمائهم ؟
هل حنطتِ جثثهم ؟

كلّ شوارع وعصافير العالم تدلني عليكِ
ولكي أنظرَ اليك أو أهمسَ في أذنك
ينبغي أن أطرد الكثير من الذئاب .
أنتِ النهرُ
أنا السمكة .
سجدَ لك ودادي
وآمنَ بكِ عنادي .
أيتها الجميلةُ القبيحة انخيدونا
سيدةُ الشموسِ والغمام
ها انني أدفع حرابي علفاً للأوهام
سأغادر مطعوناً بعد أن تكونَ شجرةُ حبي قد اكتهلتْ
والمنافي التي أصلُ اليها حزيناً ونازفاً
ستهلكني هلاكَ جرذ .
هنا بردُ العزلة والنشيدُ الجنائزي
حين ساعة الموتِ تقترب
طائرٌ محكومٌ عليه بالقتل .
هنا أنخيدونا كانت رعوداً
هنا كومة من آلامي النبيلة دفينةٌ ومستترةٌ في جحيم امرأةٍ تنزف
جمالها بغزارة
والرجاء ، ذلك البخورُ الذي يشعُّ على الأقاليم الجافة
الرجاءُ الذي أنتظره . أملي الوحيد الباقي
يفرُّ من بين يدي ويتركني طريدةً معراة للحلم في البراري .
كن شفقاً أيها الجميل
هذا الغناءُ الذي يُسمع في الريح
هذا العندليبُ الذي تمتد وتتقلص رقبته طبيعياً من دون سلك
انه السلوان . الآن كل شيء يترك نفسه في الوراء ليمنحني ميثاقاً بانني كنت
مخدوعاً وخاسراً . أريد هذه الليلة أن أكون حرّاً طليقاً كصقر
يحلق في فضاء وجبال ويفتح القلاعَ التي شيدها أباطرةُ السهاد
وأيضا لأسألَ لماذا يحل بي مثل هذا الألم ؟ ثم أبحثُ في الرماد عن ظل انخيدونا
أبحثُ في الخرائب العميقة عن الشفيعة . آهٍ ، أيتها الأميرة القابلة للاقناع
أيتها المعبودة
والسيدة الفانية
المعشوقة والمكروهة .

في أيِّ زمن سيجيئونَ بمن يماثلني ؟
وهل سيجيئون بملء ارادتهم ؟
وهل سيسيطرونَ على دموعهم ؟
وهل سيجيئون مبكرين ؟
ومن سيستطيع أن يعرفَ أسرار عنادهم ؟

1- ليذهبوا الى الجحيم أولئك الحشرات سكان المستنقع
انني لا أخجلُ من أن أتعرى أمامهم
اذا كان الله قد نفخ الحياةَ في التراب
فأن نصيف الناصري يستطيع أن يعدَّ هؤلاء الناس الأحياء
مجردَ أملاك ترابية .

2- أتعرفين ، تباً لكِ ولأساليبك التسلقية
هل يتوجب علي أن أتعلم التهذيبَ منكِ
التهذيب الدارج في انكلترا مثلاً ؟
أتظنين أنَّ الشحرورَ المتقاعدَ من الخدمة له رائحة أفضلُ مني ؟
لا أحدَ في العالم يجرؤ على تقديم شكوى ضد الأقوى
والآن - تستطيعين الهذيانَ عن العلاقات الانسانية كيفما تشائين
فذلك مجردُ غبارٍ على الجدران ، انك لن تغيري شيئا في هذا العالم .
لا أنفي انني كنتُ عاشقاً ومجرماً في بعض الأحيان .
مرحبا يا آنسة
لقد شحب وجهكِ .
كيف أصلُ اليك من دون أن ألمس جمرة الخديعة ؟

3- العشاق العجائز ذوو النظراتِ المشوهة اليك ، تغنوا بشبابك
الذي كانوا يعتبرونه أسطورة فقط ممزوجة بالسكر والسحر لكنهم
لا يستطيعونَ ادراكَ ذلك ، فكلماتهم الناعمة الجائعة المفترسة الكاذبة
ينقصها الاحساسُ والصراحة ، وقد بقيتِ بعيدة وصعبة المنال لم تمسسكِ
المشاعر الحقيقية ، وكنتِ كأنك أنثى طاووسٍ من خشب الأبنوس مقنعة
أو أنثى شبقة
أو شيء غريب
أو وعاء فارغ
أو جنون
أو اغواء
أو قسوة
أو وحشية
أو سحر وغيرها من الكلمات الجوفاء
وحسب كلماتهم المائعة المشوهة
كنتِ مجردَ سلعة معروضة للمتعة
وهذا جيد فمن حسن الحظ انهم بالنسبة لنا من نفس
اللحم والدم والاحساس ونفس الألم وقد بقي لي نفس
الشرف العميق بأن أتغنى بك بكلمات حارة .

4 - { لكن أين الماسة اللامعة في ليل المراثي ؟
هل غدت بخاراً وعصفاً ؟
هكذا كان الغجري يقول لنفسه .

5 -أعرف أنك كاهنة المعبد الكبير العظمى
وتنحدرين من سلالة ياقوت رحيم اللمعان .

6 - أيتها الريح
يا شمسَ الحب في صيف الوادي
يا طيورَ الليل
احملِ الى الشفيعة
سلامَ العاشق الأعزل .

7 - آمل حين تسمعين زقزقةَ عصافير في المساء
أن تكتبي قصيدةً عن فراق الصراصير
أو تفكرين برحلةٍ الى نفق مظلم
سينتابكِ شوقٌ جياش
لرؤية المستنقعات والضفادع .

8 - أريحي نفسك قليلاً فوق الهاوية
عذبة نسمات ينابيعنا عذوبة أكاذيبكِ .
.......................

هل تنشف طوابع ينابيع الحب والشعر عند الكاهن الغجري في صحراء المنفى ؟
صقرٌ في يدي
وفي يدي زوبعة .


صلاة وحوارات مع السيدة العائشة في اللامرئي

باركْها يا إلهي
باركْها يا صباح
وليباركْها النجمُ والمطرُ والنيزكُ الكريم .
لا الأقمارُ
لا الشموسُ
أنتِ التي ترفعينَ الليلَ من عذوبةِ السقطةِ ، فتفيضُ الأنهارُ وتمتلىءُ قلوبُ أولئكَ الحزانى على تخومِ الفجر ، يدكِ أرقٌ من السهرِ تحتَ الأشجارِ ونبعُ شفتيكِ الوضّاءُ يُنّجي الأمواتَ من الموتِ ، حياتي بين يديكِ سنبلةُ حريرٍ تهتزُّ وتتأرجحُ في حقلِ الأحلامِ المشدودِ الى الصخرةِ ، أناديكِ يا موجدةَ كلِّ التوهجاتِ التي تشعُّ أمامي ، أيتها الجميلةُ التي تدجّنُ البركانَ . جسدكِ المتنهدُ والمثخنُ بالعطورِ اللافحةِ يصطادُ الفراشاتِ بجرأةٍ . تبقينَ في سطوعٍ بمكركِ الإلهي .
الذهبُ ، هذا الذهبُ الحارّ ، ذهبُ شفاعتكِ ، سوف يضيءُ الدروبَ والمسالكَ الغريبةَ للذينَ يتعثرونَ وسطَ سقوفِ الفراغِ . أصغي اليكِ وأعرفُ انك تحلقينَ هنا عائشة في اللامرئيّ منذ دهورٍ . هل لي أن أسمعَ أغنياتكَ ؟ أيتها السيدة الشفيعةُ . السيدة الجريحةُ ، أيتها الأميرةُ الغريبةُ والأسيرةُ ، يا عذراءَ الليلِ ، يا أميرةَ الرجاء ، أميرةَ الحديقةِ ، أميرةَ السلوانِ والانشادِ الذي يحطّمُ الرخام . هل تسمحينَ للغريبِ بالمكوثِ تحتَ نوركِ الوهّاج ؟ إِلقِ إليّ بنجمةٍ لتضيءَ ليلي في طرقاتِ المنفى . عاريةً تقفينَ على قبري ، شجرةً ضنينة . أنظرُ اليكِ في ظلمةِ الريحِ تهبطينَ من سماءِ الأحلام في رداءٍ نسجتهُ القرونُ . جمرُ الفيروزِ الذي يتوسدُ أنهارَ جبينِكَ العاليةَ ، سهرَ كثيراً تحتَ ليلِ الكحلِ ، أيتها الشفيعةُ ، يا من يُطلَبُ منها السلوان ، لا تسألي عن اسمي ، امنحيني إيماءةً فقط لأصعدَ من بينِ هذه العظام ، يلذّ لي أن أتوسدَ أحدَ ذراعيكِ ، ذراعاكِ حديقتانِ ، يلذّ لي أن أعصرَ نهديكِ ، شفتاكِ نحلتانِ . من عينيكِ يشربُ ويغتسلُ العاشقُ ولا يرى لطخاتٍ في مرايا الزمنِ . نظرتكِ شرارةٌ من نيزكٍ يعطّرُ الأرضَ في زحفه المترنحِ صوبَ الهاوية . أيتها السيدةُ الجريحةُ ، سيدةُ الأحلامِ والرغباتِ المستحيلةِ . هل لي أن أرى طيفَكِ الأزرقَ ، رداءكَ الأخضرَ الذهبيَّ ، جسدَكَ المتثائبَ واللامعَ تحتَ أمطار الخريف ؟ تنامُ في الخميلةِ ، سيدةُ الرؤى واللاهوت ، السيدةُ المتألمةُ ، السيدةُ الوحيدةُ ، أيقظيها أيتها الريحُ ، أيقظْها أيها العندليب . لو انني أستطيعُ أن أصعدَ الفضاءاتِ ، لصعدتُ فضاءَ الشفيعةِ . حمامةٌ فوق رأسي وحربةٌ في جبيني . لو انني أستطيعُ أن أحفر قبراً ، لأحييتُ الشفيعة . في حنينِ الشجرةِ المكتوبةِ في قنديلِ العتبة ، في ألمِ النسرِ المشدودِ الى الأفقِ ، في عطرِ الأقحوانِ تحت برجِ الدلو ، في الآماد التي تنغلقُ على سواحل نومِنا في الصيفِ ، نُصغي من خلالِ شلالاتِ أشواقِنا الى أنفاسِك التي هي ثمرُ سنواتنا وكشمشُ نذورنا . رداؤكِ الجميلُ ملقىً على رمادِ الحديقة ، وعلى رخامةِ الضريحِ كتبتُ اسمكِ وبحتُ بالحقيقة . ملاكٌ أزرقُ يحرسُ الينابيعَ البعيدةَ ، يحرسُ الغَمامَ فوقَ سنابلنا العنيدة ، الغمامُ الذي أحرقَ اورفيوس ، أيتها الظلمةُ بعد الغمامِ ، كنتُ مع اورفيوس ، سمعتُ الطقطقةَ ورأيتُ العظامَ ، في العالمِ الساكنِ رأيتُ العظامَ ، رأيتُ العدمَ ، وسمعتُ الحشرجاتِ ، ذكرياتٍ بلا أجراسٍ يهزهزُها الرمادُ والظلام . رأيتها الصيفَ الماضي وقبلتُها حينَ جلسنا في الحديقة ، لكنها بصقتْ في وجهي ثم قالت : { أين كنتَ كلَّ هذه الفترةِ الطويلة ، لماذا لم تبحثْ عني ، لماذا لم تخرجني من القبر؟ } ؟ قلتُ لها : { كيف أخرجكِ وأنت ميتة } ؟ فكشّرتْ بحقد وقالت :
{ لستُ طيفَكَ } . تحتَ مطر تشرينَ ، في الأرضِ التي خرجتْ للتوِّ من الزبدِ ، كانت رغباتنا تتنفسُ مثلَ نبيذِ الليل . في الطريقِ الى البيتِ حدثتني { عن اغتصابِها من قِبَلِ البدوِ ، وعن مساكنِ أهلِها في سدوم وعن تماثيلِ الآلهةِ المبعثرةِ في الصحراءِ ، من بعثرَها ولماذا ؟ انها لا تدري } . قالت : { هناك آلهةٌ عظيمةٌ في الصحراء } كأني لا أدري ، وقالت : { حرسُ الملكِ يلبسونَ دروعاً تحتَ ثيابِهم } ، قلتُ لها : { هل رأيتِ حديقةَ الملكةِ التي تموتُ في الربيع ثم تنهضُ في الشتاءِ صاعدةً الى الناصرية ، أرضِ وطني ، هناكَ وددتُ أن أستحمَّ في الينابيعِ الصافية } ثم حدثتها عن صحرائي ، وبعينينِ مرمدتينِ رأيتُ العظامَ تترنحُ تحتَ الشمس .

العاشق
أيها الأمل الجميل ، اعضدني ، وليرفعني هبوب النسائم صوب مدائن السماء .
الهلال وزّان القلب .
الأمطار نذور العشاق .
شاهد الزور يجّفف الينابيع .
{ أنتِ كوكبٌ . أنتِ إلهةٌ هذهِ الجبال لصعودكِ ، هذا الفرات لعطشكِ ، العالم كله أنتِ ترفعين عنه الرماد } محظوظون أولئك الذين تقدمين لهم الجروح . القلب العائش في العزلة يضيء وليس المصباح . أنتِ ، يا منَ تحملين ليل الأرض بأصابع نازفة وتطوقكِ السموات . يا مَن جئتِ إليّ في زمن القشعريرات . بعيدأ عنكِ كل العالم يصبح صحراء وتغطيه الظلمات . نازفاً من حبكِ القوي . حبكِ الكاسر . آخيتُ الموت الجميل الكامن في برعم الوردة . في انعكاس المرايا . في يد الفجر الصديقة . في أبوة الرخام . ميتة تطيرين في لازورد الليل وجرحكِ لا يمكن تضميده . شمس جبينكِ مجروحة من قرنفل الأعماق ، وروحكِ المرتعشة ، صومعة الكلمة في ملح سهراتنا التي بلا غفران . يا غابة بقناديل يحاصرها الموت والنشور . يا طنين الملاك بين أوراق الذهب . يا أزهار الكبريت في أرض العظم . يا شمعة ترطنُ في أروقة الهاوية . يا هجرة الدم وتشعباته في برق الغروب . يا كتابة خاطئة فوق رأس النحلة . يا وميض النجوم الممحو وسط أدغال القرون . ليل ألمكِ يتضرعُ لأشجار الزمن ، وفجركِ يشتبك ويتجذر مع الشعلة التي لها هذيان حيوات كثيرة . فجر الموسيقى أنتِ . فجر الباب المنزلق على حدّ الأبدية . تضرعتُ اليكِ طويلاً وكانت صلواتي تمحوها عدالة زئيركِ المستعدة لاقتلاع الجذور وصيف النسمة المنقلبة .

العاشقة

آهٍ ، يا زهرة الخشخاش . يا كهف الكلمات وشفافية البوح . قلتُ لكَ : ما همّني أن قتلتني بهذا الحب وواريتني في أرض النبؤات . علّها تزهر بإلهٍ جديد . أغمضُ عيني فيموتُ النهار وحين أشمُ حضوركَ أفتحُ أجفاني ، فيذوي الليل ويطلقُ سراح الشمس ، كذلك أيها الشاعر الحزين والعجيب { أمرٌ كان ، وأمرٌ لايكون ، وأمرٌ كائن } وأنتَ تعرف ما تبقى من النفري . لنقتل الحزن والألم بالكتابة . أنا مثلكَ أعيش الآن هواجس الخسارات والندم والرغبة في العزلة ، والبكاء حدّ الصراخ بكل شيء . أريدُ أن أنجو مني . ربما غداً ستصلكَ رسالتي وفي الأيام القادمة رسالة أخرى . أريدُ أن أبوح لكَ بآلامي كلها ، علّها تمنحني الراحة ولو لدقائق . ثم أعيدها الى الأوراق التي تحنو على جروحي . نم هانئاً ، مطمئناً لأن الشفيعة لا ترضى أن تكون هي الطعنة ، فهي مثلكَ على حدّ السيف من الفقدان والخيبة .

العاشق

لا الثمار
لا القناديل
لا الأسرار
أنتِ تسندين الليل في عذوبة السقطة ، فتفيض الأنهار وتمتلىء قلوب أولئك الحزانى على تخوم الفجر . لن يعّرش الضباب حين تموت الصحراء . لن يسطع لهب الصيف حين يرحل نجم القطب . لن تنطفىء نار العاشق حين تغيبين . لن تستحق الحياة أن تعاش حين تموتين . يا شمس الماء ، يا صلوات البطريق المحترسة ، يا ضوء الزرقة في السماء الحانية . انخيدوانا الشفيعة منفاي وقبري المدهون بعطر الأبدية الطويل . تحت الأنصاب ووجوهها الفارغة . عبر أمواج وأحجار السماء . في الينابيع المهشمة العميقة . تبقين حاضرة في سطوعكِ القوي . في الظهيرة العدوة داهمني صيف الجحيم فاحتميت بنسيمكِ الإلهي الرحيم . بعض أولئك الذين يثرثرون ويهمسون سوف يقدمون لنا قمحهم حين يجف كل شيء . سوف تكون لنا مظلات وتحرسنا أسماك رغباتنا المستورة . عزلاتنا . مخاوفنا . ليلٌ ضنينٌ يطرزه العشاق بنجوم القرون الأخيرة .
نجمة وراء نجمة أشجار فضاء حبُكِ مستمرة بلا غيوم . سوف أمنحكِ ليل السنبلة . أمنحكِ سر النبع . سوف أجعلكِ تتحدين بعطر الأرض اليتيمة . سوف أدلكِ على رغباتكِ المنغلفة في الرماد . كثيفة هي الغابة التي تستر رغباتكِ يا شفيعتي . وجهكِ المزخرف بالأقمار والأسلحة العشقية سوف يسرق مني موتي . آملُ أن تكون الوعود الآن مطفأة لكي أنساكِ . بلا سراج أقبض على فراشات النوم . { سينتزع آخرون أقل لهفة مني ، قميصكِ المنسوج ويحتلون مضجعكِ } * انخيدوانا أيتُها السيدة الجريحة . السيدة الأسيرة . يا وزّانة الرؤى . يا أم الألم . أم التنهدات . ما الذي بوسعي أن أقدمه لجروحكِ العميقة ؟ عادت شفاعاتكِ القديمة . عادت الوعول . عادت المدائح وكمنجاتها الذهب . ليلكِ المليء بالأشباح والعواء يمطرُ أدخنة وقشعريرة . غيابكِ آكل الصور بين الوهم والمرايا . هل ابتنى عشّاَ ؟ هل أدار مفتاحاً ؟ أحببتُكِ وموتي بين يدي يسيل وكانت المكائد تزيِّن لي المقتل . لا موتي . لا رمادي . لا الصخور المسننة فوق الجبال غطَّت بالدم سوادي .
كنتِ شجرة اجاص وشفاعاتكِ عشي . كنتِ مرآة تحتضن العالم وسره العميق وحينَ أيقظكِ قنديل الصيف بسفوحه الحارة ، أحرقتِ كل ندبة في ريش العندليب وجعلتِ للقلب سياجاً بين الوردة والقش . عادت قناديلكِ . عادت فضة المساء والمناديل . بينا الآن الباب والحديقة . بيننا اللعثمة وأنفاق عدوة والشفاعة شجرة يكسرها الهباء .


العاشقة

{ أيتُها الوردة ، يا لكِ من تناقض محض ، ورغبة في ألا تكوني نعاساً لأحد تحت الكثير من الأجفان } .
مساء القداسة
أيُها النبيل
هل تعرف هذهِ الكلمات المحفورة على شاهدة قبر ريلكة ؟
يا كاهن الكلمات ، تصوّر كلما أرسلتَ فاكساً . هبّت العاصفة . الأشجار الآن تكاد تنخلع كلها ومعها تنخلع روحي من عنفوانها ، ولا تدري بأي أرض ستكون ؟ انني أحزنُ حزناً غريباً كلما قرأتُ ما تكتبهُ لي . حزنٌ يرتفعُ الى سموات خلقها الله لي وحدي ، لذلك تبقى متوحدة ومتفردة بهذا السموّ . لا تخف أنه وجعٌ أعشقه ويكاد يزلزلُ فيَّ الشعر ، لكني لا أريدُ أن أكون معذبتكَ . جلادتكَ وورطتكَ التي لا تقدر أن تتخلص منها.


العاشق

الأبراج التي يصعد اليها الرماد ، الأبراج المنعطفة ، لم يعشش فيها مالك الحزين ولم تظللها شمس الليل . الأعشاش التي تستوطنها القشعريرات ، الأعشاش السود ، لم تأوِ اليها العصافير ولم يحرسها الغمام . وأنتِ أيتُها السيدة الشفيعة ، يا سيدة السلوان وسليلة الأدوار المقدسة . مجيئكِ الجمرة التي تضيء أقاليمنا وجبالنا العارية .
لا الانشاد
لا القرنفل
لا المشاعل
لا نحاس الليالي .
قصوراً منيفة رفعنا في الظلام وانتظرنا الشفيعة . جاءت القنادس محمّلة بالذهب والأحجار الكريمة . جاءت الطيور وموسيقى المرمر وانفتحت الدهاليز في النجوم وذلُلت الكواكب تذليلا . لهبوبكِ هذا العراء المشع على ليالينا المعراة للغبار والأسلحة الخفيضة . انني أحيكِ . انني أحيكِ بطغيانٍ عادلٍ عدل فجيعة وأرفع صوتي في المديح وفي الانشاد .
{ سيدة جميع النواميس الإلهية . الضياء اللامع . المرأة النقية التي تتفيأ تحت الجلال . محبوبة الليل والنهار . أنتِ مَن احتضنت النواميس الى صدرها . أنتِ حارسة النواميس الإلهية العظيمة كلها . أنتِ كالسيل المنحدر من الجبال . يا صاحبة المقام الأول . انخيدوانا السموات والأرض . أنتِ مَن ينزل لهيب النار على الناس كالمطر . يا مخربة البلدان العشقية . أنتِ مَن أعطتها الرياح أجنحة . يا محبوبة نصيف الناصري . السيدة التي لا تهدأ ثورتها . يا ابنة الإله الكبرى . السيدة المعظمة في الأرض . أيتُها الإلهة مانحة الحياة . أيتُها الرحوم . أنتِ سامية مثل السماء . أنتِ واسعة مثل الأرض . أنتِ مَن تجعلين النشيد ينطلق من قيثارة الأحزان . مَن يستطيع نكران الولاء اليكِ ؟ أنا الغجري والكاهن الأعظم . منعزلاً بآلامي أنصتُ لرنين أسلحة جمالكِ والشفافة . أنصتُ لرنين لطافاتكِ المشعة التي تحرسها الطواويس والوعول . أنصت لحناناتكِ التي ترطن تحت الرماد وتحت أنقاض العالم.
ثياب للغمام
طبول للريح
موجة وشبّابات
لمجيء السيدة الشفيعة .
أحييكِ أيتُها المالكة والمليكة بكل هذا الغفران الكبير ، وأرفع يدي ذبيحة ، وصراخي الرتاج . ميسمي الرباط وأدناسي السياج . أناديكِ يا عروس . يا شقيقة نفسي . يا سيدة النور والرجاء . يا فرساً تتشهى دفء الطبيعة وتحلم بخزائن الهاوية .

العاشقة

حارس الشفيعة .
{ الى القمر يجب أن يرفع رأسه ذلك الغارق في الخطايا } . قلتُ لكَ أنا لستُ تلك الشمس فلا تنتظر في ذات المكان يا ننشوبار الوفي . يا رسولي . انني لا أحب الرتابة والقدر الواحد ، والعشق الأوحد ، والجهة الواحدة ، وهذا الحريق . أنا المتبدلة كقمر . أقداري السبعة رَصّعت وجه الليل بالخواتم والشهب وكأنني لا أموت ، وكأنكَ تجرني الى بوابات جحيم الخسارات والوعي والندم . كلما آذتني الحياة ، رميتُ حجابي ومنحتُ كفي للمستحيل . قلتَ لي أينَ يكمنُ الموت ؟ أنا وتدٌ مغروسٌ في قلبكَ ، فهل نسيتَ ؟ يا حارس أكوابي وصندوق جثماني في البوابة المرصعة بالخلاص والسلطان ، يا مَن يرّدني الى صولجاني الهارب في الغيوم . أيُها الليل كُن رحيماً بي وإلاّ سوف أحجبُ عنكَ خطاياي . نوالي مرادكَ في البأس من دماري . احتجّت الكواكب وضاقت عليكَ من الانتظار . اطلع أيُها الصوت . يا فضة محفورة في خسوف الدعاء والارث المهزوم .

العاشق

بيننا { كل هذا الفرات
بيننا سفر الخريف
بيننا سفر الشفيع المعصوم بقلبي }
ارفعيني من الهاوية
من ليل الهاوية
من لعثمة الظلام .
أقاليمي التي يصعد اليها الرمل والصبّار . تعوي بين عرصاتها الذئاب الجائعة والجريحة . منعزلاً بصحرائي والحطام
منعزلاً بالأنقاض
أحلج الآلام
منعزلاً بحطام الجسد ورنيني رنينه
بالريح النوّاحة
بالأغصان الميتة
بالجروح
بالكهوف
بالليل الطاغية وسديمي سديمه . ارفعيني أيتُها الشافعة الشفيعة الشفوعة يا مَن ترفع العظام مِن الصخور ويدها الينابيع يا مَن تآخي الحجر الصلد ووجهها السهول . منعزلاً بأنقاضي أرقب شموسكِ لأدلها على برودة الأحلام . شموسكِ فضتنا وسرتكِ دفء الأنهار . سوسن وأقحوان لأقاليم السيدة الشفيعة . قمح وشعير لهضبات السيدة الشفيعة . أقفال وسلاسل لعشب السيدة الشفيعة . ذبائح ومحرقات لأعياد السيدة الشفيعة . عش وقواق من غيوم نووية للسيدة الشفيعة . أيتُها الشفوعة دلليني وشعشعيني وهزهزيني . سأدللكِ وأشعشكِ وفي الممرات السديمية سأفضضكِ وأعضضكِ كتفاح ، ككمثرى . يا درجاً من الصندل . من العطور والمرمر . يا قبراً مِن العشب . من الغناء . من اللمعانات والفضة . فراشة أطير وأنتِ النار . أنتِ الصاعقة والعصف . يا أمينة الخزائن والتخوم .
يا ماء النار
يا نار الماء
هيأتُ لقتلي الحلبة والأسلحة
هياتُ الحبال والأعمدة
هيأتُ الدموع الجيّاشة والإنشاد
والشواهد التي ترفع الأضرحة .

العاشقة

أعرف أن القداسة شيء يطمحُ البشر الى معانقته ، لكنهم يدفعون ضريبة الألم القاسي للوحدة . الحب هو مرشدي الى القداسة . يا إلهي ، هل تعرف أن الأجيال قد لعنت تيد هيوز عندما انتحرت زوجته الشاعرة الرائعة سيليفيا بلاث . وقد صمتَ مدة زادت على الثلاثين عاماً ، لكنه قبل أن يرحل بأيامٍ كتبَ أروع ديوان . ردَّ في الشعر على ذلك الفقدان الكبير . من يرأف بيّ أنا ؟ جروحي كثيرة ، وكبيرة في الوجع أيامي . { نحنُ مختلفان . كلٌ يشدّ طرف الحبل الى ضدهِ . نرقصُ لنحلم في الحلم ، ولكن جحيم الآلهة ينتظرنا في عالمه السفلي . أعرفُ لا رهبانية في قلبي }. المهم ، هذا جزء من نصٍ أشتغلُ فيه منذ يومين . سوف لا تموت قبلي . صدّقني ، لكنني أشعرُ أنني راحلة لا محالة . أريدُ أن أبكي الآن وأن أستمعُ الى صراخ اللبؤة الجريحة في هذا الليل . لا تحاسبني على هذه السوداوية ، فالحب ألم بالنسبة اليّ وكل شيء خارج الألم لا أستطيع مصالحته . نحنُ نكبر في المحنة ونسمو ونتركُ للعالم شيئاً فريداً ماكان موجوداً ولن يوجد . كم أريدكَ الآن قصيدة . ندم . عويل . حوار . عواء وضراعة وقرار مجنون في الرجوع الى منابعنا الأولى . هناك لعنة كبيرة عليّ لو كنتُ المعشوقة التي تحصي كل يوم قتلاها بين خرائب بابل .

العاشق

أيتُها الشفيعة
السيدة الزئبقية
يا جوهراً معرى تحرسه المياه
يا نصل الليل
يا نمرة الكلام
يا وردة الفريسة .
أيتُها الجميلة المعبودة المطاعة دائماَ . لينعشكِ الليلك والسفرجل .
لتسندكِ الأدراج والغلبة
لتسندكِ السطوة والأبهة . أعطيتكِ قلبي تنور نار فلا تمنعي ينابيع شفتيكِ . أعطيتكِ النسيم فلا تدبري المكيدة . اعضديني يا مَن تعضد الأحلام وليكن بيننا دهش وقشعريرة . عطركِ شعشاع والعين تلتذ بالنظر . أشجار ودروب العقيق اللامعة فوق مياه الليل . سنبلة الحرير . الأدراج السرية المتعرجة الصاعدة صوب أرض الهلال . كلها فخورة بخطواتكِ الملائكية . أنتِ أيتُها السيدة الجميلة عديمة الرحمة ، يا مَن يسطع القمر والليل مِن عينيكِ . يا أم الأرض وتخومها .
يا عذوبة الموت . يا إلهة المياه وسديمها . يا عين الصباح ومخلب الوردة . في الأرض التي كنّا نموتُ فيها ميتة حيوان . كانت مصائرنا تتشكل بالوراثة وكانت دموعنا تتلهف لزمرد دموع أخرى متسمرة ومضيئة . أين قمح حيواتنا الذي اكتمل في الدهاليز المضطرمة ؟ هل مازالت أعيادنا تصرخُ في الظهيرة التي لا تعقد ميثاقاً مع الشمس ؟

العاشقة

{ أينَ ولّى عمري ؟ لستُ أدري ...
فيليب لاركن .
أنا الغريبة . كيف الطريق اليكِ يا أكدُ . جدران بابل قاسية ومالحة ، وقناديل العسس تنتهك حرمة ليلي . الأناشيد تكسر صمتي . كيف الطريق اليكِ وأنا ألعن التبرك بأضاحي العشاق ؟ أنتَ الذي دمرتني وهجرتني . مغلوبة بهذا العشق ، وأنيني يوقظ الأيائل في الوادي . معتمة كل أمطاري ويابسة أنفاسي. كيف الطريق ؟ تعالَ إليّ . سور المدينة خصري ووجهي الباب ولغتي بيت القداس ، والشمس محتجزة فوق مسلة قتلي ، وحبيبي هذا الوجع الإلهي . لا ترفعني الى الريح . الآلام هناك . ومعجزتي انني لا أسيء اليكَ حين أجيء ويدي فارغة إلاّ من نبضات قلبكَ . قلبكَ القائم في المحنة . بماذا سوف أبني هيكل حبكَ يا سيدي النبيل وأنا عاشقة حتى الموت ؟ أنا ضراعة ذهبوا بها في موكب جنائزي من قرابينكَ . حتى أبوابي التي غزاها الكهنة وذبحوها في معبد الخطيئة . عادت إليّ مع اليعاسيب في المساء . غريبة أنا يا حبيبي . لم يبقَ لي سوى هذا السرير . تئنُ فيه الوحشة ، ويثقلهُ ليل الشتات .

العاشق

وجهكِ الذي يشفي الجروح ويشع بالبهاء ، يرفع الأورام مِن جسد الحديقة . الكلمات التي تخرج مِن فمكِ ، مصابيح سطوعها يعري سر السنبلة . أنتِ نهار ، تستدرجين الدليل وتطفئين ظلام الفجيعة .
{ قدماكِ دمعتان
غرقتُ فيهما عندما هبطتُ من الجبال
لا يوجد عتاب في عينيكِ الرائعتين
كلانا سينام في القبر
مثل أخ وأخت صغيرين } .
الغيوم . غيومكِ العطرة تشعُ فوق أقاليم مدائحنا .


العاشقة

يا صديقي في الألم . لقد صدق حدسكَ ، فقد عشتَ وأصدرتَ مشرّعاً أبوابكَ { لأرض خضراء } ، وشهدتَ بدلاً من تفسخي ، موتي . أشجاركَ تكبر في الحزن ، واذا كان ثمة خطأ ، فمن المؤكد أن كل شيء غير مثمر ، يكبر في العزلة والشعر مرٌّ . قبل أن أموتُ لا توغل في محبتي . ماذا فعلتَ بي وأنا أتصفحُ كتابكَ ، أعني ألمكَ الكبير . أيُها الصعلوك النبيل . لا شيء سوف يبقى غير الشعر . كل الهوامش زائلة قبل موتي . هل تعرف أيُها الصديق ماذا يعني العيش في نخوة المحبة ؟ قبل أن أموت . صدقنّي لم أذبحُ أحداً ما إلاّ حياتي . كيف لي أن أذبحكَ ؟ قلبكَ هو الذي { سالَ فوق السفوح } ، لأنهُ أكبر من الشفاعة. حتى حينما تلعنّي أكاد لا أملك إلا أن أبكي من الأعماق . من كهف هذا الشتات والنفي الدائم في ملكوت الوعي والخلاص . لا خلاص لي ، غير أنني الآن وكما كنتُ دائماً . أصلي الى الشعر . أموتُ عليه وأشهق فيه . أمسكُ بعروته الوثقى . أفتحُ ذراعي وأستقبلُ حزنكَ حيث بابل القديمة . قبور الطوفان الأول . الشتات الأخير . كل ذلك سوف تجدهُ في مخطوطة لدى { ملائكة } اذا ما التقيتها فوق أرض التنهدات . ليلي هو المثلوم والناقص ، وصخرتي كبيرة . لا يبقى سوى الشعر ، فاذا متُّ فسوف أعودُ مثل أخت . هل تذكرُ ؟ اكتب حتى نكسر العزلة . حتى نقهر الموت . العدم . أحييكَ بدفء العراق حينما تتمرد الطبيعة على حدوسنا . أيُها النبيل . المطر يهطلُ . انني أغسلكَ من كل تراب المدن وأنّات الوحدة ، وأرّشُ عليكَ ماء الورد . هل تذكر هذا الماء السماوي ورائحته التي تتسربلُ في الروح ؟ اكتب . استمر لتقتل فيَّ هذا الندم وهذه الحسرة . معافاة كل الهضاب التي ستوصلكَ اليكَ ، ومعافى نشيدكَ المقتلع من كل انكسار .

العاشق

صوتكِ المدهون مثل شجرة وفية لأنقاضها المترنحة ، حديقة فيروز بلا أضواء ، تتمطى فيها أوراق الساعات المثقلة بشهبها المنحوتة والمطفأة . في صراخنا اليكِ يتمددُ الزمن ويختلس النظرة المرفرفة في انعطافات الشمس . ظلال حيرتنا تنثر بذورها في أرض الأيام والسنوات التي عشناها مخبأة وساهرة تحت ينابيع تقهر النور وايماءاته المهفهفة في الهاوية مابين الرماد والحرير . دمعتكِ المسترخية والمشحوذة في الغياب . أغنية ينبثقُ من رمادها فجرنا الخشن الضرعين . نداوة الفجر وبساتينها الوهّاجة كما مراكب كحّلها الابحار .

العاشقة

تحيات بحجم الشفاعة اذا كانت هناك صداقة حقيقية في هذا العالم . أحسستُ بالخيبة وأنا أتصفحُ رسائلكَ الأخيرة . يا لوعتي . لم تختلف عن الآخرين وأنا التي كنتُ أصّدق كلماتكَ وأخافها ، لأنها انفعال لحظة هاربة أو مؤجلة ، ثم وبعد كل ذلك التهجد من الشعر والألم والحلم ، تشّنُ عليّ هذه القسوة . لماذا ؟ ألا تستطيع أن تعرف انني امرأة محكومة بالقدر ؟ { كلّما اعتليتُ هذه الوحشة . وقف الله يؤجل لي رغبتي } . المهم ، كنتَ حاضراً هناك في مهرجان الكتاب بالقاهرة . خاصة في الليلة الأخيرة التي قضيناها بمنزل أحمد الشهاوي وزوجته الرائعة الروائية ميرال الطحاوي . لقد قصَّ عليهم عباس بيضون بمحبة من دون أخذ الاذن منّي كيف هرب نصيف الناصري من الخدمة العسكرية عندما عرف أن شفيعته مريضة . كانت ليالي القاهرة جميلة ولطيفة . تحدثنا أنا والبياتي عنكَ ولكن يا لحزني . البياتي لن تطول به الأيام فلقد صدمتني صحته ويبدو أن نهاية التسعينات ستقطف الكثير من أعمار الأصدقاء . نم أنتَ مرتاح البال فسوف لن يجىء الوقت الذي أقرأ فيه وصية موتكَ . سأموتُ قبلكَ وستخلدني في مرثية . أقولُ هذا الكلام الآن حتى لا تستغرب من الذي سيحدث في الأيام القادمة . بَل هذا ما تحقق الآن بالفعل .

ترنيمة وصلاة الكاهن الأخيرة

إلهتي الشفيعة
غدوتُ بحولكِ وقوتكِ ، وغدوتُ وحدي بلا حول ولا قوة . أنني أصلي اليك مع العصافير تحت أشجار رمّان ليل الصيف ، ومع النميمة في السرّ . أعبدكِ في سري ونجواي وألتمسُ الياقوت من ينابيع شفتيكِ كما أمرتني فيسّري لي ذلك وأنا خافض في حدائق سرتكِ المنقطة بالذهب والزعفران . شفيعتي ، لا يواري منكِ ليل ساجٍ ولا سماء ذات أبراجٍ ولا أرض ذات مهادٍ ولا ظلماتٍ بعضها فوق بعض ولا بحر لجّي . تدلجين بين يديّ المدلج من خلقكِ . تدلجين النسمة على من تشائين من عشاقكِ ، وتعلمين خائنة الأعين وما تخفي الصدور . غارت النجوم ونامت الأوتاد وأنتِ المعشوقة . غفرانكِ . إلهة للعاشقين وصاعقة للمحبين وللساهرين . أنتِ السفينة وفضة الأمل . أنتِ نار الحب في أمنية الكاهن الكهل . وأنتِ الليل اذا اشتمل . أنتِ كسرتِ لي ظهري ، وأيبست لي نهري ، وجعلتني من الساهرين . ثلة من العاشقين . ابهذا الحب تشرك مع انخيدوانا أحدا . ألم نختم لكَ حظكَ . في الليل اذا كظكَ ، وأبدلنا نشيدكَ بقصيدة ، حمراء كأنها نخلة ، فهل من حب الشفيعة تشفى . كلاّ والفيل الطيّار ، والفقدان الدوّار ، والفلفل والبهار ، أن الشفيع لفي أخطار . لقد أنزلناكَ في المهلكة . جرثومة العشق والتهلكة . وما أدراكَ ما التركة . مرجان مرض نحلة ملكة . في نهديها عسل الغابة الحلكة . ولقد أجلستكَ في مقعد السهر . اذ تقول لنفسكَ يا ويلتي . أحببتُ أمرأة واحدة طوال الدهر . قُل أن الشفاعة لأنخيدوانا ربَّة الارجوان والشجر . اذ جعلتكَ للعشاق سراجا ، ووضعت في طرقكَ أقفالاً ورتاجا ، وقدّرت أن لن تنسها لحظة واحدة ، فهل من بعد هذا تريدُ لجاجا.
* رينيه شار

صلوات الخواتيم
ا
انخيدونا يا أخت اورفيوس ، الى متى تبكين تحت فسيفساء أنوار الصيف ؟
هاهم تجار { الناصرية } جلبوا لكِ شجرة عرعر من جنائن العاشق
الغجري ، سترقدين تحتها وتغنين نار حبه اللافحة . ستغنين هجرات
الطيور والعشاق والأسرار ، وستسطع المشاعل أمامكِ على الدغل
والمرجان . على القلاع والزيزفون . على الشبوط والاسقمري
ستغنين نار الحب الضائع في أرض المنفى :
{ على أنهار أوروبا هناك جلسنا وعلقنا قبلاتنا على الدردار }
انخيدونا ، أيتها المهجورة كمعبد
هل نستطيع أن نرنم { ترنيمة الحب في أرض غريبة } ؟
طوبى لمن يسمع جهشاتكِ ويضرب فيها ليل الحدائق البابلية .

ن

تسهرين سهر الثمرة وهي تنتظر الجائع الغريب .
شمس وجهكِ ترفع السر من ظلمته . أنتِ أشعلت النار في الليّل
فحطّت فوق أشجارنا بروق نظراتكِ العاصفة كما ضياء نعمة .
يجيء الغرباء اليكِ . فراء دمعتكِ يدثرهم . نار الليالي المعذبة ،
نار الحيرة ، تنام في عينيكِ الساهدتين .
أنتِ النحلة الإلهية التي نخشى عليها من الطوفان
وأنتِ عسل كلماتنا اللامكتوبة . نتسللُ اليكِ مسحورين بنوركِ
الوحشي وتقوديننا كما تقودين الاعصار .
لمن هذا البهاء العالي ؟ لمن هذه الخاتمة المضيئة في طرقات الهاوية ؟
يسيلُ الذهب من يديكِ . يترصده الفقراء والأشجار والمطر .
الغرباء اخوة ذاكرتكِ المدهونة بالعطور الحارة .
اخوة دمعتكِ ومكحلتها التي تحرس البذرة . تعبنا من جمالاتكِ
تعبنا من ودادكِ . انتظرناكِ عند باب النار وكنتِ عارية في لهبكِ العميق .
أمسكناكِ / حضناكِ / هززناكِ / وكنتِ تتلوين في سطوعكِ .
أيامكِ ذاكرتنا ، وذاكرتكِ أرضنا الجديدة . هذه الشجرة التي تطير في محنتها
عطيتكِ لليّل . أنتِ العش ودفؤه .

خ

قبركِ المستَريح في سطوع العصمة . عَسَل البَساتين وأفياء العَقيق المنحنية على نيران
السَنوات التي قوَّستها العصور . قَبركِ مرآة الكَينونة . بذور الشَمس وجسر الأبدية .
قبَركِ اللحظة المدوخة التي تَنسابُ على ظَهيرة الشواطىء وَمتاهاتها المتعددة بَين
الصيرورة الناعسة للطَبيعة . قَرابيننا المترنحة التي يصقلها النوم في صَلواتنا
المتمددة اليكِ . أشجار كستناء تَشحَذُ ثمارها لإرساء العَدالة بَين فردوس الفَجر
وينبوعه الذي يَتسَلق شَجرة سهاد العاشق . قَبركِ ، انخيدوانا ، النَهر الذي يَغزلُ
أسراره ويَرفَع القنديل . هَل تَسيلُ قَطرات غيابكِ في الزَمان أم تَذوبُ في الديمومة ؟
هَل يَمحو ضوء عشقكِ في انعطافاته المزدوجة ، النجوم وغبطة النَسيم ؟
انغلقت الهاوية عليّ وَتشابهت النساء . تَشابهت الأمطار فوق كَتفي وترنحت
قيثارات السنبلة والحَديقة . صاعقتكِ المنعكسة ، انخيدوانا ، وَسط أزهار الصَمت ،
هي العصارات المذهبة التي ترطب جذور حَياتنا . اسكبي نوركِ الوَسنان عليّ .
يَتآزرُ فيّ الصَمت والاهتزازات .

ي

يتململُ في تجسُّماته المتعددة النجوم ، ماضي حياتي عبر صفائح ذهب متاهات تغنجاتكِ الزفافية . أيتها السيدة المتألمة والمنقسمة بين الأفياء الضامرة وبين النور ، والمنحنية على غصينات الفجر في شدّو الصيف . يا عقيق الأسرار الذي يتلألأ كما ميراث الشهب الحانية على هاويات وجوهنا المأتمية المرجومة . يا فراشة نطق الشمس ويا سهر الشعلة في تشققات الأيام . هل لي أن أرى ماضي حياتي عبر صفائح ذهب متاهات تغنجاتكِ الزفافية ؟ براهين صرخات الحب بين شواطئ ليل الغياب ، لا يمكن الوثوق بها ، والنهايات المرتعشة لصوان وقناديل تراتيل العاشق في الليالي القرمزية للعوسج ، شبيهة بالتجمدات المزدوجة لغيوم الأمل الرهيفة . هل أضعنا بين ضمير النسيم وأشرعته التي تومىء لأشجاننا وسط فصول السنة المرمدة الفطنات ؟ هل أهملنا عذاب البراهين ؟ فيروز عشقكِ الذي يفرق اللعثمة في وفرة السنديان ، هو ما ينجّينا من التهشمات ، ويزيح عن رغباتنا وأحلامنا النتانات .

د

في الانعكاسات المعاندة لمرايا تَنهداتكِ وتنفساتكِ المَحمومَة في السَرير . عبر فراء فخذكِ العَذب عذوبة ضوء الرهزات الطويلة . في نَجمة نَهديكِ المتمايلة بَين الفصول التي تَسطَعُ فيها زُهيرات النعمة والغفران . تحَّطُ طيور الصاعقة وتَنتَصبُ أقمار وأشجار ذَهب الفَجر فوق نَحلة فَرجكِ التي تَطنُ طوال الليل . رَغباتنا العَصية المرتعشة في أعالي أنهار سرتكِ المنّورة الليالي ، وتوحيداتنا للآلهة التي نَنسفها أمام سلطانكِ في كل حين . وانتفاضات مَصائرنا المعلقة ما بَين الهاوية والأدراج اليَقظة عبر تهشّمات القَناديل النَجمية لعَطشنا الى يَنابيع وَجهكِ الذي تُقاسمنا فيه النمور فرائسها وسَفرجل الرَغبات . تَضيعُ كلّها تَحت لَهب شمعَدانات فَراديس عريكِ المنفَتحة على لَيل أعياد حَصادكِ كَثيرة الغبطات .

و

في تصعيدات القنائص لرنّاتها المتقطعة عبر الغابات الصنوبرية . في اطلاق اليورانيوم للطاقة العظيمة لسنبلة الذرة وعهودها . في شعلة العلامات المدركة للذكرى العميقة للطيور النقّارة بين اهراء الغلال . تَنكَشف خَدائع سهراتنا تحت خيوط الليف والحلفاء في أرض صَمتك المنحنية على نفسها ، وتعرّي نظراتكِ المصطدمة بطرائدنا المنقسمة بين الالحاحات الكثيرة للخلود ، شَفافية ثمرة عشقكِ وامتلاكنا لعقيقها ما بَين الأشجار وما بَين اليَنابيع . مرجان بحر شفتكِ القانصة لفضائل رغباتنا ، يدمِّر كل الايمانات الضرورية لمطالباتنا في استعادة البندق الذي ادخرناه لسنجابك نهركِ أسفل شجرة الصيف . في التدشينات المتحفظة لسنوات عشقكِ وعظمة حدوسنا المترجمة دائماً للارادة والادراك ، يتعانق الله والشيطان في فردوس وعدكِ الذي بلا جسور . ضمِّينا بين طيّات رحمتكِ المتحايلة وخلّصينا من التعلقات المستمرة في الحجارة الكريمة لانتظاركِ بين شواطىء الزمان المتهدمة .

ا

في تَركيزاتنا على استثمار لَحَظات شغفكِ بقَناديل عشقنا وفضائله المَخفية . في تَشديداتنا على المُتغيرات المعمقة والمنقِّية لتنهداتكِ في الرياح وفي هَياكل الأحلام . تَتوَغلُ مشاركاتنا بصَمتٍ في اللَحظة الضَميرية لنومكِ الذي تَملأهُ الوَثائق والفَرضيات . العَلامات الوضّاحة لانحرافات غيابكِ ، والأصوات الاشتقاقية لتَنعيماتكِ في السَقطات المتمايلة للنجوم على الشَواطىء المَأتمية وَفَتحاتها ، والأرصدة المُعَظمة لعَذاباتنا المنحَنية تَحتَ عصور أشجار كستنائكِ في الصَيف ، والالزامات الكَبيرة التي نثقلُ فيها السُهاد في وديان الليالي . تَغيبُ كلها في أروقة صَمتكِ الطَويلة والمُسِّيجة بالندبات المستَرخية فوقَ شَمس السَنوات . معالجاتنا وتصويباتنا لفظاظات ترملكِ في الهاوية وفي الانفتاحات المتيقظة لتَنفسات الرابية ، هي نَفسها الاعتراضات التي نبذلها وَنحنُ نَتناغمُ مع الانقلابات الموصوفة للزَمان . هَل تغرق وَردة صَلواتكِ تَحقيقاتنا في الفَجر ، للعثور على سَفرجلة الأحلام النَّوارة ؟ الكلمة المُتحيزة لا توحي ، والاطروحات التي نقدمها بتعاضدات ثنائية لتَكتيكات هَجركِ ، مَشروعات رثائية في مَكتَبة صَدركِ حَيث يَتجرَّع العشاق لوعات القراءة وَوميض أشواقها ، تَحت هَناء جَمرَتكِ العشقية وحرشَفتها الساهرة والمرهفة .

ن

انسلال شمس رموشكِ وعتباتها ، وَمديح أسراركِ الطانّة بالصَلوات المنزوفة بقوة القانون ، وَتمطط سَنوات انخطافاتكِ وأنتِ تَصعَدين الهَضبة العالية للرغبة . ما يغرينا الآنَ في صَلاتكِ المَمنوحة للاوز البري ، هو لَحظة انفلاتكِ الانسانية وأنتِ توسّعين أصوات لَهفتكِ لعباداتنا لتماثيل صَدركِ الأكثر قابلية على الغفران . في استعصاء وَردتكِ الغَطَّاسة في السهاد على الانتظام في الصفوف المتمايلة للحب ، تَطولُ وَساوسنا المتنبهة طوال الصَيف . تبليغاتكِ لعَذاباتنا بالدَيمومة بَينَ تَجعدات الليالي الممتثلة دائماً لتوقيرات شَعب الاسكيمو ، وأرق فَرجكِ الذي يَرشَحُ بيَن غروبات عصابية ، وتَناسقات تَنهداتكِ المتكونة مِن شعائر ومداعبات أضاعتها القرون ، والمَشيات الطَويلة التي أرهَقنا بها أنفسنا صَوب غيوم وثمار سرتكِ ، وَتدعيمنا لحجارة تَنفساتكِ من أجل الاحتفاظ بالمسلّمات العشقية التي تَتظاهرين بقداستها . ضاعَت كُلها في انطفاءات تأملاتكِ الوَردية في القَوانين المتسرعة للحب وشروطه الجَوهَرية عبر انعكاسات ضَجر ولَطافات الزَمان . لم يَبق لَنا الآنَ إلاّ نجوم أظافركِ وَضَفائرهن . نجوم اسمكِ وهندباء مؤامرات شفته المَكشوفة للعَقيق في نزهاته ما بَين النباتات المخيفة للصلاة .

ا

تَتفاقمُ انقطاعاتكِ المُثيرة للجَدل عنَّا في تَعاقبات القرون . لا حظوظ لَنا الآنَ في التَعايشات الطَويلة مَعَ تَدشيناتكِ لمشاريع الحُب الممضة . شعلة لَهفتنا المبُقاة تَحتَ تَهشمات لَحظتكِ المُنحَنية وانكاراتها . تُثقبها فضة تَهديداتكِِ لعاطفة الضوء المُتحَجبة بمتاهَة مَصائرنا . في الاجتهادات التَجريبية لصَيف ضَفائرك المُعدة للطيران في صَمت الحَريق ، والتأسفات الحَميمة لتَشنجات نَشيدكِ في رَحمة الطوفانات الصَديقة ، والاعترافات وَهاوية تَعقيداتها والتي لا قابلية لَنا للافلات مِن تشابهاتها ، واحتياطاتنا التي لا تَصونها الفَرضيات المُساورة لاسراركِ وافشاءاتها . تَتريضُ كُلها تَحتَ قداسات قَناديلكِ المفصولة عَن يَنابيعنا المضُحية . الاستعدادات العَظيمة التي نَقومُ بها في منتصفات حقول الشوفان لاستقبال فَجر وَجهكِ الفصَّال للظلمة وَتمهيداتها المُنزَلقة عبر أرضنا ذات الأهداب الحَدائقية ، والماحاتكِ عَميقَة النَقاوة في آفاق البَجعات الحانية على توترات مَصائرنا في لَيل الطَيران ووشائجه المُنقَضة على حُميات مَلامساتنا للعَلامات العشقية وريشها . انطَفأت كُلها وَلم يَبق سوى شَجرَة ركبتكِ التي تُركز ضوءها وتوسعهُ في حمّى الرَغبات .



.


صورة مفقودة
 
أعلى