امال قرامى - فى تمثلات الجسد الأنثوى.. المرأة والرياضة

اعتدنا أن تكون المسألة النسائية فى قلب الحدث موضوعا يفتح شهية المتنازعين ويحفزهم على عرض مواقفهم فى سياق تضيق فيه فسحة الأمل.. يتعلل بعضهم بالدفاع عن الأخلاق وحراسة القيم وحفظ الحدود بين الجنسين بينما يستميت آخرون فى سبيل تقويض الصور النمطية والنبش فى البنى الذهنية لكشف المستور ذلك أن المسألة ذات وشائج بثنائية الذكورة/الأنوثة ونسق التمثيل. وبعد الجدل حول الحجاب والرياضة وتصنيف النساء على أساس محجبة/غير محجبة، ومسلمة/كافرة، برز نقاش آخر حول علاقة العرى بالهزيمة والأخلاق والوطنية وغيرها من الموضوعات. وليس الانكباب على مثل هذه المواضيع إلا علامة على الوقوع تحت أسر المنظومات القديمة وتفضيل اجترار نفس الحجج التى صاغها القدامى بدل العمل على تغيير المقاربات والتصورات ورؤيتنا لذواتنا وللحياة والكون.
أضحت العداء حبيبة الغريبى تحت بؤرة التحديق ينظر إليها البعض على أساس أنها ستسخر كل طاقاتها من أجل تحقيق الانتصارات وجلب الميداليات ورفع راية الوطن لاسيما أن الأوليمبياد تزامنت هذه السنة مع الاحتفال بعيد المرأة التونسية. وفى مقابل «تحييد» الجسد الأنثوى وتغيير زاوية النظر إليه يصر بعضهم على ضرورة التعامل مع جسد «الغريبى» على أساس أنه الجسد الفتنة الذى انفلت من الرقابة الاجتماعية فمارس العرى ومن ثمة وجب تذكيره بعواقب الافلات من رقابة المجتمع الذكورى الذى يتخفى وراء الأخلاق والدين. فحين يتحرر الجسد الأنثوى من أحكام الستر فى الفضاء العام ويتحول إلى نص مرئى يحتل الصدارة فى مختلف وسائل الإعلام لابد أن تكون الهزيمة/العقاب الربانى مآله.
***
وبقطع النظر عن منطق الاحتجاج ووجاهة البراهين المقدمة فإن الجدل الذى صاحب مشاركة «الغريبى» فى الأوليمبياد يدفعنا إلى استنتاج الآتى:
لم تستطع مشاركة النساء فى المجال الرياضى أن تكون حافزا باعثا على الأمل فى وقت يشعر فيه التونسيون بالإحباط بل تحولت إلى موضوع للتنازع والاستقطاب الذى تسيطر عليه الأيديولوجيات المختلفة: الأيديولوجيا الذكورية، والأيديولوجيا الدينية وغيرها.
مازال جسد العداءة يبنى وفق مجموعة من الصور المنمطة والتمثلات الاجتماعية والدينية والرمزية.. والتصورات التقليدية للأنوثة التى تحتل الصدارة فتزحزح المهارة والقدرات والخبرة.. نحو الهامش فى محاولة للتقليل من شأنها.
يتيح لنا الجدل حول الستر/العرى الانتباه إلى أن المجتمع التونسى لايزال يبحث عن القيم التى يدافع عنها ويعلى من شأنها، فهل الرياضة تحولت إلى مجال لتنمية منظومة من القيم كالتنافس النزيه والمثابرة والصبر وتحقيق الانتصارات أم أن قيم الستر والعرى لاتزال ماثلة فى الأذهان تتصدر طريقة التعامل مع الآخر؟.
تثبت التعليقات على مشاركة «الغريبى» وجود فجوة بين الجنسين. فبينما تمر مساهمات الرجال دون أن تثير جدلا حول «عرى» الجسد وكأن الجسد الذكورى منفصل عن «الفتنة» والإغراء.. ترتفع الأصوات لتدين «الجسد الأنثوى /العورة» وتحاكمه وتعمل على تأثيمه.
يعد تأطير مشاركة «الغريبى» إعلاميا media frames شكلا من أشكال بناء المعنى وتحديد السلطة. فمن خلال تركيز مختلف وسائل الإعلام على تصريحات بعض من يعتبرون أنفسهم حراس الأخلاق والفضيلة يساهم الإعلام عن غير قصد أو عن قصد فى تثبيت مجموعة من الصور النمطية على حساب تحويل وجهة النقاش والدفع به نحو التفكير فى أبعاد القيم التى تنميها الرياضة والتى يمكن أن تمثل حلا من بين الحلول المطروحة لمعالجة بعض الظواهر فى المجتمع كالانتحار والهجرة السرية والانتماء إلى الجماعات المتشددة.
***
تعد الرياضة نظاما من الممارسات الاجتماعية التى ترتكز على تصورين رمزيين: أولهما أن الجسد هو أداة لتحقيق السلطة وثانيهما أن البناء الاجتماعى للجسد يقوم على التمييز بين الجنسين. وعلى هذا الأساس فإن الجدل حول المشاركة النسائية فى الرياضة ظاهره نقاش حول الهيئة فى علاقتها بالثقافة وباطنه خوف من امتلاك المرأة آليات الهيمنة ووسائل السلطة.

أستاذة بالجامعة التونسية
 
أعلى