نائل الطوخي - ذكورة لا تُرى

الذكورة لا تعبر عن نفسها.. الذكورة خرساء

ليس هناك خطاب منمق يتحدث باسم الذكورة، مثلما أنه لا خطاب منمق، تقريبا، يتحدث باسم الشر، باسم الجريمة.

واحدة من جرائم النسوية هي ربطها الذكورة بالشر. لم يعد من الممكن الحديث عن روح ذكورية، لمسات ذكورية، لغة ذكورية، بدون أن يكون هذا متصلا بالحديث عن الاستبداد، بهذا كسبت النسوية نقطة في الحرب، ولكنها خسرت رؤية مشهد واسع يختفي خلف السطح. خسرت رؤية الرجل معزولاً عن عدته العسكرية. وخسرت رؤية قضيبه معزولا عن عنفه.

في البدء كان العنف، والعنف كان أمراً مجتمعياً، يمتثل له الرجال جميعا، يتلقى الرجال الأحدث أوامر الرجال الأقدم بأن يكونوا أقوياء، يتقبلون حكمهم بأن الرجل المسالم والضعيف هو رجل مخنث، وبأن الذكورة تعني قدرتك على الدفاع عن نفسك وبيتك وقدرتك على الهجوم على الآخرين، وأنها لا تعني قضيبك فحسب، وإنما تعني بالأساس قضيبك الحصري، الوحيد في العالم. هذه الأحكام هي أحكام عنيفة، مفروضة من خارج الرجل (هل يمكننا تصور طفل يثور غاضبا إذا ما داعب طفل آخر قضيبه أمامه؟) مفروض على الرجل طوال أيام حياته آداء دور الغيور، الغضوب، الشرس في مواجهة من يعتدى عليه. ضعف الرجل في مواجهة الأمر القاسي الموجه إليه بأن يكون عنيفا، هو ضعف مركب: ضعف أمام القوة التي يسعى للحصول عليها، وضعف تحت وطأة القوة التي تهدده بإقصائه عن ذكورته.

الرجل، في الفقرة السابقة كلها، هو رجلان، رجل يأمر بالعنف ويهدد بأن يعتبر الآخر مخنثا، وآخر، يمتثل للأمر خوفا من الاتهام. وبينما تم حصر الذكورة كلها في الرجل الأول، فلم ينتبه أحد إلى الثاني، لم ينتبه أحد إلى ضعفه المركب والمحمل بالدلالات، و"الذكوري" تماما، كما ينبغي القول.

***

ديوان "حرير" للشاعر المصري عماد فؤاد، محاط من جانبيه بفقرتين، ينشغل كلاهما بما يريده جنس من الجنس الآخر. الفقرة الأولى: "أعرف رجلا/ يسأل نفسه كل صباح:/ ما الذي يريده رجل من امرأة/ كلما همت بمس حريرها/ أنت في قلبه/ دودة القز"، وثانيتهما: "نعم/ أعرف امرأة/ تسأل نفسها كل صباح:/ ما الذي تريده امرأة من رجل/ لو همت – وحيدة - بمس حريرها/ غير أن تئن في قلبه/ دودة القز!؟" السؤال في المقطع الثاني مفتعل تماما، يكاد يكون معلومة إذا شئتم، بينما المقطع الأول هو سؤال تام، لا ينجرح بمحاولة طرح إجابة. المرأة في السؤال الثاني لا تريد إلا دفع دودةُ القز لأن تئنّ في قلب الرجل، لا تريد إلا أن تحركه، تسيطر عليه عبر مس حريرها. هذا واحدة من تجليات المرأة، المسيطرة برقة، عبر مس الحرير. في منتصف الديوان تظهر صورة أخرى لها: "عاشقان/ يرقبان من شرفتهما/ مشاجرة بين حبيبين مراهقين/ شتمت المراهقة حبيبها/ واتتها الجرأة – حتى – على صفعه/ في اللحظة التي هم المراهق برد صفعتها/ رجتها نظرة العاشقة:/ ابصقي عليه!/ فيما توسلت نظرة العاشق:/ احضنها/ أيها المغفل!"

نظرة العاشق الذكر اختتمت قصيدة فؤاد، لا لتتحدث عن نفسها، ولكن لتتحدث عن الأنثى، عن لغتها السرية: عندما تصفع الرجل فإنها تكون محتاجة لحضنه، والرجل بليد، مغفل بتعبير القصيدة، لأنه لم يفهم هذه اللغة. وهكذا: تجل آخر من تجليات الأنثى، قفزة أخرى جريئة إلى عمق تعقيداتها، بينما ما يريده الرجل من المرأة يظل محاطا بعلامة استفهام، بلا محاولة لتقديم إجابة. والكلمة الأخيرة في الديوان هي لصالح محاولة فهم المرأة ورغباتها وتقديم أوجه جديدة لها. ولكن "ما الذي يريده رجل من امرأة"؟ لا أحد يجيب هناك، ربما لأنه لا أحد يعرف، ولا أحد سعى للمعرفة.

***

العبارة التي بدأنا بها المقال: "الذكورة لا تعبر عن نفسها.. الذكورة خرساء"، هي عبارة درامية قليلا، مبالغ فيها قليلا. هناك مثلا خطاب شائع عن الذكر: الذكر الحامي لأفراد قبيلته، والقاسي عليهم في ذات الوقت، المستبد العادل، الطاغية المحق، عبد الناصر. ولكن هذا الخطاب، وهو الذي ولدت عنه كلمة "ذكوري" بدلالاتها السلبية، ظل بدائيا وسطحيا للغاية، وأقرب إلى تصور الرجل كإله (إله للشر أو للخير، ليس هذا الفارق ذا بال هنا)، على عكس التصورات الأدبية الشائعة عن الأنثى بتعقيداتها (شبقها العارم، انهزامها، مكرها، حاجتها للدفء، نفورها من الرجال الأغبياء، إحساسها بالتفوق، قوتها وضعفها، ولعها بالتفاصيل، حسيتها، أي: ولعها بالألوان والعطور والمذاقات). يحكي مسئول المخابرات السوفيتية، فلاديمير كربتشنكو ، عن لحظة لقاءه بعبد الناصر بعد 67 قائلاً: "كانت أظافره مقروضة حتى اللحم". هزيمة الرجل، ضعفه المبالغ فيه أمام ما يفوقه قوة، هذه الصورة التي تجرح بلا هوادة صورة الإله، تم تجاهلها في الخطاب البدائي المصاغ حول الرجل، برغم تأثيرها في الوجدان العام. على سبيل المثال، فالمظاهرات العارمة التي طالبت ناصرا بعدم التنحي، كانت تالية على الفور لخطاب التنحي الذي ظهر فيه الذكر مهزوما. قيل دوما أن قوة المرأة تكمن في ضعفها، يبدو أن هذا لم يقتصر على المرأة أبدا، وإن لم يتم الاعتراف بهذا. في روايته "باب الشمس" يشير إلياس خوري إلى مثل لبناني: "دمعة الرجال بتهز جبال". يدلنا المثل على القوة السحرية الرهيبة الكامنة في ضعف الرجل.

وبهذه المناسبة الجيدة، فبكاء الرجال لا يشار إليه في الكتابات النسوية، وإنما في حديث وانتقادات نساء أقل تعليما وثقافة، يعتبرنه عيبا خطيرا ومثيرا للسخرية. يقال كثيرا: "أقرف من الرجل الذي يبكي لسبب أو بدون سبب، يذكرني بالنساء". قرف النساء هنا، وهو قرف شعبي وشائع وغير نخبوي، يصب في نفس الفكرة البدائية عن الرجل الإله. الكتابة النسوية من جانبها لم تشر إلى هذا الملمح، لقد تجاهلته تماما، أما الشاعر علاء خالد، فيكتب في ديوانه "كرسيان متقابلان" عبارة تبدو صادمة لنا، عبارة يضع فيها كل شيء مكانه، أو هكذا يبدو. يقول: "الألم/ شارة الأنوثة التي تخيم على النسبة الغالبة من حياتي."

***

القوة هي ملمح ذكوري في الخطاب النسوي، وهي ملمح سلبي بالطبع، لأن القوة هنا تغدو هنا قوة عنيفة، قاسية ومتسلطة، ولكن هناك أمراً لصيقا يمكن أن يشكل تفصيلة في خطاب آخر يصف الذكورة بشكل محايد، وهو "وهم القوة". في مرحلة ما من حياتهما، يدرك الرجل والمرأة أن قوتيهما متكافئان تقريباً، وأن كليهما ضعيف أمام أشياء بعينها، مثل: التهديد بالسلاح، وطأة الظروف الاقتصادية، ظواهر الطبيعة، المرض، الموت، الجن والعفاريت والعالم الآخر. مع هذا، فـ"الرجال لا يكفون عن التبجح بقوتهم"، كما تشكو النساء، مع ابتسامة مشفقة. هذا التوهم الصبياني للقوة هو أمر طريف وأحمق بلا شك، وهو يذكرنا بالأطفال. "الرجال أطفال كبار" هي عبارة أنثوية شائعة عن الرجال، وبرغم هذا، لم يتم تضفيرها في أي خطاب نسوي عن الذكورة. انشغل الخطاب النسوي فقط بتصوير الرجال كآلهة طغاة.

بسبب "وهم القوة" هذا بالتحديد، فإن ضعف الرجل يأخذ ملامح مختلفة عن مثيله لدى المرأة. يصبح الضعف هنا جرحا نرجسيا لصورة الإله التي يتصورها كل من الجنسين عن الرجل. هنا يمكننا فهم المهانة المضاعفة التي شعر بها "السيد أحمد عبد الجواد"، رمز الذكورة الشهير في "بين القصرين" لنجيب محفوظ، عندما أمره الجنود الإنجليز بالحفر في الشارع أمام أولاده. أو يمكننا فهم انتحار الدركي السابق بعدما فشل في إتيان زوجته في رواية علوية صبح "مريم الحكايا". لم تكن العنة هي السبب المباشر في المثال الأخير، وإنما سلسلة من الإهانات قادت إليها العنة. بعدما كانت الزوجة ترفض محاولات زوجها للتقرب منها يشكوها إلي أخيها، أي: يستغل قوته كرجل ويفشي أسرارها الحميمة، تستجيب الزوجة لكلام أخيها الذي ينصحها بتقبل محاولات زوجها. تتهيأ له وتتقبل محاولاته لإغوائها. لكن الزوج الهرم يفشل في إتيانها بقضيبه، وهو ما يضطره لإدخال إصبعه بفرجها في محاولة لإرضائها ولحفظ ماء وجهه. هنا يكون انتقام الزوجة المتجبرة. تضربه بالعصا: ضربة لأنه فضحها لدى أخيها، وضربة لأنه فشل في مضاجعتها، وضربة لأنه حاول إدخال إصبعه. الجريمة الأحدث (جريمة الضعف، العنة) تقود للمحاسبة على الجريمة الأسبق (جريمة القوة، إفشاء أسرارها). بعدها بساعات ينتحر الزوج، الدركي السابق، بإطلاق النار على رأسه.

العنة هي كابوس الرجال. ولكن الرجال ضعفاء أمام أمور أخرى أيضاً، أمام السمنة والصلع (ويكتسب هذان الضعفان أهميتهما على ضوء إشاعة عملاقة وكاذبة تفيد بأن الرجال – على عكس النساء - متصالحون مع أجسادهم). الرجال ضعفاء أمام الاتهام بالخنوثة أو بالمثلية، ضعفاء أمام التقدم في السن، وأمام القوة، كما أسلف القول، ومن الضعف الأخير تنتج الغيرة الذكورية التي تدمر صاحبها. تعبر أغنية كتبها كامل الشناوي وغناها كل من عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة، عن الشكوك التي تدمر الرجل، يبدأ الشناوي القصيدة بجملة شهيرة: "لا تكذبي/ إني رأيتكما معا"، شكوك الرجل في محبوبته التي رآها وهي تخونه تجعله يصبح طفلا حتى وهو يدعي الألوهة والقوة التامة: "كوني كما تبغين ولكن لن تكوني/ فأنا صنعتك من هوايا ومن جنوني". يلتقط عبد الوهاب محمد طرف الخيط، ويكتب أغنية للمطربة التونسية لطيفة: "بحبك كدا زي ما انت/ بغيرتك عليا/ بقسوة عتابك/ بشكك وظنك/ وثورة شبابك." لم يلتقط عبد الوهاب محمد الخيط كما ينبغي، ظلت الغيرة والشكوك الذكورية مرتبطة بالقوة، بثورة الشباب، وليس بالضعف الطفولي للرجل، ظل تصور الأغنية أقرب إلى التصور البدائي عن الرجل: كلما كان أكثر عنفا، كلما كان أفضل. للشناوي أغنية أخرى تبدأ بالنغمة الحزينة والمترددة: "حبيبها/ لست وحدك حبيبها/ حبيبها أنا/ حبيبها أنا قبلك/ وربما جئت بعدك/ وربما كنت مثلك/ حبيبها"، إلى أن تنتهي بتدمير الذات: "وسرت وحدي شريدا/ محطم الخطوات/ تشُدنى أنفاسي/ تُخِيفُني لفتاتي/ كهارب ليس يدري/ من أين أو أين يمضي/ شك ضباب حطام / بعضي يمزق بعضي". ربما كان كامل الشناوي واحداً من أفضل من صاغ خطابا على لسان الذكورة، خطابا ينزل بجسارة إلى أعماقها وتعقيداتها، إلى سعيها المحموم لتدمير نفسها فور اكتشاف أن قضيبها ليس هو الوحيد في العالم، هذا الظن الذي يثير سخرية النساء، ويمكن استخدامه بسهولة كدليل على الحماقة الطفولية، وهي وجه آخر للرجل. تكتب عناية جابر ساخرة في ديوانها "كل أسبابنا": "بجسد فاحش/ أتخلع أمام الرجال الوحيدين/ والفاتنين/ وأنت/ في كل مرة ترتجف/ كما لو أفعل ذلك/ لأجلك". كل هذا بدا أنه تبدد في الفراغ، ظلت شذرات بسيطة فقط منه تظهر وتختفي، ولم تشكل صرحا منطقيا ومتماسكا، مثل الصرح الذي أصبح عليه خطاب النسوية.

***

في يومياته، يكتب الكاتب المصري وجيه غالي عن علاقته بناشرته البريطانية، يكتب كيف كانت تحاول إغواءه وهو لا يستجيب لها، يقول: "لا جدوى من الكذب أو النفاق. لقد بت أمقتها. أجدها لا تحتمل. صحيح أنني مريض. وجزء من هذا المرض، أو واحد من أمراضي.. أن ردود أفعالي العقلية تتوقف على استجابتي الجسمية للأشياء. ومثال ذلك أنني أتحدث عن الحب، ولكن الحب بالنسبة لي هو الرغبة الجسمية لا أكثر ولا أقل. وهو ما يفضي بي إلى أن تكون ردود أفعالي ناجمة عن نفوري الجسمي من ديانا. أنا أجد من المستحيل أن أكون في نفس الشقة مع شخص يجعل جسمي ينكمش. وقد أدى ذلك بي إلى مقتي لكل ما تفعله أو تقوله أو تكتبه."

النفور الشديد من جسد المرأة التي لا تثير الرجل – بلا تعميمات بالطبع، التعفف عن المرأة المتاحة، وعن المرأة اللحوح، القرف من اللحم الأنثوي عموما بعد القذف، كل هذه تفاصيل لم تظهر كما ينبغي في خطاب صوّر الرجال دائما بأنهم "لا يرون أبعد من قضيبهم". انزعاج الكتابات النسوية من شبق الرجال، وتصويره كتفصيلة واحدة من تفاصيل البلادة الذكورية، كان دائماً نفوراً مبالغاً فيه، ولم يعمل إلا بوصفه سلاحا عسكريا في المعركة ضد الرجل. لم يتم الاكتفاء بوصف الرغبة الجنسية المتأججة للرجال و"هياجهم الدائم"، وإنما كان هذا مدخلا لاتهام الرجال بالغباء، بعدم قدرتهم على منح الحب "الرومانتيكي"، وأمر آخر يتسم بالطرافة: فالهياج الجنسي للرجال، في الخطاب النسوي، كان مثله بالضبط مثل العنة، التي كانت دليلا على عدم قدرة الرجال على منح الحب "الجسدي"، وعلى تركهم اللحم الأنثوي ظمآنا بدون تفهم احتياجاته. استخدمت الصفتان المتناقضتان: "العنة والرغبة الجنسية المشتعلة"، كتشنيع ضد الرجل ودليلا على "جدبه". كان الخطاب النسوي غير عادل في هذه النقطة، لم يكن أعمى فحسب.

أوشك الشاعر صلاح جاهين ذات يوم على اكتشاف أن للذكورة سرا وأعماقاً وأوجه تختبئ خلف السطح. كتب على لسان أنثى خانها رجلها: "ولا غنى ولا صيت/ دولا جنس غويط/ وكتاب ما يبان من عنوانه". أقول أوشك، لأنه لم يحدد من هم المقصودين بـ"الجنس الغويط"، هل هم الرجال في المطلق، أم صنف بعينه منهم. جاهين كتب الكثير عن الأنوثة. في أغنيتين "متناقضتين" كتبهما لمسلسل "هو وهي" - واحدة على لسان الأنثى بعنوان "البنات البنات" وعُدّت دفاعا عن المرأة، والأخرى على لسان الذكر بعنوان "إثبت" عُدّت هجوما عليها - لم تلفت نظره إطلاقا صورة الذكر. تراوح المدح والقدح بين: "البنات حُنينين/ كلهن طيبين"، أو: "إوعى تصدق أنثى/ المرأة خلاص/ إلغاء/ إعدام/ غشاشة من ضلعٍ أعوج/ وزي البحر/ في قلبه ضلام". أما الرجل فظل ممسوح الملامح، حتى وهو يتكلم. وظل جاهين هنا يتحرك بين الإعجاب بالأنثى والتوجس منها، ولم يشعر في نفس الوقت أنه مضطر لقول أي شيء عن الرجل، عن نفسه، كأنه غير موجود، أو كأنه بديهي إلى حد لا يستدعي أي محاولة لشرحه.

وبالفعل، فالجريمة مشتركة: كما يدعي النسويون، وبحق، فإن صائغي الجزء الأكبر من الخطابات في العالم هم رجال، وهذا يحدث على الأقل في الحيز العام والمباشر والسريع. ربما لهذا السبب، وبسبب السيطرة الذكورية التي لا جدال بشأنها، فقد استبعد الرجل ذاته من دائرة الاهتمام، رأى في كونه موضوعا للتأمل والاهتمام انتقاصا من شأنه. تحويل الرجل إلى ذات تسأل والمرأة إلى موضوع يجب السؤال عنه، جعل من الذكورة بداهة غير محاطة بالأسئلة، حتى أصبح الرجل هو الإنسان (وبعض اللغات تجعل المعنيين مترادفين)، والمرأة هي الاستثناء عن الإنسان، هي الخروج من ضلعه الأصلي، كما تعلمنا القصص القديمة. والنتيجة النهائية: نحن لا نعرف اليوم أي شيء عن الرجل، مثلما لا نعرف شيئا عن كل ما هو بديهي.

***

هذه ملامح لخطاب مقترح حول الذكورة. ليس خطابا بديلا، وإنما خطاب مجاور، يفحص نفسية "الجلاد"، ويكشف عن تعقيداتها البالغة، ويبين كيف أنه لا يعمل جلادا طوال اليوم، وأن هناك أمورا أخرى تشغله، يمارسها بعد انتهاء وقت دوامه الرسمي في غرفة التعذيب.

___________________________________
نشر المقال بنفس العنوان في العدد الحادي عشر من "الغاوون اللبنانية"
 
أعلى