نقوس المهدي
كاتب
لأسباب فكرية، وضمن الاهتمام بالروح الثوري من النشاطات الاجتماعية، بدأت الكتابة عن الأنثوية في الشعر النسوي، تناولت عدداً طيباً من شاعراتنا اللواتي أجد في شعرهن ومضات قوية "للأنثوية" بصفتها حركة فكرية واجتماعية حديثة. وقد أوضحت أنني انبش التربة، أهيئها، لمثل تلك "البذور" مقتنعاً بأنها ستنمو في المستقبل. وأنا أتابع تفاصيل هذا الموضوع كنت أفاجأ بالعديد من الحقائق الاجتماعية المُضمَرَة والمغطاة جيداً بقصدية عالية. بينها حقائق نسوية ظلت منذ قرون قابعة وراء علامات × أو وراء "السيف" أو قوى الاضطهاد القديمة التي ارتدَتْ أزياء حديثة.
"ليليا" بطلة جورج صاند ، يمكن ان تلخص لنا ونحن هنا في الشرق المُدان، الرضا السيئ الذي اضطروا الأنثى للاعتياد عليه حتى نهاية القرن التاسع عشر هناك، وحتى اليوم هنا عدنا! " ليليا " جورج صاند تقول :
" كنت انذر نفسي بشحوب"
وبإغماض للعينين. وعندما
كان يخمد راضياً مشْبَعاً
امكث ، متجمدة الحواس .."
إذن، الاحساس الجنسي هو امر يخص الرجال و للنساء الاستسلام او التضحية او التظاهر بالمتعة، وإذا كانت هناك متعة، فهي متعة الاحتكاك لا المشاركة العاطفية والجسدية،
بحسب ما اوردَهُ "جاك اندريه" التسلط عليها ليس غريباً بعد ذلك. فما دام "هو" "اشترى" او "تملّكَ" المرأة، فهو إنما اشتراها وتملكها لكي يرتاح "هو" لا "هي" . ولكي يستثمرها او لكي "ينتفع" بها، ولقد اخترت لفَظَتي " يستثمر" و " ينتفع " لدلاليتهما الاقتصاديتين، في مجتمع تحكمه قوى مستغِلة. سنرى انه كلما خفَّ " الاستغلال " ، كلما نالت المرأة حصتها من " الاستثمار " الجسدي الامتاعي. فحين تقدمت المرأة هناك ، صارت شريكاً في العملية الجنسية وفي التملّك المتبادل. وبدلاً من قول الرجل " ضاجعتُ" صار الفعل "تضاجعنا" وبدلاً من مارسَ ، "مارسنا" .
نعم إن هذا الاتساع في الحقوق أفرز، او واجه، جملة مشاكل ، تحولت بدورها الى اهداف نضالية للسيطرة عليها وتذليلها لتستمر الحقوق المكتسبة. من تلك "الحَمْل " والذي استدعى من بعد ، المطالبة بحرية الإجهاض، كما استدعى التمييز بين الجنسي والتكاثري. وإن كلاً من هذين الأخيرين له اعتباراته التي تستوجب الإقرار بها.
فـ " الجنسي " سبّب توسعاً في محرّمات سابقة: المثلية " الذكورية" في جانب و"السحاق" في جانب. وربما لاول مرة في التاريخ نشهد مثل هذا الانتشار الواسع للادب الجنسي، حتى صرنا نقرأ روايات جنسية وراءها تجارب وحقائق علمية وفلسفات في الحقوق الفردية. وفي روايات أخرى وكتابات نجد القلق النفسي ومشكلات القدرات الجنسية او افتقادها عند احد الطرفين. هذه موضوعات امدّت الكتابة الروائية بتفاصيل قرّبتها الى المتاعب والاهتمامات الفردية . وهذه بدورها سبّبت انتشار هذا النمط من الروايات والتي هي اليوم اكثر حضوراً والأكثر حظوة في السينما.
ومن استعراض نتاج دور النشر ومبيعاتها نصل الى الأكثر مبيعاً والأكثر ربحية . اعني كتب الجنس و روايات الإثارة او الروايات التي تتبنى مشكلات جنسية : زوجية / مشاكل عمل مشترك / او تسخير الجنس ضمن عصابات بحثاً عن المال او عن المتعة. وواقعية هذه القصص أزاحت قصص الحب الرومانسية التي شهدها القرن الماضي وما قبله.
النزوع الجنسي صار اليوم ظاهرة حضارية مرتبطة بالحق الطبيعي للإنسان وضمن الحقوق المدنية، ومما صار يشار له هو المشاركة التكاملية والحق المشترك في العملية الجنسية والتكوينات الاجتماعية المؤسَّسة عليها. لكن انتشار الظاهرة وسعة النتائج في التطبيق حرّضا القوى المستغِلّة للاستفادة من هذا التيسّر الواسع للممنوع. لقد اعتمدت هذه القوى قولة القيصر القديمة لبروتوس:
" لا أخشى ممن يحبون الفجور
ولا أخاف من الطامعين بحياة الترف،
بل أخشى من الناحلين الشاحبين
فارتضت قوى الهيمنة التساهل في شيوع هذا النمط من العلاقات لينشغل أصحابها بالشأن الشخصي فيسلم العام من اهتمام الخصوم او عدائهم. إذ لم يبق إلا " الناحلون الشاحبون" أي السياسيين المعارضين المهمومين عادة. إذن هناك متضادان المعارضون والدولة أو القوى المستغلة. فالفكر المهيمن يتوجه بكل قواه الآن نحو هذا العدو.
لكن هذه ظواهر، ربما خاصة بمجتمعات بدء الانتقال الحضاري الحديث وقبل ان تستقر هذه المجتمعات على حال وتترصن فيها القيم الجديدة . اما في اليابان اليوم وروسيا والولايات المتحدة واوربا، فقد كان الجنس ومنذ بدء القرن وما يزال وراء حركات نسوية واسعة تتبنى افكاراً تحررية. وفضلاً عن الحريات الشخصية صار لهذه الحركة العالمية ذراع سياسي يعمل على الاطاحة بالانظمة القديمة والقوانين التي لا تناسب العصر . هذا يعني تغيير انظمة الحكم ! فلا غرابة بعد هذا ان تكون للنساء قيادة ثورية في التحرك النسوي العام وفي " الأنثوية " الحديثة بشكل خاص. وليس غريباً ان يثار اتهام للحركة الأنثوية التي يقودها الراديكال ، بأنها تنشد شيئاً " آخر " للتغيير، خارج منظومة المطالب النسوية. وارى أن هذا اتهام لا ضرر منه. ومثله يمكن أن يقال عن الانثوية الليبرالية والأنثوية المسيحية ، فهما ايضاً يناصران المرأة ويتبنيان اهدافاً اخرى. لا بد من تضافر المطالب وتكافلها، ما دامت لها طبيعة اجتماعية . في الحركات الثورية الاجتماعية، التحررية ، لا يستخدمون "فلاتر" ولا "مصافي" للتنقية. صعب فصل العناصر. حراك اجتماعي له عوامله الخارجية المحرّكة وله ديناميتُهُ الخاصة. لا ننسَ أن الحركة الانثوية وريثة تراكم كان طيلة تراكمه يمنع من أن تكون للمرأة وجهة نظر في العيش، في العمل والتفكير وفي ممارسة الجنس.
ونحن نعلم ، بتعبير " شوارتز " أن مغامرة الأدب النسوي تعني اجتراح وجهة نظر، امتلاك رأي خاص للمرأة في الحياة. أي الانطلاق في التفكير والكتابة من الخبرة النسوية ... الانطلاقة الجديدة تعني إضافة عنصر جديد للأدب. ومن يلُمْ النساء عن تقصيرهن في كتابة ادب خاص بهن ينسَ انهن كن خاضعات لطرق التربية الذكورية وأهدافها. وان يكتبن كما يكتب الرجال ، كان هو الواجب الحقيقي الذي عليهن أداؤه . الكتابة النسوية كانت وجهاً اخر للسيادة الجنسية بالنسبة للذكور والخضوع او التقليد بالنسبة للنساء. وهذا الخضوع قديم في التاريخ الإنساني: "اشتياقكِ لزوجك وهو يسود عليك .." (سفر التكوين) .. فليس غريباً اننا حتى اليوم نرى الغالب من الكاتبات النساء يكتبن مقلّداتٍ للرجال. حتى إني لم أتناول في مقالاتي "عن الأنثوية في الشعر" شاعرات احترمهن. لا بسبب الفن الشعري، ولكن لأن الثورية الأنثوية خامدة في شعرهن. هن يكتبن مثل أندادهن الرجال وفي الموضوعات العامة . بهذا لا يصنعن مجداً . الاحترام عادةً للشخص المتميز، للذات الجديدة ، او المحتجّة التي لم يُعَبَّر عنها من قبل. اريد صوتاً انثوياً فلدينا من الشعر أكوام !
.
"ليليا" بطلة جورج صاند ، يمكن ان تلخص لنا ونحن هنا في الشرق المُدان، الرضا السيئ الذي اضطروا الأنثى للاعتياد عليه حتى نهاية القرن التاسع عشر هناك، وحتى اليوم هنا عدنا! " ليليا " جورج صاند تقول :
" كنت انذر نفسي بشحوب"
وبإغماض للعينين. وعندما
كان يخمد راضياً مشْبَعاً
امكث ، متجمدة الحواس .."
إذن، الاحساس الجنسي هو امر يخص الرجال و للنساء الاستسلام او التضحية او التظاهر بالمتعة، وإذا كانت هناك متعة، فهي متعة الاحتكاك لا المشاركة العاطفية والجسدية،
بحسب ما اوردَهُ "جاك اندريه" التسلط عليها ليس غريباً بعد ذلك. فما دام "هو" "اشترى" او "تملّكَ" المرأة، فهو إنما اشتراها وتملكها لكي يرتاح "هو" لا "هي" . ولكي يستثمرها او لكي "ينتفع" بها، ولقد اخترت لفَظَتي " يستثمر" و " ينتفع " لدلاليتهما الاقتصاديتين، في مجتمع تحكمه قوى مستغِلة. سنرى انه كلما خفَّ " الاستغلال " ، كلما نالت المرأة حصتها من " الاستثمار " الجسدي الامتاعي. فحين تقدمت المرأة هناك ، صارت شريكاً في العملية الجنسية وفي التملّك المتبادل. وبدلاً من قول الرجل " ضاجعتُ" صار الفعل "تضاجعنا" وبدلاً من مارسَ ، "مارسنا" .
نعم إن هذا الاتساع في الحقوق أفرز، او واجه، جملة مشاكل ، تحولت بدورها الى اهداف نضالية للسيطرة عليها وتذليلها لتستمر الحقوق المكتسبة. من تلك "الحَمْل " والذي استدعى من بعد ، المطالبة بحرية الإجهاض، كما استدعى التمييز بين الجنسي والتكاثري. وإن كلاً من هذين الأخيرين له اعتباراته التي تستوجب الإقرار بها.
فـ " الجنسي " سبّب توسعاً في محرّمات سابقة: المثلية " الذكورية" في جانب و"السحاق" في جانب. وربما لاول مرة في التاريخ نشهد مثل هذا الانتشار الواسع للادب الجنسي، حتى صرنا نقرأ روايات جنسية وراءها تجارب وحقائق علمية وفلسفات في الحقوق الفردية. وفي روايات أخرى وكتابات نجد القلق النفسي ومشكلات القدرات الجنسية او افتقادها عند احد الطرفين. هذه موضوعات امدّت الكتابة الروائية بتفاصيل قرّبتها الى المتاعب والاهتمامات الفردية . وهذه بدورها سبّبت انتشار هذا النمط من الروايات والتي هي اليوم اكثر حضوراً والأكثر حظوة في السينما.
ومن استعراض نتاج دور النشر ومبيعاتها نصل الى الأكثر مبيعاً والأكثر ربحية . اعني كتب الجنس و روايات الإثارة او الروايات التي تتبنى مشكلات جنسية : زوجية / مشاكل عمل مشترك / او تسخير الجنس ضمن عصابات بحثاً عن المال او عن المتعة. وواقعية هذه القصص أزاحت قصص الحب الرومانسية التي شهدها القرن الماضي وما قبله.
النزوع الجنسي صار اليوم ظاهرة حضارية مرتبطة بالحق الطبيعي للإنسان وضمن الحقوق المدنية، ومما صار يشار له هو المشاركة التكاملية والحق المشترك في العملية الجنسية والتكوينات الاجتماعية المؤسَّسة عليها. لكن انتشار الظاهرة وسعة النتائج في التطبيق حرّضا القوى المستغِلّة للاستفادة من هذا التيسّر الواسع للممنوع. لقد اعتمدت هذه القوى قولة القيصر القديمة لبروتوس:
" لا أخشى ممن يحبون الفجور
ولا أخاف من الطامعين بحياة الترف،
بل أخشى من الناحلين الشاحبين
فارتضت قوى الهيمنة التساهل في شيوع هذا النمط من العلاقات لينشغل أصحابها بالشأن الشخصي فيسلم العام من اهتمام الخصوم او عدائهم. إذ لم يبق إلا " الناحلون الشاحبون" أي السياسيين المعارضين المهمومين عادة. إذن هناك متضادان المعارضون والدولة أو القوى المستغلة. فالفكر المهيمن يتوجه بكل قواه الآن نحو هذا العدو.
لكن هذه ظواهر، ربما خاصة بمجتمعات بدء الانتقال الحضاري الحديث وقبل ان تستقر هذه المجتمعات على حال وتترصن فيها القيم الجديدة . اما في اليابان اليوم وروسيا والولايات المتحدة واوربا، فقد كان الجنس ومنذ بدء القرن وما يزال وراء حركات نسوية واسعة تتبنى افكاراً تحررية. وفضلاً عن الحريات الشخصية صار لهذه الحركة العالمية ذراع سياسي يعمل على الاطاحة بالانظمة القديمة والقوانين التي لا تناسب العصر . هذا يعني تغيير انظمة الحكم ! فلا غرابة بعد هذا ان تكون للنساء قيادة ثورية في التحرك النسوي العام وفي " الأنثوية " الحديثة بشكل خاص. وليس غريباً ان يثار اتهام للحركة الأنثوية التي يقودها الراديكال ، بأنها تنشد شيئاً " آخر " للتغيير، خارج منظومة المطالب النسوية. وارى أن هذا اتهام لا ضرر منه. ومثله يمكن أن يقال عن الانثوية الليبرالية والأنثوية المسيحية ، فهما ايضاً يناصران المرأة ويتبنيان اهدافاً اخرى. لا بد من تضافر المطالب وتكافلها، ما دامت لها طبيعة اجتماعية . في الحركات الثورية الاجتماعية، التحررية ، لا يستخدمون "فلاتر" ولا "مصافي" للتنقية. صعب فصل العناصر. حراك اجتماعي له عوامله الخارجية المحرّكة وله ديناميتُهُ الخاصة. لا ننسَ أن الحركة الانثوية وريثة تراكم كان طيلة تراكمه يمنع من أن تكون للمرأة وجهة نظر في العيش، في العمل والتفكير وفي ممارسة الجنس.
ونحن نعلم ، بتعبير " شوارتز " أن مغامرة الأدب النسوي تعني اجتراح وجهة نظر، امتلاك رأي خاص للمرأة في الحياة. أي الانطلاق في التفكير والكتابة من الخبرة النسوية ... الانطلاقة الجديدة تعني إضافة عنصر جديد للأدب. ومن يلُمْ النساء عن تقصيرهن في كتابة ادب خاص بهن ينسَ انهن كن خاضعات لطرق التربية الذكورية وأهدافها. وان يكتبن كما يكتب الرجال ، كان هو الواجب الحقيقي الذي عليهن أداؤه . الكتابة النسوية كانت وجهاً اخر للسيادة الجنسية بالنسبة للذكور والخضوع او التقليد بالنسبة للنساء. وهذا الخضوع قديم في التاريخ الإنساني: "اشتياقكِ لزوجك وهو يسود عليك .." (سفر التكوين) .. فليس غريباً اننا حتى اليوم نرى الغالب من الكاتبات النساء يكتبن مقلّداتٍ للرجال. حتى إني لم أتناول في مقالاتي "عن الأنثوية في الشعر" شاعرات احترمهن. لا بسبب الفن الشعري، ولكن لأن الثورية الأنثوية خامدة في شعرهن. هن يكتبن مثل أندادهن الرجال وفي الموضوعات العامة . بهذا لا يصنعن مجداً . الاحترام عادةً للشخص المتميز، للذات الجديدة ، او المحتجّة التي لم يُعَبَّر عنها من قبل. اريد صوتاً انثوياً فلدينا من الشعر أكوام !
.