ثائر العذاري - المرأة (الاديبة) والرجل (المثقف )

بسبب من اهتمامي بالأدب النسوي منذ عدة أشهر، نشأت صداقات عمل أعتز بها كثيرا بيني وبين عدد من الشاعرات والقاصات العراقيات والعربيات، غير أن هذه الصداقات أدخلتني عالما غريبا يكشف عن حقائق لم أكن أتصور وجودها اطلاقا، وانهارت كتماثيل من الجبن الهش أمام عيني اسماء لامعة كنت انظر اليها كقمم في عالم الثقافة تمكنت من التخلص من العقد التي لا يكاد رجل شرقي أن يسلم منها ، والأنكى من ذلك أن يكون من هؤلاء رجال ممن يعدون أنفسهم عرابي (ثقافة الخارج) كما يطلقون على انفسهم، ولطالما بشرونا بثقافة جديدة تهدف الى بناء انسان حر متحرر من العقد.
ثمة ظواهر سأكتب عنها بصراحة ، على الرغم من أني لم أكن أحب الكتابة في مجال غير مجال النقد الأدبي ، لكني وجدت أن لابد أن يتطوع أحدنا لطرق هذا الباب الخلفي لبيت الثقافة العربي.
لا أشك في وجود طبقة كبيرة من المثقفين العرب الداعين الى تمكين المرأة ، ولا أشك في صدق نوايا نسبة كبيرة منهم ، لكنني اكتشفت أن نسبة لا يستهان بها من دعاة تمكين المرأة مازالوا ينظرون الى المرأة في حياتهم الشخصية تلك النظرة البدائية الدونية التي لا تتعدى حدود الشهوة الغريزية.
حين دخلت عالم الأديبات ، صدمت بهول المتاعب التي تواجححن في حياتهن اليومية على أيدي مثقفين طالما كتبوا وأبدعوا في الدعوة الى تخليص المرأة من قيودها واتاحة الفرص الكافية لها للتعبير عن نفسها وقدراتها الإبداعية.
أما الظاهرة الأولى من الظواهر التي تسبب المتاعب اليومية ، وربما المشاكل العائلية للأديبة العربية، تواجهها الشاعرات اللواتي تقتصر أكثر قصائدهن على الغزل ، وانا اقصد الغزل النسوي الذي يمتاز بالرقة والعذوبة الأنثوية، فمثل هذه الشاعرة تجد نفسها بشكل يومي محاصرة بالعشاق من رجال الثقافة ، ممن يتصلون بها تلفونيا أو بالبريد الآلكتروني أو أية طريقة اتصال أخرى ، ليعربوا عن غرامهم وذوبانهم في عشقها ، فهم لا ينامون الليالي ، ولا يستمتعون بالنهارات وربما يهدد بعضهم بأنه سينتحر حبا ، أو يموت عشقا.
وامرأة شاعرة لا تستطيع طبعا في مثل هذا الموقف أن تكون فضة غليظة ، خاصة مع اسماء كانت تنظر لها باجلال على انها اسماء نجوم ، فاذا النجوم تتحول الى مصابيح خافتة ، ثم لا يلبث نورها أن ينطفئ.
فاذا حاولت هذه الشاعرة الدفاع عن نفسها بافهام هذا المثقف الرقيق القلب انها متزوجة وسعيدة بزواجها ، وأفقدته الأمل في أن ينال منها الوصال الذي يتمناه انقلب موقفه بسرعة وبشكل مفاجئ الى الضد من موقفه الأول وهذه هي الظاهرة الثانية، فيذهب صاحبنا الى اتهامها بالقسوة وعدم الشعور بالآخرين والغرور , ثم في مرحلة تالية يبدأ بتسقط أخطائها الفنية وتضخيمها وربما الكتابة عنها.
وأما الظاهرة الثالثة فهي ظاهرة رفع الكلفة من الأيميل الأول ومحاولة الرجل المثقف عرض رجولته أمام (الأنثى) الأديبة ، من خلال صياغة تعابير توحي باشتعال الشهوة واضطرام نار الغريزة ، وقد اطلعت من خلال بعض اخواتنا الأديبات على ايميلات تقشعر الأبدان لما فيها من كلام مبتذل ورخيص من زملاء لم أكن أتصور أبدا أنهم قادرون على كتابة مثل تلك الرسائل (الذكورية).
هذه الظاهرة الأخيرة ، يكثر أن تتعرض لها مجموعة من كاتبات القصة اللواتي اتخذن لأنفسهن خط التعبير عن مشاكل المرأة بطريقة جريئة.
أما الظاهرة الرابعة وألأخيرة التي أريد الحديث عنها، فتظهر عندما يكون (الرجل) المثقف مسؤولا اداريا في صحيفة أو مجلة أو فضائية أو أية وسيلة ثقافية أخرى، وتكون (المرأة ) الأديبة مرؤوسته، فحينها ستبدأ القصة بتقريب هذه الأديبة من الإدارة بسرعة ثم مصارحتها بالحب ، فاذا عبرت رفضها بسبب كونها امرأة وفية لزوجها وعائلتها (وهذا التعبير يكون دائما تعبيرا مهذبا ولا يحمل أي نوع من انواع الإساءة رغم احساسها بالمرارة والصدمة) ، انقلب موقف (الرجل) المثقف من حب الى حقد ليبدأ الجزء الثاني من القصة بشن حرب شعواء على تلك الأديبة قد يصل الى طردها من العمل.
لقد تساءلت كثيرا ، وحزنت أكثر لأني أتساءل هذا التساؤل، اذا كان المثقف العربي الذي نراه أمل الأمة في الخلاص من عقدها المتراكمة مصابا بهذه العقد، فأين سنجد أملنا بعد الآن؟!
 
أعلى