نقوس المهدي
كاتب
لقد اعتبر الانسان الطبيعة جسدا لغرض فهمها ,وقد اسقط الانسان قدسية على بعض المناطق انطلاقا من تشابهها الشكلاني او الوظيفي مع بعض اعضاء جسده المحرمة – المقدسة .وهو اسقاط لاشعوري يعبرعن انساق ثقافية .
ما العالم في النهاية سوى جسد كبير
(الانسان كون صغير ,والكون انسان كبير )- النفري
انطلقت التقابلات المعمارية انطلاقا من التقابلات الجنسية .فالتقابل بين المركز والمحيط في القرية ( الضيعة – الدوار )يقوم على التقابل بين الطاهر والمدنس . وهذا التقابل الاخير تقابل له اصل جنساني بين جنسانية مذكرة طاهرة , وجنسانية مؤنثة قذرة ( حيض – نفاس ...).ان التشابه والانساق الثقافية المعمارية – الجنسية مؤسسة بشكل لاشعوري كنظام معماري .
ان الدار امتداد للجسد ,انها جسد ثاني يحمي ويحتمي داخل جسد اكبر ,جسد المدينة . ان مايسري على الجنس البشري يسري على المجال ( الفضاء-Space ) .فالانشطة الحرفية الملوثة تشغل حيزا بعيدا عن مركز المدينة , في حين ان الانشطة الطاهرة تحتل الاماكن المركزية , مثل موقع الجامع الكبير , الكعبة , او ضريح مؤسس المدينة.
ان المعبد هو المكان الاكثر طهارة وقداسة , حيث تبنى المدينة حوله وفق تراتبية القداسة والنجاسة . في المنزل تتم نفس المقايسة . فاماكن النظافة والجماع والمطبخ لاتحتل الموقع المركزي في الدارككل , انها اماكن هامشية .
ان لاشعورية الر مز هي التي تضمن استقرار العلاقة بين المرموز به والمرموز اليه .ويظل المرموز اليه اغنى من الرامز اللغوي او المعماري .
ان الحدود الجنسية انطلاقا من تحولهاالى حدود نفسانية – باطنية , تستمر في الاماكن الاكثر حداثة مثل المقهى. فجلوس المراة في المقهى لم يتحرر من بعض الشروط التي تبين ان الحداثة في المجال العام ( الفضاء) لايعني بالتبعية الحداثة الجنسية . فنادرا ماتجلس المراة لوحدها في المقهى , ونادرا ماتجلس في رصيفه , كما ان هنالك مقاهي لاتخالطها النساء البتة , دون ان توجد مقاهي خاصة بالنساء.
ان شعورية التقسيم الحدودي للمكان وقصديته , تقوم على استبطان تجنيس المجال في اللاشعور العميق للفرد والمجتمع .
المدينة من الفرج الى الثغر
تنقسم المدن العربية الاسلامية الى مدن ادارية ومدن عسكرية وتنقسم المدن العسكرية الى اربعة اصناف هي :الثغر , الرباط , العاصمة, العسكر .هذا التقسيم يضعنا امام مفهوم المدينة – الثغر , وهي تسمية تاخذ باحد مرادفات الفم ,وهو الثغر .ان الجسد هو الذي يقرض المدينة اسم احد اعضائه . ان الثغر, بمعنى المدينة الحصينة المسلحة التي تنشا على حدود الدولة الاسلامية , مصطلح اسلامي حديث .لقد اطلق عمر بن الخطاب اسم الفروج على ماعرف بعده بالثغور . وكلا الاسمين هي لمسمى واحد .جاء في لسان العرب لابن منظور : الفرج , الثغر المخوف , وهو موضع المخافة .وجمعه فروج , سمي فرجا لانه غير مسدود .
ان الفرج هو ( ثقب ) . ومن ثم لابد من سده وملئه حتى لايظل مدخلا للعدو . فليس غريبا ان ينسحب مفهوم التحصين على الفرج – المدينة وعلى فرج –الزوجة معا ,فكلاهما نقصان وغياب .كلاهما في حاجة دائمة الى الامتلاء . الالية نفسها تنطبق على الثغر . فهو بدوره فراغ يملا دوما بالكلام او بالا كل .ان الفرج والثغر , سواء في مدلولهما الجنسي او المجالي , في حاجة مستمرة الى التحصين.
في كتابه عن ( تصور المجال عند المغربي اللامتعلم ) يعرض محمد بوغالي بعض التعابير التي يتمظهر فيها تجسيد المجال مثل :
( صدر البيت ) و (فم الدار) و (راس الدرب ) .انها عبارات تدل على تحول بعض الوحدات المعمارية الى اجساد , لكنها اجساد يتم التركيز على بعض اجزائها فقط .
ماهي دلالة هذا الترميز؟.
فرضية عالم الاجتماع ىالمغربي د.عبدالصمد الديالمي يعرضها في كتابه : ( المدينة الاسلاميةوالاصولية والارهاب : مقاربة جنسية ) – ط 1 – 2008 – دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب ,بيروت – لبنان ) تقول ان الاعضاء الجسدية المسقطة على الفضاء الحضري – المديني ( العربي الاسلامي ) اعضاء مجنسنة او قابلة للتجنسن .فالراس والفم والصدر مناطق تنتظم انطلاقا من المذكر (الراس :اداة المراقبة والانتقاء ) نحو المؤنث .الصدر : منطقة ركون واسترخاء , من الخارج نحو الداخل , مرورا بالفم كحد فاصل بين الداخل والخارج , وبين المذكر والمؤنث . ان الفم عضو جنسي محايد , لاهو بالمذكر ولا هو بالمؤنث . ويشكل بالتالي نقطة التقاء وتبادل عبر الكلام , في القبلة . ففم الدار مدخل الى الدار ( عالم المراة)ومدخل الى الشارع ( عالم الرجال ) في الوقت نفسه .انها اداة ابتلاع متبادل ,لحظة عبور نحو الغير .
ان الحديث عن صدر الغرفة يقوم على تشبيهها بالمراة . اذ صدر الغرفة وصدر المراة منطقتان لاتحتجبان داخل الدار كما يحتجب الفرج . انها تحت نظر الزوج كما لو انهما يدعوانه الى الاستراحة والاستسلام .يشكل الصدر – النهدالدعوة الى الحب والسكينة وممرا نحو الخاص جدا .. نحو الجنس .
في مفهوم القاع
في لهجة مدينة فاس بالمغرب ,تستعمل كلمة (قاع)في الحقلين الجسدي والمجالي معا . مثال ذلك عبارة (اجلس على قاعك ) .ان القاع مصطلح جسدي يحيل الى مؤخرة الفرد , والمصطلح ينطبق على الجنسين معا . ف( القاع) منطقة غيرمميزة جنسيا بين الرجل والمراة ( قاع الدرب) و ( قاع المدينة) عبارات نجدها دائمة الحضور في المسلسلات العربية .
ان المقصود بالقاع عند اهل فاس تلك المنطقة التي لاتدرك من اول وهلة .حيث يصبح القاع تجسيدا للتحريم . وتتحول المنطقة الى ( حرمة ) يتطلب استهلاكها رضوخا كاملا لحقيقة الرغبة ومسا بالموانع الشرعية .كذلك بالنسبة للفضاء ( المجال ) . فالغريب لايصل الى قاع الدرب او قاع الدار بسهولة , فتلك فضاءات خاصة , حرمة ( كذلك تسمى المراة بالعراقي : حرمة ) , لاتقع على الشوارع الرئيسية التجارية .انه لن يصل الى ذلك القاع سوى الانسان الذي ينتمي فعلا الى المدينة, بفضل اقامته فيها , اي بفضل تعلمها يوما بعد يوم .
النساء لاتعطي للغريب عن الدرب العائلي ,يتم اعطاء النساء للغريب بعد قبول المدينة له , اي بعد امتحان متعدد الاوجه والاشكال . من ثم يتبين ان القاع المجالي يرمز في نهاية المطاف الى اماكن الحرمة , مثل الدبر .
من هنا يتضح كيف يتم اسقاط اكثر الاعضاء الجسدية تحريما , وهو القاع على الاماكن الاساسية و الخفية ,المقدسة في الدرب او في الدار , وهي فضاءات النساء.
ان المراة وامكنتها تشكل ( قاع المدينة) ,الرئيسي في نهاية التحليل
الخاتمة
بالنظر الى غياب غرفة نوم خاصة , كان النشاط الجنسي يتم في( قاع البيت ) . وتمثل المراة عامةالمكان الموجود بين الحائط والزوج في الفراش . فالقاع هو مكان اللذة الكبرى , اذ كلما تضخم التحريم ارتفعت اللذة , فهي لذة مزدوجة : لذة الجنس ولذة المس بالمحرم .
.
ما العالم في النهاية سوى جسد كبير
(الانسان كون صغير ,والكون انسان كبير )- النفري
انطلقت التقابلات المعمارية انطلاقا من التقابلات الجنسية .فالتقابل بين المركز والمحيط في القرية ( الضيعة – الدوار )يقوم على التقابل بين الطاهر والمدنس . وهذا التقابل الاخير تقابل له اصل جنساني بين جنسانية مذكرة طاهرة , وجنسانية مؤنثة قذرة ( حيض – نفاس ...).ان التشابه والانساق الثقافية المعمارية – الجنسية مؤسسة بشكل لاشعوري كنظام معماري .
ان الدار امتداد للجسد ,انها جسد ثاني يحمي ويحتمي داخل جسد اكبر ,جسد المدينة . ان مايسري على الجنس البشري يسري على المجال ( الفضاء-Space ) .فالانشطة الحرفية الملوثة تشغل حيزا بعيدا عن مركز المدينة , في حين ان الانشطة الطاهرة تحتل الاماكن المركزية , مثل موقع الجامع الكبير , الكعبة , او ضريح مؤسس المدينة.
ان المعبد هو المكان الاكثر طهارة وقداسة , حيث تبنى المدينة حوله وفق تراتبية القداسة والنجاسة . في المنزل تتم نفس المقايسة . فاماكن النظافة والجماع والمطبخ لاتحتل الموقع المركزي في الدارككل , انها اماكن هامشية .
ان لاشعورية الر مز هي التي تضمن استقرار العلاقة بين المرموز به والمرموز اليه .ويظل المرموز اليه اغنى من الرامز اللغوي او المعماري .
ان الحدود الجنسية انطلاقا من تحولهاالى حدود نفسانية – باطنية , تستمر في الاماكن الاكثر حداثة مثل المقهى. فجلوس المراة في المقهى لم يتحرر من بعض الشروط التي تبين ان الحداثة في المجال العام ( الفضاء) لايعني بالتبعية الحداثة الجنسية . فنادرا ماتجلس المراة لوحدها في المقهى , ونادرا ماتجلس في رصيفه , كما ان هنالك مقاهي لاتخالطها النساء البتة , دون ان توجد مقاهي خاصة بالنساء.
ان شعورية التقسيم الحدودي للمكان وقصديته , تقوم على استبطان تجنيس المجال في اللاشعور العميق للفرد والمجتمع .
المدينة من الفرج الى الثغر
تنقسم المدن العربية الاسلامية الى مدن ادارية ومدن عسكرية وتنقسم المدن العسكرية الى اربعة اصناف هي :الثغر , الرباط , العاصمة, العسكر .هذا التقسيم يضعنا امام مفهوم المدينة – الثغر , وهي تسمية تاخذ باحد مرادفات الفم ,وهو الثغر .ان الجسد هو الذي يقرض المدينة اسم احد اعضائه . ان الثغر, بمعنى المدينة الحصينة المسلحة التي تنشا على حدود الدولة الاسلامية , مصطلح اسلامي حديث .لقد اطلق عمر بن الخطاب اسم الفروج على ماعرف بعده بالثغور . وكلا الاسمين هي لمسمى واحد .جاء في لسان العرب لابن منظور : الفرج , الثغر المخوف , وهو موضع المخافة .وجمعه فروج , سمي فرجا لانه غير مسدود .
ان الفرج هو ( ثقب ) . ومن ثم لابد من سده وملئه حتى لايظل مدخلا للعدو . فليس غريبا ان ينسحب مفهوم التحصين على الفرج – المدينة وعلى فرج –الزوجة معا ,فكلاهما نقصان وغياب .كلاهما في حاجة دائمة الى الامتلاء . الالية نفسها تنطبق على الثغر . فهو بدوره فراغ يملا دوما بالكلام او بالا كل .ان الفرج والثغر , سواء في مدلولهما الجنسي او المجالي , في حاجة مستمرة الى التحصين.
في كتابه عن ( تصور المجال عند المغربي اللامتعلم ) يعرض محمد بوغالي بعض التعابير التي يتمظهر فيها تجسيد المجال مثل :
( صدر البيت ) و (فم الدار) و (راس الدرب ) .انها عبارات تدل على تحول بعض الوحدات المعمارية الى اجساد , لكنها اجساد يتم التركيز على بعض اجزائها فقط .
ماهي دلالة هذا الترميز؟.
فرضية عالم الاجتماع ىالمغربي د.عبدالصمد الديالمي يعرضها في كتابه : ( المدينة الاسلاميةوالاصولية والارهاب : مقاربة جنسية ) – ط 1 – 2008 – دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب ,بيروت – لبنان ) تقول ان الاعضاء الجسدية المسقطة على الفضاء الحضري – المديني ( العربي الاسلامي ) اعضاء مجنسنة او قابلة للتجنسن .فالراس والفم والصدر مناطق تنتظم انطلاقا من المذكر (الراس :اداة المراقبة والانتقاء ) نحو المؤنث .الصدر : منطقة ركون واسترخاء , من الخارج نحو الداخل , مرورا بالفم كحد فاصل بين الداخل والخارج , وبين المذكر والمؤنث . ان الفم عضو جنسي محايد , لاهو بالمذكر ولا هو بالمؤنث . ويشكل بالتالي نقطة التقاء وتبادل عبر الكلام , في القبلة . ففم الدار مدخل الى الدار ( عالم المراة)ومدخل الى الشارع ( عالم الرجال ) في الوقت نفسه .انها اداة ابتلاع متبادل ,لحظة عبور نحو الغير .
ان الحديث عن صدر الغرفة يقوم على تشبيهها بالمراة . اذ صدر الغرفة وصدر المراة منطقتان لاتحتجبان داخل الدار كما يحتجب الفرج . انها تحت نظر الزوج كما لو انهما يدعوانه الى الاستراحة والاستسلام .يشكل الصدر – النهدالدعوة الى الحب والسكينة وممرا نحو الخاص جدا .. نحو الجنس .
في مفهوم القاع
في لهجة مدينة فاس بالمغرب ,تستعمل كلمة (قاع)في الحقلين الجسدي والمجالي معا . مثال ذلك عبارة (اجلس على قاعك ) .ان القاع مصطلح جسدي يحيل الى مؤخرة الفرد , والمصطلح ينطبق على الجنسين معا . ف( القاع) منطقة غيرمميزة جنسيا بين الرجل والمراة ( قاع الدرب) و ( قاع المدينة) عبارات نجدها دائمة الحضور في المسلسلات العربية .
ان المقصود بالقاع عند اهل فاس تلك المنطقة التي لاتدرك من اول وهلة .حيث يصبح القاع تجسيدا للتحريم . وتتحول المنطقة الى ( حرمة ) يتطلب استهلاكها رضوخا كاملا لحقيقة الرغبة ومسا بالموانع الشرعية .كذلك بالنسبة للفضاء ( المجال ) . فالغريب لايصل الى قاع الدرب او قاع الدار بسهولة , فتلك فضاءات خاصة , حرمة ( كذلك تسمى المراة بالعراقي : حرمة ) , لاتقع على الشوارع الرئيسية التجارية .انه لن يصل الى ذلك القاع سوى الانسان الذي ينتمي فعلا الى المدينة, بفضل اقامته فيها , اي بفضل تعلمها يوما بعد يوم .
النساء لاتعطي للغريب عن الدرب العائلي ,يتم اعطاء النساء للغريب بعد قبول المدينة له , اي بعد امتحان متعدد الاوجه والاشكال . من ثم يتبين ان القاع المجالي يرمز في نهاية المطاف الى اماكن الحرمة , مثل الدبر .
من هنا يتضح كيف يتم اسقاط اكثر الاعضاء الجسدية تحريما , وهو القاع على الاماكن الاساسية و الخفية ,المقدسة في الدرب او في الدار , وهي فضاءات النساء.
ان المراة وامكنتها تشكل ( قاع المدينة) ,الرئيسي في نهاية التحليل
الخاتمة
بالنظر الى غياب غرفة نوم خاصة , كان النشاط الجنسي يتم في( قاع البيت ) . وتمثل المراة عامةالمكان الموجود بين الحائط والزوج في الفراش . فالقاع هو مكان اللذة الكبرى , اذ كلما تضخم التحريم ارتفعت اللذة , فهي لذة مزدوجة : لذة الجنس ولذة المس بالمحرم .
.