سارة السهيل - التراث الشعبي يمتهن المرأة

رغم انتشار الشرائع السماوية والمواثيق الوضعية العالمية التي تصون الحقوق الانسانية للمرأة ومساواتها للرجل، فان هذه الحقوق قد ذهبت ادراج الرياح حتي ونحن نعيش في الالفية الثالثة للميلاد بسبب الموروثات الثقافية والعادات القديمة البالية التي اقترنت بتفضيل الذكر علي الأنثى.
واذا كانت الانثى اول من واجه العنف والعدوان، فانها لم تمهل لكي تتنسم عبق الطفولة البريئة فقام عرب العصر الجاهلي بالاجهاز عليها ودفنها حية فيما عرف بوأد البنات تحت المخاوف من الفقر، ومزاعم الخوف من العار الذي قد يلحق بالقبلية اذا ما تعرضت للسبي، وكذا المخاوف من زواجها بغي كفء لها، حتي جاء الاسلام لينقذ المرأة من أيدي سفاكي دمائها ويحرم وأد البنات، ويشجع علي تحررها من ربقة العبودية.
غير اننا ونحن نعيش عصر المركبات الفضائية والتكنولوجيا فائقة السرعة، فلا تزال بعض شعوب العالم المتحضر تمارس العدوان علي المرأة وقتلها وهي ما تزال جنينا في بطن امها عبر اسقاط الجنين كما يحدث في جنوب وشرق آسيا، وأجزاء من جمهورية الصين الشعبية وكوريا وتايوان والهند وباكستان، وذلك تحت مزاعم ثقافية شعبية بالية تري في الابن الذكر ضرورة في ضمان المستقبل المالي للعائلة ورفاهيتها الاجتماعية.
ولاشك ان هذه الجريمة الشنعاء ستلقي بظلال اجتماعية وخيمة في هذه المجتمعات وتحدث خللا في التوازن الطبيعي الذي خلقه البارئ العظيم وهو ما أكدته الدراسات الحديثة، بأنه بحلول عام 2020 يمكن أن يكون هناك أكثر من 35 مليون شاب "فائض ذكور" في الصين و 25 مليون في الهند.
جريمة التراث
ولما كان التراث الشعبي تعبير حقيقي عن العقل الجمعي وانعكاس لوعيه وسلوكه الاجتماعي، فان النبش في هذا التراث يكشف لكل باحث كيف تتعرض الانثى الطفلة لكل صنوف العنف في اللحظات الاولي من وجودها في الحياة، وهو ما عبر عنه الفلكلورالشعبي بالعديد من الابيات التي تحفظها الجدات والامهات عن ظهر قلب وتهدهد بها رضيعها كي يهدأ وينام ومنها:
"ولما قالوا دى بنية إتهدت الحيطة عليا". "ولما قالوا ده ولد إشتد ضهرى واتسند".
وتمارس الامثال الشعبية سلطة قهرية تكرس الفزع والهم والعدوان ضد الانثي ومنها القول المأثور "يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات"، و " و إكسر للبنت ضلع يطلع لها إتنين".

وفي العراق عندما ينجب إبنهم فتاة يلومونه وبالطبع يقع اللوم على الزوجة ويكرر أهل الزوج دائماً وخاصة نساء العائلة وهو الأغرب أنهم هن من يظلمن الزوجة الأنثى والطفلة المولودة الأنثى ويقنعن الرجل بتطليق زوجته التي لا تنجب إلا بنات ويقولون له الى تجيب لك بنية جيبلها ضرة .
كثيرا ما يأتي الخطاب الجمعي الشعبي المنتصر لحقوق الذكورة فقط، ليمنع المرأة من حقها في التعلم ، وذلك انطلاقا من ادراك حقيقة ان التعليم يقوي شخصية المرأة في مواجهة اي قهر، وليس أدل علي ذلك بالقول المأثور "بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف"، فهي في نظر هذه التراث مخلوقة لهدف وحيد وهو دور الزوجة وربة المنزل، بل ان التراث لا ترك للمرأة سوي خيارين في الحياة هما: "البنت إما رجلها وإما قبرها". ومن ثم فان الثقافة الشعبية العربية لم تطلب من الأنثي سوي الحفاظ علي النوع البشري في عملية التكاثر.
وما دون سوى ذلك فلا حاجة للمجتمع به، بل تتحول الي إما سيئة السلوك أو عانسة وتتعرض لكل اشكال القهر والعدوان الإجتماعي، فهي في العقل الجمعي العربي "افعى متحزمه بإبليس" وهي عار " البنت بتجيب العار والمعيار والعدو لباب الدار" وما "بيمحى العار غير النار"
وكما ينفي التراث الشعبي أي قيمة للمرأة بمعزل عن الرجل، فلا أمان تناله المرأة الا اذا ارتبطت بالرجل زوجا لها كما قيل في الاثر "ضل رجل ولا ضل حيطة "، فان هذا التراث نفسه يشكك في أمانة المرأة وقدراتها العقلية ، وهو ما تؤكده المأثورات العربية مثل: "يا ويل من أعطى سره لمراته يا طول عذابه وشتاته"، و"الراجل ابن الراجل اللى عمره ما يشاور مراته" ، و " إذا ردت تفضح سرك سلموا لمرة "وهي قليلة عقل" المرا بنص عقل".
ولما كان العنف ضد المرأة يأخذ اشكالا عديدة، فان احتقار المرأة قد يبدأ وهي المهد، والتراث العربي حافل بالعديد من الامثلة التي تحتقرها ومنها: "صوت حية ولا صوت بنية"، و"إبنى حمال همى وبنتي جلاب همى".
الذم يؤدي للعنف
والطامة الكبري ان الصورة الدونية للمرأة كما رسمها التراث الشعبي العربي تتناقلها الاجيال وكأنه علم مسلم دون ان تناقشه لاجيال او تختبر مصداقيته، فهي تتعامل به كأمر حقيقي لتمارس من خلاله عدوانها علي المرأة، وهو ما تؤكده العديد من الدراسات التي اجريت في عدة دول عربية
فقد أثبتت إحدى الدراسات في فلسطين بعد أن تم تحليل 3600 مثل أنّ عدد الأمثال الشعبية الفلسطينية التي تناولت المرأة بالذمّ كانت نسبتها 82.5%، في مقابل 16.5%، مثلا تناولتها بالمدح بينما تقلصت الامثال المحايدة 1الي % ..
وفي دراسة احصائية عن الشعبية المنتشرة عن المرأة في مصر، فبلغت نسبتها من جملة الأمثال الشعبية 33.2%، وغالبية هذه الأمثال تتضمن إساءة مباشرة أو غير مباشرة للمرأة وللمفاهيم الإسلامية عامة، وتكرّس النظرة الدونية المتخلِّفة لهذا العنصر الفعال.
وكذا الحال في تونس كما عبر عنه الباحث محمد المي في كتابه: "صورة المرأة في الأمثال الشعبية التونسية" مؤكدا أنّ أغلب الأمثال العامية التونسية بشأن المرأة تنتمي إلى تراث ظالم يجدر استئصاله.
عنف التنشأة
يعبر العنف الذي يمارس في تنشأة الانثى بالتمييز الواضح بينها وبين اشقائها من الصبيان ، فالبنت منذ طفولتها الباكرة لابد وان تكرس للمنزل وخدمته من خلال العروسة اللعبة وأدوات المطبخ اللعبة، بينما يتم اختيار العاب التفكير والذكاء والفك والتركيب للولد. والولد له ألعاب الذكاء والمهارة، والفك والتركيب والمسدسات.
وتجري عمليات تربية الفتاة علي الخنوع الهدوء والطاعة وخفض الصوت ولا يقبل منها اي زياة في النشاط الحركي، في مقابل ترك الصبي لتيتعامل بكل حرية ليكتسب قيم الشجاعة.
فيما تمارس الامهات تميزا صحيا ضد بناتها سواء في فترة الارضاع او خلال مرحل التكوين الاولي ، حيث تحرص الكثير من الأمهات على إرضاع الصبيان لفترة أطول من فترة ارضاع البنات. وفى معظم الأحيان تحرص الامهات على تقديم لحوم أكثر للصبي عن أخته وتتلهفن على الذهاب للطبيب بالولد أسرع من البنت. وفى كل التقارير العربية يتضح بجلاء أن نسبة وفيات البنات فى السنوات الأولى أعلى من نسبة وفيات الذكور، والأنيميا نسبتها أعلى فى الإناث عن الذكور.
وفى دراسة لليونيسيف على المنطقة العربية 1995 اتضح أن نسبة البنات اللواتى يعانين من الأنيميا تزيد 2.3% عن البنين، كما وجد أن 25% من الفتيات فى سن المراهقة يعانين من نقص نسبة الحديد، فضلاً عن زيادة نسبة التقزم، ونقص البروتين نتيجة لممارسات التغذية المتحيزة للبنين. بينما يعلب الاعلام دورا خطيرا في تكريس هذه التنشأة السلبية للفتاة ، حيث يصورها كفتاة غارقة احلام الحب الوردية ، والابقاع بالرجل عبر سلاح أنوثتها الفتاك ، كما تصورها ايضا كأمرأة سلبية مترددة تفتقد إلى أدنى درجات التفكير العقلاني لا هم سوى البحث عن الموضة و الاستهلاك بأنواعه .
وفى دراسة لإحدى المتخصصين أن 80% من برامج المرأة فى التلفزيون تتناول فن الطهي والحياكة والموضة وتربية الأطفال وفن الديكور ن ومن ثم يجري التعامل مع المرأة كدمية وموديل ومادة للمتعة، وتكرس الدونية ومن ثم ممارسة العنف ضدها .
التمييز في التعليم
لعبت الثقافة الشعبية دورا في تأخر نسب التعليم للمرأة ، انطلاق من ثقافة " المرأة مكانها البيت " فالنساء يشكلن الغالبيه من اجمالي عدد الاميين في العالم العربي ، وهو ما أكدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو) إن “عدد الأميين في المنطقة العربية، في عام 2013 بلغ 97.2 مليون شخص من أصل حوالي 340 مليون نسمة، أي نسبة 27.9 في المئة من مجموع السكان. ودقت المنظمة ناقوس الخطر في بيان لها، اوضحت فيه أن نسبة النساء من الأميين العرب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاما، تبلغ 60 في المئة !. ومصر تحتل المرتبة الأولى في عدد الأميين، بحكم حجمها السكاني في الوطن العربي، تليها السودان فالجزائر والمغرب ثم اليمن .
.
 
أعلى