ميقات الراجحي - رواية برهان العسل والأدب الإيروتيكي

كنت دومًا ما أٍقول أن (الموسيقى) و(الجنس) لا تحتاج إلى لغة.

الأولى تلامس الروح والثانية تصعّدها درجات.. وبين إرادة الرغبة وفعل الممارسة يكون الفعل الحيواني سيد الموقف.

الآن ونحن في عالم تسيطر عليه الصورة المتحركة وليس حتى تلك الصورة التي كنا نسترقها أنا وأنت وأنتِ (لاتزعل أنت كويس) من صفحات المجلات الإباحية لم تعد الصورة تغري ولو كثيرًا والزمان الذي سبقه زمن مؤلفات بعض رجال العصور الوسطى مثل ما ينسب لجلال الدين السيوطي (نواضر الأيك في معرفة النيك) (i). لم تعد تسهوي ليس الذائقة العربية بل تعد تلامس شغاف القلب أصبحت المشاهد الحية هي سيدة الموقف. لهذا لا أعتقد في المستقبل القريب سيكون للكلمة الجنسية أثر يذكر إلا في حالة تطورت الكلمة.

لهذا عندما يقرأ أحدهما رواية إيروتيكية (كبرهان العسل : سلوي النعيمي) سيتفقد أدب الرواية أي اللغة والحبكة والتكنيك ولن يبقى من مفرداتها الجنسية غير زبد سيتبخر على أول الشاطئ.

أعظم مافي الرواية اللغة.. وجع العربي الأول / الكلمة مصدر السحر عند الشرق.. وحدها الكلمة العربية من تفعل بالعربي “الأفاعيل” وهذه الروائية تمتلك ناصية جيدة في اللغة. لهذا قالت في إحدى تصريحاتها : ((الجنس أحلى بلغتي العربية)).

سلوى النعيمي

العظيم الثاني في الرواية إستحضار الموروث .. من خلال كتب الباءة.. كلاسكيات المسكوت عنه في أدب الجني التي وصلتنا وحسن نوظيفها في سياق النص كدليل على أهمية الممنوع فيجد له صدى عند القارئ والقارئة. لهذا كانت لعبة خطيرة من الكاتبة.

الإنتقال من روايات السبعينات والثمانيات الإيروتيكية حيث وصف المشهد كإطار عام تحول في برهان العسل إلى وصف الحالة وهنا مكمن خظورة الرواية.. إنها تصف ليس لغة الجسد إنها تصف ليس مافي داخل الروح بقدر دمجها لتصريحات الروح والفعل البيولوجي الجسدي.

ما يلفت النظر في هذه الرواية هو أنها أنثى!.. حيث أن ذلك العربي مايزال يتحرك في داخلنا بفحولته وبالعار الذي يراه في الأنثى ولا يخجل هو نفسه منه ولايعده عيبًا يذكر. لهذا شدت الكاتبة الرغبة في الرجل في المرأة فهو الآن – وجهة نظري – يمارس مع أنثى لا يعرفها الجنس يتلذذ بالحيوان المتوحش الذي يقفز عبثًا في داخلها… بإختصار يشاهد رغبة أنثى.

هنا بإختصار الفضيحة في إعلان الفعل وليس الفعل. مايزال النص الجنسي أو ما يعرف بـ(الأدب الإيروتيكي) يظهر خلسة. فإبن زيدون الذي كان يرى قبل عدة قرون في أمر العشق والحب والغرام أن “لذة العيش إختلاس“. نحن مازلنا نرى في الجنس أن لذته تقاس بمعايير الشهوة الكبوتة بالإختلاس، والإختلاس هنا هو الخفاء الستار ولا أجد مدلول لغوي له في قاموس التشريع غير الزنا. أنا شخصيًا ضد الوصاية في كل شيء. أتأفف من كل وصي حتي لو كان من كان.

رواية برهان العسل هنا دعوة لممارسة ما هو مكبوت في داخلنا منذ قرون طويلة (الزنا.. النيك.. الجماع) لا يهم المصطلح ياعزيزي فعلى الفراش لن تحتاج قاموس رجلٌ أبكم وسيدة خرساء تكفيهم الرغبة لإنجاح العملية.

في نهاية الأمر هى قصة جنسية كتلك التي نقرأ في مواقع السكس وليس شرطًا أننا بحثنا بقدر ما أنها في مرحلة عمرية إن لم نسعي إليها كان تأتينا.

قسمت الرواية إلي (11) باب لم تستطع الروائية النجاح في إحكام بنائية هذه الأبواب فكانت الرواية مفككة. استطيع أن أقول أن هذا النص هو أقرب للسلسلة المقالية ذات الحبكة المتواصلة بحيث كل مقال يرتبط بما سبق لكنها لا ترتقي لصنف رواية.

الغلاف..

يلعب الغلاف دورًا في فعال في مخاطبة العقل البشري كصورة حية ترسل ذبذباتها في دينماكية أول نظرة. لا أعتقد أن غلاف (يا أمة ضحكت)(ii) للمبدع الجميل كاتب القصة ورائدها الحديث في مصر “يوسف السباعي” (iii) كان نزوله في المكتبة المصرية والعربية نزولًا مباركة عندما صدر في فبراير (1955م) في العدد (33) عن نادي القصة في جمهورية مصر. رغم صدوره أولًا (1948م) ولا أعرف ما هو غلافه فلم تقع عيني المباركة عليه لكني أشير لغلاف نادي القصة فتاة عارية تجلس جلسة خجولة أظنها جلسة عربية خالسة تظهر خصرها وتظهر كلا نهديها مع حلمة النهد الأيسر. أقول هذا لأن هذا الغلاف أخافني أول الأمر ليس لورع ديني فهو يكاد لا يكذر وأنا في حينها لم أتجاوز الـ(15) من عمري لكنه (التابو) الذي يسكنني تجاه الجنس كفتى عربي – خليجي، ومع ذلك أحببت الغلاف في ذلك الوقت والآن هو عندي مجرد غلاف لكن الكتاب ناجح بكل المقايس أي كتاب السباعي. بينما عندما نقارن غلاف جنسي بنص جنسي غير ناجح – وجهة نظري – تكون هذه هي الكارثة.

يتحول الأمر بالمقابل عند محبي عشاق السينما بحدوث الفاجعة أن الفيلم المرتقب خالٍ من الصوت تمامًا ليس الغرض هنا إسقاط بقدر ما هو نقل لتجربة “برهان العسل” دلالة المشهد ووقع الصوت والكلمة عند القراءة، وكم كانت المفاجأة وأنا استعيد من الذاكرة رواية إيروتيكية أخرى لكنها كانت بصورة إمرأة محتشمة جدًا وهي رواية “حرمة” لـ(علي المقري) وهذا الغلاف عندي من المضحكات بسبب ما بعد الغلاف.

الغلاف :

مر غلاف رواية “برهان العسل” بعدة مراحل تؤكد وقع الصورة وتأثير المشهد الأول :

الغلاف الغربي

1- الغلاف الإنجليزي لروايتها (The Proof of the Honee) يحمل صورة مؤخرة تجلس منحنية الجانب الأيسر.

2- الغلاف الفرنسي لم اشاهده ولا استبعد أن يكون صورة لفتاة عارية وربما تتخد الوضعية الفرنسية في الجماع.

boek-honing

الغلاف العربي

3 – أول الأغلفة كان غلاف يناير (2007م) إمرأة تحيط يدها بمؤخرة رأسها للخلف تفتر من الصورة نهداها في رسمة رتيبة الملامح.

برهان العسل 3

4 – طبعة يناير (2008م) رسم يبدو أنه بالفحم بلون زهري باهت لكنه مجرد لما قد يعتبر نصف جسد مشوه الملامح لا يغري مطلقًا. لكنه يظهر احتضان أنثى لشاب.

برهان العسل 2

5 – طبعة سبتمبر (2008م) لجسد فتاة تنحي بظهرها للأسفل فتظهر مؤخرتها بقسوة وينام على أول خصرها سلسال رخيص،ورقبتها ترجع للخلف علامة إنتصار الشهوة.

6 – الطبعة الرابعة أنثى ورجل كلاهما باهت الملامح إلا أن الأنثى يتم تحديد أسفل وسط جسدها جيدًا دون ملابس.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

iتذكر بعض الدراسات أنه مختصر لكتاب أعظم حجمًا وأكثر توسعًا بعنوان (الوشاح في فوائد النكاح) من خلال القراءة في تاريخ ومؤلفات السيوطي الدينية البحتة استبعد صدور هذا الكتاب ومثله عنه وليس هذا تنزيًا لأنه رجل دين. لكن المدرسة الفكرية التي ينتمي لها هذا الرجل تجعله يتفرغ لما هو أهم في تعليمه بالنسبة إليه والله أعلم.

iiتم إهداء الكتاب إلى الحمير من نوع الحمير الكبار من قبل المؤلف.

iiiيا أمة ضحكت، يوسف السباعي، 1955، مطابع روز اليوسف، القاهرة.


صورة مفقودة
 
أعلى