نقوس المهدي
كاتب
بالنسبة لي ليس هناك إلا مثل هذه الكلمات لاستمالة أشواق الجسد، والجهر بها في الخفاء، بعيدا عن الهستيريا التي تعرفها الآن وجوه هذه الحضارة المغبونة. والواضح هنا، أنها ليس إلا كلمات الشاعر، توتراته؛ استحواذاته؛ تمرساته على الورق؛ ارتجاجه الاستيهامي؛ وثباته المتمنعة أحيانا بين فضاءات الرغبة، مع امتصاص جريء لأغلب الأوضاع الإباحية الآسرة المستفزة (لقطات قارصة، وقفات طويلة ومختصرة، نداءات طرية تعيدنا لمناخات الفردوس المفقود، أوصاف أنيقة وغير شرعية).
كيف يمكن لنا أن ننصعق بمسحة هذه المناخات المكثفة الباذخة التي يستخرجها شاعر (بصورة غير احتجاجية وبنَفَس غير عادي) وهو مقيد لضغط فيزيقي وميتافيزيقي يتجاوزه ويتجاوزنا إلى أبعد الحدود. إن لم أكن قد بالغت بالإشارة إلى هذا؟ هل لأنه حكم علينا “نحن القراء” في النهاية، بالولوج إليها، والانفتاح على مدلولاتها القابلة دوما للاختراق والإضافة؟
أكثر من كل هذا، هناك تلك الاندفاعات الإيروتيكية القوية التي تتكاثر ولا تتكرر. والتي تثبت رمزيا وبرهافة، ديمومة حياة أكثر تدفقا.
نَفَسٌ شعري جارف، لا يرسم حدودا بين الفعل الإيروتيكي المحض وعتوّ الوله في شساعة تمثلاته؛ بل جنوح حقيقي لسبر هذه التخوم المتحركة بين عوالم الجسد المشتهى والعشق.
هنا، أعنف درجات اللذة والاهتياج الحسّي للمخيلة الشعرية، لا تصل إلى الفظاظة إطلاقا؛ بل تنحو إلى الحنوّ والرقة في تجلياتهما الشهوانية. وهذا يعني إقرارا للمتعة (بتعبير عالٍ يغني المفردة الشعرية ويتخمها بإيحاءات جديدة) تمضي قدر ما تريد إلى مفارقاتها الغريزية ضد الإلغاء الذي يرومها. ثم يتمّ إدراك جسد المرأة المبتغاة في أحاسيس مفتتة تزداد كثافة بمقدار تحول الأعضاء إلى صور ورؤى تتدفق أمامنا؛ هوس دائري داعر يبدأ بتذويب الجسد الملموس مانحا إياه هوية أخرى.
ماذا عن نوايا نصوص الغزل الإيروتيكي؟
إنها تسرّ بفتوة يقظة، ربما جرّبت خبايا الأنثى، ودقّقت فيها بحسّ رهيف، واضعة كامل ثقتها في اللغة وتفسخاتها البلاغية والرمزية، حتى يكون هذا هو قانونها الأوّل والوحيد لكل الباقي اللاحق بحيز الكتابة.
إنها كذلك تعلن لعبا مدهشا، لحقائق الشهوة في تشابكاتها الأكثر تشعبا (ولا أسف على من لا يأخذ به).
فهي تستظهر ضرورة عاجلة؛ ضرورة الكتابة بوضوح ثمل، مع الإيحاء والمحايثة والتغلغل. ضرورة أقوى من كل شعوذات الكائنات الطهرانية.
وفي النهاية البذخ الإيروتيكي يكثف ويعدد لعبة أخرى، لعبة الأزمنة. إنه لا يحررنا من خفقان الزمن بل يقوي أكثر فأكثر تجربتنا به إلى أقصى حدودها. مانحا إيانا اختراقا حقيقيا لأبعاده في اتجاه ديمومة حركة لا متناهية، تطمس الذات فما أبعد.
* مقتطع من دراسة شعرية طويلة.
كيف يمكن لنا أن ننصعق بمسحة هذه المناخات المكثفة الباذخة التي يستخرجها شاعر (بصورة غير احتجاجية وبنَفَس غير عادي) وهو مقيد لضغط فيزيقي وميتافيزيقي يتجاوزه ويتجاوزنا إلى أبعد الحدود. إن لم أكن قد بالغت بالإشارة إلى هذا؟ هل لأنه حكم علينا “نحن القراء” في النهاية، بالولوج إليها، والانفتاح على مدلولاتها القابلة دوما للاختراق والإضافة؟
أكثر من كل هذا، هناك تلك الاندفاعات الإيروتيكية القوية التي تتكاثر ولا تتكرر. والتي تثبت رمزيا وبرهافة، ديمومة حياة أكثر تدفقا.
نَفَسٌ شعري جارف، لا يرسم حدودا بين الفعل الإيروتيكي المحض وعتوّ الوله في شساعة تمثلاته؛ بل جنوح حقيقي لسبر هذه التخوم المتحركة بين عوالم الجسد المشتهى والعشق.
هنا، أعنف درجات اللذة والاهتياج الحسّي للمخيلة الشعرية، لا تصل إلى الفظاظة إطلاقا؛ بل تنحو إلى الحنوّ والرقة في تجلياتهما الشهوانية. وهذا يعني إقرارا للمتعة (بتعبير عالٍ يغني المفردة الشعرية ويتخمها بإيحاءات جديدة) تمضي قدر ما تريد إلى مفارقاتها الغريزية ضد الإلغاء الذي يرومها. ثم يتمّ إدراك جسد المرأة المبتغاة في أحاسيس مفتتة تزداد كثافة بمقدار تحول الأعضاء إلى صور ورؤى تتدفق أمامنا؛ هوس دائري داعر يبدأ بتذويب الجسد الملموس مانحا إياه هوية أخرى.
ماذا عن نوايا نصوص الغزل الإيروتيكي؟
إنها تسرّ بفتوة يقظة، ربما جرّبت خبايا الأنثى، ودقّقت فيها بحسّ رهيف، واضعة كامل ثقتها في اللغة وتفسخاتها البلاغية والرمزية، حتى يكون هذا هو قانونها الأوّل والوحيد لكل الباقي اللاحق بحيز الكتابة.
إنها كذلك تعلن لعبا مدهشا، لحقائق الشهوة في تشابكاتها الأكثر تشعبا (ولا أسف على من لا يأخذ به).
فهي تستظهر ضرورة عاجلة؛ ضرورة الكتابة بوضوح ثمل، مع الإيحاء والمحايثة والتغلغل. ضرورة أقوى من كل شعوذات الكائنات الطهرانية.
وفي النهاية البذخ الإيروتيكي يكثف ويعدد لعبة أخرى، لعبة الأزمنة. إنه لا يحررنا من خفقان الزمن بل يقوي أكثر فأكثر تجربتنا به إلى أقصى حدودها. مانحا إيانا اختراقا حقيقيا لأبعاده في اتجاه ديمومة حركة لا متناهية، تطمس الذات فما أبعد.
* مقتطع من دراسة شعرية طويلة.