عدنان أبو زيد - أديبات يصرحن عن بوح جنسي بأخلاق فتاة القرية

خجل ابداعي يراوح في مكانه بين الممنوع والمسموح
عدنان أبو زيد من امستردام: أقيم في مدينة ايندهوفن الهولندية معرض فني لفنانة ارتأت ان تختار له ثيمة استثنائية وهي.. فعالياتها الجنسية وفنون المضاجعة التي تمارسها على الفراش مع صديق او عشيق، وهي أسرار لاينبغي لها ان تخرج عن نطاق العلاقات الخاصة، وارفقت الفنانة مونيك فان درفال نصوصا "جنسية حول مايمكن ان نسميه في العربية بـ"اداب المناكحة" أو "قوانين الفراش" التي تجاوزتها مونيك بأندفاع اذا مانظرنا الى لوحاتها الجرئية والتي رسمت بريشة "شبقية" حارة كما وصفتها صحيفة هولندية. وفي هذا المجال لايستوقفنا المضمون بل سلوكية الكاتبة الجرئية التي انطلقت في فلسفتها الابداعية عكس الاديبات العربيات ليس عن اسقاطات جنسية حول الرجل وردود افعال سلبية ناتجة عن ردة فعل المفعول به وهي المراة امام الفاعل وهو الرجل، بل ان العكس هو مايحدث فالنصوص واللوحات صورت أمراة لها سلطتها " الجنسية " التي تتجاوز رجولية السلطة الى جعل الانوثة هي صاحة القرار في الفراش وخارجه.
واذا كان الغرب يعاني من "وفرة" جنسية تقوده الى ابداع بابعاد اخرى فان الفقر الجنسي العربي لايقدم عذرا لاديبات عربيات بدين في كتاباتهن مظلومات جنسيا على الفراش وانهن القاعدة التي يستقر فبها السهم ابدا، بدلا من ان تكون لهن الريادة الهجومية في البوح الجنسي، وهذا يضعهن في موقع الضحية الجنسية التي تستخدم النص اللغوي وسيلة للتعبير عن الظلم و"الاستقبال المتعذب المضطر" لا "الارسال والقذف" الذي هو صفة الرجل الشرقي دائما في النصوص الانثوية العربية.
وبينما تجد اديبة غربية لاتحذر من توظيف جنسانية اللغة كوسيلة للتعبير عن فعالياتها الجنسية ووصف خرائط جسدها بغريزية جنسية فائقة الجراة نجد الكاتبة العربية لاسيما الروائية لاتستخدم المفردة الا في نطاق التنفيس عن رغبات محمومة وممنوعة غير قابلة للتحقق في اغلب الاحيان، وتبقى حبيسة الاحلام حتى اذا ماتزوجت الاديبة او الفنانة تجد نفسها مرة اخرى اما جبروت رجل شرقي لايعترف لها الا بدور المستقبلة في الفراش لتعيش بعد ذلك ازودواجية مخيفة بين شخوصها الروائية الجريئة وبين شخصيتها الخائفة المستسلمة لقدرها على فراش الجنس الشرقي. ولم تستطع اديبة عربية واحدة ان توظف جسدها في ابداعها لضرورات اجتماعية ونفسية.
لقد رصدت (سلوى النعيمي) في روايتها " برهان العسل "بعضا من العقد الجنسية، وكيف رسخت البيئة الاجتماعية الخجل "الجنسي" على رغم محاولات الخروج من هذا الخجل، المتمثل في محاولات ليست كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر "رجوع الشيخ إلى صباه" لمؤلفه (النفزاوي) او "نزهة الألباب" للـ"تيفاشي"، لكن محاولاتها كما هو شأن اديبات اخريات توقفت عن حدود الاذعان لسلطة الرجل الجنسية.
وبين "أفرا بهن " الانكليزية التي احترفت الكتابة كمهنة تعتاش منها بعد انهيار زواجها وكانت باكورة أعمالها مسرحيتها "الزواج القسري"حيث افاضت في الكتابة الجنسية حتى وصفت بـ "المومس الفاسقة"، واتهمها النقاد بانها "داعرة" حقيقية، وبين الاديبة العربية بون شاسع، فموجة الادب الروائي الجنسي العربي الذي شهدته السنين القليلة الماضية لايتعدى كونه محاولة خجولة لكسر اغلال البوح الجنسي ـ ولم تتجرأ امراة عربية واحجة على وصف فعالياتها الجنسية ومغامراتها في العشق والفراش – ان وجدت – في نصوصها، ليصبح الادب النسائي العربي كله متشابه الى حد الغثيان في السرد والوصف، ولم يكن ليلتفت اليه نقديا لولا انه خارج من عباءة مجتمع محافظ وانه لابد من تسليط الضوء عليه.
وفي ذات الوقت علينا الانتباه الى ان الادب العربي على مر العصور لم ينجب اديبة جريئة مثل "آخماتوفا" الروسية حتى وصفت بـ"العاهرة "، فقد كانت صاحبة نص ييستخدم أدوات " رجولية" جنسية، فحين تصف ممارسات الفراش تقول "
"ضاجعت الرجل" و"انزعته ثيابه" وجعلته محبطا منهارا من طول "الانتصاب"، حتى ان بوهيميتها هذه ونصوصها الاستفزازية جعلتها ضحية الاستبداد الشيوعي بروسيا في العشرينيات.
وفي تحقيق سابق عرجنا على ماصرحت به "جولي ليبرينو" للشاعر عبد القادر الجنابي حين قالت بصوت عال ان: أغلب الشعراء استمنائيون والرجال ضحايا ذكوريتهم، وليبرينو هذه تكتب الشعر وتمتهن الدعارة دون عقدة، ونصوصها تثير أحيانا من ينام معها، وفعلها "الموجب" على الفراش هو نقيض " سلبية " المراة العربية على الفراش. تقول ليبرينو في قصيدة لها
..
رجلٌ بلا رائحة
مثل رجل بلا قضيب
***
أسبحُ في نهر مسيّج
بسلسلة من القضبان.
***
سآكل دماغَكَ
المتدلّي من بين الفخذين
وبآخر قطرة منه
ستتحمّم بها حَلَمتي
وتستيقظ رغبة دفينة
في رحمي.
وهذه لغة ليست من اسقاطات الفعل الواقع على المراة بل هو نتاج القوة الانثوية التي تصمد امام الاستبداد الرجولي لتكون المعركة متكافأة في الفراش مثلما النص.
و"سوزان كيل" وهي شاعرة هولندية مثال اخر لمبدعة اتاحت لنفسها التعبير بقوة عن ارادتها الجنسية. تقول سوزان طلب مني زبون ان اقول قصيدة بينما كان يضاجعني، عندئذ احسست بقيمتي كشاعرة، وانتفضت ومنحته من اللذة اكثر مما يريد لانه أو صلني الى الكمال الابداعي. لذ ة وقصيدة، وهو ماسعيت اليه دائما.
غير ان التلذذ الابداعي يفشل اليوم في الشرق، عند الاديب مثلما الاديبة لان كلاهما يعيش فوبيا وضع النقاط على الحروف. فكلمة "عاهرة" تعريف سياسي واجتماعي يبتعد في التصنيفات عن الابداع حتى وان بدت بائعة الهوى شاعرة او رسامة فالتعريف الاجتماعي يسقط ذلك كله.
وتقول "كيل" انها حين كتبت قصائد جنسية كانت اكثر وعيا بحقيقة البغاء، لكنها اليوم تشعر بالقلق لانها ترى نفسها كونها صاحب بيت دعارة صارت اكثر واقعية ولم تعد تحلق كثيرا في فضاءات الشعر، ومن اسباب ذلك ان زبونا لها اخبرته انها شاعرة وكان هذه الزبون شاعرا مرموقا، فكان ان أجابها.. لايمكن أن يحدث هذا. وهذا ماقادها الى ياس جديد، لكنها حدثت شعراء اخرين عن الامر، وقال لها روائي..مضاجعة "شاعرة" حلم كل مبدع. لكنها اجابته بقوة..
- مضاجعة "شاعر" حقيقة مرتعشة.
ولعلنا من كل ذلك نريد ان نقارن بين حياة حقيقية يجسدها مبدعون غربيون في اعمالهم ليست مستمدة من الخيال، وبين اديبات عربيات تمثل نصوصهن خيالات وافعال مغيبة لاتمارس في الواقع، لتتحول اعمالهن الى واقع افتراضي غير قابل للتحقق الا في العاب الفيديو ربما.
تقول
انا أقف لوحدي
على رغم انكم حولي..
"أنت مجرد عاهرة!" تكرار كتعويذة،
وتبريد لرصاصة في بخار الماء.
"أنت مجرد عاهرة "
تبصقون مثل السم
لاظهار.. كم انا فظيعة.
لكني فظيعة وشاعرة ومستقلة...
وبينما يصنف البعض الادب النسائي الجنسي العربي في خانة أدب الترفيه المتارجح بين الواقعية والرومانسية وهو أدب مازال اسير المحددات الاجتماعية والدينية فان الادب الغربي تجاوز ذلك الى ابعد من النص، ابداع روائي تتخلله مواقف مثيرة وصور ماجنة. وفي هذا يقول المؤلف Eggels Elle كما وردت في مجلة الآداب 24/12/1998 ان الفرق بين الإناث والذكور هو إن المرأة أكثر اهتماما بمشاعر الرجال، انها مهتمة بالعطاء بينما الرجال طماعون في الاخذ، وحتى في الابداع فان المراة اكثر قدرة على وصف حالة " مضاجعة ". ويقودنا هذا الى مقاربة بين ادب عربي يستهلك المراة كموضوع جنسي وأدب غربي تمثل فيه المرأة عمودا مهما كموضوع وكفاعل.
ولازال فن الحيوية الجنسية بعيدا عن الادب الروائي العربي حصرا ولم يقترب روائيون عرب الى الان من القوة التي مثلها المذهب الطبيعي (على سبيل المثال "نانا" لزولا)باعتباره قوة مؤثرة في المجتمع لاسيما مايخص المرأة بالذات.
لكن البعض يرى في هذه الافكار هشاشة اذا مااخذنا في نظر الاعتبار ان الاعلام الجنسي العربي مغيب تماما فكيف بالادب، لاسيما وان اعمالا قصصية ابداعية مثل "إيروس محجبة" (ثيو كارس، أمستردام، لوب، 1982، 361 صفحة)، ولدت من رحم الاعلام الجنسي المثير.
ان الهزات الابداعية التي يخلقها الادب في المجتمعات لايمكن ان تؤتي اكلها مالم تنجزها اقلام انقلابية تجرأ على اسقاط تابوات مجتمعية احتكرت لنفسها حرية القرار فيما ينشر او لاينشر، ولم تنتظر الاديبة الغربية افعالا رجالية ليكون نتاجها رد فعل يساوي الفعل، ففي "راهبات في سين" التي جمعتها ليديا رود لم تكن القصص المثيرة "مجرد شهوة" بل هي اباحية هادفة تسعى الى تاكيد الحرية في "الممنوع".
وفي نهاية المطاف، فان تقاسم ملذات الادب تبدو مساوية للرجال مثلما النساء لكن يجب ان يكون هناك فرق بين إثارة جنسية و إباحية فاذا كان ذلك سعي لكسب وقت ممتع فان ايروتيكية الادب تسعى الى التفسيير والتهذيب وكسب وقت نافع.


.
 
أعلى