أين الطريقُ إلى حمَّــــام منجاب ؟!

في كتاب : " العاقبة في ذكر الموت " لعبد الحق الإشبيلي رحمه الله ( توفي 581 هــ ) قال : إن رجلا كَانَ وَاقِفًا على بَاب دَاره وَكَانَ بَابهَا يشبه بَاب حمام مُجاور له ، فمرت بِهِ جَارِيَة لَهَا منظر ، وَهِي تَقول : أَيْن الطَّرِيقُ إِلَى حمَّام منْجَاب ..
فَقَالَ لَهَا : هَذَا حمَّام منْجَاب ... وَأَشَارَ إِلَى دَاره .. فَدخلت الدَّار ، فَدخل وَرَاءَهَا ، فَلَمَّا رَأَتْ نَفسهَا مَعَه فِي دَاره وَلَيْسَت بحمَّام علمت أَنه خدعها ، فعلمت أنه لا نجاة لها منه إلا بالحيلة والخداع .. فأظهرت لَهُ الْبشر والفرح باجتماعها مَعَه على تِلْكَ الْخلْوَة فِي تِلْكَ الدَّار ، وَقَالَت لَهُ : يصلح أَن يكون عندنَا مَا يطيب بِهِ عيشنا وتقر بِهِ عيوننا ، من طعام وشراب .
فَقَالَ لَهَا : السَّاعَة آتِيك بِكُل مَا تريدين وَبِكُل مَا تشتهين ، وَخرج فَتَركهَا فِي الدَّار ، وَلم يغلقها ، وَتركهَا مَفْتُوحَة على حَالهَا وَمضى .
فَأخذ مَا يصلح لَهما وَرجع ، وَدخل الدَّار فَوَجَدَهَا قد خرجت وَذَهَبت ، وَلم يجد لَهَا أثراً ، فهام الرجل بهَا ، وَأكْثر الذّكر لَهَا ، والجزع عَلَيْهَا ، وَجعل يمشي فِي الطّرق والأزقة وَهُوَ يَقُول :

يَا رب قائلة يَوْمًا وقد تعبت = أَيْن الطَّرِيق إِلَى حمام منْجَاب

وَفي رواية : أنه بعد أشهر مر فِي بعض الْأَزِقَّة وَهُوَ ينشد هَذَا الْبَيْت ، وَإِذا بِالجَارِيَة تجاوبه من طاق وَهِي تَقول :
هلا جعلت لَهَا إِذْ ظَفِرتَ بهَا = حرْزا على الدَّار أَو قُــفلا على الْبَاب ؟
إِنْ يَنْفَـــــد الرِّزْقُ فَالرّزَّاقُ يَخْلِفُهُ = وَالعِرْضُ إِنْ نْفَدَ فمِنْ أَيْنَ يُنْجَابُ ؟
فَزَاد هيمانه ، وَاشْتَدَّ هيجانه ، وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى كَانَ من أمره أنه لما نزل بِهِ الْمَوْت وجاءت ساعة احتضاره ، فَقيل لَهُ قل : "لَا إِلَه إِلَّا الله " .. فلا يستطيع ، إنما جعل يَقُول :
أَيْن الطَّرِيقُ إِلَى حمَّام منْجَاب ؟

.
 
أعلى