نقوس المهدي
كاتب
عن حال العاشقين والعشق؛ فأنا غرير يا سيدي في هذا الطريق. قال لي احذر يا رفيق من هذا الطريق ؛ ففي أوله حريق وفي نهايته غرق. قلت له زدني. قال لي ادخله أن اردت ان يكون ليلك سهرا ؛ ونهارك صبرا؛ وأكلك نزرا؛ وشربك كدرا. قلت كأنك تنهيني عنه يا شيخي . قال لي ابتعد عن طريقه ان كنت من اصحاب اليقين؛ فأنت اذا كنت في هذا الحال لا تيقن بشيء؛ فحالك في اللحظة وأختها غير الحال. تؤمن في ساعة حتى تصبح في جنات النعيم؛ ثم تشك في لاحقتها حتى تدخل لجج اسافل الجحيم. قلت لمّ ذاك؟ قال لي هو حال كغير الحال ؛ لا يعرفه اصحاب العقل والمقال وانما اهل الذوق والخيال. قلت زدني : قال انك لن تعرفه من مقاعد الدرس؛ وانما من جنون القلب ومعاناة الحس. قلت لم افهم . قال وستجهل اكثر إن تذوقته؛ فأنت فيه لا تعرف نفسك و لا نفسك تعرفك؛ حيث يكون الكون كله في محصورا في شخص المعشوق؛ وكل همك الوصول اليه؛ ولا وصول؛ وكل مناك الوصل به؛ ولا وصال. قلت كيف ذلك . قال لي ذلك ان اكتمال العشق من المحال؛ وحال العاشقين هو حال سقم لا شبع فيه ولا ري؛ ولا سكن فيه ولا دفء؛ فشبعك من العشق هو في استمرار الجوع؛ وريك منه هو غرقك فيه؛ ودفئك منه هو احتراقك به؛ وسكنك فيه هو في دوام التحول. قلت أهو لذيذ ؟ قال فيه ما لا عين رأت ولا لسان ذاق ولا أذن سمعت ولا قلب طاق ولا خطر بعقل بشر. قلت اُريده اذن. قال اذهب فأنت مخير؛ وقد حدثتك يا مجنون؛ فلا تعود وتشكي لي في الغد مما فعل قلبك؛ ومن سهر الليالي وسماع الأغاني وبحور الدموع وضمور الضلوع وإنعدام الدين واليقين.