رجاء أبو ليل - الجنس بين حاجيات الجسد وتحفظ الدين - بلا طابو

منذ بداية الحضارة الانسانية أعتبر الجسد أكبر الالغاز التي أرادنا حلها، فجماله رغم نواقصه حيرنا و جعلنا دائما في تسائل لكي نفك هذه الأحجية، لأن داخل هذا الجسد نشعر بجميع الأحاسيس من حب و ألم و نشوة…لكن أكثر شئ شغل بال الانسان في تلك الفترة هو اللذة التي يحصل عليها في كل لقاء جنسي هناك من اعتبرها هبة من عند آلهة و وسيلة للتعبد و منهم من اعتبرها عقابا رباني و عار يحمله حتى مماته.
في البدء كان الانسان كباقي الكائنات الحية يمارس الجنس بعشوائية المهم هو أن يلبي تلك الرغبة الغريزية لم يعرف و لم يأخذ بعين الاعتبار أي روابط عائلية مثل الجد والجدة، الأب والأم، الأخ والأخت، العم والعمة، …الخ، كل ما كان هناك هو ذكر وأنثى، صغير وكبير، قوي وضعيف… كانوا يعيشون المشاعية الجنسية لكن مع مرور الوقت بدأ الانسان يتسائل و يفكر في هذا الرغبة التي تسيطر عليه في الكثير من الأوقات، ففكرت بعض الحضارات القديمة في المرأة التي تنجب و تمنح السعادة للرجل لذلك وضعوها في مكانة الآلهة، عبدوا فرج المرأة ثم أصبح العبادة تخص الذكر و الأنثى فصنعوا تماثيل على شكل الأعضاء التناسلية باعتبارها منبع الحياة وقد سميت هذه الديانة بالـ ”فالية” أي كل ما هو مرتبط بالاعضاء التناسلية من أهم الحضارات التي اتبعتها :المصريين القدماء، والآشوريين، واليونانيين، والرومانيين، والشعوب القديمة الأخرى كالفرس، وآسيا الصغرى، وإثيوبيا، والجزر البريطانية، والمكسيك، وأميركا الجنوبية… كانوا يعتقدون أن الجنس هو أساس الحياة و ينبوع السعادة و سبب التكاثر كما أنه التعبير الأساسي لانفعالاتهم فيه يعبرون عن حبهم و شهوتهم و به ينفسون عن غضبهم و آلامهم لأن فيه تكمن أسرار الألوهية، لم يعتبروا الجنس انحلالا أو خطيئة بل كان بالنسبة اليهم هو قمة التخلق و الرقي لأنه و حسب الفاليين عندما يندمج الحبيبان و تلتصق أجسادهما يجسدان الاله: ” نار الجنس هي نار القداسة، وأصل الجنس يعود في جذوره إلى الألوهة نفسِها”.
لكن بعد تطور الانسان الذي تلازم مع التطور الاقتصادي و الفكري و الديني تغيرت المعتقدات القديمة و أصبح الجنس شيئا مدنسا و مرتبطا بالحيوانية و الدونية خصوصا بعد ظهور الأديان و أبسط مثال هي قصة آدم و حواء اذ انهما حين أنزلا الى الأرض أول شئ فكرا فيه هو أن يغطيا جسدهما لأنهما شعرا بالخجل منه…و لم يستطيعا ان يكشفاه حتى أمام بعضهما بعض رغم أنهما زوجان، ثم توالت قصص التحريم و الترهيب ابتداء من الديانة اليهودية التي حرمت الزنا على المرأة المتزوجة و اباحته للرجل ثم الديانة المسيحية التي حرمت العلاقات الجنسية خارج اطار الزواج كما أن بعض الطوائف حللت تعدد الزوجات و حرموا الزواج على الرهبان و الراهبات لأن الجنس من الشهوات المدنسة التي تلهي الانسان أما عذرية فتدل على رقي الروحي لذلك عليهم ان يتفرغوا للصلاة و العبادة لنسيان كل ما هو متعلق بالجنس، أما الدين الاسلامي فقد كان متسامحا جنسيا لكن مع الرجل أما المرأة فقد تعرضت لجميع أشكال الاضطهاد الجنسي لأنها أعتبرت مجرد أداة يمارس عليها الجنس و ليس كأذاة تشعر و تتلذذ في اللقاء الجنسي ” و انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع..” الكلام موجه هنا للرجل لا المرأة كما استعملت كلمة “نكاح” التي تدل على ان المرأة مجرد “موضوع” يمارس عليها الجنس بطريقة ميكانيكية بعيدة عن كل ما هو عاطفي، كما أن الزواج أحادي بالنسبة للمراة أما الرجل فله الحق في التعددية بالاظافة الى الجواري الغير محددة العدد، حتى الأية التالية ” نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم” تدل على ما ذكرناه قبلا حول كون المرأة أداة جنسية يمارس عليها لا أقل و لا أكثر، الشئ الذي انعكس سلبا على المجتمع فأصبح الرجل هو الشخص الأعلى مرتبة أما المرأة فهي مسخرة له و يجب أن تخضع لمعايير فرضها عليها أو بالأحرى فرضها على أعضائها التناسلية مما أدى الى تشويه العلاقة الجنسية و جعلها مرتبطة بالاثم و العار اما المرأة فحياتها رهينة بجهازها التناسلي و غشاء بكارتها لان المجتمع المحيط بها متشبع بالثقافة الرجعية التي تقيم امرأة بفرجها، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم “عليكم بالأبكار ؛ فإنهن أعذب أفواها ، وأنتق أرحاماً ، وأرضى باليسير” هذا الحديث يؤكد أن الاديان احتقرت المرأة و قدرت قيمتها في ما هو جنسي فقط و قتلت كل ما هو انساني في العلاقة بين الرجل و المرأة.
كل هذا التحريم و الترهيب رسخ في الانسان نوعا من الكبت و الرهاب الجنسي الشئ الذي جعله يعاني من عقد نفسية و أضطرابات بيولوجية مرتبطة بالجنس وقد ناقشها بطريقة علمية عالم النفس الكبير فرويد، في اوروبا ما بين القرن 19 و 20، لأن المجتمع الأوروبي كان يعاني في تلك الفترة من جميع أشكال المشاكل الجنسية كالتي نعيشها الآن في مجتمعنا ، يقول فرويد: ” الدافع المحرك للفعل الانساني هو غريزة الجنس” لأن اللاوعي غالبا ما يكون مرتبطا بما هو غريزي فعدم تحقيق الاشباع الجنسي ينعكس سلبا على حياة الانسان، كما ربط فرويد بعض الأمراض العصبية بالاضطرابات في الحياة الجنسية للمريض و قد عاين عدة حالات هيستيرية و أعصاب لنفس السبب، اما الكبت الجنسي أو الاضطراب في الهوية الجنسية. لقد ساهم التحليل النفسي لفرويد و غيره من علماء النفس بتغيير المفاهيم الجنسية فالغرب الشئ الذي جعل الناس تفهم أكثر الجنس و أهميته و تأثيره على الفرد في جميع نواحي حياته كما أثر ذلك على الفكر الديني الذي كان سائد في تلك الفترة و غير نظرة الناس عليه، و نتيجة هذه الأفكار لم تظهر حتى ثلاثينات القرن الماضي حين انتشرت وسائل منع الحمل التي جعلت المراة تتمتع بنوع من الحرية هذه الحرية انبثقت بشكل كبير في سبعينيات القرن الماضي مع انتشار مبدأ “حرية التصرف بالجسد”، وأصبح بإمكان النساء التعبير عن رغباتهن ومتعتهن على قدم المساواة مع الرجل، وخارج حدود الإنجاب، فحدث ما يسمى ” بالثورة الجنسية” التي شملت الجنسين فأصبحا أكثر تحررا من سلطة المؤسسة العائلية، ومعرفة بالمتعة الجنسية.
لذلك فأنا أعتقد ان من أسباب ازدهار البلدان هو تصالحها مع جسدها و غرائزها لكي تستطيع أن تتجاوز هواجسها ، لأن ما يعانيه المجتمع العربي من تحرش و اغتصاب و احتقار لجسد المراة راجع لهوسهم و كبتهم الجنسي و دفاعهم على هذا الكبت بأوهامهم المقدسة ، و كما يقول الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو ” الشعوب الأكثر تحريما للجنس هي الأكثر هوسا به”.
 
أعلى