نقوس المهدي
كاتب
تشكّل الهيمنة الذكورية في مجتمعنا العربي حالة خاصّة، فهذه السيطرة شبه المطلقة أدّت إلى قمع المرأة، وجاء هذا القمع من خلال القراءة الأحادية للنصوص المقدّسة، فتمّ التفسير بحسب المصلحة الفردية، ممّا أدّى إلى بروز مختلف أنواع العنف المنظّم والمركّز ضدّ المرأة، بحيث أصبح ما ورد في معظم النصوص المقدسة والكتب التراثية المحرّض الأساسيّ لتوليد العنف، فالمرأة يسكنها شيطان ولذا هي«ناقصة عقل ودين»، وهذا ما يؤكّد عليه الكاتب منصور فهمي:« المرأة في الأسطورة اليهودية أغواها الشيطان وهي بدورها أغوت آدم، أمّا القرآن فإنه نسب الخطيئة إلى الرجل والمرأة بالتساوي، لكن على الرغم من هذا الموقف المماثل للجنسين أمام إغراءات إبليس فإن إله القرآن صفع المرأة بالدونية»، أضف إلى ذلك أنّ المرأة عند العرب القدماء كانت مرتبطة عاطفياً بعائلتها أكثر من عائلة زوجها، وهذا يظهر عكس ماهو سائد اليوم، فإذا استطاعت المرأة في فترة الستينات من القرن الماضي أن تنهض بكيانها كفرد أساسي في المجتمع، وقد كان ذلك النهوض طبيعياً جراء تأثّر العالم العربي بحركة الحداثة الغربية، فإنّ هذا النهوض لم يستمرّ طويلاً بسبب الردّة التي بدأت تظهر في فترة التسعينات، والعودة إلى النصّ المقدّس من قبل الحركات الأصولية، بعد أن ظهرت كبديل أساسيّ لحركات التحرّر العربية.
ما يدفعنا للحديث عن هذا الموضوع هو الدراسة التي صدرت عن دار «بدايات» بعنوان: «الأنوثة والجنس في الإسلام» لمجموعة من الباحثين، وتأتي أهمية هذه الدراسة من كونها تتحدّث عن واقع المرأة كاملاً دون أن تترك شيئاً دون شرح أو تعليق، «الجنس المطلق» كان عنوان الدراسة الأولى للكاتب فتحي بن سلامة، التي تحدّث فيها عن معنى كلمة«فرج» في اللغة العربية. فيبدأ بالقول:« إن العرب كانوا يمتلكون منذ 14 قرناً “خطاباً حول الجنس” ذهب بعضهم إلى حدّ وصفه بأنّه كان خطاباً فريداً من نوعه (…) إلا أنه لسبب غير معروف فقدوا استخدامه في ظروف لغتهم الراهنة»، ويؤكّد على أنّ الدراسات التي قامت حول موضوع الجنس انتقل بها الباحثون إلى خارج اللغة والكلام، ويرى أنه: «من خلال الجنس تتماسك أسس المنطق في مختلف مجالات الوجود ويستوي نظام الشريعة والحق»، لينتقل بعد ذلك للحديث عن الترجمة من لغة إلى أخرى، وكيف أنّ كلمة «فرج» تشير إلى العضو الذكريّ والأنثويّ في النصّ المقدّس، إلا أنه ومع تقدّم الزمن تمّ تخصيص هذه الكلمة بالعضو الأنثويّ فقط، ففي أحد النصوص التراثية يقول أبو موسى الأشعري: «ولمّا خلق الله فرج آدم قال: هذه أمانتي فلا تضعها إلا في حقها»، وبناءً على هذا النص يتحدّث الكاتب عن عدّة افتراضات أوّلية للبحث تقوم على مايلي: «ربما كان آدم امرأة من دون أن ينتبه العرب إلى ذلك (…) وربما كان رجلاً بعضو جنسي “مخنث”؟ وربما كان مزدوج الجنس على نحو ما»، ويذكر أنّ كلمة«فرج» وردت في القرآن ثماني مرات في سبع سور مختلفة، وكانت مرّة تدلّ على عضو المرأة ومرة تدلّ على عضو الرجل، ويؤكّد على أنّ كلمة فرج في اللغة العربية خصصت للمرأة والرجل، فقد ورد معنى «فرج» في لسان العرب لابن منظور بالشكل التالي: «الفرج هو الخلل بين الشيئين، فرج ما بين قوامه، الفرجة الخصاصة بين الشيئين، الفرج ما بين اليدين والرجلين وهو ما بين القوائم، وهو ما بين الرجلين، وسمّي فرج المرأة والرجل فرجاً لأنه بين الرجلين، وسمّي فرجاً لأنه غير مسدود، والفرج العورة، والفرج الثغر المخوف وهو موضع المخافة، والفرج اسم لجميع سوءات الرجال والنساء والفتيان وما حواليها»، فالعرب كانوا يملكون كلمة«فرج» في خطابهم وكتبهم، إلا أنهم فقدوها وأصبحت تدلّ على عضو المرأة الجنسيّ فقط، ويتساءل بن سلامة حول مصير الرجل في اللغة العربية وماذا فعل لكي يطرد«خارج الفرج»، لأنّ اللغة ليست ذكراً أو أنثى بل هي« لغة معرفة، لغة الكتابة ولاسيما لغة القرآن هي سلطة ظلّت حتى عهد قريب في يد الرجل وحده» ولذلك فإنّ «ثمّة قوى كتابية أو نبويّة في الحضارة العربية ـ الإسلامية أدّت إلى هذا الوضع الذي لم يكن حدثاً عارضاً بل كان واقعاً ضمن بنية حتمية لابد منها هي بنية الفرج». هذا الحديث يدلّ على أنّ المفسرين للغة والنص المقدّسة استطاعوا أن يتنصّلوا من تفسير كلمة «فرج» تفسيراً موضوعياً وعقلانياً، مما أدّى إلى غياب الرجل عن حقل هذه الكلمة ولصقها بالمرأة، وربما كان الحامل الأساسيّ للخوف من الحديث في هذا الموضوع هو الحرص على تجنّب هذه الكلمة، إلا أنّ بن سلامة استطاع من خلال هذه الدراسة أن يلقي الضوء على كلمة كانت وما تزال تشكل إشكاليةً في اللغة والحياة، ويرى في نهاية الدراسة بأنّ التراث: «لم يتحدّث أبداً عن المساواة، بل كان يتدبّر الأمور تدبيراً بحيث يمتلك الرجل رموز السلطة – أكثر تحفّظاً ويقظة تجاه هذه القضية الجوهرية، لأنه كان أكثر إدراكاً بأنّ الجنسيّ ليس الفارق البيولوجي بين الجنسين، وبأنّ التفريق الحقيقي له أساس وله اسم هما: النقصان».
أما جمال الدين بن شيخ فيبدأ دراسته« في أعماق تلك الشقوق» معتمداً على ثنائية الحبّ والموت، ويستند بهذه الدراسة إلى الكتاب التراثي« ألف ليله وليلة» لما له من دلالات كثيرة ومؤثّرة في تراثنا العربي، ويحلّل في البداية شخصية الرجل العاشق على أساس أنه كان« مهيأ مناسب للشهوات والأهواء أكثر مما مناسب للبشر. عنده، الانفعال هو المثال والمطلق والمفرد لا الإنسان الصادر عنه الانفعال، وهو الخالد الباقي الذي لا يبدل جوهره الطبيعة»، ومن هنا يبرز لنا البطل كعاشق صابر أصيب بمرض الهيام، ولذلك يكون«عشق حتى الموت، موت هو ليس نهاية عيش بقدر ما هو انتقال إلى الخلود»، بعد الحديث عن صفات الرجل ينتقل إلى وصف صفات المرأة في تراث ألف ليلة من خلال “القينة””المغنية” تلك الفتاة العارفة والتي كانت تبرز«في شعر الغزل والغرام وبراعتها في الغناء ولاسيما حضورها الدائم في محافل الرجال» ويرى بأنّ «كل ذلك يشكل خطراً على اتّزان المؤمن كما تفهمه الثقافة الإسلامية وتحرص على صونه والحفاظ عليه»، ومن هنا فإنّ ألف ليلة صوّرت “القينة” بأنها «لا تحرص على الفسق والفجور فحسب بل إنها تخنث الرجل وتنال من حريته بجعله تحت سطوة الشهوة خاضعاً لسيطرتها»، ومن هنا فإنّ هذه الأنوثة غير الأنوثة المتعارف عليها في نصوص الشريعة، ويردّ ذلك إلى أنّ الإسلام كان يراها أنوثة تبادر إلى تخطي حدود الحريم، موطن العفّة، ويرى بن الشيخ بأنّ “القينة” كانت« تنادي باسم المرأة تحت الدخول في التاريخ»، ولذلك جاءت محاربة”القينة” باسم الأخلاق والفضيلة، وأصبح العشق يخضع للرقابة، ولهذا يؤكّد في نهاية البحث على أنه «ينبغي ألا ننتظر من ألف ليلة وليلة أن تحابي الرغبة وتمجدها، فهي تخاطب الرجال بأنّ النساء مذنبات لا يستأهلن الشفقة لكنهنّ في الوقت نفسه لا بدّ من عشقهنّ فهنّ مخلوقات ملائكية شيطانية في آن، غادرات أمينات في آن».
في حين اختار عبد الوهاب المؤدب الحجاب كموضوع لدراسته، فتحدّث عن وضع الحجاب ككلّ وكيف أنه بين أعوام (1980 ـ 1990) تم التخلي عنه نهائياً، غير أنّ هذا الوضع لم يستمرّ طويلاً، فعاد بشكل قويّ وفرض شروطاً جديدة على المجتمع، وتجلّت هذه العودة للحجاب بأنّه تمّ «الإصرار على تعميم تطبيق تعاليم القرآن بحرفيتها» ويتابع حديثه عن تلك العودة بأنّ: «العودة إلى التطبيق الحرفي تلغي تكيّف الشريعة مع العادات المحلية وتصبح تشدّداً وتزمّتاً برفع إيديولوجية الجهاد ذات الطموح العالمي والتي تسعى إلى الهيمنة». ونتيجة لهذا البروز فقد تمّ تحوّل الحجاب من رمز تقليديّ إلى رمز سياسيّ، بعد ذلك يبدأ يتناول المؤدب بشرح موجز الآيات القرآنية التي نزلت على النبيّ محرّضةً على ارتداء الحجاب، وما هو سبب نزول كل آية، وقد حلّل أسباب النزول بشكل عقلانيّ، ويرى أنّ الآية “31” في سورة النور هي التي كانت السبب الرئيسي في إبراز «الخلل في المساواة بين الجنسين لما هو ليس في مصلحة النساء»، ويتابع حديثه عن وضع الحجاب عندما قامت بوضعه النساء في أيام النبي، ويذكِّر بقول عائشة بعد نزول تلك الآية «كانت نساء المدينة كلهن يبدين كأنهن يحملن غرباناً على رؤوسهن». وبعد أن تناول مفهوم كلمة حجاب في القرآن ينتقل ليتحدث عنها في مفهومها الثاني، وهو القانون الذي استطاع الملوك والخلفاء أن يفسروه لمصلحتهم من خلال تواريهم خلف الحجاب عن أنظار الرعية ليغرقوا في الخمر والغناء والطرب، ثم ينتقل لشرح كلمة حجاب في مفهومها الصوفي فيقول «تستعين الصوفية أيضاً بهذا القانون فتستخدم الكلمة كأداة تقنية للحجب، كل كتب الصوفية تقرن الكشف والتأمل برفع الحجاب» ليصل في نهاية هذا البحث إلى القول: «بمقدار ما أرى النص القرآني متماسك وصائب، وهو يؤسّس مشهدية الحجاب، ارتعد انفعالاً للعواقب التي أسفر عنها والنتائج التي تركها على حضارة زاهرة».
أمّا البحث الرابع لـ “ليلى صبار” فهو يندرج ضمن الإطار الذاتي، فتتحدث عن العلاقة بين والدها الجزائري المسلم وأمّها الفرنسية الكاثوليكية، وشعورها بالتمزّق نتيجة للعيش في ذلك الوسط العائلي المحافظ، الذي يمثّل العلاقة الريفية التي تؤسّس للهيمنة الذكورية في المجتمع أفضل تمثيل، لتقول صبار في النهاية: «أسير وحيدة بين الكلمات المهذارة، بين أصوات النساء الثرثارات في المنفى، في أرض الأسمنت، الأرض الجديدة حيث أكتب جسد أبي بلغة أمي».
وتم التطرق في البحث الخامس إلى وضع المرأة في العمل السياسي، لأنّ «الإسلام السياسي لم يحفل البتة تقريباً بالمرأة»، وتثير كاتبة البحث سونيا دايان قضية “المنديل” التي حدثت في الجزائر عام “1989” كمدخل للبحث، لأنّ هذه القضية أبرزت أن هذا الموضوع مطوع بسلطة الرجال على أجساد النساء، ثم تبدأ بتحليل العمل السياسي للنساء في العالم العربي ـ الإسلامي من خلال مصر وفلسطين، فالنساء يشكلون النقطة المركزية في التوتر القائم بين التقليد والحداثة، وتؤكد على أن إدخال النساء في ميدان العمل السياسي «يضعف بنيان النظام الأبوي “البطريركي” والقبلي ويتيح إمكانية بناء الدولة – الوطن بالمعنى العصري الحديث»، ليدخل البحث في تحليل بنية الخطاب الإسلامي الذي كان يسود في البلدان ذات الأكثرية الإسلامية، وترى بأنّ الإسلام هو الشكل الوحيد للمعارضة في تلك البلدان، ولعل الأمثلة التي استشهدت بها الباحثة عن واقع المرأة السياسي لها أهمية، فهي إذ تتحدث عن الأصولية لم تهمل الحركات العلمانية، إلا أنّ الأصولية لديها همّ مشترك هو«رفض الاستعمار الإيديولوجي والثقافي الغربي وطرح الإسلام بوصفه العقيدة الثورية الوحيدة القادرة حقاً على إنشاء مجتمع العدالة والمساواة»، يُبرز هذا البحث حالة الخوف والارتياب، الخوف من الحداثة، وهذا ما يؤكّد عليه محمد أركون بقوله «استبدال حقوق الإنسان بحقوق الله».
أما البحث الأخير للباحث “ألين توزان” فقد ركّز على وضع المرأة في موريتانيا واليمن، فقام بذكر أشعار لليمنيين عن المرأة، ويؤكّد على أنّ الخطاب المهيمن في تلك البلدان هو الخطاب الذكوري، ويرى أن الشعر اليمني يتغنى بالمرأة إلا أنه وبنفس الوقت يبرزها بأنها تقف موقف العداء من الله بحيث أنها تلهي الإنسان عن العبادة.
لقد حاولت هذه الدراسة، التي كانت قد صدرت من قبل عن مجلة مواقف ـ بيروت، أن تركز من جديد على وضع المرأة المتردي في عالمنا العربي، ففي الوقت الذي تحاول البلدان الغربية أن تنهض بمجتمعاتها عن طريق الأبحاث الأدبية والعلمية التي تنتجها، مازلنا نحن نعيش في إشكالية المرأة والجنس والحجاب، دون النظر إلى ماهو أهمّ، فالمرأة إلى الآن مازالت تشكّل رمزاً للفردوس المفقود، ولعلّ هذه الدراسة تساهم ولو بشيءٍ قليل في تحسين صورة المرأة، وإعادة كيانها المسلوب.
.
ما يدفعنا للحديث عن هذا الموضوع هو الدراسة التي صدرت عن دار «بدايات» بعنوان: «الأنوثة والجنس في الإسلام» لمجموعة من الباحثين، وتأتي أهمية هذه الدراسة من كونها تتحدّث عن واقع المرأة كاملاً دون أن تترك شيئاً دون شرح أو تعليق، «الجنس المطلق» كان عنوان الدراسة الأولى للكاتب فتحي بن سلامة، التي تحدّث فيها عن معنى كلمة«فرج» في اللغة العربية. فيبدأ بالقول:« إن العرب كانوا يمتلكون منذ 14 قرناً “خطاباً حول الجنس” ذهب بعضهم إلى حدّ وصفه بأنّه كان خطاباً فريداً من نوعه (…) إلا أنه لسبب غير معروف فقدوا استخدامه في ظروف لغتهم الراهنة»، ويؤكّد على أنّ الدراسات التي قامت حول موضوع الجنس انتقل بها الباحثون إلى خارج اللغة والكلام، ويرى أنه: «من خلال الجنس تتماسك أسس المنطق في مختلف مجالات الوجود ويستوي نظام الشريعة والحق»، لينتقل بعد ذلك للحديث عن الترجمة من لغة إلى أخرى، وكيف أنّ كلمة «فرج» تشير إلى العضو الذكريّ والأنثويّ في النصّ المقدّس، إلا أنه ومع تقدّم الزمن تمّ تخصيص هذه الكلمة بالعضو الأنثويّ فقط، ففي أحد النصوص التراثية يقول أبو موسى الأشعري: «ولمّا خلق الله فرج آدم قال: هذه أمانتي فلا تضعها إلا في حقها»، وبناءً على هذا النص يتحدّث الكاتب عن عدّة افتراضات أوّلية للبحث تقوم على مايلي: «ربما كان آدم امرأة من دون أن ينتبه العرب إلى ذلك (…) وربما كان رجلاً بعضو جنسي “مخنث”؟ وربما كان مزدوج الجنس على نحو ما»، ويذكر أنّ كلمة«فرج» وردت في القرآن ثماني مرات في سبع سور مختلفة، وكانت مرّة تدلّ على عضو المرأة ومرة تدلّ على عضو الرجل، ويؤكّد على أنّ كلمة فرج في اللغة العربية خصصت للمرأة والرجل، فقد ورد معنى «فرج» في لسان العرب لابن منظور بالشكل التالي: «الفرج هو الخلل بين الشيئين، فرج ما بين قوامه، الفرجة الخصاصة بين الشيئين، الفرج ما بين اليدين والرجلين وهو ما بين القوائم، وهو ما بين الرجلين، وسمّي فرج المرأة والرجل فرجاً لأنه بين الرجلين، وسمّي فرجاً لأنه غير مسدود، والفرج العورة، والفرج الثغر المخوف وهو موضع المخافة، والفرج اسم لجميع سوءات الرجال والنساء والفتيان وما حواليها»، فالعرب كانوا يملكون كلمة«فرج» في خطابهم وكتبهم، إلا أنهم فقدوها وأصبحت تدلّ على عضو المرأة الجنسيّ فقط، ويتساءل بن سلامة حول مصير الرجل في اللغة العربية وماذا فعل لكي يطرد«خارج الفرج»، لأنّ اللغة ليست ذكراً أو أنثى بل هي« لغة معرفة، لغة الكتابة ولاسيما لغة القرآن هي سلطة ظلّت حتى عهد قريب في يد الرجل وحده» ولذلك فإنّ «ثمّة قوى كتابية أو نبويّة في الحضارة العربية ـ الإسلامية أدّت إلى هذا الوضع الذي لم يكن حدثاً عارضاً بل كان واقعاً ضمن بنية حتمية لابد منها هي بنية الفرج». هذا الحديث يدلّ على أنّ المفسرين للغة والنص المقدّسة استطاعوا أن يتنصّلوا من تفسير كلمة «فرج» تفسيراً موضوعياً وعقلانياً، مما أدّى إلى غياب الرجل عن حقل هذه الكلمة ولصقها بالمرأة، وربما كان الحامل الأساسيّ للخوف من الحديث في هذا الموضوع هو الحرص على تجنّب هذه الكلمة، إلا أنّ بن سلامة استطاع من خلال هذه الدراسة أن يلقي الضوء على كلمة كانت وما تزال تشكل إشكاليةً في اللغة والحياة، ويرى في نهاية الدراسة بأنّ التراث: «لم يتحدّث أبداً عن المساواة، بل كان يتدبّر الأمور تدبيراً بحيث يمتلك الرجل رموز السلطة – أكثر تحفّظاً ويقظة تجاه هذه القضية الجوهرية، لأنه كان أكثر إدراكاً بأنّ الجنسيّ ليس الفارق البيولوجي بين الجنسين، وبأنّ التفريق الحقيقي له أساس وله اسم هما: النقصان».
أما جمال الدين بن شيخ فيبدأ دراسته« في أعماق تلك الشقوق» معتمداً على ثنائية الحبّ والموت، ويستند بهذه الدراسة إلى الكتاب التراثي« ألف ليله وليلة» لما له من دلالات كثيرة ومؤثّرة في تراثنا العربي، ويحلّل في البداية شخصية الرجل العاشق على أساس أنه كان« مهيأ مناسب للشهوات والأهواء أكثر مما مناسب للبشر. عنده، الانفعال هو المثال والمطلق والمفرد لا الإنسان الصادر عنه الانفعال، وهو الخالد الباقي الذي لا يبدل جوهره الطبيعة»، ومن هنا يبرز لنا البطل كعاشق صابر أصيب بمرض الهيام، ولذلك يكون«عشق حتى الموت، موت هو ليس نهاية عيش بقدر ما هو انتقال إلى الخلود»، بعد الحديث عن صفات الرجل ينتقل إلى وصف صفات المرأة في تراث ألف ليلة من خلال “القينة””المغنية” تلك الفتاة العارفة والتي كانت تبرز«في شعر الغزل والغرام وبراعتها في الغناء ولاسيما حضورها الدائم في محافل الرجال» ويرى بأنّ «كل ذلك يشكل خطراً على اتّزان المؤمن كما تفهمه الثقافة الإسلامية وتحرص على صونه والحفاظ عليه»، ومن هنا فإنّ ألف ليلة صوّرت “القينة” بأنها «لا تحرص على الفسق والفجور فحسب بل إنها تخنث الرجل وتنال من حريته بجعله تحت سطوة الشهوة خاضعاً لسيطرتها»، ومن هنا فإنّ هذه الأنوثة غير الأنوثة المتعارف عليها في نصوص الشريعة، ويردّ ذلك إلى أنّ الإسلام كان يراها أنوثة تبادر إلى تخطي حدود الحريم، موطن العفّة، ويرى بن الشيخ بأنّ “القينة” كانت« تنادي باسم المرأة تحت الدخول في التاريخ»، ولذلك جاءت محاربة”القينة” باسم الأخلاق والفضيلة، وأصبح العشق يخضع للرقابة، ولهذا يؤكّد في نهاية البحث على أنه «ينبغي ألا ننتظر من ألف ليلة وليلة أن تحابي الرغبة وتمجدها، فهي تخاطب الرجال بأنّ النساء مذنبات لا يستأهلن الشفقة لكنهنّ في الوقت نفسه لا بدّ من عشقهنّ فهنّ مخلوقات ملائكية شيطانية في آن، غادرات أمينات في آن».
في حين اختار عبد الوهاب المؤدب الحجاب كموضوع لدراسته، فتحدّث عن وضع الحجاب ككلّ وكيف أنه بين أعوام (1980 ـ 1990) تم التخلي عنه نهائياً، غير أنّ هذا الوضع لم يستمرّ طويلاً، فعاد بشكل قويّ وفرض شروطاً جديدة على المجتمع، وتجلّت هذه العودة للحجاب بأنّه تمّ «الإصرار على تعميم تطبيق تعاليم القرآن بحرفيتها» ويتابع حديثه عن تلك العودة بأنّ: «العودة إلى التطبيق الحرفي تلغي تكيّف الشريعة مع العادات المحلية وتصبح تشدّداً وتزمّتاً برفع إيديولوجية الجهاد ذات الطموح العالمي والتي تسعى إلى الهيمنة». ونتيجة لهذا البروز فقد تمّ تحوّل الحجاب من رمز تقليديّ إلى رمز سياسيّ، بعد ذلك يبدأ يتناول المؤدب بشرح موجز الآيات القرآنية التي نزلت على النبيّ محرّضةً على ارتداء الحجاب، وما هو سبب نزول كل آية، وقد حلّل أسباب النزول بشكل عقلانيّ، ويرى أنّ الآية “31” في سورة النور هي التي كانت السبب الرئيسي في إبراز «الخلل في المساواة بين الجنسين لما هو ليس في مصلحة النساء»، ويتابع حديثه عن وضع الحجاب عندما قامت بوضعه النساء في أيام النبي، ويذكِّر بقول عائشة بعد نزول تلك الآية «كانت نساء المدينة كلهن يبدين كأنهن يحملن غرباناً على رؤوسهن». وبعد أن تناول مفهوم كلمة حجاب في القرآن ينتقل ليتحدث عنها في مفهومها الثاني، وهو القانون الذي استطاع الملوك والخلفاء أن يفسروه لمصلحتهم من خلال تواريهم خلف الحجاب عن أنظار الرعية ليغرقوا في الخمر والغناء والطرب، ثم ينتقل لشرح كلمة حجاب في مفهومها الصوفي فيقول «تستعين الصوفية أيضاً بهذا القانون فتستخدم الكلمة كأداة تقنية للحجب، كل كتب الصوفية تقرن الكشف والتأمل برفع الحجاب» ليصل في نهاية هذا البحث إلى القول: «بمقدار ما أرى النص القرآني متماسك وصائب، وهو يؤسّس مشهدية الحجاب، ارتعد انفعالاً للعواقب التي أسفر عنها والنتائج التي تركها على حضارة زاهرة».
أمّا البحث الرابع لـ “ليلى صبار” فهو يندرج ضمن الإطار الذاتي، فتتحدث عن العلاقة بين والدها الجزائري المسلم وأمّها الفرنسية الكاثوليكية، وشعورها بالتمزّق نتيجة للعيش في ذلك الوسط العائلي المحافظ، الذي يمثّل العلاقة الريفية التي تؤسّس للهيمنة الذكورية في المجتمع أفضل تمثيل، لتقول صبار في النهاية: «أسير وحيدة بين الكلمات المهذارة، بين أصوات النساء الثرثارات في المنفى، في أرض الأسمنت، الأرض الجديدة حيث أكتب جسد أبي بلغة أمي».
وتم التطرق في البحث الخامس إلى وضع المرأة في العمل السياسي، لأنّ «الإسلام السياسي لم يحفل البتة تقريباً بالمرأة»، وتثير كاتبة البحث سونيا دايان قضية “المنديل” التي حدثت في الجزائر عام “1989” كمدخل للبحث، لأنّ هذه القضية أبرزت أن هذا الموضوع مطوع بسلطة الرجال على أجساد النساء، ثم تبدأ بتحليل العمل السياسي للنساء في العالم العربي ـ الإسلامي من خلال مصر وفلسطين، فالنساء يشكلون النقطة المركزية في التوتر القائم بين التقليد والحداثة، وتؤكد على أن إدخال النساء في ميدان العمل السياسي «يضعف بنيان النظام الأبوي “البطريركي” والقبلي ويتيح إمكانية بناء الدولة – الوطن بالمعنى العصري الحديث»، ليدخل البحث في تحليل بنية الخطاب الإسلامي الذي كان يسود في البلدان ذات الأكثرية الإسلامية، وترى بأنّ الإسلام هو الشكل الوحيد للمعارضة في تلك البلدان، ولعل الأمثلة التي استشهدت بها الباحثة عن واقع المرأة السياسي لها أهمية، فهي إذ تتحدث عن الأصولية لم تهمل الحركات العلمانية، إلا أنّ الأصولية لديها همّ مشترك هو«رفض الاستعمار الإيديولوجي والثقافي الغربي وطرح الإسلام بوصفه العقيدة الثورية الوحيدة القادرة حقاً على إنشاء مجتمع العدالة والمساواة»، يُبرز هذا البحث حالة الخوف والارتياب، الخوف من الحداثة، وهذا ما يؤكّد عليه محمد أركون بقوله «استبدال حقوق الإنسان بحقوق الله».
أما البحث الأخير للباحث “ألين توزان” فقد ركّز على وضع المرأة في موريتانيا واليمن، فقام بذكر أشعار لليمنيين عن المرأة، ويؤكّد على أنّ الخطاب المهيمن في تلك البلدان هو الخطاب الذكوري، ويرى أن الشعر اليمني يتغنى بالمرأة إلا أنه وبنفس الوقت يبرزها بأنها تقف موقف العداء من الله بحيث أنها تلهي الإنسان عن العبادة.
لقد حاولت هذه الدراسة، التي كانت قد صدرت من قبل عن مجلة مواقف ـ بيروت، أن تركز من جديد على وضع المرأة المتردي في عالمنا العربي، ففي الوقت الذي تحاول البلدان الغربية أن تنهض بمجتمعاتها عن طريق الأبحاث الأدبية والعلمية التي تنتجها، مازلنا نحن نعيش في إشكالية المرأة والجنس والحجاب، دون النظر إلى ماهو أهمّ، فالمرأة إلى الآن مازالت تشكّل رمزاً للفردوس المفقود، ولعلّ هذه الدراسة تساهم ولو بشيءٍ قليل في تحسين صورة المرأة، وإعادة كيانها المسلوب.
.