د
د.محمد عبدالحليم غنيم
يختلط العرق بالدموع والتراب ، فتظهر خطوط متعرجة وبارزة علي وجه الطفلة الصغيرة تبدأ من أسفل العينين مباشرة وتنتهي عند أسفل الذقن، يختلط تراب الزقاق الناعم وبشعر الطفلة الأسود العذري فيحيله إلي الأسود الباهت ، تماماً ، مثل شعر عنزة طليقة فى الحواري والأزقة ، ويأتي الذباب ليعزف سيمفونيته النهارية الطويلة، طول أيام الصيف، تبدأ بظهور الشمس وتنتهي بغروبها ، لكن لا العرق ولا الدموع ولا التراب ولا حتي الذباب استطاعوا، مجتمعين أو متفرقين أن يمحوا لمسة البراءة المستقرة علي وجه البنت زنوبة ابنة سنية الشغالة.
فى نهاية الزقاق تقف زنوبة أمام بيت صغير ، مغلق دائماً والشمس فى كبد السماء ترقبها فتحتمي منها بظل جدار البيت الصغير، لم تكن هناك أشجار فى الزقاق، فقط هناك عشش صغيرة تقف صامتة، محتجه أحياناً، وراضية فى أغلب الوقت، وقبل أن تخرج سنية إلي حيث تعمل فى البيوت الناعمة غير الصغيرة، تغلق الباب بالمفتاح بعد أن تكون ملأت جيب زنوبة بالخبز والجبن القريش أو السكر وأحياناً ببرتقاله وتكون أيضا القت عليها وصايا اليوم المعهودة .
- أوعي يا بنت تسيبي البيت وتلعبي بعيد .
- أوعي يا بنت الكلاب تخش البيت .
- أوعي يا بنت تلعبي فى الطين .
وزنوبة لا تعصي أمها إلا فى هذه الوصايا، التى لم تستطع أن تعمل بها ولو ليوم واحد، تترك البيت الصغير وتسير فى الزقاق متسكعة، وعندما لا تجد أحدا من البنات أو الأولاد، تلعب معه، تقف هناك علي ناصية الزقاق تتطلع إلي بيت البيك فى الجهة المقابلة علي الطريق الزراعي التى تتوسط القرية حيث التفاح والبرتقال والسور العالي، والولد أحمد والست هانم والبوابة الحديدية العريضة، وحيث أمها أيضا وإن كانت آخر ما تفكر فيه زنوبة.
لم تكن زنوبة لتجرؤ علي دخول البيت ، بيت البيك بناء علي أوامر البيك والست الهانم ، ولذلك قد تطول وقفتها هناك ، لكنها سرعان ماتعود إلي نهاية الزقاق حيث البيت الصغير المغلق ، وفى هذه الأثناء تكون الكلاب قد انتهت من جولتها فى البيت ، وخرجت وهي آسفه كالعادة فتذكر صوت أمها أوعي يا بنت تلعبي فى الطين) لكن الطين.. آه والولد شحات هما ملاذها الوحيد فى هذه الدنيا، بيد أن الولد شحات لم يعد يأتي كل يوم ليلعب معها، أصبح يتغيب كثيراً هذه الأيام.
- ما بتجيش ليه نلعب سوا يا واد يا شحته ؟
- باروح الغيط .
- أوعي تروح
- أبويا يضربني
الولد شحات يعرف كل شئ: يصنع الأتومبيل من الطين، ومع ذلك يطقطق مثل الأتومبيل الحديد ، والماكينة، ماكينة تدرس سنابل القمح.. أما هي فكانت تجيد عمل شيئين، صنع العرائس، والعسكري.. آه من هذا العسكري، تعمل البندقية وتعلقها فى كتفه، وتصنع البرية وتضعه علي رأسه ثم تصنع الحذاء الثقيل فى قدميه لم يبق إلا الشارب، والشارب مشكلة، إنه مشكلتها الكبري، قالت للولد شحات:
- فيه عسكري من غير شنب
فكر شحات .. ثم قال :
- لا
وقبل أن تقول زنوبة شيئا ، أضاف فى سرور :
-لما أكبر حا يبقي لي شنب
ابتسمت زنوبة مؤيدة قوله، ومن يومها وهي لا تزال تحاول أن تصنع للعسكري شارباً.
هذه هي المرة الألف التى ينكسر فيها شارب العسكري من يدها غير أنها لم تيأس. كورت زنوبة العجينة الطينية من جديد، وأخذت تفكر كيف تجعل شارب العسكري لا ينكسر هذه المرة؟ لكنها توقفت فجأة عن التفكير واللعب، كانت تتطلع إلي القادم عند مدخل الزقاق ولم يكن القادم هو الولد شحته وإلا ما توقفت، كان القادم هو الولد أحمد ابن البيك والست هانم – عندهما تعمل سنية أمها، أحمد ولد جميل أبيض مثل القمر ليلة تمامه لولا عيناه المكحلتان بكحل رباني ورغم ذلك أصرت الست هانم – كما تسميها زنوبه، لأنها لا تعرف اسمها الحقيقي بل لا أحد فى القرية يعرف اسمها الحقيقى – بعد أن ارتدي البيجامة التروكلين المقلمة أن تكحل عينيه، اعترض الولد فى البدء بشدة تؤازره العجوز جدته، لكنه استسلم للأمر الواقع فى النهاية وعندما نظر فى المرآة كان راضيا عن نفسه وعن ماما، ولم تكتمل زينة الولد بعد، فمن دون أن يشعر الولد، مررت الست الهانم أصبعها علي شفتيها الملتاكتين بأحمر الشفاه ثم مرت به علي شفتي الولد الندية أعقبتها بقبلة عندما لاحظت العجوز ذلك، علقت فى لهجة غير جادة .
- عيون الناس وحشة يا بنتي
ضحكت الست هانم وهي تنظر إلي نفسها فى مرآة كانت بيدها.. وقالت، بقي بالذمة يا ماما ما أحمد طالع لي؟
كان الولد يقترب من البنت وكانت هي ما زالت تتطلع إليه ، وعندما اقترب منها ولم يفصلها عنه سوي خطوات قليلة، بدا أنها نسيت العسكري والبندقية والبيرية والحذاء الثقيل، حتى الشارب نسيته. إذ خطرت لها فكرة هل تستطيع أن تصنع من الطين ولداً جميلاً مثل أحمد؟ كان العجينة الطينية لا تزال فى يدها غير أنها جفت قليلاً. اقترب الولد من البنت تماماً، ثم وقف بجانبها، كان صامتا صمتاً طفولياً، مبهماً، وكانت هي ذاهلة ذهول الكبار، دارت حول الولد دورة، وهو واقف لا يتحرك، كان فقط يبتسم بين لحظة وأخري، فكان يزداد فى عيني البنت جمالاً وتصبح الفكرة علامة استفهام كبيرة ومبهمة.
أفاقت البنت من ذهولها فتحت يدها لم تجد شيئا نظرت إلي الأرض، كانت العجينة الطينية تحولت إلي فتافيت صغيرة جافة حول قدميها وتلاشي بعض منها بالقرب من قدمي أحمد، لاحظت أن أحمد سيدوس علي العروس التى صنعتها من قبل، فأبعدتها، وأيقنت استحالة صنع ولد جميل مثل أحمد.. ابتسمت لأول مرة وقالت فى سرور بالغ:
- تيجي نلعب سوا ؟
فأجاب الولد علي الفور :
- عروسة وعريس
أدهشت البنت إجابة الولد، لم يكن يخطر ببالها ذلك، صحيح أنها تلعب هذه اللعبة مع شحات فقط ، وشحات غائب إلا أنها رحبت بالفكرة، أضاف الولد مرغباً البنت فى اللعب:
- زي بابا وماما.
وهي تعرف ماما وتعرف أن ماما تعني أمي، وأن أمي تعني سنية أما بابا هذا فلا تعرفه. قالت أمها أنه مسافر ولن يعود، وهنا سألت نفسها لماذا لن يعود؟ وتعرف الولد شحات، وهو يلعب معها هذه اللعبة، هو العريس، هو لم يأت اليوم ، ولكنه سيأتي فى الغد أو بعد غد، المهم أنه سيأتي. شحات يصنع الأوتومبيل أبو عجل ويضع فيه المللح ويشعله بالكبريت فيطقطق مثل الأوتومبيل الذي يركبه أحمد . شحات مثل أحمد .
ابتسمت العروس ثم جلست علي الأرض وشرعت فى بناء البيت " البيت هنا مساحة صغيرة لا تزيد عن المتر ونصف المتر المربع، تحاط بسياج ترابي ناعم يرتفع عن الأرض بمقدار ارتفاع قبضة اليد " كان العريس لا يزال واقفاً وكان مندهشاً لما تفعله زنوبه تطلعت إليه ثم قالت فى مرح :
روح هات السرير والدولاب وأكون أنا خلصت البيت .
لم يكن أحمد يعرف أن السرير قالبان من الطوب اللبن ويا حبذا لو كان من الطوب الأحمر، يفرشان بعدد قليل من العصي الصغيرة، وأن الدولاب قالب صغير أيضا، علي شكل صندوق، توضع فوقه قصاصات عدة من قماش، ولم يكن يعرف أن السرير والدولاب علي بعد خطوات منه وما عليه إلا أن يحني ظهره قليلاً ويسير تحت الشمس قليلاً قال الولد فى أسف ظاهر:
- السرير ثقيل وماما نايمة عليه، والدلاوب كبير ومليان هدوم!
توقفت العروس عن العمل، وكانت قد انتهت تقريباً من بناء البيت، إندارت له جاثية علي ركبتيها وعلي أقصي اتساعها فتحت عينها ومن دون أن تدري فتحت فمها لتظهر أسنان تآكل نصفها بفعل سف السكر .
( لم تكن زنوبه تسرق السكر ولماذا تفعل ذلك وأمها تعطيها كل يوم حفاناً فوق اللقمة.. ثم أن السكر عند البكوات كثير) بينما غطي التراب النصف الباقي السليم مع جزء كبير من اللثة.. ثم أخذت تتطلع إلي الولد فى إشفاق: الولد أحمد لا يفهم لا يعرف لعبة العروسة والعريس. الولد أحمد نظيف. الله هدومه حلوة، شعره حلو، أسنانه حلوه ، صندله حلو، قالت:
- بلاش سرير وبلاش دولاب
كان الولد لا يزال يتطلع إليها هو الآخر، وكان واقفاً خارج السياج الترابي، أضافت حالمة:
- واقف بره ليه .. أدخل جوه .
الولد لم يفهم بعد !
قالت موضحة ومرغبة :
- ما تعرفش تلعب عروسه وعريس ؟
قال الولد فى مرح زائد :
- أعرف
ثم أقدم علي البنت، وكانت لا تزال جاثية علي ركبتيها.. علي الفور، أفاقت البنت من حلمها الوردي ، فهمت ما يريد أن يفعله الولد، شبت البنت علي ركبتا دافعة الولد بعيداً عنها، ثم ارتمت علي البيت فجعلته كومة واحدة عالية من التراب فى لحظات. وفى لحظات أخري كان التراب الأسود الناعم يغطي بيجامة الولد النظيفة، وشعره النظيف الناعم، ووجهه الأبيض، وجسمه النظيف.
شرع أحمد فى البكاء والسير عائداً إلي أمه فيما شرعت زنوبة فى الهرب، أخذت تجري تجاه الطريق الزراعية، أكانت تعرف أن القادم علي بعد وراء الحمار المحمل بالتراب هو الولد شحات ؟
- بنت و ولد
د. محمد عبدالحليم غنيم
.
فى نهاية الزقاق تقف زنوبة أمام بيت صغير ، مغلق دائماً والشمس فى كبد السماء ترقبها فتحتمي منها بظل جدار البيت الصغير، لم تكن هناك أشجار فى الزقاق، فقط هناك عشش صغيرة تقف صامتة، محتجه أحياناً، وراضية فى أغلب الوقت، وقبل أن تخرج سنية إلي حيث تعمل فى البيوت الناعمة غير الصغيرة، تغلق الباب بالمفتاح بعد أن تكون ملأت جيب زنوبة بالخبز والجبن القريش أو السكر وأحياناً ببرتقاله وتكون أيضا القت عليها وصايا اليوم المعهودة .
- أوعي يا بنت تسيبي البيت وتلعبي بعيد .
- أوعي يا بنت الكلاب تخش البيت .
- أوعي يا بنت تلعبي فى الطين .
وزنوبة لا تعصي أمها إلا فى هذه الوصايا، التى لم تستطع أن تعمل بها ولو ليوم واحد، تترك البيت الصغير وتسير فى الزقاق متسكعة، وعندما لا تجد أحدا من البنات أو الأولاد، تلعب معه، تقف هناك علي ناصية الزقاق تتطلع إلي بيت البيك فى الجهة المقابلة علي الطريق الزراعي التى تتوسط القرية حيث التفاح والبرتقال والسور العالي، والولد أحمد والست هانم والبوابة الحديدية العريضة، وحيث أمها أيضا وإن كانت آخر ما تفكر فيه زنوبة.
لم تكن زنوبة لتجرؤ علي دخول البيت ، بيت البيك بناء علي أوامر البيك والست الهانم ، ولذلك قد تطول وقفتها هناك ، لكنها سرعان ماتعود إلي نهاية الزقاق حيث البيت الصغير المغلق ، وفى هذه الأثناء تكون الكلاب قد انتهت من جولتها فى البيت ، وخرجت وهي آسفه كالعادة فتذكر صوت أمها أوعي يا بنت تلعبي فى الطين) لكن الطين.. آه والولد شحات هما ملاذها الوحيد فى هذه الدنيا، بيد أن الولد شحات لم يعد يأتي كل يوم ليلعب معها، أصبح يتغيب كثيراً هذه الأيام.
- ما بتجيش ليه نلعب سوا يا واد يا شحته ؟
- باروح الغيط .
- أوعي تروح
- أبويا يضربني
الولد شحات يعرف كل شئ: يصنع الأتومبيل من الطين، ومع ذلك يطقطق مثل الأتومبيل الحديد ، والماكينة، ماكينة تدرس سنابل القمح.. أما هي فكانت تجيد عمل شيئين، صنع العرائس، والعسكري.. آه من هذا العسكري، تعمل البندقية وتعلقها فى كتفه، وتصنع البرية وتضعه علي رأسه ثم تصنع الحذاء الثقيل فى قدميه لم يبق إلا الشارب، والشارب مشكلة، إنه مشكلتها الكبري، قالت للولد شحات:
- فيه عسكري من غير شنب
فكر شحات .. ثم قال :
- لا
وقبل أن تقول زنوبة شيئا ، أضاف فى سرور :
-لما أكبر حا يبقي لي شنب
ابتسمت زنوبة مؤيدة قوله، ومن يومها وهي لا تزال تحاول أن تصنع للعسكري شارباً.
هذه هي المرة الألف التى ينكسر فيها شارب العسكري من يدها غير أنها لم تيأس. كورت زنوبة العجينة الطينية من جديد، وأخذت تفكر كيف تجعل شارب العسكري لا ينكسر هذه المرة؟ لكنها توقفت فجأة عن التفكير واللعب، كانت تتطلع إلي القادم عند مدخل الزقاق ولم يكن القادم هو الولد شحته وإلا ما توقفت، كان القادم هو الولد أحمد ابن البيك والست هانم – عندهما تعمل سنية أمها، أحمد ولد جميل أبيض مثل القمر ليلة تمامه لولا عيناه المكحلتان بكحل رباني ورغم ذلك أصرت الست هانم – كما تسميها زنوبه، لأنها لا تعرف اسمها الحقيقي بل لا أحد فى القرية يعرف اسمها الحقيقى – بعد أن ارتدي البيجامة التروكلين المقلمة أن تكحل عينيه، اعترض الولد فى البدء بشدة تؤازره العجوز جدته، لكنه استسلم للأمر الواقع فى النهاية وعندما نظر فى المرآة كان راضيا عن نفسه وعن ماما، ولم تكتمل زينة الولد بعد، فمن دون أن يشعر الولد، مررت الست الهانم أصبعها علي شفتيها الملتاكتين بأحمر الشفاه ثم مرت به علي شفتي الولد الندية أعقبتها بقبلة عندما لاحظت العجوز ذلك، علقت فى لهجة غير جادة .
- عيون الناس وحشة يا بنتي
ضحكت الست هانم وهي تنظر إلي نفسها فى مرآة كانت بيدها.. وقالت، بقي بالذمة يا ماما ما أحمد طالع لي؟
كان الولد يقترب من البنت وكانت هي ما زالت تتطلع إليه ، وعندما اقترب منها ولم يفصلها عنه سوي خطوات قليلة، بدا أنها نسيت العسكري والبندقية والبيرية والحذاء الثقيل، حتى الشارب نسيته. إذ خطرت لها فكرة هل تستطيع أن تصنع من الطين ولداً جميلاً مثل أحمد؟ كان العجينة الطينية لا تزال فى يدها غير أنها جفت قليلاً. اقترب الولد من البنت تماماً، ثم وقف بجانبها، كان صامتا صمتاً طفولياً، مبهماً، وكانت هي ذاهلة ذهول الكبار، دارت حول الولد دورة، وهو واقف لا يتحرك، كان فقط يبتسم بين لحظة وأخري، فكان يزداد فى عيني البنت جمالاً وتصبح الفكرة علامة استفهام كبيرة ومبهمة.
أفاقت البنت من ذهولها فتحت يدها لم تجد شيئا نظرت إلي الأرض، كانت العجينة الطينية تحولت إلي فتافيت صغيرة جافة حول قدميها وتلاشي بعض منها بالقرب من قدمي أحمد، لاحظت أن أحمد سيدوس علي العروس التى صنعتها من قبل، فأبعدتها، وأيقنت استحالة صنع ولد جميل مثل أحمد.. ابتسمت لأول مرة وقالت فى سرور بالغ:
- تيجي نلعب سوا ؟
فأجاب الولد علي الفور :
- عروسة وعريس
أدهشت البنت إجابة الولد، لم يكن يخطر ببالها ذلك، صحيح أنها تلعب هذه اللعبة مع شحات فقط ، وشحات غائب إلا أنها رحبت بالفكرة، أضاف الولد مرغباً البنت فى اللعب:
- زي بابا وماما.
وهي تعرف ماما وتعرف أن ماما تعني أمي، وأن أمي تعني سنية أما بابا هذا فلا تعرفه. قالت أمها أنه مسافر ولن يعود، وهنا سألت نفسها لماذا لن يعود؟ وتعرف الولد شحات، وهو يلعب معها هذه اللعبة، هو العريس، هو لم يأت اليوم ، ولكنه سيأتي فى الغد أو بعد غد، المهم أنه سيأتي. شحات يصنع الأوتومبيل أبو عجل ويضع فيه المللح ويشعله بالكبريت فيطقطق مثل الأوتومبيل الذي يركبه أحمد . شحات مثل أحمد .
ابتسمت العروس ثم جلست علي الأرض وشرعت فى بناء البيت " البيت هنا مساحة صغيرة لا تزيد عن المتر ونصف المتر المربع، تحاط بسياج ترابي ناعم يرتفع عن الأرض بمقدار ارتفاع قبضة اليد " كان العريس لا يزال واقفاً وكان مندهشاً لما تفعله زنوبه تطلعت إليه ثم قالت فى مرح :
روح هات السرير والدولاب وأكون أنا خلصت البيت .
لم يكن أحمد يعرف أن السرير قالبان من الطوب اللبن ويا حبذا لو كان من الطوب الأحمر، يفرشان بعدد قليل من العصي الصغيرة، وأن الدولاب قالب صغير أيضا، علي شكل صندوق، توضع فوقه قصاصات عدة من قماش، ولم يكن يعرف أن السرير والدولاب علي بعد خطوات منه وما عليه إلا أن يحني ظهره قليلاً ويسير تحت الشمس قليلاً قال الولد فى أسف ظاهر:
- السرير ثقيل وماما نايمة عليه، والدلاوب كبير ومليان هدوم!
توقفت العروس عن العمل، وكانت قد انتهت تقريباً من بناء البيت، إندارت له جاثية علي ركبتيها وعلي أقصي اتساعها فتحت عينها ومن دون أن تدري فتحت فمها لتظهر أسنان تآكل نصفها بفعل سف السكر .
( لم تكن زنوبه تسرق السكر ولماذا تفعل ذلك وأمها تعطيها كل يوم حفاناً فوق اللقمة.. ثم أن السكر عند البكوات كثير) بينما غطي التراب النصف الباقي السليم مع جزء كبير من اللثة.. ثم أخذت تتطلع إلي الولد فى إشفاق: الولد أحمد لا يفهم لا يعرف لعبة العروسة والعريس. الولد أحمد نظيف. الله هدومه حلوة، شعره حلو، أسنانه حلوه ، صندله حلو، قالت:
- بلاش سرير وبلاش دولاب
كان الولد لا يزال يتطلع إليها هو الآخر، وكان واقفاً خارج السياج الترابي، أضافت حالمة:
- واقف بره ليه .. أدخل جوه .
الولد لم يفهم بعد !
قالت موضحة ومرغبة :
- ما تعرفش تلعب عروسه وعريس ؟
قال الولد فى مرح زائد :
- أعرف
ثم أقدم علي البنت، وكانت لا تزال جاثية علي ركبتيها.. علي الفور، أفاقت البنت من حلمها الوردي ، فهمت ما يريد أن يفعله الولد، شبت البنت علي ركبتا دافعة الولد بعيداً عنها، ثم ارتمت علي البيت فجعلته كومة واحدة عالية من التراب فى لحظات. وفى لحظات أخري كان التراب الأسود الناعم يغطي بيجامة الولد النظيفة، وشعره النظيف الناعم، ووجهه الأبيض، وجسمه النظيف.
شرع أحمد فى البكاء والسير عائداً إلي أمه فيما شرعت زنوبة فى الهرب، أخذت تجري تجاه الطريق الزراعية، أكانت تعرف أن القادم علي بعد وراء الحمار المحمل بالتراب هو الولد شحات ؟
- بنت و ولد
د. محمد عبدالحليم غنيم
.