نقوس المهدي
كاتب
آهِ، أينَ كنتَ يا ولدي، يا ذا العينينِ الزرقاوينِ؟
آهِ، أينَ كنتَ، يا صغيريَ الحبيبَ؟
لقد زلّت بِيَ الخُطى على طرفِ اثني عشرَ جبلًا لفّها السّديمُ،
ولقد مشيتُ ولقد زحفتُ على ستِّ طرُقٍ سريعةٍ ملتويةٍ،
ولقد خطوتُ في جوفِ سبعِ غاباتٍ حزينةٍ.
ولقد كنتُ في الخارجِ أمامَ اثني عشرَ محيطًا ميّتًا،
ولقد هويتُ ألفَ ميلٍ في فمِ مقبرة.
وإنّهُ لمطرٌ شديدٌ، مطرٌ شديدٌ، شديدٌ، شديدُ
مطرٌ شديدٌ سوفَ ينهمرُ.
*
آهِ، وما الذي رأيتَهُ يا ولدي، يا ذا العينينِ الزرقاوينِ؟
وما الذي رأيتَهُ، يا صغيريَ الحبيبَ؟
رأيتُ طفلًا وُلدَ للتوِّ وذئابٌ وحشيّةٌ مِن حولهِ،
رأيتُ طريقًا سريعًا مِن ألماسٍ ولا أحدَ فيها؛
رأيتُ غصنًا أسودَ يقطرُ الدمُ منهُ ولا يكفُّ،
رأيتُ غرفةً تعجُّ برجالٍ داميةٌ مطارقهم،
رأيتُ سُلّمًا يغطّيهِ عن بكرةِ أبيهِ الماءُ،
رأيتُ عشرةَ آلافِ ثرثارٍ مبتورةٌ ألسنتهم،
ورأيتُ مسدّساتٍ وسيوفًا قاطعةً في أيدي أطفالٍ صغارٍ.
*
وماذا سمعتَ يا ولدي، يا ذا العينينِ الزرقاوينِ؟
وماذا سمعتَ، يا صغيريَ الحبيبَ؟
سمعتُ هزيمَ رعدٍ، هدَرَ بالنّذيرِ
سمعتُ هديرَ موجةٍ تستطيعُ أن تغرقَ العالمَ كلّهُ
سمعتُ مئةَ طبّالٍ كانتْ أياديهمُ تتّقدُ
سمعتُ عشرةَ آلافِ همسةٍ ولا أحدَ ينصتُ
سمعتُ شخصًا يجوعُ، سمعتُ خلقًا كثيرًا يضحكون
سمعتُ نشيدَ شاعرٍ ماتَ في الأخدودِ
سمعتُ صوتَ مهرّجٍ بكى في الزّقاقِ
وإنّهُ لمطرٌ شديدٌ، مطرٌ شديدٌ، شديدٌ، شديدُ
مطرٌ شديدٌ سوفَ ينهمرُ.
*
آهِ، ومن قابلتَ يا ولدي، يا ذا العينينِ الزرقاوينِ؟
من قابلتَ، يا صغيريَ الحبيبَ؟
قابلتُ طفلًا صغيرًا قربَ مهرٍ ميّتٍ
قابلتُ رجلًا أبيضَ كانَ يُنزّهُ كلبًا أسود
قابلتُ صبيّةً كانَ جسدها يحترقُ
قابلتُ فتاةً، أعطتني قوسَ قزحٍ
قابلتُ رجلًا كانَ مطعونًا بِحُبٍّ
قابلتُ رجلًا آخرَ كانَ مطعونًا بحقدٍ
وإنّهُ لمطرٌ شديدٌ، مطرٌ شديدٌ، شديدٌ، شديدُ
مطرٌ شديدٌ سوفَ ينهمرُ.
*
آهِ، وماذا سوفَ تفعلُ الآنَ، يا ولدي، يا ذا العينينِ الزرقاوينِ؟
آهِ، وماذا ستفعلُ الآنَ، يا صغيريَ الحبيبَ؟
إنّني عائدٌ فالمطرُ قد راحَ ينهمرُ
سوفَ أمشي إلى أعماقِ الغابةِ السوداء الأعمقِ
حيثُ الخلقُ كثيرونَ وأيديهم فارغةٌ كلّها
حيثُ خردقُ السمِّ يطغوْ مياههم
حيثُ البيتُ في الوادي يقابلُ السجنَ القذرَ الرّطب
حيثُ وجهُ الجلّادِ محتجبٌ على الدوامِ تمامًا
حيثُ الجوعُ بشعٌ، حيثُ الأرواحُ منسيّةٌ
حيثُ الأسودُ هُوَ اللّونُ، وحيثُ العدَمُ هُوَ الرقمُ
ولسوفَ أقصُّ كلَّ شيءٍ وأفكّرُ فيهِ وأحكيهِ وأتنفسّهُ
وأعكسهُ من فوقِ الجبلِ حتى تستطيعَ كلُّ الأرواحِ أن تراهُ
ثمّ سأقفُ على المحيطِ حتى أبدأ في الغرقِ
ولكنّني سوفَ أعرفُ نشيديَ جيدًا قبلَ أن أبدأَ في الغناءِ
وإنّهُ لمطرٌ شديدٌ، مطرٌ شديدٌ، شديدٌ، شديدُ
مطرٌ شديدٌ سوفَ ينهمرُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة العرب 2016/10/14، العدد: 10424، ص 14
آهِ، أينَ كنتَ، يا صغيريَ الحبيبَ؟
لقد زلّت بِيَ الخُطى على طرفِ اثني عشرَ جبلًا لفّها السّديمُ،
ولقد مشيتُ ولقد زحفتُ على ستِّ طرُقٍ سريعةٍ ملتويةٍ،
ولقد خطوتُ في جوفِ سبعِ غاباتٍ حزينةٍ.
ولقد كنتُ في الخارجِ أمامَ اثني عشرَ محيطًا ميّتًا،
ولقد هويتُ ألفَ ميلٍ في فمِ مقبرة.
وإنّهُ لمطرٌ شديدٌ، مطرٌ شديدٌ، شديدٌ، شديدُ
مطرٌ شديدٌ سوفَ ينهمرُ.
*
آهِ، وما الذي رأيتَهُ يا ولدي، يا ذا العينينِ الزرقاوينِ؟
وما الذي رأيتَهُ، يا صغيريَ الحبيبَ؟
رأيتُ طفلًا وُلدَ للتوِّ وذئابٌ وحشيّةٌ مِن حولهِ،
رأيتُ طريقًا سريعًا مِن ألماسٍ ولا أحدَ فيها؛
رأيتُ غصنًا أسودَ يقطرُ الدمُ منهُ ولا يكفُّ،
رأيتُ غرفةً تعجُّ برجالٍ داميةٌ مطارقهم،
رأيتُ سُلّمًا يغطّيهِ عن بكرةِ أبيهِ الماءُ،
رأيتُ عشرةَ آلافِ ثرثارٍ مبتورةٌ ألسنتهم،
ورأيتُ مسدّساتٍ وسيوفًا قاطعةً في أيدي أطفالٍ صغارٍ.
*
وماذا سمعتَ يا ولدي، يا ذا العينينِ الزرقاوينِ؟
وماذا سمعتَ، يا صغيريَ الحبيبَ؟
سمعتُ هزيمَ رعدٍ، هدَرَ بالنّذيرِ
سمعتُ هديرَ موجةٍ تستطيعُ أن تغرقَ العالمَ كلّهُ
سمعتُ مئةَ طبّالٍ كانتْ أياديهمُ تتّقدُ
سمعتُ عشرةَ آلافِ همسةٍ ولا أحدَ ينصتُ
سمعتُ شخصًا يجوعُ، سمعتُ خلقًا كثيرًا يضحكون
سمعتُ نشيدَ شاعرٍ ماتَ في الأخدودِ
سمعتُ صوتَ مهرّجٍ بكى في الزّقاقِ
وإنّهُ لمطرٌ شديدٌ، مطرٌ شديدٌ، شديدٌ، شديدُ
مطرٌ شديدٌ سوفَ ينهمرُ.
*
آهِ، ومن قابلتَ يا ولدي، يا ذا العينينِ الزرقاوينِ؟
من قابلتَ، يا صغيريَ الحبيبَ؟
قابلتُ طفلًا صغيرًا قربَ مهرٍ ميّتٍ
قابلتُ رجلًا أبيضَ كانَ يُنزّهُ كلبًا أسود
قابلتُ صبيّةً كانَ جسدها يحترقُ
قابلتُ فتاةً، أعطتني قوسَ قزحٍ
قابلتُ رجلًا كانَ مطعونًا بِحُبٍّ
قابلتُ رجلًا آخرَ كانَ مطعونًا بحقدٍ
وإنّهُ لمطرٌ شديدٌ، مطرٌ شديدٌ، شديدٌ، شديدُ
مطرٌ شديدٌ سوفَ ينهمرُ.
*
آهِ، وماذا سوفَ تفعلُ الآنَ، يا ولدي، يا ذا العينينِ الزرقاوينِ؟
آهِ، وماذا ستفعلُ الآنَ، يا صغيريَ الحبيبَ؟
إنّني عائدٌ فالمطرُ قد راحَ ينهمرُ
سوفَ أمشي إلى أعماقِ الغابةِ السوداء الأعمقِ
حيثُ الخلقُ كثيرونَ وأيديهم فارغةٌ كلّها
حيثُ خردقُ السمِّ يطغوْ مياههم
حيثُ البيتُ في الوادي يقابلُ السجنَ القذرَ الرّطب
حيثُ وجهُ الجلّادِ محتجبٌ على الدوامِ تمامًا
حيثُ الجوعُ بشعٌ، حيثُ الأرواحُ منسيّةٌ
حيثُ الأسودُ هُوَ اللّونُ، وحيثُ العدَمُ هُوَ الرقمُ
ولسوفَ أقصُّ كلَّ شيءٍ وأفكّرُ فيهِ وأحكيهِ وأتنفسّهُ
وأعكسهُ من فوقِ الجبلِ حتى تستطيعَ كلُّ الأرواحِ أن تراهُ
ثمّ سأقفُ على المحيطِ حتى أبدأ في الغرقِ
ولكنّني سوفَ أعرفُ نشيديَ جيدًا قبلَ أن أبدأَ في الغناءِ
وإنّهُ لمطرٌ شديدٌ، مطرٌ شديدٌ، شديدٌ، شديدُ
مطرٌ شديدٌ سوفَ ينهمرُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة العرب 2016/10/14، العدد: 10424، ص 14