د
د.محمد عبدالحليم غنيم
كل ما فعله بعد أن ألقي بجسده الضئيل فوق الأريكة الوحيدة فى مدخل البيت أن ضرب كفاً بكف ، ثم زفر زفرتين ، قابلتهما أم رفعت ببرود مصطنع ، ولاحظ هو ذلك فكاد أن ينط فى كرشها من شدة الغضب ، قال فى نفسه " إن هذه المرأة تعلم ما حدث ! " ، أما هي فدخلت فى نفسها وانتابها خوف كبير لما رأت الشر فى عينيه ، كان خبر طرده من العمل عند صاحب محل الجزارة قد وصلها منذ الصباح ، وقبل أن يأتي بعدة ساعات ، وكانت تنتظره طوال هذه المدة ، لا رغبة فى لقائه ، ولكن لأنها لا تعرف ماذا تفعل ؟ ، كانت تتمني أن لا يكون الخبر حقيقيا ، اتجهت فى خطوات مترددة نحوه ، وفى حذر شديد جلست بجواره فوق الأريكة ، وقالت مدعية الجهل :
مالك يا أبو رفعت ؟ .. إيه اللي جري يا أبو رفعت ؟
لم يجب عليها ، ولم ينظر إليها أيضا ، ولم تشأ هي أن تعيد السؤال ، ربما خوفاً منه ، وربما لأنها تعرف الإجابة ؟ وفجأة أجهش الرجل بالبكاء مثل طفل صغير فقامت من جواره مذعورة كأن قد مسها جان ، غير أن شعورين تداخلا فى نفسها معا : شعور بالقوة والثقة بالنفس تجاه هذا الزوج الخائب الذي لا يفلح فى عمل ، وشعور بالعجز والخوار كامرأة بلا عائل ، لا حول لها ولا قوة . تمالكت نفسها وانسحبت فى هدوء وتركته إلي غرفة المعيشة ، وتذكرت مرات عديدة كان يعود فيها مطروداً من العمل دون أن تعلم ، يقول : " إرادة الرب " فتقول : "سيموت الأولاد جوعاً " فيصيح : " ماذا فى يدي ، أقطع نفسي " تقول : "الشتاء علي الأبواب ، سيموت الأولاد من البرد " ثم ينتهي الحوار بعبارته المشهورة : "فرج الله قريب ".
فى هذه المرة لم توجه له أم رفعت أي لوم أو عتاب ، لاذت بالصمت مثله ، وانسحبت مثله إلي داخل نفسها ، ووجدت نفسها تقوم إلي المرآة وتلقي نظرة علي جسدها الذي ترهل وأردافها التى ثقلت ، ثم أحست بآلام حادة فى ركبتها إنه الروموتيزم اللعين، ومع ذلك لم يزل هناك أثر لجمال قديم ، لفت رأسها إلي الوراء فى حركة سريعة جابت كل أجزاء جسدها ، شعرت ببعض الرضا ، فابتسمت ثم خرجت من الغرفة ، لتلقي علي أبي رفعت نظرة احتقار ، وجدته مكوماًعلي نفسه فوق الأريكة مثل طفل صغير ، قدماه صغيرتان رقيقتان تخرجان من أطراف جلبابه الواسع ، ورأسه الأصلع الصغير فوق رقبته القصيرة كاد يغرق فى ياقة الجاكيت الذي يرتديه فوق الجلباب ، لائذا بالصمت ، شارداً ، زفرت زفرة طويلة ثم عادت مرة أخري إلي غرفتها ، خلعت جلبابها ثم أخذت تستعرض أجزاء جسدها أمام المرآة ، كانت ترتدي قميصاً شفافاً قديماً بدا أنه استهلك منذ زمن بعيد ، لاح علي وجهها الرضا وهي تستعرض صور الرجال فى الشوارع ينظرون إليها فى شبق ، لكن سرعان ما انثالت الذكريات الأليمة وحظها العاثر مع هذا الزوج الخائب ، لتسقط جثة هامدة فوق الأرض الخشبية المنقوشة بالحفر المتنوعة الأشكال بفضل الصراصير والفئران والزمن ، أما هو فقد سمع صوت ارتطام بالأرض ، فعلم أنها سقطت على الأرض مغشيا عليها كالعادة ، قال فى نفسه : " ملعون المرض "، جري إلي الباب الخارجي وصرخ ، ثم عاد مسرعاً إلي الداخل يبحث لها عن كوب ماء..
وعندما وصل إليها فوجئ بعدد كبير من الجيران ، رجال ونساء وأطفال ، كان صدرها يعلو ويهبط تحت يد امرأة تدلكه بيد ، وتعصر بيدها الأخري علي أنفها الأحمر المتورم الآن بصلة ، وكان وجهها محتقنا بالدم ، بينما العرق فوق الرقبة السمينة وفى قاع الخدين الغائرين وأسفل تجويف العين يلمع ببريق كئيب ، تعرت فخذان ضخمتان ، وانكشفت أجزاء أخري من الجسد الأبيض ، وقف مبهوراً أمام الجسد ، وكأنه أمام جسد امرأة أخري ، امتدت يد تشد القميص فوق اللحم العاري ، تنبه ، امتدت يد أخري تأخذ منه كوب الماء الملئ حتى منتصفه ، تراجع للخلف خطوات ، وارتفعت أصوات تنادي : الطبيب الطبيب ، عندئذ فقط ، أفاقت أم رفعت قائلة فى صوت واهن .. لا داع لا داع للطبيب .. أنا خفيت .
انسحب في هدوء وعاد أدراجه إلي الأريكة ، بينما بدأ الناس يخرجون كانت نظراتهم تخترقه فى عتاب أو احتقار أو خوف ، ولكنها كانت جميعأً تدينه ، غير أنه لم يكن يشعر بأحد ولا يعنيه أحد، كان يفكر فى أم رفعت .. هذا الجسد منذ متي لم يقترب منه ؟ واتته رغبة حادة نحوها .. مد نظره نحو الحجرة ، لم يعد فى المكان أحد غير امرأة معها ، متي تخرج ؟ ها هي تخرج ، قام نشطاً يحث الخطى نحو أم رفعت ، لم تزل راقدة فى قميصها الشفاف ، سمعت صوت خطوات قامت فزعة تستر جسدها وكأنها أمام رجل غريب ، ابتسم لها فى ود وشبق معاً ، ثم قال وهو يقترب منها :
- لا أحد هنا من الأولاد .. كلهم فى المدارس
ذهلت من هول المفاجأة ، بدا الأمر لها كأنه اغتصاب ، اقترب منها أكثر ، عيناه مزيج من الشبق والشرر والغضب معا، انقادت له مستسلمة فوق أرض الغرفة ، وهى تشعر تحته بخدر لذيذ ، هل ذلك الراقد فوقها هو أبو رفعت حقاً ؟ هل هو بمثل هذه القوة ؟
عندما أفاقت من نشوتها سمعته يهمس فى أذنها ؟ :
- من الغد سأبحث عن عمل جديد .
- أم رفعت قصة قصيرة
د. محمد عبدالحليم غنيم
مالك يا أبو رفعت ؟ .. إيه اللي جري يا أبو رفعت ؟
لم يجب عليها ، ولم ينظر إليها أيضا ، ولم تشأ هي أن تعيد السؤال ، ربما خوفاً منه ، وربما لأنها تعرف الإجابة ؟ وفجأة أجهش الرجل بالبكاء مثل طفل صغير فقامت من جواره مذعورة كأن قد مسها جان ، غير أن شعورين تداخلا فى نفسها معا : شعور بالقوة والثقة بالنفس تجاه هذا الزوج الخائب الذي لا يفلح فى عمل ، وشعور بالعجز والخوار كامرأة بلا عائل ، لا حول لها ولا قوة . تمالكت نفسها وانسحبت فى هدوء وتركته إلي غرفة المعيشة ، وتذكرت مرات عديدة كان يعود فيها مطروداً من العمل دون أن تعلم ، يقول : " إرادة الرب " فتقول : "سيموت الأولاد جوعاً " فيصيح : " ماذا فى يدي ، أقطع نفسي " تقول : "الشتاء علي الأبواب ، سيموت الأولاد من البرد " ثم ينتهي الحوار بعبارته المشهورة : "فرج الله قريب ".
فى هذه المرة لم توجه له أم رفعت أي لوم أو عتاب ، لاذت بالصمت مثله ، وانسحبت مثله إلي داخل نفسها ، ووجدت نفسها تقوم إلي المرآة وتلقي نظرة علي جسدها الذي ترهل وأردافها التى ثقلت ، ثم أحست بآلام حادة فى ركبتها إنه الروموتيزم اللعين، ومع ذلك لم يزل هناك أثر لجمال قديم ، لفت رأسها إلي الوراء فى حركة سريعة جابت كل أجزاء جسدها ، شعرت ببعض الرضا ، فابتسمت ثم خرجت من الغرفة ، لتلقي علي أبي رفعت نظرة احتقار ، وجدته مكوماًعلي نفسه فوق الأريكة مثل طفل صغير ، قدماه صغيرتان رقيقتان تخرجان من أطراف جلبابه الواسع ، ورأسه الأصلع الصغير فوق رقبته القصيرة كاد يغرق فى ياقة الجاكيت الذي يرتديه فوق الجلباب ، لائذا بالصمت ، شارداً ، زفرت زفرة طويلة ثم عادت مرة أخري إلي غرفتها ، خلعت جلبابها ثم أخذت تستعرض أجزاء جسدها أمام المرآة ، كانت ترتدي قميصاً شفافاً قديماً بدا أنه استهلك منذ زمن بعيد ، لاح علي وجهها الرضا وهي تستعرض صور الرجال فى الشوارع ينظرون إليها فى شبق ، لكن سرعان ما انثالت الذكريات الأليمة وحظها العاثر مع هذا الزوج الخائب ، لتسقط جثة هامدة فوق الأرض الخشبية المنقوشة بالحفر المتنوعة الأشكال بفضل الصراصير والفئران والزمن ، أما هو فقد سمع صوت ارتطام بالأرض ، فعلم أنها سقطت على الأرض مغشيا عليها كالعادة ، قال فى نفسه : " ملعون المرض "، جري إلي الباب الخارجي وصرخ ، ثم عاد مسرعاً إلي الداخل يبحث لها عن كوب ماء..
وعندما وصل إليها فوجئ بعدد كبير من الجيران ، رجال ونساء وأطفال ، كان صدرها يعلو ويهبط تحت يد امرأة تدلكه بيد ، وتعصر بيدها الأخري علي أنفها الأحمر المتورم الآن بصلة ، وكان وجهها محتقنا بالدم ، بينما العرق فوق الرقبة السمينة وفى قاع الخدين الغائرين وأسفل تجويف العين يلمع ببريق كئيب ، تعرت فخذان ضخمتان ، وانكشفت أجزاء أخري من الجسد الأبيض ، وقف مبهوراً أمام الجسد ، وكأنه أمام جسد امرأة أخري ، امتدت يد تشد القميص فوق اللحم العاري ، تنبه ، امتدت يد أخري تأخذ منه كوب الماء الملئ حتى منتصفه ، تراجع للخلف خطوات ، وارتفعت أصوات تنادي : الطبيب الطبيب ، عندئذ فقط ، أفاقت أم رفعت قائلة فى صوت واهن .. لا داع لا داع للطبيب .. أنا خفيت .
انسحب في هدوء وعاد أدراجه إلي الأريكة ، بينما بدأ الناس يخرجون كانت نظراتهم تخترقه فى عتاب أو احتقار أو خوف ، ولكنها كانت جميعأً تدينه ، غير أنه لم يكن يشعر بأحد ولا يعنيه أحد، كان يفكر فى أم رفعت .. هذا الجسد منذ متي لم يقترب منه ؟ واتته رغبة حادة نحوها .. مد نظره نحو الحجرة ، لم يعد فى المكان أحد غير امرأة معها ، متي تخرج ؟ ها هي تخرج ، قام نشطاً يحث الخطى نحو أم رفعت ، لم تزل راقدة فى قميصها الشفاف ، سمعت صوت خطوات قامت فزعة تستر جسدها وكأنها أمام رجل غريب ، ابتسم لها فى ود وشبق معاً ، ثم قال وهو يقترب منها :
- لا أحد هنا من الأولاد .. كلهم فى المدارس
ذهلت من هول المفاجأة ، بدا الأمر لها كأنه اغتصاب ، اقترب منها أكثر ، عيناه مزيج من الشبق والشرر والغضب معا، انقادت له مستسلمة فوق أرض الغرفة ، وهى تشعر تحته بخدر لذيذ ، هل ذلك الراقد فوقها هو أبو رفعت حقاً ؟ هل هو بمثل هذه القوة ؟
عندما أفاقت من نشوتها سمعته يهمس فى أذنها ؟ :
- من الغد سأبحث عن عمل جديد .
- أم رفعت قصة قصيرة
د. محمد عبدالحليم غنيم