عمار عكاش - مقهىً للحنين الهش.. نص في الشغف

  • بادئ الموضوع عمار عكاش
  • تاريخ البدء
ع

عمار عكاش

مقهىً للحنين الهش- نص في الشغف:
كنت كلما تبادرَ إليّ وجهك، انبسطتِ سكّةَ قطارٍ بخاريٍّ أمامي، ولوّحتْ مناديل حبيباتٍ مربّعاتها بيضاءُ زرقاءُ تُودِّعن جنوداً ذاهبين إلى الحربِ، وكنت كلما تبادرتِ إليّ تلونَتْ أطراف أصابعي بالأزرقِ والأحمر كأنها مظروف الرسائلِ، وكنت كلما حَلُمْتُ حَمَلْتُ أوراقَي وتَهَدَّلتْ على كتفي محفظتي كساعي بريدٍ في طريقه إلى الزوال، وكنت كلما تأملت رسْماً في الفنجان المقدّم إليَّ صعدَ في أذنيّ رنين جرسِ دراجةٍ هوائيّة استقامتْ عليها مراهقةٌ فتحت ذراعيها للهواءِ وتركتْ المقودَ لغريزتها.. وكنت كلما استحضرْتُكِ أُطفأتُ مفتاح الضوءِ الفوسفوري وصعد عليّ صرير جهاز عارض الأفلام ورأيتك تتناثرين عاريةً في ضوئه، وأبصرتُ اهتزاز رأس توتو في الحجرة الصغيرة وهو يداعب قضيبه الصغير للمرة الأولى*... وكنت كلما حاولتُ إدراك درجة البنيِّ في صدريّة الصوف التي ترتدينها، سمعتكِ تديرين جهاز الفونوغراف لي، يَغْبِش قرص الموسيقى مُتَمَنِّعاً ثم يغنّي....وكنت كلما وضعتُ يديَّ على كتفيكِ الصغيرينِ، دفّأني خشْبُ أرضيّة منزلٍ قديم وضربْتِ بحجرٍ واحدٍ كائنين جبانيْن فيّ : عصفور المنفى، وراكونٌ يجتازُ سياج الحديقة.... وكنت كلما استيقظتُ رأيتُ نفسي على طاولة المقهى ثم الرصيف الرماديِّ القديم، ثم الحيّ والبحر، ثم نصف أوربيٍّ، ثم مدينة بأكملها ثم بلادٍ ثم دنيا مكتوبةٍ باسمنا ليست لنا، وأحسَسْت بضعفيَ البشري وتفاهتي..
وكنت كلما غاليتُ في رسم حدود سحرك البشري..تفقدتُك مرةً أخرى، وحده هاتفك الخليوي بين يديكِ غريبٌ عن مشهَدِكِ، يعيدني حيثُ نحنُ، ليس هاتفك الخليوي فقط، إنه اصفرار وجهكِ أيضاً يعيدني حيث نقف الآن نحن... عصر ما بعد الحداثة.. ما بعد الموت.. ما بعد القُبَل، ما بعد الجنس، ما بعد الزيف، ما بعد الملل، ما بعد الرغباتِ ما بعد البكاء ما بعد بعد كل شيء..ما بعد لا شيء..

*توتو الشخصية الرئيسية في رائعة المخرج السينمائي الإيطالي جوزيبه تورناتوره سينما باراديسو. يبدأ توتو الطفل بالتعرف على عالم السينما طفلاً وكيفية استخدام جهاز العرض عن طريق صديقة الكبير ألفريدو، وهناك يرى اول جسد انثوي عار.

عمار عكاش- شاعر سوري مقيم في تركيا
النص من عمل نثري قيد الإنجاز بعنوان تعاويذ الطريد

https://ro.pinterest.com/pin/292734044508647013/
 
التعديل الأخير:
أعلى