نقوس المهدي
كاتب
معنى الغزل:
إذا رجعنا إلى أمهات كتب اللغة وجدنا أن الغزل والنسيب والتشبيب كلمات مترادفات. فابن سيده يقول: إن الغزل تحديث الفتيان الجواري، والتغزل: تكلف ذلك, والنسيب: التغزل بهن في الشعر، والتشبيب مثله.
وابن منظور يقول: إن الغزل حديث الفتيان والفتيات واللهو مع النساء. ومغازلتهن: محادثتهن ومراودتهن. والتغزل: التكلف لذلك. ونسب النساء ينسب نسبا ونسيبا ومنسبة: شبب بهن في الشعر وتغزل. وشبب بالمرأة: قال فيها الغزل والنسيب. وهو يشبب بها أي: ينسب بها. ويقول الزبيدي مثل ذلك1.
هذا هو رأي طائفة من أكبر علماء اللغة, فما رأي الأدباء ومؤرخي الأدب قديما وحديثا؟ يرى ابن سلام -وهو في طليعة الباحثين في الأدب- أن الكلمات الثلاث متحدة المعنى, فهو يقول: "كان لكثير في التشبيب نصيب وافر وجميل مقدم عليه في النسيب". فالنسيب والتشبيب في هذه العبارة مترادفان. ومرة أخرى يقول: "وكان عمر يصرح بالغزل ولا يهجو ولا يمدح, وكان عبيد الله يشبب ولا يصرح، ولم يكن له معقود شعر وغزل كغزل عمر"2. فالغزل والتشبيب هنا بمعنى واحد، ويستخلص من ذلك أن الغزل والنسيب والتشبيب في رأي ابن سلام كلمات مترادفات
واستعمل صاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني الغزل دالا على النسيب في مواضع شتى من كتابه، وكذلك استعمل الجاحظ الغزل والتشبيب بمعنى واحد.
ويرى ابن رشيق أن التغزل والنسيب والتشبيب كلها بمعنى واحد, وأن الغزل إلف النساء والتخلق بما يوافقهن، وقد اقتفى أثر قدامة في أن الغزل غير التغزل. إلا أن الدكتور الحوفي لا يميل إلى التفرقة بين الغزل والتغزل؛ لأن التغزل ليس تكلف الغزل كما قد يتبادر، ذلك أن التاء هنا كالتاء في مصادر أخرى مثل: التقدم والترقي والتعلم. وقد حاول بعض القدماء أن يفرقوا بين هذه الكلمات, ومن هؤلاء التبريزي الذي يرى "أن النسيب ذكر الشاعر المرأة بالحسن والإخبار عن تصرف هواها به، وليس هو الغزل. وإنما الغزل الاشتهار بمودات النساء والصبوة إليهن, والنسيب ذكر ذلك"1. وهذا الرأي مخالف لآراء الأدباء واللغويين من قبل.
أما في العصر الحاضر, فقد حاول المرحوم محمد هاشم عطية أن يصنع شيئا يشبه أن يكون تحديدا لهذه الكلمات, فقال: "ويترجح عندنا أن الغزل هو الاشتهار بمودات النساء وتتبعهن والحديث إليهن والعبث بذلك في الكلام, وإن لم يتعلق القائل منهن بهوى أو صبابة. وأما التشبيب فهو ما يقصد إليه الشاعر من ذكر المرأة في مطالع الكلام وما يضاف إلى ذلك من ذكر الرسوم ومساءلة الأطلال؛ توخيا لتعليق القلوب وتعقيدا لأسماع قبل المفاجأة بالعرض من الكلام. وأما النسيب فهو أثر الحب وتبريح الصبابة فيما يبثه الشاعر من الشكوى وما يصفه من التجني, وما يعرض له من ذكر محاسن النساء"2. ويتفق معه الأستاذ السباعي بيومي في أن التشبيب هو الغزل التمهيدي, ويختلف معه في غير ذلك. فوصف جمال المرأة ومحاسنها وجاذبيتها نسيب عند الأستاذ هاشم وغزل عند الأستاذ السباعي.
واستعمل طه حسين كلمة الغزل دالة على الأنواع كلها. وكذلك فعل الدكتور الحوفي في رسالته للماجستير عن "الغزل في الشعر الجاهلي"، وهي في رأيه أخف نطقا وأكثر شيوعا، كما أن عدم التفرقة هو رأي اللغويين والأدباء من القدماء.
1 شرح ديوان الحماسة 3/ 112.
2 الأدب العربي وتاريخه في العصر الجاهلي ص107.
إذا رجعنا إلى أمهات كتب اللغة وجدنا أن الغزل والنسيب والتشبيب كلمات مترادفات. فابن سيده يقول: إن الغزل تحديث الفتيان الجواري، والتغزل: تكلف ذلك, والنسيب: التغزل بهن في الشعر، والتشبيب مثله.
وابن منظور يقول: إن الغزل حديث الفتيان والفتيات واللهو مع النساء. ومغازلتهن: محادثتهن ومراودتهن. والتغزل: التكلف لذلك. ونسب النساء ينسب نسبا ونسيبا ومنسبة: شبب بهن في الشعر وتغزل. وشبب بالمرأة: قال فيها الغزل والنسيب. وهو يشبب بها أي: ينسب بها. ويقول الزبيدي مثل ذلك1.
هذا هو رأي طائفة من أكبر علماء اللغة, فما رأي الأدباء ومؤرخي الأدب قديما وحديثا؟ يرى ابن سلام -وهو في طليعة الباحثين في الأدب- أن الكلمات الثلاث متحدة المعنى, فهو يقول: "كان لكثير في التشبيب نصيب وافر وجميل مقدم عليه في النسيب". فالنسيب والتشبيب في هذه العبارة مترادفان. ومرة أخرى يقول: "وكان عمر يصرح بالغزل ولا يهجو ولا يمدح, وكان عبيد الله يشبب ولا يصرح، ولم يكن له معقود شعر وغزل كغزل عمر"2. فالغزل والتشبيب هنا بمعنى واحد، ويستخلص من ذلك أن الغزل والنسيب والتشبيب في رأي ابن سلام كلمات مترادفات
واستعمل صاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني الغزل دالا على النسيب في مواضع شتى من كتابه، وكذلك استعمل الجاحظ الغزل والتشبيب بمعنى واحد.
ويرى ابن رشيق أن التغزل والنسيب والتشبيب كلها بمعنى واحد, وأن الغزل إلف النساء والتخلق بما يوافقهن، وقد اقتفى أثر قدامة في أن الغزل غير التغزل. إلا أن الدكتور الحوفي لا يميل إلى التفرقة بين الغزل والتغزل؛ لأن التغزل ليس تكلف الغزل كما قد يتبادر، ذلك أن التاء هنا كالتاء في مصادر أخرى مثل: التقدم والترقي والتعلم. وقد حاول بعض القدماء أن يفرقوا بين هذه الكلمات, ومن هؤلاء التبريزي الذي يرى "أن النسيب ذكر الشاعر المرأة بالحسن والإخبار عن تصرف هواها به، وليس هو الغزل. وإنما الغزل الاشتهار بمودات النساء والصبوة إليهن, والنسيب ذكر ذلك"1. وهذا الرأي مخالف لآراء الأدباء واللغويين من قبل.
أما في العصر الحاضر, فقد حاول المرحوم محمد هاشم عطية أن يصنع شيئا يشبه أن يكون تحديدا لهذه الكلمات, فقال: "ويترجح عندنا أن الغزل هو الاشتهار بمودات النساء وتتبعهن والحديث إليهن والعبث بذلك في الكلام, وإن لم يتعلق القائل منهن بهوى أو صبابة. وأما التشبيب فهو ما يقصد إليه الشاعر من ذكر المرأة في مطالع الكلام وما يضاف إلى ذلك من ذكر الرسوم ومساءلة الأطلال؛ توخيا لتعليق القلوب وتعقيدا لأسماع قبل المفاجأة بالعرض من الكلام. وأما النسيب فهو أثر الحب وتبريح الصبابة فيما يبثه الشاعر من الشكوى وما يصفه من التجني, وما يعرض له من ذكر محاسن النساء"2. ويتفق معه الأستاذ السباعي بيومي في أن التشبيب هو الغزل التمهيدي, ويختلف معه في غير ذلك. فوصف جمال المرأة ومحاسنها وجاذبيتها نسيب عند الأستاذ هاشم وغزل عند الأستاذ السباعي.
واستعمل طه حسين كلمة الغزل دالة على الأنواع كلها. وكذلك فعل الدكتور الحوفي في رسالته للماجستير عن "الغزل في الشعر الجاهلي"، وهي في رأيه أخف نطقا وأكثر شيوعا، كما أن عدم التفرقة هو رأي اللغويين والأدباء من القدماء.
1 شرح ديوان الحماسة 3/ 112.
2 الأدب العربي وتاريخه في العصر الجاهلي ص107.